السيرة النبوية لابن كثير-جزء1 - consulting

Breaking

Breaking News

Wednesday, 15 February 2012

السيرة النبوية لابن كثير-جزء1




للامام أبى الفداء إسماعيل بن كثير

701 - 774 ه

تحقيق مصطفى عبدالواحد

الجزء الاول

1396 ه 1976 م

ذكر أخبار العرب ( 1 / 1 السيرة )

بسم الله الرحمن الرحيم

قيل : إن جميع العرب ينتسبون إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام

والتحية والاكرام .

والصحيح المشهور أن العرب العاربة قبل إسماعيل ، ومنهم عاد وثمود وطسم وجديس

وأميم وجرهم والعماليق ، وأمم آخرون لايعلمهم إلا الله ، كانوا قبل الخليل عليه الصلاة

والسلام وفى زمانه أيضا .

فأما العرب المستعربة ، وهم عرب الحجاز ، فمن ذرية إسماعيل بن إبراهيم

عليهما السلام .

وأما عرب اليمن وهم حمير فالمشهور أنهم من قحطان ، واسمه مهزم . قاله ابن ماكولا .

وذكروا أنهم كانوا أربعة إخوة : قحطان وقاحط ومقحط وفالغ .

وقحطان بن هود ، وقيل هوهود . وقيل هود أخوه . وقيل من ذريته . وقيل إن

قحطان من سلالة إسماعيل ، حكاه ابن إسحاق وغيره . فقال بعضهم : هو قحطان

( ابن الهميسع ( 1 ) ـ بن تيمن بن قيذر ( بن نبت ( 1 ) ) بن اسماعيل . وقيل غير ذلك في

نسبه إلى إسماعيل والله أعلم .

وقد ترجم البخارى في صحيحه على ذلك فقال : ( باب نسبة اليمن إلى إسماعيل عليه

السلام ) حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن يزيد بن أبى عبيد ، حدثنا سلمة رضى الله عنه

* ( هامش ) * ( 1 ) من المخطوطة ( * )

ـ 4 ـ

قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون بالسيوف فقال :

( ارموا بنى إسماعيل وأنا مع بنى فلان ) لاحد الفريقين ، فأمسكوا بأيديهم ، فقال : مالكم ؟ قالوا : وكيف نرمى وأنت مع بنى فلان ، فقال : ( ارموا وأنا

معكم كلكم ( 1 ) .

تفرد به البخارى . وفى بعض ألفاظه : ( ارموا بنى إسماعيل فإن أباكم كان

راميا ، ارموا وأنا مع ابن الادرع ) فأمسك القوم فقال ارمواوأنا معكم كلكم .

قال البخارى : وأسلم ( 2 )

بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة . يعنى :

وخزاعة فرقة ممن كان تمزق من قبائل سبأ حين أرسل الله عليهم سيل العرم . كما سيأتى

بيانه . وكانت الاوس والخزرج منهم ، وقد قال لهم عليه الصلاة والسلام : ( ارموا بنى

إسماعيل ) فدل على أنهم من سلالته . وتأوله آخرون على أن المراد بذلك جنس العرب ،

لكنه تأويل بعيد إذ هو خلاف الظاهر بلا دليل .

لكن الجمهور على أن العرب القحطانية من عرب اليمن وغيرهم ليسوا من

سلالة إسماعيل .

وعندهم أن جميع العرب ينقسمون إلى قسمين : قحطانية وعدنانية . ف القحطانية

شعبان : سبأ وحضر موت . و العدنانية شعبان أيضا : ربيعة ومضر ، ابنا نزار بن معد

بن عدنان ، والشعب الخامس وهم قضاعة مختلف فيهم ، فقيل إنهم عدنانيون قال ابن عبد

البر : وعليه الاكثرون . ويروى هذا عن ابن عباس وابن عمر وجبير بن مطعم ، وهو

اختيار الزبير بن بكار وعمه مصعب الزبيرى وابن هشام . وقد ورد في حديث :

( قضاعة بن معد ) ولكنه لايصح . قاله ابن عبدالبر و غيره .

.

* ( هامش ) * ( 1 ) صحيح البخارى ج 2 ص 133 . ( 2 ) البخارى ومنهم أسلهم . ( * )

ـ 5 ـ

ويقال : إنهم لم ( 1 ) يزالوا في جاهليتهم وصدر من الاسلام ينتسبون إلى عدنان ، فلما

كان في زمن خالد بن يزيد بن معاوية ، وكانو أخواله ، انتسبوا إلى قحطان ، فقال في ذلك

أعشى بن ثعلبة في قصيدة له :

- أبلغ قضاعة في القرطاس أنهم * لولا خلائف آل الله ما عنقوا

قالت قضاعة إنا من ذوى يمن * والله يعلم ما برواولا ( 2 ) صدقوا

قد ادعوا والدا ما نال امهم * قد يعلمون ولكن ذلك الفرق

وقد ذكر ابوعمرو السهيلى أيضا من شعر العرب ما فيه إبداع في تعيير ( 3 ) قضاعة في

في انتسابهم إلى اليمن . والله أعلم .

والقول الثانى أنهم من قحطان ، وهو قول ابن إسحاق والكلبى وطائفة من

أهل النسب .

قال ابن إسحاق : وهو قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن

قحطان . وقد قال بعض شعرائهم وهو عمرو بن مرة ، صحابى له حديثان :

- يا أيها الداعى ادعنا وأبشر * وكن قضاعيا ولاتنزر

- نحن بنو الشيخ الهجان الازهر ( 4 ) * قضاعة بن مالك بن حمير -

- النسب المعروف غير المنكر * في الحجر المنقوش تحت المنبر

قال بعض أهل النسب : هو قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن حمير .

وقال ابن لهيعة : عن معروف بن سويد ، عن أبى عشابة ( 5 ) محمد بن موسى ، عن عقبة بن

عامر ، قال : قلت يا رسول الله أما نحن من معد ؟ قال لا . قلت : فمن نحن ؟ قال :

أنتم من قضاعة بن مالك بن حمير .

* ( هامش ) * ( 1 ) في الاصل : لن ، وهو خطأ * ( 2 ) المطبوعة : وما * ( 3 ) المطبوعة : تفسير . وهو خطأ

( 4 ) الهجان : الرجل الحسيب . والازهر : المشرق الوجه .

( 5 ) كذا بالمطبوعة وفى المخطوطة :

مشابة ولا وجود لهما ولعله أبوعشانة حى بن يؤمن ( * )

ـ 6 ـ

قال أبوعمر بن عبدالبر : ولايختلفون أن جهينة بن زيد بن أسود بن أسلم بن

عمران بن الحاف بن قضاعة قبيلة عقبة بن عامر الجهنى ، فعلى هذا قضاعة في اليمن في

حمير بن سبأ .

وقد جمع بعضهم بين هذين القولين بما ذكره الزبير بن بكار وغيره من أن قضاعة

امرأة من جرهم تزوجها مالك بن حمير فولدت له قضاعة ، ثم خلف عليها معد بن

عدنان ، وابنها صغير ، وزعم بعضهم أنه كان حملا فنسب إلى زوج أمه ، كما كانت عادة

كثير منهم ينسبون الرجل إلى زوج أمه ( 1 ) والله أعلم .

وقال محمد بن سلام البصرى النسابة : العرب ثلاثة جراثيم : العدنانية و القحطانية

وقضاعة . قيل له : فأيهما أكثر العدنانية أو القحطانية ؟ فقال : ما شاءت قضاعة ، إن تيامنت

ف القحطانية أكثر وإن تعدننت ف العدنانية أكثر .

وهذا يدل على أنهم يتلونون في نسبهم ، فإن صح حديث ابن لهيعة المتقدم فهو دليل

على أنهم من القحطانية والله أعلم . وقد قال الله تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من

ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله

أتقاكم ( 2 ) .

قال علماء النسب : يقال شعوب ، ثم قبائل ، ثم عمائر ، ثم بطون ، ثم أفخاذ ، ثم

فصائل ، ثم عشائر ، والعشيرة أقرب الناس إلى الرجل وليس بعدها شئ .

ولنبدأ أولا بذكر القحطانية ، ثم نذكر بعدهم عرب الحجاز وهم العدنانية وما كان

من أمر الجاهلية ، ليكون ذلك متصلا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله

تعالى وبه الثقة .

* ( هامش ) * ( 1 ) قال الجوانى في كتابه أصول الاحساب : ( فجاءت بقضاعة على فراش مالك بن مرة ، فنسبته العرب

إلى زوج أمه مالك بن مرة ، وهى عادة للعرب فيمن يولد على فراش زوج أمه . وقيل إن اسم الجرهمية .

قضاعة ، فلما جاءت بولدها سمته باسمها ، وقيل : بل كان اسمه عمرا ، فلما تقضع عن قومه أى بعد

سمى قضاعة ) ( 2 ) سورة الحجرات 13 . ( * )

ـ 7 ـ

وقد قال البخارى ( باب ذكر قحطان ) حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله ، حدثنا سليمان

ابن بلال ، عن ثور بن زيد ، عن أبى الغيث ، عن أبى هريرة ، عن النبى صلى الله عليه

وسلم قال : ( لاتقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه ) ( 1 )

وكذا رواه مسلم ، عن قتيبة عن الدراوردى ، عن ثور بن زيد به .

قال السهيلى : وقحطان أول من قيل له ( أبيت اللعن ) وأول من قيل له

( أنعم صباحا ) .

وقال الامام أحمد : حدثنا أ بوالمغيرة ، عن جرير حدثنى راشد بن سعد المقرائى عن

أبى حى ، عن ذى فجر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كان هذا الامر في حمير



فنزعه الله منهم فجعله في قريش ( وس ى ع ود إ ل ى ه م ) قال عبدالله : كان هذا في

كتاب أبى وحيث حدثنا به تكلم به على الاستواء ، يعنى : ( وسيعود إليهم ) .

* ( هامش ) * ( 1 ) صحيح البخارى 2 / 135 ( * )

ـ 8 ـ

قصة سبأ

قال الله تعالى ( لقد كان لسبا في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا

من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور . فاعرضوا فأرسلنا عليهم

سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشئ من سدر

قليل . ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى إلا الكفور . وجعلنا بينهم وبين

القرى التى باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالى وأياما

آمنين . فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم

كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . ) ( 1 )

قال علماء النسب منهم محمد بن إسحاق : اسم سبأ عبد شمس بن يشجب بن يعرب

ابن قحطان . قالوا : وكان أول من سبى من العرب فسمى سبأ لذلك . وكان يقال له

الرائش ، لانه كان يعطى الناس الاموال من متاعه . قال السهيلى : ويقال إنه أول من

تتوج . وذكر بعضهم أنه كان مسلما ، وكان له شعر بشر فيه بوجود رسول الله صلى الله

عليه وسلم فمن ذلك قوله :

- سيملك بعدنا ملكا عظيما * نبى لايرخص في الحرام -

- ويملك بعده منهم ملوك * يدينون العباد بغير ذام

ويملك بعدهم منا ملوك * يصير الملك فينا باقتسام

ويملك بعد قحطان نبى * تقى ، مخبت ( 2 ) خيرالانام -

- يسمى أحمدا يا ليت أنى * أعمر بعد مبعثه بعام

* ( هامش ) * ( 1 ) سورة سبأ 15 - 19 * ( 2 ) الاصل : جبينه . وما أثبته من التفسير . ( * )

ـ 9 ـ

فأعضده وأحبوه بنصرى * بكل مدجج وبكل رامى

متى يظهر فكونوا ناصريه * ومن يلقاه يبلغه سلامى

حكاه ابن دحية في كتابه ( التنوير في مولد البشير النذير ) .

وقال الامام أحمد : حدثنا أبو عبدالرحمن ، حدثنا عبدالله بن لهيعة ، عن عبدالله

ـ بن هبيرة السبائى عن عبدالرحمن بن وعلة قال ( 1 ) ـ سمعت عبدالله بن عباس يقول :

إن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو ؟ أرجل أم امرأة أم أرض ؟ قال :

( بل هو رجل ولد عشرة ، فسكن اليمن منهم ستة ، وبالشام منهم أربعة . فأما اليمانيون

فمذحج وكندة والازد والاشعريون وأثمار وحمير ( عربا كلها ( 2 ) ـ وأما الشامية فلخم

وجذام وعاملة وغسان ( 3 ) .

وقد ذكرنا في التفسير أن فروة بن مسيك الغطيفى هو السائل عن ذلك ، كما استقصينا

طرق هذا الحديث وألفاظه هناك ولله الحمد .

والمقصود أن سبأ يجمع هذه القبائل كلها ، وقد كان فيهم التبابعة بأرض اليمن واحدهم

تبع ، وكان لملوكهم تيجان يلبسونها وقت الحكم ، كما كانت الاكاسرة ملوك الفرس

يفعلون ذلك ، وكانت العرب تسمى كل من ملك اليمن مع الشحر وحضرموت تبعا ،

كما يسمون من ملك الشام مع الجزيرة قيصر ، ومن ملك الفرس كسرى ، ومن ملك

مصر فرعون ، ومن ملك الحبشة النجاشى ، ومن ملك الهند بطليموس ، وقد كان من

جملة ملوك حمير بأرض اليمن بلقيس . وقد كانوا في غبطة عظيمة وأرزاق دارة وثمار

وزروع كثيرة ، وكانوا مع ذلك على الاستقامة والسداد وطريق الرشاد ، فلما بدلوا نعمة

الله كفرا أحلوا قومهم دار البوار .

* ( هامش ) * ( 1 ) سقط من المطبوعة ! وكان فيها : حدثنا ابن لهيعة عن عبدالله بن دعلة . ( 2 ) من المسند * ( 3 ) المسند حديث رقم 2900 ( * )

ـ 10 ـ

قال محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه : أرسل الله إليهم ثلاثة عشر نبيا . وزعم

السدى أنه أرسل إليهم اثنى عشر ألف نبى ! فالله أعلم .

والمقصود أنهم عدلوا عن الهدى إلى الضلال وسجدوا للشمس من دون الله وكان

ذلك في زمان بلقيس وقبلها أيضا ، واستمر ذلك فيهم حتى أرسل الله عليهم سيل العرم

كما قال تعالى ( فأعرضوا فارسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى

أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل . ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى

إلا الكفور ) .

ذكر غير واحد من علماء السلف والخلف من المفسرين وغيرهم أن سد مأرب كان صنعته

أن المياه تجرى من بين جبلين ، فعمدوا في قديم الزمان فسدوا ما بينهما ببناء محكم جدا ،

حتى ارتفع الماء فحكم على أعالى الجبلين ، وغرسوا فيهما البساتين والاشجار المثمرة الانيقة ،

وزرعوا الزروع الكثيرة ، ويقال كان أول من بناه سبأ بن يعرب وسلط إليه سبعين واديا

يفد إليه وجعل له ثلاثين فرضة يخرج منها الماء ، ومات ولم يكمل بناؤه ، فكلمته حمير

بعده ، وكان اتساعه فرسخا في فرسخ ، وكانوا في غبطة عظيمة وعيش رغيد وأيام طيبة ،

حتى ذكر قتادة وغيره أن المرأة كانت تمر بالمكتل على رأسها فيمتلئ من الثمار مما يتساقط

فيه من نضجه وكثرته ، وذكروا أنه لم يكن في بلادهم شئ من البراغيث ولا الدواب

المؤذية ، لصحة هوائهم وطيب فنائهم كما قال تعالى ( لقد كان لسبا في مسكنهم آية

جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم ، واشكروا له بلدة طيبة ورب

غفور )

وكما قال تعالى : ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن

كفرتم إن عذابى لشديد ) .

فلما عبدوا غير الله وبطروا نعمته ، وسألوا بعد تقارب ما بين قراهم وطيب ما بينها

من البساتين وأمن الطرقات ، سألوا أن يباعد بين أسفارهم وأن يكون سفرهم في مشاق

ـ 11 ـ

وتعب ، وطلبوا أن يبدلوا بالخير شرا ، كما سأل بنو إسرائيل بدل المن والسلوى

............................................................................

- السيرة النبوية مجلد: 1 من ص 11 سطر 1 الى ص 20 سطر 22

وتعب ، وطلبوا أن يبدلوا بالخير شرا ، كما سأل بنو إسرائيل بدل المن والسلوى

البقول والقثاء والفوم والعدس والبصل ، فسلبوا تلك النعمة العظيمة والحسنة العميمة

بتخريب البلاد والشتات على وجوه العباد ، كما قال تعالى ( فأعرضوا فأرسلنا عليهم

سيل العرم ) .

قال غير واحد : أرسل الله على أصل السد الفأر وهو الجرذ ويقال له الخلد ، فلما فطنوا

لذلك أرصدوا عندها السنانير فلم تغن شيئا ، إذ قد حم القدر ولم ينفع الحذر كلا لاوزر ،

فلما تحكم في أصله الفساد سقط وانهار ، فسلك الماء القرار ، فقطعت تلك الجداول والانهار

وانقطعت تلك الثمار ، وبادت تلك الزروع والاشجار ، وتبدلوا بعدها بردئ الاشجار

والاثمار ، كما قال العزيز الجبار ( وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل )

قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد : هو الاراك وثمره البرير ، وأثل وهو الطرفاء . وقيل

يشبهه ، وهو حطب لاثمرله ( وشئ من سدر قليل ) وذلك لانه لما كان يثمر النبق

كان قليلا مع أنه ذو شوك كثير وثمره بالسنبة إليه ، كما يقال في المثل : لحم جمل غث

على رأس جبل وعر ، لاسهل فيرتقى ولاسمين فينتقى . ولهذا قال تعالى ( ذلك جزيناهم

بما كفروا وهل نجازى إلا الكفور ) أى إنما نعاقب هذه العقوبة الشديدة من كفر

بنا وكذب رسلنا وخالف أمرنا وانتهك محارمنا .

وقال تعالى : ( فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق ) وذلك أنهم لما هلكت

أموالهم وخربت بلادهم احتاجوا أن يرتحلوا منها وينتقلوا عنها ، فتفرقوا في غور البلاد

ونجدها أيدى سبأ شذر مذر ، فنزلت طوائف منهم الحجاز ، ومنهم خزاعة ، نزلوا ظاهر

مكة ، وكان من أمرهم ما سنذكره ، ومنهم المدينة المنورة اليوم ، فكانوا أول من

سكنها ، ثم نزلت عندهم ثلاث قبائل من اليهود بنو قينقاع وبنو قريظة و بنوالنضير ،

فحالفوا الاوس والخزرج وأقاموا عندهم ، وكان من أمرهم ما سنذكره ، ونزلت طائفة

ـ 12 ـ

أخرى منهم الشام وهم الذين تنصروا فيما بعد ، وهم غسان وعاملة وبهراء ولخم وجذام

وتنوخ وتغلب وغيرهم .

قال محمد بن إسحاق : حدثنى أبوعبيدة قال : قال الاعشى بن قيس بن ثعلبة ، وهو

ميمون بن قيس :

- وفى ذاك للمؤتسى أسوة * ومأرب ( 1 ) عفى عليها العرم

رخام بنته لهم حمير * إذا جاء مواره ( 2 ) لم يرم

فأروى الزروع ( 3 ) وأعنابها * على سعة ماؤهم إذ قسم

فصاروا أيادى ( 4 ) لايقدرون * على شرب طفل إذا مافطم

وقد ذكر محمد بن إسحاق في كتاب السيرة أن أول من خرج من اليمن قبل سيل

العرم عمرو بن عامر اللخمى ، ولخم هو ابن عدى بن الحارث بن مرة بن أدد ( 5 ) بن

زيد بن هميسع ( 6 ) بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان بن سبأ . ويقال

لخم بن عدى بن عمرو بن سبأ . قاله ابن هشام .

قال ابن إسحاق : وكان سبب خروجه من اليمن فميا حدثنى أبوزيد الانصارى ،

أنه رأى جرذا يحفر في سد مأرب الذى كان يحبس عليهم الماء فيصرفونه حيث شاءوا

من أرضهم ، فعلم أنه لابقاء للسد على ذلك ، فاعتزم على النقلة عن اليمن فكاد قومه ،

فأمر أصغر ولده إذا أغلظ عليه ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه ، ففعل ابنه ما أمره به ، فقال

عمرو : لاأقيم ببلد لطم وجهى فيه أصغر ولدى . وعرض أمواله . فقال أشراف من

* ( هامش ) * ( 1 ) المطبوعة : ومأرم . وهو خطأ * ( 2 ) مواره : ماؤه الذى يضطرب ويتموج .

( 3 ) المطبوعة : الزرع ، وهو خطأ * ( 4 ) ابن هشام : ما يقدرون

( 5 ) المطبوعة : أزد ، وهو تحريف * ( 6 ) المطبوعة : مهع ، وهو تحريف . ( * )

ـ 13 ـ

أشراف اليمن : اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا منه أمواله . وانتقل في ولده وولد ولده .

وقالت الازد لانتخلف عن عمرو بن عامر . فباعوا أموالهم وخرجوا معه ، فساروا حتى

نزلوا بلاد عك مجتازين يرتادون البلدان ، فحاربتهم عك ، فكانت حربهم سجالا ، ففى

ذلك قال عباس بن مرداس :

وعك بن عدنان الذين تلعبوا ( 1 ) * بغسان حتى طردوا كل مطرد

قال : فارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلاد ، فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام ،

ونزل الاوس والخزرج يثرب ، ونزلت خزاعة مرا ( 2 ) ، ونزلت أزد السراة السراة ،

ونزلت أزد عمان عمان . ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه ، وفى ذلك أنزل الله

هذه الآيات . وقد روى عن السدى قريب من هذا .

وعن محمد بن إسحاق في روايته أن عمرو بن عامر كان كاهنا . وقال غيره : كانت

امرأته طريفة بنت الخير الحميرية كاهنة فأخبرت بقرب هلاك بلادهم ، وكأنهم رأوا شاهد

ذلك في الفأر الذى سلط على سدهم ففعلوا ما فعلوا والله أعلم .

وقد ذكرت قصته مطولة عن عكرمة فيما رواه ابن أبى حاتم في التفسير .

فصل :

وليس جميع سبأ خرجوا من اليمن لما أصيبوا بسيل العرم ، بل أقام أكثرهم بها ،

وذهب أهل مأرب الذين كان لهم السد فتفرقوا في البلاد ، وهو مقتضى الحديث المتقدم

عن ابن عباس أن جميع قبائل سبأ لم يخرجوا من اليمن ، بل إنما تشاءم ومنهم أربعة وبقى

* ( هامش ) * ( 1 ) في أصول الاحساب للجوانى ص 111 : تلقبوا

( 2 ) هو الذى يعرف بمر الظهران ، على مرحلة من مكة . ( * )

ـ 14 ـ

باليمن ستة ، وهم مذحج وكندة وأنمار والاشعريون . وأنمار هو أبوخثعم وبجيلة

وحمير ، فهؤلاء ست قبائل من سبأ أقاموا باليمن ، واستمر فيهم الملك والتبابعة ، حتى سلبهم

ذلك ملك الحبشة بالجيش الذى بعثه صحبة أميريه أبرهة وأرياط نحوا من سبعين سنة ،

ثم استرجعه سيف بن ذى يزن الحميرى ، وكان ذلك قبل مولد رسول الله صلى الله عليه

وسلم بقليل ، كما سنذكره مفصلا قريبا إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان .

ثم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن عليا وخالد بن الوليد ، ثم

أبا موسى الاشعرى ومعاذ بن جبل ، وكانوا يدعون إلى الله تعالى ويبينون لهم الحجج ، ثم

تغلب على اليمن الاسود العنسى وأخرج نواب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، فلما

قتل الاسود استقرت اليد الاسلامية عليها في أيام أبى بكر الصديق رضى الله عنه .

قصة ربيعة بن نصر بن أبى حارثة بن عمرو بن عامر

المتقدم ذكره اللخمى . كذا ذكره ابن اسحاق . وقال السهيلى : ونساب اليمن

تقول : نصر بن ربيعة ( 1 ) . وهو ربيعة بن نصر بن الحارث بن نمارة بن لخم . وقال الزبير

ابن بكار : ربيعة بن نصر بن مالك بن شعوذ بن ملك بن عجم بن عمرو بن نمارة بن لخم .

ولخم أخو جذام ، وسمى لخما لانه لخم أخاه على خده أى لطمه فعضه الآخر في يده

فجذمها ، فسمى جذاما .

وكان ربيعة أحد ملوك حمير التبابعة وخبره ( 2 ) مع شق وسطيح الكاهنين وإنذارهما

بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أما سطيح فاسمه ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدى بن مازن

* ( هامش ) * ( 1 ) الذى في السهيلى : وبعضهم يقول فيه نصر بن ربيعة وهو في قول نساب اليمن ربيعة بن نصر

( 1 ) عطفها على قوله : قصة ربيعة . ( * )

ـ 15 ـ

غسان . وأما شق فهو ابن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن قيس ( 1 ) بن عبقر

ابن أنمار بن نزار . ومنهم من يقول أنمار بن إراش بن لحيان بن عمرو بن الغوث بن

نابت ( 2 ) بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ . ويقال إن سطيحا كان لا أعضاء له ،

وإنما كان مثل السطيحة ، ووجهه في صدره ، وكان إذا غضب انتفخ وجلس . وكان شق

نصف إنسان ، ويقال إن خالد بن عبدالله القسرى كان من سلالته . وذكر السهيلى

أنهما ولدا في يوم واحد ، وكان ذلك يوم ماتت طريفة بنت الخير الحميرية ،

ويقال إنها تفلت في فم كل منهما فورث الكهنة عنها ، وهى امرأة عمرو بن عامر

المتقدم ذكره . والله أعلم .

قال محمد بن إسحاق : وكان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التبابعة ،

فرأى رؤيا هالته وفظع بها ( 3 ) ، فلم يدع كاهنا ولاساحرا ولاعائفا ولامنجما من

أهل مملكته إلا جمعه إليه ، فقال لهم : إنى قد رأيت رؤيا هالتنى وفظعت بها ، فأخبرونى

بها وبتأويلها . فقالوا : اقصصها علينا نخبرك بتأويلها . فقال : إنى إن أخبرتكم بها لم

أطمئن إلى خبركم بتأويلها ، لانه لايعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها . فقال

له رجل منهم : فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى شق وسطيح ، فإنه ليس أحد أعلم

منهما ، فهما يخبرانه بما سأل عنه .

فبعث إليهما ، فقدم إليه سطيح قبل شق ، فقال له : إنى قد رأيت رؤيا هالتنى

وفظعت بها ، فأخبرنى بها ، فإنك إن اصبتها أصبت تأويلها . فقال أفعل . رأيت * ( هامش ) * ( 1 ) في ا : قسر .

( 2 ) وتروى : نبت ، كما في الاشتقاق لابن دريد

( 3 ) فظع بها : اشتدت عليه . ( * )

ـ 16 ـ

حممة ( 1 ) خرجت من ظلمة ، فوقعت بأرض تهمة ( 2 ) فأكلت منها كل ذات جمحمة .

فقال له الملك : ما أخطأت منها شيئا يا سطيح ، فما عندك في تأويلها ؟ قال : أحلف بما بين

الحرتين من حنش ، لتهبطن أرضكم الحبش ، فليملكن ما بين أبين إلى جرش ( 3 ) فقال

له الملك : يا سطيح إن هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى هو كائن أفى زمانى أم بعده ؟ فقال :

لا وأبيك بل بعده بحين ، أكثر من ستين أو سبعين ، يمضين من السنين . قال : أفيدوم

ذلك من سلطانهم أم ينقطع ؟ قال بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين ، ثم يقتلون

ويخرجون منها هاربين . قال ومن يلى ذلك من قتلهم وإخراجهم ؟ قال يليه ( 4 ) أرم

ذى يزن ( 5 ) يخرج عليهم من عدن ، فلا يترك منهم أحدا باليمنن . قال : أفيدوم ذلك

من سلطانه أم ينقطع ؟ قال بل ينقطع . قال ومن يقطعه ؟ قال : نبى زكى ، يأتيه الوحى



من قبل العلى . قال وممن هذا النبى ؟ قال رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر

يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر . قال وهل للدهر من آخر ؟ قال : نعم يوم يجمع

فيه الاولون والآخرون ، يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون . قال أحق ما تخبرنى ؟

قال : نعم ، والشفق والغسق ، والفلق إذا اتسق ، إن ما أنبأتك به لحق .

قال : ثم قدم عليه شق فقال له كقوله لسطيح وكتمه ما قال سطيح ، لينظر أيتفقان أم

يختلفان . قال : نعم رأيت حممة خرجت من ظلمة ، فوقعت بين روضة وأكمة ، فأكلت

منها كل ذات نسمة . فلما قال له ذلك عرف أنهما قد اتفقا وأن قولهما واحد ، إلا أن سطيحا

قال ( وقعت بأرض تهمة فأكلت منها كل ذات جمجمة ) وقال شق : ( وقعت بين روضة

وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة ) فقال له الملك ما أخطأت ياشق منها شيئا ، فما عندك

* ( هامش ) * ( 1 ) الحممة : قطعة النار .

( 2 ) همية : منخفضة ومنه سميت تهامة .

( 3 ) أبين وجرش : مخلافان من مخاليف اليمن .

( 4 ) المطبوعة : يليهم وهو خطأ .

( 5 ) إنما قال : ارم ذى يزن ، واسمه سيف ، لانه شبهه بعاد إرم في عظم الخلق والقوة . ( * )

ـ 17 ـ

في تأويلها ؟ فقال : أحلف بما بين الحرتين من إنسان ، لينزلن أرضكم السودان ، فليغلبن

على كل طفلة البنان ، وليملكن ما بين أبين إلى نجران . فقال له الملك : وأبيك يا شق

إن هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى هو كائن أفى زمانى أم بعده ؟ قال : لا بل بعده بزمان ،

ثم يستنقذكم منهم عظيم ذوشان ، ويذيقهم أشد الهوان . قال : ومن هذا العظيم الشان ؟

قال غلام ليس بدنى ولا مدن ( 1 ) يخرج عليهم من بيت ذى يزن . قال أفيدوم سلطانه

أم ينقطع قال : بل ينقطع برسول مرسل ، يأتى بالحق والعدل ، من أهل الدين والفضل ،

يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل . قال وما يوم الفصل ؟ قال : يوم يجزى فيه الولاة ،

يدعى فيه من السماء بدعوات تسمع منها الاحياء والاموات ، ويجمع الناس فيه للميقات ،

يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات . قال أحق ما تقول ؟ قال إى ورب السماء والارض ،

وما بينهما من رفع وخفض ، إن ما أنبأتك به لحق ما فيه أمض . ( 2 )

قال ابن اسحاق : فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا ، فجهز بنيه وأهل

بيته إلى العراق ، وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ

فأسكنهم الحيرة .

قال ابن إسحاق : فمن بقية ولد ربيعة بن نصر : النعمان بن المنذر ، بن النعمان بن

المنذر ، بن عمرو بن عدى ، بن ربيعة بن نصر ، يعنى الذى كان نائبا على الحيرة لملوك

الاكاسرة ، وكانت العرب تفد إليه وتمتدحه . وهذا الذى قاله محمد بن إسحاق من أن

النعمان بن المنذر من سلالة ربيعة بن نصر قاله أكثر الناس .

وقد روى ابن إسحاق أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما جئ بسيف النعمان

بن المنذر سأل جبير بن مطعم عنه ممن كان ؟ فقال من أشلاء ( 3 ) قنص بن معد بن

عدنان . قال ابن إسحاق : فالله أعلم أى ذلك كان .

* ( هامش ) * المدن : المقصر في الامور * ( 2 ) الامض : الشك ، بلسان حمير

( 3 ) الاشلاء : البقايا ( 2 - السيرة - 1 ) ( * )

ـ 18 ـ

قصة تبع أبى كرب تبان أسعد ، ملك اليمن مع أهل المدينة

وكيف أراد غزو البيت الحرام ، ثم شرفه وعظمه وكساه الحلل

فكان أول من كساه

قال إبن إسحاق . فلما هلك ربيعة بن نصر رجع ملك اليمن كله إلى حسان بن

تبان أسعد أبى كرب . وتبان أسعد هو تبع الآخر ابن كلكى كرب ( 1 ) بن زيد ،

وز يد تبع الاول بن عمرو ذى الاذعار ، بن أبرهة ذى المنار ، بن الرائش ( 2 ) ، بن

عدى ، بن صيفى ، بن سبأ الاصغر ، بن كعب كهف الظلم ، بن زيد ، بن سهل ، بن

عمر و ، بن قيس ( 3 ) ، بن معاوية ، بن جشم ، بن عبد شمس ، بن وائل ، بن الغوث ،

ابن قطن ، بن عريب ، بن زهير بن أيمن ( 4 ) بن الهميسع بن العرنجج ( 5 ) والعرنجج

هو حمير بن سبأ الاكبر ، بن يعرب بن يشجب بن قحطان .

قال عبد الملك ك بن هشام : سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ( 6 )

قال ابن إسحاق : وتبان أسعد أبوكرب هو الذى قدم المدينة وساق الحبرين من

يهود إلى اليمن ، وعمر البيت الحرام وكساه ، وكان ملكه قبل ملك ربيعة بن نصر ،

وكان قد جعل طريقة حين رجع من غزوة بلاد المشرق ( 7 ) على المدينة ، وكان قد مر بها

في بدأته فلم يهج أهلها وخلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة ، فقدمها وهو مجمع لاخرابها

* ( هامش ) * ( 1 ) كذا في الروض الانف ، وفى ابن هشام : كلى كرب .

( 2 ) ويقال الريش ، كما في ابن هشام

( 3 ) الاصل : ( قس ) وهو خطأ .

( 4 ) الاصل : أنس والتصويب من ابن هشام 1 / 20

( 5 ) المطبوعة : العربحج وهو خطأ . وليست النون في العرنجج زائدة ، وهو من قولهم اعرنجج الرجل في أمره : إذا جد فيه ، كأنه افعنلل . الاشتقاق 362 . ( 6 ) الذى في ابن هشام : يشجب بن يعرب .

بدون ذكر سبأ . ( 7 ) ابن هشام : حين أقبل من المشرق . ( * )

ـ 19 ـ

واستئصال اهلها وقطع نخلها ، فجمع له هذا الحى من الانصار ورئيسهم عمرو بن

طلة ( 1 ) أخو بنى النجار ثم أحد بنى عمرو بن مبذول ، واسم مبذول عامر بن مالك

ابن النجار ، واسم النجار تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن

عمرو بن عامر .

وقال ابن هشام : عمرو بن طلة ( 1 ) هو عمرو بن معاوية بن عمرو بن عامر بن مالك بن

النجار ، وطلة أمه ، وهى بنت عامر بن زريق الخزرجية .

قال ابن اسحاق : وقد كان رجل من بنى عدى بن النجار ، يقال له أحمر ، عدا على

رجل من أصحاب تبع وجده يجد عذقا له فضربه بمنجله فقتله وقال : إنما التمر لمن أبره .

فزاد ذلك تبعا حنقا عليهم فاقتتلوا .

فتزعم الانصار أنهم كانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل ، فيعجبه ذلك منهم

ويقول : والله إن قومنا لكرام !

وحكى ابن اسحاق عن الانصار أن تبعا إنما كان حنقه على اليهود وأنهم ( 2 )

منعوهم منه .

قال السهيلى : ويقال إنه إنما جاء لنصرة الانصار أبناء عمه على اليهود الذين نزلوا

عندهم في المدينة على شروط فلم يفوا بها واستطالوا عليهم . والله أعلم .

قال ابن اسحاق : فبينا تبع على ذلك من قتالهم إذا جاءه حبران من أحبار اليهود

من بنى قريظة عالمان راسخان ، حين سمعا بما يريد من إهلاك المدينة وأهلها ، فقالا ( 3 )

له : أيها الملك لاتفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك

* ( هامش ) * ( 1 ) الاصل : طلحة وهو خطأ

( 2 ) المطبوعة أنهم .

( 3 ) المطبوعة : فقالوا . ( * )

ـ 20 ـ

عاجل ( 1 ) العقوبة . فقال لهما ولم ذلك ؟ قالا هى مهاجر نبى يخرج من هذا الحرم من

قريش في آخر الزمان ، تكون داره وقراره .

فتناهى ـ عن ذلك ـ ورأى أن لهما علما وأعجبه ما سمع منهما ، فانصرف عن المدينة

واتبعهما على دينهما .

قال ابن اسحاق : وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها ، فتوجه إلى مكة وهى

طريقه إلى اليمن ، حتى إذا كان بين عسفان وأمج ( 2 ) أتاه نفر من هذيل بن مدركة بن

الياس بن مضر بن نزار ضبن معد بن عدنان ، فقالوا له : أيها الملك ، ألا ندلك على بيت

مال دائر أغفلته الملوك قبلك ، فيه اللولؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة ؟ قال : بلى .

قالوا : بيت بمكة يعبده أهله ويصلون عنده .

وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك

وبغى عنده

فلما أجمع لما قالوا أرسل إلى الحبرين فسألهما عن ذلك ، فقالا له : ما أراد القوم

إلا هلاك وهلاك جندك ، ما نعلم بيتا لله عزوجل اتخذه في الارض لنفسه غيره ، ولئن

فعلت ما دعوك إليه لتهلكن وليهلكن من معك جميعا . قال : فماذا تأمراننى أن أصنع إذا

أنا قدمت عليه قالا : تصنع عنده ما يصنع أهله ، تطوف به وتعظمه وتكرمه ، وتحلق

رأسك عنده وتذلل له حتى تخرج من عنده . قال فما يمنعكما أنتما من ذلك ؟ قالا : أما والله

إنه لبيت أبينا إبراهيم عليه السلام ، وإنه لكما أخبرناك ، ولكن أهله حالوا بيننا

وبينه بالاوثان التى . نصبوها حوله وبالدماء التى يهريقون عنده ، وهم نجس أهل شرك .

أو كما قالا له .

* ( هامش ) * ( 1 ) المطبوعة : جل ، وهو تحريف

( 2 ) عسفان : منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة . وأمج : بلد من أعواض المدينة ( * )

ـ 21 ـ

فعرف نصحهما وصدق حديثهما ، وقرب ( 1 ) النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم ،

............................................................................

- السيرة النبوية مجلد: 1 من ص 21 سطر 1 الى ص 30 سطر 22

فعرف نصحهما وصدق حديثهما ، وقرب ( 1 ) النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم ،

ثم مضى حتى قدم مكة ، فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق رأسه ، وأقام بمكة ستة أيام

فيما يذكرون ينحر بها للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل ، وارى في المنام أن يكسو

البيت ، فكساه الخصف ( 2 ) ، ثم أرى في المنام أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه

المعافر ( 3 ) ثم أرى أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل ( 4 ) ، فكان

تبع فيما يزعمون أول من كساالبيت ، وأوصى به ولاته من جرهم وأمرهم بتطهيره وأن

لايقربوه دما ولاميتة ولامثلاة وهى المحايض ، وجعل له بابا ومفتاحا .

ففى ذلك قالت سبيعة بنت الاحب تذكرابنها خالد بن عبد مناف بن كعب

بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب وتنهاه عن البغى بمكة وتذكر له

ما كان من أمر تبع فيها :

- أبنى لاتظلم بمك * كة لا الصغير ولا الكبير

واحفظ محارمها بنى ولايغرنك الغرور

أبنى من يظلم بمك * كة يلق أطراف الشرور

أبنى يضرب وجهه * ويلح بخديه السعير

أبنى قد جربتها * فوجدت ظالمها يبور

الله آمنها وما * بنيت بعرصتها قصور

والله آمن طيرها * والعصم تأمن في ثبير

ولقد غزاها تبع * فكسا بنيتها الحبير

* ( هامش ) * ( 1 ) ابن هشام : فقرب * ( 2 ) الخصف : حصر تنسج من خوص النخل ومن الليف .

( 3 ) المعافر : ثياب تنسب إلى قبيلة من اليمن .

( 4 ) الملاء : جمع ملاءة ، والوصائل : ثياب مخططة يمنية يوصل بعضها ببعض . ( * )

ـ 22 ـ

وأذل ربى ملكه * فيها فأوفى بالنذور

يمشى إليها حافيا * بفنائها ألفا بعير

ويظل يطعم أهلها * لحم المهارى والجزور

يسقيهم العسل المصف * في والرحيض من الشعير

والفيل أهلك جيشه * يرمون فيها بالصخور

والملك في أقصى البلا * د وفى الاعاجم والخزير ( 1 )

فاسمع إذا حدثت واف * هم كيف عاقبة الامور

قال ابن إسحاق : ثم خرج تبع متوجها إلى اليمن بمن معه من الجنود وبالحبرين ،

حتى إذا دخل اليمن دعاقومه إلى الدخول فيما دخل فيه ، فأبوا عليه حتى يحاكموه إلى

النار التى كانت باليمن .

قال ابن اسحاق : حدثنى أبومالك بن ثعلبة بن أبى مالك القرظى ، قال : سمعت

إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله يحدث أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير

بينه وبين ذلك ، وقالوا : لاتدخلها علينا وقد فارقت ديننا . فدعاهم إلى دينه وقال إنه خير

من دينكم . قالوا : تحاكمنا ( 2 ) إلى النار ؟ قال : نعم .

قال : وكانت باليمن ، فيما يزعم أهل اليمن ، نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه ، تأخذ

الظالم ولاتضر المظلوم ، فخرج قومه بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم ، وخرج الحبران

بمصاحفهما في أعناقهما متقلديها ، حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذى تخرج منه ، فخرجت

النار إليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها فذمرهم ( 3 ) من حضرهم من الناس

* ( هامش ) * ( 1 ) الخزير : أمة من العجم ، ويقال لهم الخزر أيضا . وفى المطبوعة : الخزور وهو تحريف .

( 2 ) ابن هشام : فحاكمنا * ( 3 ) ذمرهم : حضهم . وفى المطبوعة : فزجرهم . ( * )

ـ 23 ـ

وأمروهم بالصبر لها ، فصبرواحتى غشيتهم فأكلت الاوثان وما قربوا معها ومن حمل

ذلك من رجال حمير ، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما تعرق جباههما ولم تضرهما

فأصفقت ( 1 ) عند ذلك حمير على دينهما ، فمن هنالك كان أصل اليهودية باليمن .

قال ابن اسحاق : وقد حدثنى محدث أن الحبرين ومن خرج من حمير إنما اتبعوا

النار ليردوها ، وقالوا : من ردها فهو أولى بالحق . فدنا منها رجال حمير بأوثانهم

ليردوها فدنت منهم لتأكلهم فحادوا عنها ولم يستطيعوا ردها ، فدنا منها الحبران بعد

ذلك وجعلا يتلوان التوراة وهى تنكص ( 2 ) عنهما حتى رداها إلى مخرجها الذى خرجت

منه ، فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما . والله أعلم أى ذلك كان .

قال ابن اسحاق : وكان رئام بيتا لهم يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون منه إذ

كانوا على شركهم ، فقال الحبران لتبع : إنما هو شيطان يفتنهم بذلك ، فحل بيننا وبينه .

قال . فشأنكما به . فاستخرجا منه فيما يزعم أهل اليمن كلبا أسود فذبحاه ، ثم هدما ذلك

البيت ، فبقياه اليوم - كما ذكر لى - بها آثار الدماء التى كانت تهراق عليه .

وقد ذكرنا في التفسير الحديث الذى ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم ( لاتسبوا

تبعا فإنه قد كان أسلم ) قال السهيلى : وروى معمر عن همام بن منبه عن أبى هريرة

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لاتسبوا أسعد الحميرى فإنه أول من

كسى الكعبة ) .

قال السهيلى : وقد قال تبع حين أخبره الحبران عن رسول الله صلى الله عليه

وسلم شعرا :

- شهدت على أحمد أنه * رسول من الله بارى النسم

* ( هامش ) * ( 1 ) أصفقت : اجتمعت . ( 2 ) المطبوعة : تنقص ، وهو تحريف . ( * )

ـ 24 ـ

فلو مد عمرى إلى عمره * لكنت وزيرا له وابن عم

وجاهدت بالسيف أعداءه * وفرجت عن صدره كل هم

قال : ولم يزل هذا الشعر تتوارثه الانصار ويحفظونه بينهم ، وكان عند أبى أيوب

الانصارى رضى الله عنه وأرضاه

قال السهيلى : وذكر ابن أبى الدنيا في كتاب القبور أن قبرا حفر بصنعاء ، فوجد

فيه امرأتان معهما لوح من فضة مكتوب بالذهب وفيه : هذا قبر لميس وحبى ابنتى

تبع ، ماتتا وهما تشهدان أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وعلى ذلك مات

الصالحون قبلهما .

ثم صار الملك فيما بعد إلى حسان بن تبان أسعد ، وهو أخو اليمامة الزرقاء التى صلبت

على باب مدينة ( جو ) فسميت من يومئذ اليمامة .

قال ابن إسحاق : فلما ملك ابنه حسان بن أبى كرب تبان أسعد ، سار بأهل اليمن

يريد أن يطأبهم أرض العرب وأرض الاعاجم ، حتى إذا كانوا ببعض أرض العراق

كرهت حمير وقبائل اليمن السير معه وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهليهم ، فكلموا أخا

له يقال له عمرو ، وكان معه في جيشه ، فقالوا له : اقتل أخاك حسان ونملكك علينا وترجع

بنا إلى بلادنا . فأجابهم ، فاجتمعوا على ذلك إلا ذارعين الحميرى ، فإنه نهى عمرا

عن ذلك فلم يقبل منه ، فكتب ذو رعين رقعة فيها هذان البيتان :

ألا من يشترى سهرا بنوم * سعيد من يبيت قرير عين

فإما حمير غدرت وخانت ( 1 ) فمعذرة الاله لذى رعين

* ( هامش ) * ( 1 ) رواية البيت في الاشتقاق 225 : * فإن تك حمير غدرت وحانت ( * )

ـ 25 ـ

ثم استودعها عمرا . فلما قتل عمرو أخاه حسان ورجع إلى اليمن منع منه النوم وسلط

عليه السهر ، فسأل الاطباء والحزاة ( 1 ) من الكهان والعرافين عما به ، فقيل له : إنه والله

ما قتل رجل أخاه قط أو ذارحم بغيا إلا ذهب نومه وسلط عليه السهر . فعند ذلك جعل

يقتل كل من أمره بقتل أخيه ، فلما خلص إلى ذى رعين قال له : إن لى عندك براءة .

قال وما هى ؟ قال : الكتاب الذى دفعته إليك . فأخرجه فإذا فيه البيتان فتركه ورأى أنه

قد نصحه .

وهلك عمرو فمرج أمر حمير عند ذلك وتفرقوا .

وثوب لخنيعة ذى شناتر على ملك اليمن

وقد ملكها سبعا وعشرين سنة .

قال ابن إسحاق : فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت الملك ( 2 ) يقال له

لخنيعة ( 3 ) ينوف ذو شناتر ، فقتل خيارهم وعبث بيوت أهل المملكة منهم ، وكان مع

ذلك امرا فاسقا يعمل عمل قوم لوط ، فكان يرسل إلى الغلام من أبناء الملوك فيقع عليه

في مشربة ( 4 ) له قد صنعها لذلك ، لئلا يملك بعد ذلك ، ثم يطلع من مشربته تلك إلى حرسه

ومن حضر من جنده قد أخذ مسواكا فجعله في فيه ، ليعلمهم أنه قد فرغ منه .

حتى بعث إلى زرعة ذى نواس بن تبان أسعد أخى حسان ، وكان صبيا صغيرا حين

قتل أخوه حسان ، ثم شب غلاما جميلا وسيما ذاهيئة وعقل ، فلما أتاه رسوله عرف ما يريد

منه ، فأخذ سكينا حديدا لطيفا فخبأه بين قدميه ونعله ، ثم أتاه فلما خلا معه وثب إليه

فواثبه ذو نواس فوجأه حتى قتله ، ثم حز رأسه فوضعه في الكوة التى كان يشرف منها ،

* ( هامش ) * ( 1 ) الحزاة : جمع حاز وهو الذى ينظر في النجوم ويقضى بها . وفى المطبوعة : الحذاق .

( 2 ) ابن هشام : المملكة .

( 3 ) قال ابن دريد : المعروف فيه لخيعة بغير نون ، وهو مشتق من اللخع

وهو استرخاء اللحم - الاشتقاق ( 4 ) المشربة : الغرفة المرتفعة . ( * )

ـ 26 ـ

ووضع مسواكه في فيه ثم خرج على الناس ، فقالوا له : ذا نواس أرطب أم يباس ؟ فقال

سل ؟ نخماس استرطبان لاباس ( 1 ) فنظروا إلى الكوة فإذا رأس لخنيعة مقطوع ، فخرجوا

في أثر ذى نواس حتى أدركوه ، فقالوا : ما ينبغى أن يملكنا غيرك إذ أرحتنا من

هذا الخبيث .

فملكوه عليهم ، واجتمعت عليه حمير وقبائل اليمن ، فكان آخر ملوك حمير ،

وتسمى يوسف ، فأقام في ملكه زمانا ، وبنجران بقايا من أهل دين عيسى بن مريم عليه

السلام على الانجيل ، أهل فضل واستقامة من أهل دينهم ، لهم رأس يقال له عبدالله

ابن الثامر .

ثم ذكر ابن إسحاق سبب دخول أهل نجران في دين النصارى ، وأن ذلك كان على

يدى رجل يقال له فيميون ، كان من عباد النصارى بأطراف الشام ، وكان مجاب

الدعوة ، وصحبه رجل يقال له صالح ، فكانا يتعبدان يوم الاحد ويعمل فيميون بقية

الجمعة في البناء ، وكان يدعو للمرضى والزمنى وأهل العاهات فيشفون ، ثم استأسره

وصاحبه بعض الاعراب فباعوهما بنجران ، فكان الذى اشترى فيميون يراه إذاقام في

مصلاه بالبيت الذى هو فيه في الليل يمتلئ عليه البيت نورا ، فأعجبه ذلك من أمره .

وكان أهل نجران يعبدون نخلة طويلة يعلقون عليها حلى نسائهم ويعكفون عندها ،

فقال فيميون لسيده : أرأيت إن دعوت الله على هذه الشجرة فهلكت أتعلمون أن الذى

أنتم عليه باطل ؟ قال : نعم . فجمع له أهل نجران ، وقام فيميون إلى مصلاه فدعا الله عليها ،

فأرسل الله عليها قاصفا فجعفها ( 2 ) من أصلها ورماها إلى الارض ، فاتبعه أهل نجران على

* ( هامش ) * ( 1 ) نخماس الرأس بلغة حمير . ومعنى استرطبان : أخذته النار ، وهى كلمة فارسية .

( 2 ) جعفها : اقتلعها . ( * )

ـ 27 ـ

دين النصرانية ، وحملهم على شريعة الانجيل حتى حدثت فيهم الاحداث التى دخلت على

أهل دينهم بكل أرض .

فمن هنالك كانت النصرانية بنجران من أرض العرب .

ثم ذكر ابن إسحاق قصة عبدالله بن الثامر حين تنصر على يدى فيميون ، وكيف

قتله وأصحابه ذو نواس وخدلهم الاخدود . قال ابن هشام : وهو الحفر المستطيل في الارض

مثل الخندق . وأجج فيه النار وحرقهم بها ، وقتل آخرين حتى قتل قريبا من عشرين ألفا .

كما هو مستقصى في تفسير سورة ( والسماء ذات البروج ) من كتابنا التفسير ولله الحمد .

ذكر خروج الملك باليمن من حمير

وصيرورته إلى الحبشة السودان

كما أخبر بذلك شق وسطيح الكاهنان . وذلك أنه لم ينج من أهل نجران إلا رجل

واحد يقال له دوس ذو ثعلبان على فرس له ، فسلك ؟ الرمل فأعجزهم ، فمضى على وجهه ذلك

حتى أتى قيصر ملك الروم ، فاستنصره على ذى نواس وجنوده ، وأخبره بما بلغ منهم ،

وذلك لانه نصرانى على دينهم . فقال له بعدت بلادك منا ، ولكن سأكتب لك إلى

ملك الحبشة ، فإنه على هذا الدين وهو أقرب إلى بلادك . فكتب إليه يأمره بنصره

والطلب بثأره .

فقدم دوس على النجاشى بكتاب قيصر ، فبعث معه سبعين ألفا من الحبشة وأمر

عليهم رجلا منهم يقال له أرياط ، ومعه في جنده أبرهة الاشرم ، فركب أرياط البحر حتى

نزل بساحل اليمن ومعه دوس ، وسار إليه ذو نواس في حمير ومن أطاعه من قبائل اليمن .

ـ 28 ـ

فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه ، فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه في

البحر ثم ضربه فدخل فيه فخاض به ضحضاح البحر حتى أفضى به إلى غمره . فأدخله فيها ،

فكان آخر العهد به ، ودخل أرياط اليمن وملكها .

وقد ذكر ابن إسحاق هاهنا أشعارا للعرب فيما وقع من هذه الكائنة الغريبة ، وفيها

فصاحة وحلاوة وبلاغة وطلاوة ، ولكن تركنا إيرادها خشية الاطالة وخوف الملالة .

والله المستعان .

ذكر خروج ابرهة الاشرم على أرياط واختلافهما و اقتتالهما

وصيرورة ملك اليمن إلى أبرهة بعد قتله أرياط

قال ابن إسحاق : فأقام أرياط بأرض اليمن سنين في سلطانه ذلك ، ثم نازعه أبرهة

حتى تفرقت الحبشة عليهما ، فانحاز إلى كل منهما طائفة ، ثم سار أحدهما إلى الآخر ، فلما

تقارب الناس أرسل أبرهة إلى أرياط : إنك لن تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى

تفنيها شيئا ، فابرزلى وأبرزلك ، فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده ، فأرسل إليه

أرياط : أنصفت .

فخرج إليه أبرهة ، وكان رجلا قصيرا لحيما ، وكان ذا دين في النصرانية ، وخرج إليه

ارياط وكان رجلا جميلا عظيما طويلا ، وفى يده حربة له ، وخلف أبرهة غلام يقال له

عتودة يمنع ظهره ، فرقع أرياط الحربة فضرب أبرهة يريد يافوخه ، فوقعت الحربة على

جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وعينه وأنفه وشفته ، فبذلك سمى أبرهة الاشرم ، وحمل

عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله ، وانصرف جند أرياط إلى أبرهة ، فاجتمعت

عليه الحبشة باليمن ، وودى أبرهة أرياط .

ـ 29 ـ

فلما بلغ ذلك النجاشى ملك الحبشة الذى بعثهم إلى اليمن غضب غضبا شديدا على

أبرهة ، وقال : عدا على أميرى فقتله بغير أمرى ! ثم حلف لايدع أبرهة حتى يطأ

بلاده ويجز ناصيته .

فحلق أبرهة رأسه ، وملا جرابا من تراب اليمن ، ثم بعث به إلى النجاشى ثم كتب

إليه : أيها الملك ، إنما كان أرياط عبدك ، وأنا عبدك ، فاختلفنا في أمرك ، وكل طاعته

لك ، إلا أنى كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط لها وأسوس منه ، وقد حلقت رأسى

كله حين بلغنى قسم الملك ، وبعثت اليه بجراب تراب من أرضى ليضعه تحت قدمه

فيبر ؟ قسمه في .

فلما انتهى ذلك إلى النجاشى رضى عنه وكتب إليه أن اثبت برأض اليمن حتى يأتيك

أمرى . فاقام أبرهة باليمن .



ذكر سبب قصد أبرهة بالفيل مكة ليخرب الكعبة

فأهلكه الله عاجلا غير آجل

كما قال الله تعالى ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . ألم يجعل كيدهم

في تضليل . وأرسل عليهم طيرا أبابيل . ترميهم بحجارة من سجيل ، فجعلهم كعصف

مأكول ) .

قيل : أول من ذلل الفيلة إفريدون بن أثفيان الذى قتل الضحاك . قاله الطبرى . وهو

أول من اتخذ للخيل السرج . وأما أول من سخر الخيل وركبها فطهمورث ، وهو الملك

الثالث من ملوك الدنيا ، ويقال إن أول من ركبها إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ،

ويحتمل أنه أول من ركبها من العرب . والله تعالى أعلم .

ـ 30 ـ

ويقال إن الفيل مع عظمة خلقه يفرق من الهر ، وقد احتال بعض أمراء الحروب

في قتال الهنود بإحضار سنانير إلى حومة الوغى فنفرت الفيلة .

قال ابن إسحاق : ثم إن أبرهة بنى القليس بصنعاء ، كنيسة لم ير مثلها في زمانها

بشئ من الارض ، وكتب إلى النجاشى : إنى قد بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها لملك

كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب .

فذكر السهيلى أن أبرهة استذل أهل اليمن في بناء هذه الكنيسة الخسيسة ، وسخرهم

فيها أنواعا من السخر ، وكان من تأخر عن العمل حتى تطلع الشمس يقطع يده لا محالة ،

وجعل ينقل إليها من قصر بلقيس رخاما وأحجارا وأمتعة عظيمة ، وركب فيها صلبانا

من ذهب وفضة ، وجعل فيها منابر من عاج وأبنوس ، وجعل ارتفاعها عظيما جدا

واتساعها باهرا ، فلما هلك بعد ذلك أبرهة وتفرقت الحبشة كان من يتعرض لاخذ شئ

من بنائا وأمتعتها أصابته الجن بسوء ، وذلك لانها كانت مبنية على اسم صنمين ،

كعيب وامرأته ، وكان طول كل منهما ستون ذراعا ، فتركها أهل اليمن على حالها .

فلم تزل كذلك إلى زمن السفاح أول خلفاء بنى العباس ، فبعث إليها جماعة من أهل

العزم والحزم والعلم فنقضوها حجرا حجرا ودرست آثارها إلى يومنا هذا .

قال ابن إسحاق : فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشى غضب رجل من

النساة من كنانة ، الذين ينسئون شهر الحرام إلى الحل بمكة أيام الموسم ، كما قررنا ذلك

عند قوله : ( إنما النسئ زيادة في الكفر ) .

قال ابن إسحاق : فخرج الكنانى حتى أتى القليس فقعد فيها ( 1 ) أى أحدث

حيث لايراه أحد ، ثم خرج فلحق بأرضه ، فأخبر أبرهة بذلك ، فقال من صنع هذا ؟

فقيل له : صنعه رجل من أهل هذا البيت الذى تحجه العرب بمكة ، لما سمع بقولك أنك

* ( هامش ) * ( 1 ) المطبوعة : فيه . ( * )

ـ 31 ـ

تريد أن تصرف حج العرب إلى بيتك ( 1 ) هذا ، فغضب فجاء فقعد فيها ، أى أنه ليس

............................................................................

- السيرة النبوية مجلد: 1 من ص 31 سطر 1 الى ص 40 سطر 25

تريد أن تصرف حج العرب إلى بيتك ( 1 ) هذا ، فغضب فجاء فقعد فيها ، أى أنه ليس

لذلك بأهل .

فغضب أبرهة عند ذلك ، وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ، ثم أمر الحبشة

فتهيأت وتجهزت . ثم سار وخرج معه بالفيل ، وسمعت بذلك العرب فأعظموه وفظعوا

به ، ورأوا جهاده حقا عليهم حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام .

فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر ، فدعا قومه ومن

أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله الحرام ، وما يريد من

هدمه ، وإخرابه ، فأجابه من أجابه إلى ذلك ، ثم عرض له فقاتله . فهزم ذو نفر وأصحابه ،

وأخذ له ذو نفر فأتى به أسيرا ، فلما أراد قتله قال له ذو نفر : أيها الملك لاتقتلنى ، فإنه

عسى أن يكون بقائى معك خيرا لك من القتل . فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق

وكان أبرهة رجلا حليما .

ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له ، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض

نفيل بن حبيب الخثعمى في قبيلى ( 2 ) خثعم وهما شهران وناهس ومن تبعه من قبائل

العرب ، فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ له نفيل أسيرا ، فأتى به فلما هم بقتله قال له نفيل : أيها

الملك لاتقتلنى ، فإنى دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداى لك على قبيلى خثعم ، شهران

وناهس ، بالسمع والطاعة . فخلى سبيله وخرج به معه يدله .

حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو

ابن سعد بن عوف بن ثقيف ، في رجال ثقيف ، فقالوا له أيها الملك إنما نحن عبيدك

سامعون لك مطيعون ، ليس عندنا لك خلاف ، وليس بيتنا هذا البيت الذى تريد ،

* ( هامش ) * ( 1 ) عبارة ابن اسحق مختلفة عما أورده المؤلف . * ( 2 ) المطبوعة : قبيلتى . ( * )

ـ 32 ـ

يعنون اللات ، إنما تريد البيت الذى بمكة ، ونحن نبعث معك من يدلك عليه .

فتجاوز عنهم .

قال ابن إسحاق : واللات بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة .

قال : فبعقوا معه أبارغال يدله على الطريق إلى مكة ، فخرج أبرهة ومعه أبورغال حتى

أنزله بالمغمس ، فلما أنزله به مات أبورغال هنالك ، فرجمت قبره العرب ، فهو القبر

الذى يرجم الناس بالمغمس . وفى قصة ثمود أن أبا رغال كان رجلا منهم وكان يمتنع

بالحرم ، فلما خرج منه أصابه حجر فقتله ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

لاصحابه : ( وآية ذلك أنه دفن معه غصنان من ذهب ) فحفروا فوجدوهما . قال

وهو أبوثقيف .

قلت : والجمع بين هذا وبين ما ذكر ابن إسحاق ، أن أبا رغال هذا المتأخر وافق اسمه

اسم جده الاعلى ورجمه الناس كما رجموا قبر الاول أيضا والله أعلم . وقد قال جرير :

إذا مات الفرزدق فارجموه * كرجمكم لقبر أبى رغال

الظاهر أنه الثانى .

قال ابن إسحاق : فلما نزل أبرهة بالمغمس بعث رجلا من الحبشة يقال له الاسود بن

مقصود ( 1 ) على خيل له ، حتى انتهى إلى مكة ، فساق إليه أموال تهامة من قريش

وغيرهم ، واصاب فيها مائتى بعير لعبد المطلب بن هاشم ، وهو يومئذ كبير قريش

وسيدها ، فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم بقتاله ، ثم عرفوا أنه

لاطاقة لهم به فتركوا ذلك .

وبعث ابرهة حناطة الحميرى إلى مكة وقال له : سل عن سيد أهل هذا البلد

وشريفهم ، ثم قل له إن الملك يقول إنى لم آت لحربكم ، إنما جئت لهدم هذا البيت ،

* ( هامش ) * ( 1 ) الاصل : مفصود . والتصويب من ابن هشام ( * )

ـ 33 ـ

فإن لم تعرضوا لنا دونه بحرب فلا حاجة لى بدمائكم . فإن هو لم يرد حربى فائتنى به .

فلما دخل حناطة مكة سأل عن سيد قريش وشريفها ، فقيل له : ع بدالمطلب بن

هاشم . فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة .

فقال له ع بدالمطلب : والله ما نريد حربه ومالنا بذلك من طاقة ، هذا بيت الله

الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام . أو كما قال . فإن يمنعه منه فهو حرمه وبيته ،

وإن يخل بينه وبينه فو الله ما عندنا دفع عنه .

فقال له حناطة : فانطلق معى إليه فإنه قد أمرنى أن آتيه بك .

فانطلق معه ع بدالمطلب ، ومعه بعض بنيه ، حتى أتى العسكر فسأل عن ذى نفر ،

وكان له صديقا ، حتى دخل عليه وهو في محبسه ، فقال له : يا ذا نفر هل عندك من غناء

فيما نزل بنا ؟

فقال له ذو نفر : وما غناء رجل أسير بيدى ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا !

ما عندى غناء في شئ مما نزل بك ، إلا أن أنيسا سائس الفيل صديق لى ، فسأرسل إليه

وأوصيه بك وأعظم عليه حقك وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلمه بما بدا لك ،

ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك .

فقال : حسبى .

فبعث ذو نفر إلى أنيس فقال له : إن ع بدالمطلب سيد قريش وصاحب عين ( 1 ) مكة ،

يطعم الناس بالسهل والوحوش في رءوس الجبال ، وقد أصاب له الملك مائتى بعير فاستأذن

له عليه وانفعه عنده بما استطعت . قال : أفعل .

فكلم أنيس أبرهة ، فقال له : أيها الملك ، هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك ،

* ( هامش ) * ( 1 ) الطبرى : عير . والمقصود بعين مكة زمزم التى حفرها ع بدالمطلب . ( 3 - السيرة 1 ) ( * )

ـ 34 ـ

وهو صاحب عين مكة ، وهو الذى يطعم الناس بالسهل والوحوش في رءوس الجبال .

فائذن له عليك فليكلمك في حاجته ، فأذن له أبرهة .

قال : وكان ع بدالمطلب أوسم الناس وأعظمهم وأجملهم ( 1 ) ، فلمارآه أبرهة أجله

وأكرمه عن أن يجلسه تحته ، وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سرير ملكه ، فنزل

أبرهة عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جانبه ، ثم قال لترجمانه : قل له

حاجتك ؟ فقال له ذلك الترجمان ، فقال حاجتى أن يرد على الملك مائتى بعير أصابها لى .

فلما قال له ذلك ، قال أبرهة لترجمانه : قل له : لقد كنت أعجبتنى حين رأيتك ، ثم

قد زهدت فيك حين كلمتنى ، أتكلمنى في مائتى بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك

ودين آبائك قد جئت لاهدمه لاتكلمنى فيه ! ؟

فقال له ع بدالمطلب : إنى أنا رب الابل ، وإن للبيت ربا سيمنعه .

فقال : ما كان ليمتنع منى . قال : انت وذاك . فرد على ع بدالمطلب إبله .

قال ابن إسحاق : ويقال إنه كان قد دخل مع ع بدالمطلب على أبرهة يعمر بن نفاثة

ابن عدى بن الديل ( 2 ) بن بكر بن عبد مناة بن كنانة سيد بنى بكر ، وخويلد بن وائلة

سيد هذيل ، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عنهم ولايهدم البيت

فأبى عليهم ذلك . فالله أعلم أكان ذلك أم لا .

فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالخروج

من مكة والتحرز في رءوس الجبال ، ثم قام ع بدالمطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام

معه نفر من قريش يدعون الله و يستنصرونه على أبرهة وجنده ، وقال ع بدالمطلب ، وهو

آخذ بحلقة باب الكعبة :

* ( هامش ) * ( 1 ) وتروى : أوسم الناس وأجمله وأعظمه .

( 2 ) الطبرى : الدئل ، بضم الدال وبكسر الهمزة . ( * )

ـ 35 ـ

- لا هم إن العبد يم * نع رحله فامنع رحالك

لايغلبن صليبهم * ومحالهم ( 1 ) غدوا محالك

إن كنت تاركهم وقب * لتنا فأمر ما بدا لك

قال ابن هشام : هذا ما صح له منها .

قال ابن إسحاق : ثم أرسل ع بدالمطلب حلقة باب الكعبة ، وانطلق هو ومن معه

من قريش إلى شعف الجبال يتحرزون فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل .

فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبى جيشه ، وكان اسم الفيل محمودا .

فلما وجهوا الفيل إلى مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنب الفيل ثم أخذ بأذنه

فقال : ابرك محمود وارجع راشدا من حيث أتيت ، فإنك في بلد الله الحرام . وأرسل أذنه ،

فبرك الفيل .

قال السهيلى : أى سقط إلى الارض ، وليس من شأن الفيلة أن تبرك ، وقد قيل إن

منها ما يبرك كالبعير . فالله أعلم .

وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل ، وضربوا الفيل ليقوم فأبى

فضربوا رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى ، فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه ( 2 ) ب ها ليقوم

فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه

إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فبرك .

وأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان ( 3 ) مع كل طائر منها

* ( هامش ) * ( 1 ) محالهم : قوتهم وبأسهم . وغدوا : غدا . استعملت تامة ولاتستعمل كذلك إلا في الشعر .

( 2 ) الطبرزين : آلة معقفة من حديد . والمحاجن جمع محجن وهو عصا معوجة قد يجعل فيها حديدة ،

وتبزغوه : ضربوه حتى أدموه ، ومراق البطن : مارق منه ولان ، جمع مرق ، أولا واحد لها .

( 3 ) قال ابن الاثير : قال عباد بن موسى : أظنها الزرازير . النهاية 1 / 111 ( * )

ـ 36 ـ

ثلاثة أحجار يحملها ، حجر في منفاره ؟ وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس ، لاتصيب

منهم أحدا إلا هلك ، وليس كلهم أصابت .

وخرجوا هار بين يبتدرون الطريق التى منها جاءوا ، ويسألون عن نفيل بن حبيب

ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، فقال نفيل في ذلك :

ألا حييت عنا يا ردينا * نعمنا كم مع الاصباح عينا

ردينة لو رأيت فلا تريه * لدى جنب المحصب ما رأينا

إذا لعذرتنى وحمدت أمرى * ولم تأسى على مافات بينا ( 1 ) حمدت الله إذا أبصرت طيرا * وخفت حجارة تلقى علينا

وكل القوم يسأل عن نفيل * كأن على للحبشان دينا

قال ابن إسحاق : فخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون بكل مهلك على

كل منهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة ، كلما سقطت

أنملة اتبعتها منه مدة تمث ( 2 ) قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر ، فما

مات حتى انصدع صدره عن قلبه . فيما يزعمون .

قال ابن إسحاق : حدثنى يعقوب بن عتبة أنه حدث أن أول ما رؤيت الحصبة

والجدرى بأرض العرب ذلك العام ، وأنه أول ما رؤى بها مرائر الشجر : الحرمل والحنظل

والعشر ، ذلك العام .

قال ابن إسحاق : فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كان مما يعدد الله على قريش

من نعمته عليهم وفضله ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم فقال تعالى :

* ( هامش ) * ( 1 ) بينا : نصب نصب المصدر المؤكد لما قبله إذ كان في معناه ولم يكن على لفظه .

( 2 ) تمث ترشح . ( * )



ـ 37 ـ

( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . ألم يجعل كيدهم في تضليل . وأرسل

عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل . فجعلهم كعصف مأكول ) .

ثم شرع ابن إسحاق وابن هشام يتكلمان على تفسير هذه السورة والتى بعدها .

وقد بسطنا القول في ذلك في كتابنا التفسير بما فيه كفاية إن شاء الله تعالى ، وله

الحمد والمنة .

قال ابن هشام : الابابيل : الجماعات ، ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه .

قال : وأما السجيل فأخبرنى يونس النحوى وأبوعبيدة أنه عند العرب

الشديد الصلب .

قال : وزعم بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية جعلتهما العرب كلمة واحدة ، وأنها

سنج وجل فالسنج : الحجر ، والجل : الطين . يقول الحجارة من هذين الجنسين الحجر

والطين . قال : والعصف : ورق الزرع الذى لم يقصب . وقال الكسائى ( 1 ) سمعت بعض النحويين يقول واحد الابابيل ابيل

وقال كثيرون من السلف : الابابيل : الفرق من الطير التى يتبع بعضها بعضا من

ههناوههنا .

وعن ابن عباس : كان لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب

وعن عكرمة كانت رءوسها كرءوس السباع خرجت عليهم من البحر

وكانت خضرا .

وقال عبيد بن عمير : كانت سودا بحرية ، في مناقيرها وأكفها الحجارة .

وعن ابن عباس : كانت أشكالها كعنقاء مغرب . وعن ابن عباس كان أصغر

* ( هامش ) * ( 1 ) من هنا ليس عن ابن هشام . ( * )

ـ 38 ـ

حجر منها كرأس الانسان . ومنها ما هو كالابل . وهكذا ذكره يونس بن بكير عن ابن

إسحاق . وقيل : كانت صغارا والله أعلم .

وقال ابن أبى حاتم : حدثنا أبوزرعة ، حدثنا محمد بن عبدالله بن أبى شيبة ، حدثنا

أبومعاوية ، عن الاعمش ، عن أبى سفيان ، عن عبيد بن عمير ، قال لما أراد الله أن

يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيرا أنشئت من البحر أمثال الخطاطيف ، كل طير منها

يحمل ثلاثة أحجار : حجرين في رجليه وحجرا في منقاره ، قال فجاءت حتى صفت على

رءوسهم ، ثم صاحت وألقت ما في رجليها ومناقيرها ، فما يقع حجر على رأس رجل

إلا خرج من دبره ، ولايقع على شئ من جسده إلا خرج من الجانب الآخر ، وبعث

الله ريحا شديدة فضربت الحجارة فزادتها شدة ، فأهلكوا جميعا .

وقد تقدم أن ابن إسحاق قال : وليس كلهم اصابته الحجارة . يعنى بل رجع منهم

راجعون إلى اليمن حتى أخبروا أهلهم بما حل بقومهم من النكال . وذكروا

أن أبرهة رجع وهو يتساقط أنملة أنملة ، فلما وصل إلى اليمن انصدع صدره فمات

لعنه الله .

وروى ابن إسحاق قال : حدثنى عبدالله بن أبى بكر ، عن عمرة ( 1 ) عن عائشة ،

قالت : لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان . وتقدم أن سائس

الفيل كان اسمه أنيسا ، فأما قائده فلم يسم . والله أعلم .

وذكر النقاش في تفسيره أن السيل احتمل جثثهم فألقاها في البحر .

قال السهيلى : وكانت قصة الفيل أول المحرم من سنة ست وثمانين وثمانمائة ( 2 ) من

تاريخ ذى القرنين .

* ( هامش ) * ( 1 ) المطبوعة : سمرة . وهو تحريف . وهى عمرة بنت عبدالرحمن بن سعد بن زرارة ، كانت في حجر

عائشة رضى الله عنها فحفظت عنها ، توفيت سنة 98 ه وقيل سنة 106 .

( 2 ) والذى في السهيلى : سنة اثنتين وثمانين وثمانائة . ( * )

ـ 39 ـ

قلت : وفي عاملها ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشهور ، وقيل كان قبل

مولده بسنين ، كما سنذكر إن شاء الله تعالى وبه الثقة .

ثم ذكر ابن إسحاق ماقالته العرب من الاشعار في هذه الكائنة العظيمة التى نصر

الله فيها بيته الحرام ، الذى يريد أن يشرفه ويعظمه ، ويطهره ويوقره ببعثة محمد صلى الله

عليه وسلم وما يشرع له من الدين القويم ، الذى أحد أركانه الصلاة بل عماد دينه ،

وسيجعل قبلته إلى هذه الكعبة المطهرة ، ولم يكن ما فعله بأصحاب الفيل نصرة لقريش

إذ ذاك على النصارى الذين هم الحبشة ، فإن الحبشة إذ ذاك كانوا أقرب لها من مشركى

قريش ، وإنما كان النصر للبيت الحرام ، وإرهاصا وتوطئة لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم .

فمن ذلك ما قاله عبدالله بن الزبعرى السهمى :

تنكلوا ( 1 )

عن بطن مكة إنها * كانت قديما لايرام حريمها

لم تخلق الشعرى ليالى حرمت * إذ لاعزيز من الانام يرومها

سائل أمير الحبش ( 2 ) عنها ما رأى * فلسوف ينبى الجاهلين عليمها

ستون ألفا لم يئوبوا أرضهم * بل لم يعش بعد الاياب سقيمها

كانت بها عاد وجرهم قبلهم * والله من فوق العباد يقيمها

ومن ذلك قول أبى قيس بن الاسلت الانصارى المدنى :

ومن صنعه يوم فيل الحبو * ش إذ كلما بعثوه رزم ( 3 )

محاجنهم تحت أقرابه * وقد شرموا أنفه فانحزم ( 4 )

قد جعلوا سوطه مغولا * إذا يمموه قفاه كلم * ( 5 )

فولى وأدبر أدراجه * وقد باء بالظلم من كان ثم

* ( هامش ) * ( 1 ) رويت أيضا : تنكبوا بالباء . ومعناها على كلا الروايتين : انصرفوا وارجعوا خوفا وهيبة .

( 2 ) ابن هشام : أمير الجيش . * ( 3 ) رزم : أقام في مكانه لم يتحرك . * ( 4 ) الاقراب جمع قرب بضمتين ،

وهو الخاصرة ، أو من الشاكلة إلى مراق البطن . * ( 5 ) المغول : سكين كبيرة . ( * )

ـ 40 ـ

فأرسل من فوقهم حاصبا * فلفهم مثل لف القزم ( 1 )

تحض على الصبر أحبارهم * وقد ثأجوا كثؤاج الغنم

( 2 ) ومن ذلك قول ابى الصلت ربيعة بن أبى ربيعة وهب بن علاج الثقفى ، قال ابن

هشام : ويروى لامية ابن أبى الصلت :

إن آيات ربنا ثاقبات * ما يمارى فيهن إلا الكفور

خلق الليل والنهار فكل * مستبين حسابه مقدور

ثم يجلو النهار رب رحيم * بمهاة شعاعها منشور

حبس الفيل بالمغمس حتى * صار يحبو كأنه معقور

لازما حلقة الجران كما قد من صخر كبكب محدور ( 3 ) حوله من ملوك كندة أبطا * ل ملاويث في الحروب صقور ( 4 )

خلفوه ثم ابذعروا جميعا * كلهم عظ م ساقه مكسور ( 5 )

كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة ( 6 ) بور

ومن ذلك قول أبى قيس بن الاسلت أيضا :

فقوموا فصلوا ربكم ( 7 ) وتمسحوا * بأركان هذا البيت بين الاخاشب

فعندكم منه بلاء مصدق

غداة أبى يكسوم هادى الكتائب ( 8 )

كتيبته بالسهل تمشى ورجله * على القاذفات في رأس المناقب ( 9 )

فلما أتاكم نصر ذى العرش ردهم * جنود المليك بين ساف وحاصب ( 10 )

* ( هامش ) * ( 1 ) القزم : جمع قزم ، وهو الضئيل الجسم . * ( 2 ) ثأجوا : صاحوا . ( * )

( 3 ) ابن هشام : كما

قطر . وكبكب : جبل

( 4 ) الملاويث جمع ملاث ، وهو الشريف . * ( 5 ) ابذعروا : تفرقوا وفروا

( 6 ) أى الامة الحنيفة ، وهو دين التوحيد دين ابراهيم * ( 7 ) صلوا ربكم : ادعوا ربكم .

( 8 ) أبويكسوم : هو أبرهة . * ( 9 ) وتروى تمسى * ( 10 ) لالسافى : الذى يرمى بالتراب والحاصب :

الذى يرمى بالحصباء . ( * )

ـ 41 ـ

فولوا سراعا هاربين ولم يؤب * إلى أهله ملحبش غير عصائب ( 1 )

............................................................................

- السيرة النبوية مجلد: 1 من ص 41 سطر 1 الى ص 50 سطر 21

فولوا سراعا هاربين ولم يؤب * إلى أهله ملحبش غير عصائب ( 1 )

ومن ذلك قول عبيد الله بن قيس الرقيات في عظمه البيت وحمايته بهلاك من

أراده بسوء :

كاده الاشرم الذى حاء بالفي * - ل فولى وجيشه مهزوم

واستهلت عليهم الطير بالجن * دل حتى كأنه مرجوم

ذاك من يغزه من الناس يرجع * وهو فل من الجيوش ذميم ( 2 )

قال ابن إسحاق وغيره : فلما هلك أبرهة ملك الحبشة بعده ابنه يكسوم ، ثم من

بعده أخوه مسروق ابن أبرهة ، وهو آخر ملوكهم ، وهو الذى انتزع سيف بن ذى يزن

الحميرى الملك من يده بالجيش الذين قدم بهم من عند كسرى أنوشروان .

كما سيأتى بيانه .

وكانت قصة الفيل في المحرم سنة ست وثمانين وثمانمائة من تاريخ ذى القرنين ، وهو

الثانى اسكندر ابن فلبس المقدونى الذى يؤرخ له الروم .

ولما هلك ابرهة وابناه ، وزال ملك الحبشة عن اليمن هجر القليس الذى كان بناه

أبرهة واراد صرف حج العرب إليه ، لجهله وقلة عقله ، واصبح يبابا لا أنيس به . وكان

قد بناه على صنمين ، وهما كعيب وامرأته ، وكانا من خشب طول كل منهما ستون ذراعا

في السماء ، وكانا مصحوبين من الجان ، ولهذا كان لايتعرض أحد إلى أخذ شئ من بناء

القليس وأمتعته إلا أصابوه بسوء ، فلم يزل كذلك إلى أيام السفاح أول خلفاء بنى العباس

فذكر له أمره وما فيه من الامتعة والرخام الذى كان أبرهة نقله إليه من صرح بلقيس

* ( هامش ) * ( 1 ) ملحبش : أصلها من الحبش . * ( 2 ) الفل : المهزوم ( * )

ـ 42 ـ

الذى كان باليمن ، فبعث إليه من خربه حجرا حجرا ، وأخذ جميع ما فيه من الامتعة

والحواصل . ( 1 ) هكذا ذكره السهيلى . والله أعلم .

ذكر خروج الملك عن الحبشة ورجوعه إلى سيف بن ذى يزن الحميرى

كما أخبر بذلك الكاهنان

لربيعة بن نصر اللخمى

قال محمد بن إسحاق رحمه الله : فلما هلك أبرهة ملك الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة ،

وبه كان يكنى ، فلما هلك يكسوم ملك اليمن من الحبشة أخوه مسروق بن أبرهة .

قال : فلما طال البلاء على أهل اليمن خرج سيف بن ذى يزن الحميرى .

وهو سيف بن ذى يزن بن ذى اصبح بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس

بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن

ابن الهميسع بن العرنجج ، وهو حمير بن سبأ ( 2 ) وكان سيف يكنى أبا مرة .

حتى قدم على قيصر ملك الروم فشكا إليه ماهم ( 3 ) فيه ، وسأله أن يخرجهم عنه

ويليهم هو ، ويخرج إليهم من شاء من الروم فيكون له ملك اليمن ، فلم يشكه ( 4 )

فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر ، وهو عامل كسرى على الحيرة وما يليها من أرض

العراق ، فشكا إليه أمر الحبشة ، فقال له النعمان : إن لى على كسرى وفادة في كل عام ،

فأقم عندى حتى يكون ذلك . ففعل .

ثم خرج معه فأدخله على كسرى .

* ( هامش ) * ( 1 ) سبق أن ذكر المؤلف هذا القول آنفا ص 30 .

( 2 ) ليست في ابن هشام

( 3 ) المطبوعة : هو . ( 4 ) أى لم يستجب لشكواه ( * )

ـ 43 ـ

وكان كسرى يجلس في إيوان مجلسه الذى فيه تاجه ، وكان تاجه مثل القنقل ( 1 )

العظيم ، فيما يزعمون ، يضرب فيه الياقوت والزبر جد والؤلؤ بالذهب والفضة معلقا بسلسلة

من ذهب في راس طاقة في مجلسه ذلك ، وكانت عنقه لاتحمل تاجه ، إنما يستر بالثياب

حتى يجلس في مجلسه ذلك ، ثم يدخل رأسه في تاجه ، فإذا استوى في مجلسه كشف عنه

الثياب فلا يراه أحد لم يره قبل ذلك إلا برك هيبة له .

فلما دخل عليه طأطأ رأسه ، فقال الملك : إن هذا لاحمق يدخل على من هذا الباب

الطويل ثم يطأطئ رأسه !

فقيل ذلك لسيف ، فقال : إنما فعلت هذا لهمى لانه يضيق عنه كل شئ .

ثم قال له : أيها الملك غلبتنا على بلادنا الاغربة .

قال كسرى : أى الاغربة ، الحبشة أم السند ؟

قال : بل الحبشة ، فجئتك لتنصرنى ويكون ملك بلادى لك .

فقال له كسرى : بعدت بلادك مع قلة خيرها ، فلم أكن لاورط جيشا من فارس

بأرض العرب ، لاحاجة لى بذلك . ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف وكساه

كسوة حسنة .

فلما قبض ذلك منه سيف خرج فجعل ينثر تلك الورق للناس ، فبلغ ذلك الملك فقال :

إن لهذا لشأنا . ثم بعث إليه فقال : عمدت إلى حباء الملك تنثره للناس !

قال وما أصنع بحبائك ( 2 ) ما جبال أرضى التى جئت منها إلا ذهب وفضة .

يرغبه فيها .

فجمع كسرى مرازبته فقال لهم : ما ترون في أمر هذا الرجل وما جاء له ؟

* ( هامش ) * ( 1 ) القنقل : المكيال . * ( 2 ) ابن هشام : وما أصنع بهذا . ( * )

ـ 44 ـ

فقال قائل : أيها الملك إن في سجونك رجالا قد حبستهم للقتل ، فلو أنك بعثتهم

معه فإن يهلكوا كان ذلك الذى أردت بهم ، وإن ظفروا كان ملكا ازددته .

فبعث معه كسرى من كان في سجونه ، وكانوا ثمانمائة رجل واستعمل عليهم ـ رجلا

منهم يقال له ـ وهرز ، وكان ذا سن فيهم وأفضلهم حسبا وبيتا ، فخرجوا في ثمان سفائن

فغرقت سفينتان ووصل إلى ساحل عدن ست سفائن .

فجمع سيف إلى وهرز من استطاع من قومه وقال له : رجلى ورجلك حتى نموت

جميعا أو نظفر جميعا . فقال له وهرز : أنصفت .

وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن وجمع إليه جنده ، فأرسل إليهم وهرز ابنا

له ليقاتلهم فيختبر قتالهم ، فقتل ابن وهرز فزاده ذلك حنقا عليهم .

فلما تواقف الناس على مصافهم قال وهرز : أرونى ملكهم . فقالوا له : أترى رجلا

على الفيل عاقدا تاجه على رأسه ، بين عينيه ياقوته حمراء .

قال : نعم . قالوا : ذلك ملكهم . فقال اتركوه .

قال فوقفوا طويلا ثم قال عرم هو ؟ قالوا قد تحول على الفرس . قال : اتركوه .

فتكروه طويلا ، ثم قال : علام هو ؟ قالوا على البغلة . قال وهرز : بنت الحمار ،

ذل وذل ملكه ، إنى سأرميه ، فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا فاثبتوا حتى أوذنكم فإنى

قد أخطات الرجل ، وإن رأيتم القوم قد استداروا به ولاثوا فقد أصبت الرجل

فاحملوا عليهم .

ثم أوتر قوسه ، وكانت فيما يزعمون لايوترها غيره من شدتها ، وأمر بجاجبيه

فعصبا له ، ثم رماه فصك الياقوتة التى بين عينيه وتغلغلت النشابة في رأسه حتى

خرجت من قفاه ، ونكس عن دابته ، واستدارت الحبشة ولاثت به ، وحملت عليهم

الفرس فانهزموا فقتلوا وهربوا في كل وجه .

ـ 45 ـ

وأقبل وهرز ليدخل صنعاء حتى إذا أتى بابها قال لاتدخل رايتى منكسة أبدا ،

اهدموا هذا الباب . فهدم ، ثم دخلها ناصبا رايته .

فقال سيف بن ذى يزن الحميرى :

- يظن الناس بالملكي * ن أنهما قد التأما -

ومن يسمع بلامهما * فإن الخطب قد فقما ( 1 )

- قتلنا القيل مسروقا * وروينا الكثيب دما -

وإن القيل قيل النا * س وهرز مقسم قسما -

يذوق مشعشعا ( 2 ) حتى * يفئ السبى والنعما

ووفدت العرب من الحجاز وغيرها على سيف يهنئونه بعود الملك إليه وامتدحوه ،

فكان من جملة من وفد قريش وفيهم ع بدالمطلب بن هاشم ، ( 3 ) فبشره سيف

برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما يعلم من أمره ، وسيأتى ذلك مفصلا في باب

البشارات به عليه الصلاة والسلام .

قال ابن إسحاق : وقال أبوالصلت بن ربيعة الثقفى ، قال ابن هشام : وتروى لامية

ابن أبى الصلت .

- ليطلب الوتر أمثال ابن ذى يزن * ريم في البحر للاعداء أحوالا ( 4 )

يمم قيصر لما حان رحلته * فلم يجد عنده بعض الذى سالا -

ثم انثتى نحو كسرى بعد عاشرة * من السنين يهين النفس والمالا -

* ( هامش ) * ( 1 ) فقم : اشتد وعظم . * ( 2 ) يذوق : يريد لايذوق . والمشعشع : الشراب الممزوج بالماء .

( 3 ) لمخطوطة ا : فكان من جملة وفد قريش ع بدالمطلب . * ( 4 ) كذا في بن هشام وفى نسخة من

الاكتفاء للكلاعى : مذأم . أى ابتدأ يطلب الوتر منذ غادر يلاده واتجه في البحر يطلب العون من قيصر

وكسرى . والمعنى على الرواية المثبتة : أنه أقام في البحر ، أو غاب زمانا وأحوالا ثم رجع للاعداء . ( * )

ـ 46 ـ

- حتى أتى ببنى الاحرار يحملهم * إنك عمرى لقد أسرعت قلقالا ( 1 )

- لله درهم من عصبة خرجوا * ما إن أرى لهم في الناس أمثالا -

- غلبا مرازبة بيضا أساورة * أسدا تربب في الغيضات أشبالا ( 2 )

يرمون عن شدف كأنها غبط * بزمخر يعجل المرمى إعجالا ( 3 )

أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد * أضحى شريد هم في الارض فلالا ( 4 )

فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا * في رأس غمدان دارا منك محلالا ( 5 )

- واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم * وأسبل اليوم في برديك إسبالا -

تلك المكارم لاقعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا -

يقال : إن غمدان قصر باليمن بناه يعرب بن قحطان ، وملكه ( 6 ) بعده واحتله وائلة

ابن حمير بن سبأ ، ويقال كان ارتفاعه عشرين طبقة . فالله أعلم .

قال ابن إسحاق : وقال عدى بن زيد الحيرى : ( 7 ) وكان أحد بنى تميم :

- ما بعد صنعاء كان يعمرها * ولاة ملك جزل مواهبها -

- رفعها من بنى لدى قزع ال * - مزن وتندى مسكا محاربها ( 8 )

محفوظة بالجبال دون عرى ال * كائد ما ترتقى غواربها ( 9 )

يأنس فيهاصوت النهام إذا * جاوبها بالعشى قاصبها ( 10 )

- ساقت إليها الاسباب جند بنى ال * - أحرار فرسانها مواكبها -

* ( هامش ) * ( 1 ) القلقال : شدة الحركة . * ( 2 ) ابن هشام : بيضا مرازبة غلبا أساورة . والغلب : الشجعان

( 3 ) الشدف : جمع شدفاء ، وهى القوس العوجاء الفارسية . كما في القاموس ، وقد اضطرب السهيلى في

تفسيرها إذ فسرها بالشخص ثم تكلف تكلفا بعيدا . والغبط : الهوادج . والزمخر : النشاب .

( 4 ) الفلال : المنهزمون . * ( 5 ) غمدان : قصر كان باليمن بناه يشرح بن يحصب . * ( 6 ) المخطوطة ا :

وأكمله . * ( 7 ) المطبوعة والاصل : الحميرى وهو خطأ . * ( 8 ) قزع المزن : السحاب المتفرق . ( 9 ) عرى الكائد : يريد عرى السماء وأسبابها . * ( 10 ) النهام : ذكر البوم . والقاصب : الذى

يزمر في القصب . ( * )

ـ 47 ـ

وفوزت بالبغال توسق بال * - حتف وتسعى بها توالبها ( 1 )

حتى رآها الاقوال من طرف ال * - منقل مخضرة كتائبها ( 2 )

يوم ينادون آل بربر وال * - يكسوم لايفلحن هاربها

فكان يوما ( 3 ) باقى الحديث وزا * لت إمة ( 4 ) ثابت مراتبها - وبدل الفيج بالزرافة ( 5 ) والايام خون جم عجائبها

بعد بنى تبع نخاورة ( 6 ) * قد اطمأنت بها مرازبها

قال ابن هشام : وهذا الذى عنى سطيح بقوله : ( يليه إرم ذى يزن ، يخرج عليهم

من عدن ، فلا يترك منهم أحدا باليمن ) والذى عنى شق بقوله : ( غلام ليس بدنى

ولامدن ، يخرج من بيت ذى يزن ) .

قال ابن إسحاق : فأقام وهرز والفرس باليمن ، فمن بقية ذلك الجيش من الفرس

الابناء ( 7 ) الذين باليمن اليوم .

وكان ملك الحبشة باليمن فيما بين أن دخلها أرياط إلى أن قتلت الفرس مسروق

ابن أبرهة وأخرجت الحبشة ، اثنتين وسبعين سنة ، توارث ذلك منهم أربعة : أرياط ،

ثم أبرهة ، ثم يكسوم بن أبرهة ، ثم مسروق بن أبرهة .

* ( هامش ) * ( 1 ) فوزت : ركبت المفاوز . وتوسق بالحتف : اى وسقها الحتوف . والتوالب : جمع تولب وهو ولد الحمار ،

والتاء فيه بدل من واو . * ( 2 ) الاقوال : الملوك . والمنقل : الحصن . ومخضرة كتائبها : يعنى من

الحديد ، ومنه الكتيبة الخضراء . * ( 3 ) ابن هشام : وكان يوم . * ( 4 ) إمة : أى نعمة

( 5 ) الفج ؟ : المنفرد في مشيته ، والزرافة : الجماعة .

( 6 ) النخاورة : الكرام .

( 7 ) قال في النهاية : ويقال لاولاد فارس الابناء ، وهم الذين أرسلهم كسرى مع سيف بن ذى يزن .

فقيل لاولادهم الابناء وغلب عليهم هذا الاسم ، لان أمهاتهم من غير جنس آبائهم . ( * )

ـ 48 ـ

ذكر ما آل إليه أمر الفرس باليمن

قال ابن هشام : ثم مات وهرز فأمر كسرى ابنه المرزبان بن وهرز على اليمن ،

ثم مات المرزبان فأمر كسرى ابنه التينجان ، ثم مات فأمر ابن التينجان ، ثم عزله عن

اليمن وأمر عليها باذان ، وفى زمنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال ابن هشام : فبلغنى عن الزهرى أنه قال : كتب كسرى إلى باذان : إنه

بلغنى أن رجلا من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبى ، فسر إليه فاستتبه ، فإن تاب

وإلا فابعث إلى برأسه .

فبعث باذان بكتاب كسرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكتب إليه

رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله قد وعدنى أن يقتل كسرى في يوم كذا وكذا

من شهر كذا ) فلما أتى باذان الكتاب وقف لينتظر ، وقال : إن كان نبيا فسيكون

ما قال . فقتل الله كسرى في اليوم الذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال

ابن هشام : على يدى ابنه شيرويه .

قلت . وقال بعضهم : بنوه تمالاوا على قتله .

وكسرى هذا هو أبرويز بن هرمز بن أنوشروان بن قباذ ، وهو الذى غلب الروم ،

في قوله تعالى : ( ألم غلبت الروم في أدنى الارض ) كما سيأتى بيانه .

قال السهيلى : وكان قتله ليلة الثلاثاء لعشر خلون من جمادى الاولى سنة تسع ( 1 )

من الهجرة . وكان ، والله أعلم ، لما كتب إليه رسول الله إلى صلى الله عليه وسلم يدعوه

الاسلام فغضب ومزق كتابه ، كتب إلى نائبه باليمن يقول له ما قال .

* ( هامش ) * ( 1 ) الذى في السهيلى : سنة سبع ( * )

ـ 49 ـ

وفى بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرسول باذان : ( إن ربى

قد قتل الليلة ربك ) فكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . قتل تلك الليلة

بعينها ، قتله بنوه لظلمه بعد عدله ، بعد ما خلعوه وولوا ابنه شيرويه فلم يعش بعد قتله اباه

إلا ستة أشهر أو دونها .

وفى هذا يقول خالد بن حق الشيبانى :

- وكسرى إذ تقسمه بنوه * بأسياف كما اقتسم اللحام -

- تمخضت المنون له بيوم * ألا ولكل حاملة تمام -

قال الزهرى : فلما بلغ ذلك باذان بعث بإسلامه وإسلام من معه من الفرس إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت الرسل ـ من الفرس ـ ( 1 ) : إلى من نحن يا رسول

الله ؟ قال : ( أنتم منا وإلينا أهل البيت ) . قال الزهرى : ومن ثم قال رسول الله صلى

الله عليه وسلم : ( سلمان منا أهل البيت ) .

قلت : والظاهر أن هذا كان بعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ،



ولهذا بعث الامراء إلى اليمن لتعليم الناس الخير ودعوتهم إلى الله عزوجل ، فبعث أولا

خالد بن الوليد وعلى بن أبى طالب ، ثم أتبعهما أبا موسى الاشعرى ومعاذ بن جبل ،

ودانت اليمن وأهلها للاسلام .

ومات باذان فقام بعده ولده شهر بن باذان ، وهو الذى قتله الاسود العنسى حين

تنبأ وأخذ زوجته ، كما سيأتى بيانه ، وأجلى عن اليمن نواب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

فلما قتل الاسود عادت اليد الاسلامية عليها .

قال ابن هشام : وهذا هو الذى ( 2 ) عنى به سطيح بقوله : ( نبى زكى ، يأتيه

* ( هامش ) * ( 1 ) من ابن هشام * ( 2 ) ابن هشام : فهو الذى ( 4 - السيرة - 1 ) ( * )

ـ 50 ـ

الوحى من قبل العلى ) والذى عنى شق بقوله : ( بل ينقطع برسول مرسل ، يأتى

بالحق والعدل ، بين أهل الدين والفضل ، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل ) .

قال ابن إسحاق : وكان في حجر باليمن فيما يزعمون ، كتاب بالزبور كتب في

الزمان الاول : لمن ملك ذمار ؟ لحمير الاخيار ، لمن ملك ذمار ؟ للحبشة الاشرار .

لمن ملك ذمار ؟ لفارس الاحرار ، لمن ملك ذمار ؟ لقريش التجار ) .

وقد نظم بعض الشعراء هذا المعنى فيما ذكره المسعودى :

- حين شيدت ( 1 ) ذمار قيل لمن أن - * - ت ؟ فقالت لحمير الاخيار -

- ثم سيلت من بعد ذاك فقالت * أنا للحبش أخبث الاشرار -

- ثم قالوا من بعد ذاك لمن أن - * - ت فقالت لفارس الاحرار -

- ثم قالوا من بعد ذاك لمن أن - * - ت فقالت إلى قريش التجار -

ويقال : إن هذا الكلام الذى ذكره محمد بن إسحاق ، وجد مكتوبا عند قبر هود

عليه السلام ، حين كشفت الريح عن قبره بأرض اليمن ، وذلك قبل زمن بلقيس بيسير

في أيام مالك بن ذى المنار ، أخى عمرو ذى الاذعار بن ذى المنار . ويقال كان مكتوبا

على قبر هود أيضا وهو من كلامه عليه السلام .

حكاه السهيلى . والله أعلم .

قصة الساطرون صاحب الحضر

وقد ذكر قصته هاهنا عبدالملك بن هشام لاجل ماقاله بعض علماء النسب : أن

النعمان بن المنذر الذى تقدم ذكره في ورود سيف بن ذى يزن عليه ، وسؤاله في

مساعدته في رد ملك اليمن إليه ، أنه من سلالة الساطرون صاحب الحضر .

* ( هامش ) * ( 1 ) المظبوعة شدت . وهو خطأ . ( * )

ـ 51 ـ

وقد قدمنا عن ابن إسحاق أن النعمان بن المنذرمن ذرية ربيعة بن نصر ، وأنه روى

............................................................................

- السيرة النبوية مجلد: 1 من ص 51 سطر 1 الى ص 60 سطر 21

وقد قدمنا عن ابن إسحاق أن النعمان بن المنذرمن ذرية ربيعة بن نصر ، وأنه روى

عن جبير بن مطعم أنه من أشلاء قنص ( 1 ) بن معد بن عدنان . فهذه ثلاثة أقوال في نسبه

فاستطرد ابن هشام في ذكر صاحب الحضر .

والحضر حصن عظيم بناه هذا الملك ، وهو الساطرون ، على حافة الفرات ، وهو

منيف مرتفع البناء ، واسع الرحبة والفناء ، دوره بقدر مدينة عظيمة . وهو في غاية الاحكام

والبهاء والحسن والسناء ، وإليه يجبى ما حوله من الاقصار والارجاء .

واسم الساطرون : الضيزن بن معاوية بن عبيد بن أجرم من بنى سليح ( 2 ) بن حلوان

ابن الحاف بن قضاعة . كذا نسبه ابن الكلبى .

وقال غيره : كان من الجرامقة ، وكان أحد ملوك الطوائف ، وكان يقدمهم إذا

اجتمعوا لحرب عدو من غيرهم ، وكان حصنه بين دجلة والفرات .

قال ابن هشام : وكان كسرى سابور ذوالاكتاف غزا الساطرون ( 3 )

ملك الحضر .

وقال غير ابن هشام : إنما الذى غزا صاحب الحضر سابور بن أردشير بن بابك

أول ملوك بنى ساسان ، أذل ملوك الطوائف ورد الملك إلى الاكاسرة . وأما سابور

ذو الاكتاف بن هرمز فبعد ذلك بدهر طويل . والله أعلم . ذكره السهيلى .

قال ابن هشام : فحصره سنتين . وقال غيره : أربع سنين .

وذلك لانه كان أغار على بلاد سابور في غيبته بأرض العراق . فأشرفت بنت

الساطرون وكان اسمها النضيرة ، فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج وعلى رأسه تاج

* ( هامش ) * ( 1 ) المطبوعة : قيصر . وهو خطأ . * ( 2 ) المخطوطة ا : بن عبيد بن سليح .



( 3 ) ابن هشام : ساطرون . ( * )

ـ 52 ـ

من ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ ، ـ وكان جميلا ـ ، ( 1 ) فدست إليه أتتزوجنى

إن فتحت لك باب الحضر ؟ فقال : نعم .

فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر ، وكان لايبيت إلا سكران ، فأخذت

مفاتيح باب الحضر من تحت رأسه وبعثت بها مع مولى لها ففتح الباب . ويقال : بل

دلتهم على نهر يدخل منه الماء متسع فولجوا منه إلى الحضر . ويقال : بل دلتهم على

طلسم كان في الحضر ، وكان في علمهم أنه لايفتح حتى تؤخذ حمامة ورقاء وتخضب

رجلاها بحيض جارية بكر زرقاء ثم ترسل ، فإذا وقعت على سور الحضر سقط ذلك

الطلسم فبفتح الباب . ففعل ذلك فانفتح الباب .

فدخل سابور فقتل ساطرون واستباح الحضر وخربه وسار بها معه فتزوجها .

فبينا هى نائمة على فراشها ليلا إذ جعلت تململ لاتنام ، فدعا لها بالشمع ففتش

فراشها ، فوجد عليه ورقة آس ، فقال لها سابور : أهذا الذى أسهرك ؟

قالت : نعم .

قال : فما كان أبوك يصنع بك . قالت : كان يفرش لى الديباج ويلبسنى الحرير

ويطعمنى المخ ويسقينى الخمر .

قال : أفكان جزاء أبيك ما صنعت به ! أنت إلى بذلك أسرع .

فربطت قرون رأسها بذنب فرس ثم ركض الفرس حتى قتلها . ففيه يقول أعشى

بنى قيس بن ثعلبة :

- ألم تر للحضر إذ أهله * بنعمى وهل خالد من نعم -

- أقام به شاهبور الجنو * د حولين تضرب فيه القدم -

* ( هامش ) * ( 1 ) ليست في ا . ( * )

ـ 53 ـ

فلما دعا ربه دعوة * أناب إليه فلم ينتقم ( 1 )

فهل زاده ربه قوة * ومثل مجاوره لم يقم

وكان دعا قومه دعوة * هلموا إلى أمركم قد صرم -

- فموتوا كراما بأسيافكم * أرى الموت يجشمه من جشم -

وقال عدى بن زيد في ذلك :

- والحضر صابت عليه داهية * من فوقه ، أيد مناكبها ( 2 )

-

- ربية لم توق والدها * لحينها إذ أضاع راقبها ( 3 )

إذ غبقته صهباء صافية * والخمر وهل يهيم شاربها ( 4 )

- فأسلمت أهلها بليلتها * تظن أن الرئيس خاطبها -

- فكان حظ العروس إذ جشر الصبح دماء تجرى سبائبها ( 5 )

- وخرب الحضر واستبيح وقد * أحرق في خدرها مشاجبها ( 6 )

وقال عدى بن زيد أيضا :

- أيها الشامت المعير بالده * - ر أأنت المبرء الموفور ! -

- أم لديك العهد الوثيق من الايام بل أنت جاهل مغرور -

- من رأيت المنون خلدن أم من * ذا عليه من أن يضام خفير ؟ ! -

- أين كسرى كسرى الملوك أنوشر * وان أم أين قبله سابور ! -

- وبنو الاصفر الكرام ملوك الروم لم يبق منهم مذكور -

- وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج - * - لة تجبى إليه والخابور - * ( هامش ) * ( 1 ) اقتصر ابن هشام على هذه الابيات .

( 2 ) صاب السهم من باب باع ، لغة في أصاب . والايد : القوى . والمعنى أنها هائلة .

( 3 ) ربية : فعيل بمعنى مفعول ، أى مرباة . والحين : الهلاك . والراقب : المراقب .

( 4 ) غبقته : سقته الغبوق ، وهو مايشرب بالعشى . والوهل : الوهم .

( 5 ) جشر الصبح : طلع * ( 6 ) المشاجب : جمع مشجب . ماتعلق به الثياب . ( * )

ـ 54 ـ

شادة مرمرا وجلله كل * سا فللطير في ذراه وكور -

- لم يهبه ريب المنون فبان ال - * ملك عنه فبابه مهجور -

- وتذكر رب الخورنق إذ أشرف يوما وللهدى تفكير ( 1 )

- سره ماله وكثرة مايم * - لك والبحر معرضا والسدير ( 2 )

- فارعوى قلبه وقال : وما غب * - طة حى إلى الممات يصير -

ثم أضحوا كأنهم ورق جف فألوت به الصبا والدبور

( 3 )

قلت : ورب الخورنق الذى ذكره في شعره رجل من الملوك المتقدمين ، وعظه

بعض علماء زمانه في أمره الذى كان قد أسرف فيه وعتا ( 4 ) وتمرد فيه وأتبع نفسه هواها

ولم يراقب فيها مولاها ، فوعظه بمن سلف قبله من الملوك والدول ، وكيف بادوا ولم يبق

منهم أحد ، وأنه ما صار إليه عن غيره إلا وهو منتقل عنه إلى من بعده ، فأخذته موعظته

وبلغت منه كل مبلغ ، فارعوى لنفسه ، وفكر في يومه وأمسه ، وخاف من ضيق رمسه ، فتاب وأناب ونزع عما كان فيه ، وترك الملك ولبس زى الفقراء ، وساح في الفلوات

وحظى بالخطوات ، وخرج عما كان الناس فيه من اتباع الشهوات وعصيان

رب السموات .

وقد ذكر قصته مبسوطة الشيخ الامام موفق بن قدامة المقدسى رحمه الله تعالى في

كتاب ( التوابين ) وكذلك أوردها بإسناد متين الحافظ أبوالقاسم السهيلى في كتاب

( الروض الانف ) المرتب أحسن ترتيب وأوضح تبيين . * ( هامش ) * ( 1 ) ا : تذكير . ( 2 ) ا : معرض . ( 3 ) ألوت به : ا : ذهبت به ، والصبا : ريح مهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش والدبور ريح تقابل الصبا . ( 4 ) ا : وعق ( * )

ـ 55 ـ

خبر ملوك الطوائف

وأما صاحب الحضر وهو ساطرون ، فقد تقدم أنه كان مقدما على سائر ملوك الطوائف ،

وكان مزمن اسكندر بن فلبيس المقدونى اليونانى ، وذلك لانه لما غلب على ملك الفرس

دارا بن دارا ، وأذل مملكته وخرب بلاده واستباح بيضة قومه ونهب حواصله ، ومزق

شمل الفرس شذر مذر ، عزم أن لايجتمع لهم بعد ذلك شمل ولايلتئم لهم أمر .

فجعل يقر كل ملك على طائفة من الناس في إقليم من أقاليم الارض ما بين عربها

وأعاجمها ، فاستمر كل ملك منهم يحمى حوزنه ويحفظ حصته ويستغل محلته ، فإذا هلك

قام ولده من بعده أو أحد قومه ، فاستمر الامر كذلك قريبا من خمسمائة سنة .

حتى كان أردشير بن بابك من بنى ساسان بن بهمن بن اسفنديار بن يشتاسب بن

لهراسب ، فأعاد ملكهم إلى ما كان عليه ، ورجعت الممالك برمتها إليه ، وأزال ممالك ملوك

الطوائف ، ولم يبق منهم تالد ولاطارف ، وكان تأخر عليه حصار صاحب الحضر الذى

كان أكبرهم وأشدهم وأعظمهم إذ كان رئيسهم ومقدمهم ، فلما مات أردشير تصدى له

ولده سابور فحاصره حتى أخذه ، كما تقدم والله سبحانه وتعالى أعلم .

ـ 56 ـ

باب ذكر بنى إسماعيل وهم عرب الحجاز وما كان

من أمور الجاهلية إلى زمان البعثة

ذكرنا إسماعيل نفسه عليه السلام مع الانبياء ( 1 ) وكيف كان من أمره حين احتمله

أبوه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام مع أمه هاجر فأسكنها بوادى مكة بين جبال

فاران ، حيث لاأنيس به ولاحسيس ، وكان إسماعيل رضيعا ، ثم ذهب وتركهما هنالك

عن أمر الله له بذلك ، ليس عند أمه سوى جراب فيه تمر ووكاء فيه ماء ، فلما نفد ذلك

أنبع الله لهاجر زمزم التى هى طعام طعم وشفاء سقم ، كما في حديث ابن عباس الطويل

الذى رواه البخارى رحمه الله .

ثم نزلت جرهم ، وهم طائفة من العرب العاربة من أمم العرب الاقدمين عند هاجر

بمكة ، على أن ليس لهم في الماء شئ إلا ما يشربون منه وينتفعون به ، فاستأنست

هاجر بهم .

وجعل الخليل عليه السلام يطالع أمرهم في كل حين . يقال إنه كان يركب البراق من

بلاد بيت المقدس في ذهابه وإيابه .

ثم لما ترعرع الغلام وشب وبلغ مع أبيه السعى كانت قصة الذبح ، والذبيح هو

إسماعيل على الصحيح .

ثم لما كبر تزوج من جرهم امرأة ثم فارقها وتزوج غيرها ، وتزوج بالسيدة بنت

مضاض بن عمرو الجرهمى وجاءته بالبنين الاثنى عشر كما تقدم ذكرهم وهم : نابت وقيذر

ـ وأذبل ( 2 ) ـ ومشا ، ومسمع ، وماشى ، ودما ، وأذر ، ويطور ، ونبش ، وطيما ،

* ( هامش ) *

( 1 ) وذلك في الجزء الاول من البداية والنهاية للمؤلف . ( 2 ) من ابن هشام . .

( * )

ـ 57 ـ

وقيذما . هكذا ذكره محمد بن إسحاق وغيره عن كتب أهل الكتاب ، وله ابنة واحدة

اسمها نسمة ، وهى التى زوجها من ابن أخيه العيصو بن إسحاق بن إبراهيم ، فولد له منها

الروم وفارس ( 1 )

والاشبان أيضا في أحد القولين .

ثم جميع عرب الحجاز على اختلاف قبائلهم يرجعون في أنسابهم إلى ولديه

نابت وقيذر .

وكان الرئيس بعده والقائم بالامور الحاكم في مكة ، والناظر في أمر البيت وزمزم ،

نابت بن إسماعيل وهو ابن أخت الجرهميين .

ثم تغلبت جرهم على البيت طمعا في بنى أختهم ، فحكموا بمكة وما والاها عوضا عن

بنى إسماعيل مدة طويلة ، فكان أول من صار إليه أمر البيت بعد نابت مضاض بن

عمرو بن سعد بن الرقيب بن عيبر ( 2 )

بن نبت بن جرهم .

وجرهم بن قحطان ، ويقال : جرهم بن يقطن بن عيبر ( 2 )

بن شالخ بن أرفخشذ بن سام

ابن نوح الجرهمى . وكان نازلا بأعلى مكة بقعيقعان .

وكان السميدع سيد قطوراء نازلا بقومه في أسفل مكة ، وكل منهما يعشر ( 3 )

من مر به مجتازا إلى مكة .

ثم وقع بين جرهم وقطوراء فاقتتلوا ، فقتل السميدع واستوثق الامر لمضاض وهو

الحاكم بمكة والبيت ، لاينازعه في ذلك ولد إسماعيل مع كثرتهم وشرفهم وانتشارهم ( 4 )

بمكة وبغيرها وذلك لخؤولتهم له ولعظمة البيت الحرام .

ثم صار الملك بعده إلى ابنه الحارث ، ثم إلى عمرو بن الحارث .

ثم بغت جرهم بمكة وأكثرت فيها الفساد ، وألحدوا بالمسجد الحرام ، حتى ذكر * ( هامش ) * ( 1 ) ا : واليونان . ( 2 ) ا : هيبر ( 3 ) يعشر : يأخذ عشر الاموال ( 4 ) المطبوعة وانتشارهم . وهو خطأ . ( * )

ـ 58 ـ

أن رجلا منهم يقال له إساف بن بغى وامرأة يقال لها نائلة بنت وائل اجتمعا في

الكعبة فكان منه إليها الفاحشة ، فمسخهما الله حجرين ، فنصبهما الناس قريبا

من البيت ليعتبروا بهما ، فلما طال المطال بعد ذلك بمدد عبدا من دون الله في

زمن خزاعة . كما سيأتى بيانه في موضعه . فكانا صنمين منصوبين يقال لهما

إساف ونائلة .

فلما أكثرت جرهم البغى بالبلد الحرام تمالات عليهم خزاعة الذين كانوا نزلوا حول

الحرم ، وكانوا من ذرية عمرو بن عامر الذى خرج من اليمن لاجل ما توقع من سيل العرم

كما تقدم . وقيل إن خزاعة من بنى إسماعيل . فالله أعلم .

والمقصود أنهم اجتمعوا لحربهم وآذنوهم بالحرب واقتتلوا .

واعتزل بنو إسماعيل كلا الفريقين .

فغلبت خزاعة ، وهم بنو بكر بن عبد مناة وغبشان ، وأجلوهم عن البيت .

فعمد عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى ، وهو سيدهم ، إلى غزالى الكعبة ، وهما

من ذهب ، وحجر الركن وهو الحجر الاسود ، وإلى سيوف محلاة وأشياء أخر ، فدفنها

في زمزم وطم زمزم ، وارتحل بقومه فرجعوا إلى اليمن .

وفي ذلك يقول عمرو بن الحارث بن مضاض :

- وقائلة والدمع سكب مبادر * وقد شرقت بالدمع منها المحاجر -

- كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر -

- فقلت لها والقلب منى كأنما * يلجلجه بين الجناحين طائر -

- بلى نحن كنا أهلها فأزالنا * صروف الليالى والجدود العواثر -

- وكنا ولاة البيت من بعد نابت * نطوف بذاك البيت والخير ظاهر -

ـ 59 ـ

- ونحن ولينا البيت من بعد نابت * بعز فما يحظى لدينا المكاثر -

ملكنا فعززنا فأعظم بملكنا * فليس لحى غير ناثم فاخر -

- ألم تنكحوا من خير شخص علمته ، فأبناؤه منا ونحن الاصاهر -

- فإن تنثن الدنيا علينا بحالها * فإن لها حالا وفيها التشاجر -

- فأخرجنا منها المليك بقدرة * كذلك يا للناس تجرى المقادر -

- أقول إذا نام الخلى ولم أنم * أذا العرش لايبعد سهيل وعامر -

- وبدلت منها أوجها لا أحبها * قبائل منها حمير ويحابر -

- وصرنا أحاديثا وكنا بغبطة * بذلك عضتنا السنون الغوابر -

- فسحت دموع العين تبكى لبلدة * بها حرم أمن وفيها المشاعر -

- وتبكى لبيت ليس يؤذى حمامه * يظل به أمنا وفيه العصافر -

وفيه وحوش لاترام أنيسة * إذا خرجت منه فليست تغادر -

قال ابن إسحاق : وقال عمرو بن الحارث بن مضاض أيضا يذكر بنى بكر وغبشان

الذين خلفوا بعدهم بمكة :

- يا أيها الناس سيروا إن قصركم ( 1 ) أن تصبحوا ذات يوم لاتسيرونا -

- حثوا المطى وأرخوا من أزمتها * قبل الممات وقضوا ما تقضونا -

- كنا أناسا كما كنتم فغيرنا * دهر فأنتم كما صرنا تصيرونا -

قال ابن هشام : هذا ما صح له منها . وحدثنى بعض أهل العلم بالشعر أن

هذه الابيات أول شعر قيل في العرب ، وأنها وجدت مكتوبة في حجر باليمن

ولم يسم قائلها . * ( هامش ) * ( 1 ) المطبوعة قصاركم وهو خطأو قصركم أى نهايتكم . ( * )

ـ 60 ـ

وذكر السهيلى لهذه الابيات إخوة ، وحكى عندها حكاية معجبة

وإنشادات مغربة .

قال : وزاد أبوالوليد الازرقى في كتابه ( فضائل مكة ) على هذه الابيات المذكورة

المنسوبة إلى عمرو بن الحارث بن مضاض :

- قد مال دهر علينا ثم أهلكنا * بالبغى فيه ( 1 )

وبز الناس ناسونا -

- واستخبروا في صنيع الناس قبلكم * كما استبان طريق عنده الهونا -

- كنا زمانا ملوك الناس قبلكم * بمسكن في حرام الله مسكونا -

قصة خزاعة ، وخبر عمرو بن لحى ، وعبادة الاصنام

بأرض العرب

قال ابن إسحاق : ثم إن غبشان من خزاعة وليت البيت دون بنى بكر بن عبد مناة

وكان الذى يليه منهم عمرو بن الحارث الغبشانى .

وقريش إذ ذاك حلول وصرم ( 2 )

وبيوتات متفرقون في قومهم من بنى كنانة .

قالوا : وإنما سميت خزاعة خزاعة لانهم تخزعوا من ولد عمرو بن عامر حين أقبلوا

من اليمن يريدون الشام ، فنزلوا بمر الظهران فأقاموا به .

قال عون بن أيوب الانصارى ثم الخزرجى في ذلك :

- فلما هبطنا بطن مر تخزعت * خزاعة منا في حلول كراكر ( 3 ) * ( هامش ) * ( 1 ) المطبوعة فينا ( 2 ) الحلول جمع حال بتشديد اللام والصرم بكسر الصاد وسكون الراء الطائفة من القوم ينزلون

بإبلهم ناحية من الماءو الجمع الاصرام ( 3 ) الكراكر : جمع كركرة بكسر الكاف وسكون الراء

وهى الجماعة من الناس . ( * )

ـ 61 ـ

- حمت كل واد من تهامة واحتمت * بصم القنا و المرهفات البواتر -

............................................................................

- السيرة النبوية مجلد: 1 من ص 61 سطر 1 الى ص 70 سطر 18

- حمت كل واد من تهامة واحتمت * بصم القنا و المرهفات البواتر -

وقال أبوالمطهر إسماعيل بن رافع الانصارى الاوسى :

- فلما هبطنا بطن مكة أحمدت * خزاعة دار الآكل المتحامل -

- فحلت أكاريسا وشتت قنابلا * على كل حى بين نجد وساحل ( 1 )

-

- نفواجرهما عن بطن مكة واحتبوا * بعز خزاعى شديد الكواهل -

فوليت خزاعة البيت ، يتوارثون ذلك كابرا عن كابر ، حتى كان آخرهم حليل

ابن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعى ، الذى تزوج قصى بن كلاب

ابنته حبى ، فولدت له بنيه الاربعة : عبد الدار ، وعبد مناف ، وعبدالعزى ،

وعبدا ، ثم صار أمر البيت إليه . كما سيأتى بيانه وتفصيله في موضعه إن شاء الله

تعالى وبه الثقة .

واستمرت خزاعة على ولاية البيت نحوا من ثلاثمائة سنة ، وقيل خمسمائة سنة

والله أعلم . وكانوا مشئومين ( 2 )

في ولايتهم ، وذلك لان في زمانهم كان أول عبادة

الاوثان بالحجاز .

وذلك بسبب رئيسم عمرو بن لحى لعنه الله ، فإنه أول من دعاهم إلى ذلك .

وكان ذا مال جزيل جدا . يقال : إنه فقا أعين عشرين بعيرا ، وذلك عبارة عن أنه

ملك عشرين ألف بعير .

وكان من عادة العرب أن من ملك ألف بعير فقأ عين واحد منها ، لانه يدفع بذلك

العين عنها . وممن ذكر ذلك الازرقى . * ( هامش ) * ( 1 ) الاكاريس : جمع الجمع للكرس وهو أبيات من الناس مجتمعة . والقنابل جمع قنبل ، وهو

الطائفة من الناس والخيل . ( 2 ) المطبوعة : سوس . وهى تحريف بالاصل عما أثبتناه . ( * )

ـ 62 ـ

وذكر السهيلى : أنه ربما ذبح أيام الحجيج عشرة آلاف بدنة وكسا عشرة آلاف

حلة في كل سنة ، يطعم العرب ويحيس لهم الحيس بالسمن والعسل ويلت لهم السويق .

قالوا : وكان قوله وفعله فيهم كالشرع المتبع ، لشرفه فيهم ومحلته عندهم



وكرمه عليهم .

قال ابن هشام : حدثنى بعض أهل العلم أن عمرو بن لحى خرج من مكة إلى الشام في

بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء ، وبها يومئذ العماليق وهم ولد عملاق ، ويقال

ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح ، رآهم يعبدون الاصنام ، فقال لهم : ما هذه الاصنام

التى أراكم تعبدون ؟ قالوا له : هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ،

ونستنصرها فتنصرنا .

فقال لهم : ألا تعطونى منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه ( 1 ) فأعطوه صنما يقال له هبل ، فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه .

قال ابن إسحاق : ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بنى إسماعيل عليه

السلام ، أنه كان لايظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح في البلاد

إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم .

فحيث ما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة .

حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم ،

حتى خلفت الخلوف ونسوا ما كانوا عليه .

وفي الصحيح عن أبى رجاء العطاردى ، قال : كنا في الجاهلية إذا لم نجد حجرا

جمعنا حثية من التراب وجئنا بالشاة فحلبناها عليه ثم طفنابها . * ( هامش ) * ( 1 ) كذا بالاصول . والقياس : فيعبدوه ( * )

ـ 63 ـ

قال ابن إسحاق . واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام غيره ، فعبدوا

الاوثان وصاروا إلى ماكانت عليه الامم قبلهم من الضلالات .

وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم عليه السلام يتمسكون بها من تعظيم البيت ،

والطواف به ، والحج والعمرة ، والوقوف على عرفات والمزدلفة ، وهدى البدن والاهلال

بالحج والعمرة ، مع إدخالهم فيه ما ليس منه

فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا : لبيك اللهم لبيك . لبيك لاشريك لك ،

إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك . فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم

ويجعلون ملكها بيده . يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( وما يؤمن

أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ( 1 ) أى ما يوحدوننى لمعرفة حقى إلا جعلوا معى

شريكا من خلقى .

وقد ذكر السهيلى وغيره : أن أول من لبى هذه التلبية عمرو بن لحى وأن

إبليس تبدى له في صورة شيخ ، فجعل يلقنه ذلك فيسمع منه ويقول كما يقول ، واتبعه

العرب في ذلك .

وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمعهم يقولون : لبيك

لاشريك لك : يقول : ( قدقد ) أى حسب حسب .

وقد قال البخارى : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا

إسرائيل ، عن أبى حفص عن أبى هريرة . عن النبى صلى الله عليه وسلم . قال : ( إن

أول من سيب السوائب وعبد الاصنام ، أبوخزاعة عمرو بن عامر ، وإنى رأيته يجر

أمعاءه في النار ) . * ( هامش ) * ( 1 ) سورة يوسف 106 ( * )

ـ 64 ـ

تفرد به أحمد من هذا الوجه .

وهذا يقتضى أن عمرو بن لحى هو أبوخزاعة الذى تنسب إليه القبيلة بكمالها ، كما

زعمه بعضهم من أهل النسب ، فيما حكاه ابن إسحاق وغيره .

ولو تركنا مجرد هذا لكان ظاهرا في ذلك بل كالنص ، ولكن قد جاء ما يخالفه

من بعض الوجوه



فقال البخارى : حدثنا أبواليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهرى ، قال : سمعت سعيد

ابن المسيب قال : البحيرة : التى يمنح ( 1 )

درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس .

والسائبة : التى كانوا يسيبونها لآلهتهم لايحمل عليها شئ .

قال : وقال أبوهريرة : قال النبى صلى الله عليه وسلم : ( رأيت عمرو بن عامر

الخزاعى يجر قصبه في النار ، كان أول من سيب السوائب ) .

وهكذا رواه البخارى أيضا ومسلم من حديث صالح بن كيسان عن الزهرى عن سعيد

عن أبى هريرة به .

ثم قال البخارى : ورواه ابن الهاد عن الزهرى .

قال الحاكم : أراد البخارى : رواه ابن الهاد عن ع بدالوهاب بن بخت عن الزهرى .

كذا قال .

وقد رواه أحمد عن عمرو بن سلمة الخزاعى ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن

الهاد ، عن الزهرى ، عن سعيد ، عن أبى هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

يقول : ( رأيت عمرو بن عامر يجر قصبه في النار ، وكان أول من سيب السوائب

وبحر البحيرة ) . * ( هامش ) * ( 3 ) المطبوعة : يمنع . وهو خطأ ( * )

ـ 65 ـ

ولم يذكر بينهما ع بدالوهاب بن بخت كما قال الحاكم . فالله أعلم .

وقال أحمد أيضا : حدثنا عبدالرازق ، حدثنا معمر ، عن الزهرى ، عن أبى

هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رأيت عمرو بن عامر الخزاعى يجر

قصبه في النار ، وهو أول من سيب السوائب ( 1 ) وهذا منقطع من هذا الوجه . والصحيح : الزهرى عن سعيد عنه كما تقدم .

وقوله في هذا والحديث والذى قبله : ( الخزاعى ) يدل على أنه ليس والد القبيلة ،

بل منتسب إليها ، مع ما وقع في الرواية من قوله أبوخزاعة تحيف من الراوى من :

( أخو خزاعة ) أو أنه كان يكنى بأبى خزاعة ، ولا يكون ذلك من باب الاخبار بأنه

أبوخزاعة كلهم . والله أعلم .

وقال محمد بن إسحاق : حدثنى محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى ، أن أبا صالح

السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة : يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

لاكثم بن الجون الخزاعى : ( يا أكثم ، رأيت عمرو بن لحى بن قمعة بن خندف يجر

قصبه في النار ، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا بك منه ) .

فقال أكثم : عسى أن يضرنى شبهه يا رسول الله .

قال : ( لا إنك مؤمن وهو كافر ، إنه كان أول من غير دين إسماعيل ، فنصب

الاوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامى ) .

ليس في الكتب من هذا الوجه .

وقد رواه ابن جرير عن هناد بن عبدة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبى سلمة ، عن أبى

هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم بنحوه أو مثله ، وليس في الكتب أيضا . * ( هامش ) * ( 1 ) المسند حديث رقم 7696

( 5 - السيرة - 1 ) ( * ) .

ـ 66 ـ

وقال البخارى : حدثنى محمد بن أبى يعقوب أ بوعبدالله الكرمانى ، حدثنا حسان

ابن إبراهيم ، حدثنا يونس ، عن الزهرى ، عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم ( رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا ، ورأيت عمرا يجر قصبه ، وهو أول

من سيب السوائب ) .

تفرد به البخارى .

وروى الطبرانى من طريق صالح ، عن ابن عباس ، مرفوعا في ذلك .

والمقصود أن عمرو بن لحى لعنه الله كان قد ابتدع لهم أشياء في الدين غير بها دين

الخليل ، فاتبعه العرب في ذلك ، فضلوا بذلك ضلالا بعيدا بينا فظيعا شنيعا .

وقد أنكر الله تعالى عليهم في كتابه العزيز في غير ما آية منه . فقال تعالى :

( ولاتقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله

الكذب ) ( 1 ) الآية . وقال تعالى : ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبد ولاوصيلة

ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم

لايعقلون ) . ( 2 )

وقد تكلمنا على هذا كله مبسوطا وبينا اختلاف السلف في تفسير ذلك ، فمن أراه

فليأخذه من ثم ، ولله الحمد والمنة .

وقال تعالى : ( ويجعلون لما لايعلمون نصيا مما رزقناهم ، تالله لتسئلن عما

كنتم تفترون ) .

( 3 ) وقال تعالى : ( وجعلوا لله ما ذرا من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله

بزعمهم وهذا لشر كائنا فما كان لشر كائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل * ( هامش ) * ( 1 ) سورة النحل ( 116 ) ( 2 ) سورة المائدة ( 153 ) ( 3 ) سورة النحل 56 ( * )

ـ 67 ـ

إلى شركائهم ساء ما يحكمون . وكذلك زين لكثير من المشكرين قتل أولادهم

شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون .

وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لايطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت

ظهورها وأنعام لايذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون .

وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ، وإن يكن ميتة

فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم . قد خسر الذين قتلوا أولادهم

سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا

مهتدين ) ( 1 ) وقال البخارى في صحيحه : ( باب جهل العرب ) : ( 2 ) حدثنا أ بوالنعمان ، حدثنا أبوعوانة ، عن أبى بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن

عباس ، قال : إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الانعام :

( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ، وحرموا ما رزقهم الله افتراء على

الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين ) .

وقد ذكرنا تفسير هذه الآية ، وما كانوا ابتدعوه من الشرائع الباطلة الفاسدة ، التى

ظنها كبيرهم عمرو بن لحى قبحه الله مصلحة ورحمة بالدواب والبهائم ، وهو كاذب

مفتر في ذلك .

ومع هذا الجهل والضلال اتبعه هؤلاء الجهلة الطغام فيه .

بل قد تابعوه فيها هو أطم من ذلك وأعظم بكثير ، وهو عبادة الاوثان مع

الله عزوجل . * ( هامش ) * ( 1 ) سورة الانعام : 136 - 140 ( 2 ) البخارى : باب قصة زمزم وجهل العرب ( * )

ـ 68 ـ

وبدلوا ما كان الله بعث به إبراهيم خليله من الدين القويم والصراط المستقيم ، من

توحيد عبادة الله وحده لاشريك له وتحريم الشرك .

وغيروا شعائر الحج ومعالم الدين بغير علم ولابرهان ولادليل صحيح ولاضعيف .

واتبعوا في ذلك من كان قبلهم من الامم المشركين .

وشابهوا قوم نوح ، وكانوا أول من أشرك بالله وعبد الاصنام ولهذا بعث الله إليهم

نوحا ، وكان أول رسول بعث ينهى عن عبادة الاصنام ، كما في قصة نوح ( وقالوا

لاتذرن آلهتكم ولاتذرن ودا ولاسواعا ولايغوث ويعوق ونشرا وقد أضلوا

كثيرا ولاتزد الظالمين إلا ضلالا ) . ( 1 ) قال ابن عباس : كان هؤلاء قوما صالحين في قوم نوح ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ،

فلما طال عليهم الامد عبدوهم ، وقد بينا كيفية ما كان من أمرهم في عبادتهم بما أغنى عن

إعادته ها هنا .

قال إبن إسحاق وغيره : ثم صارت هذه الاصنام في العرب بعد تبديلهم دين

إسماعيل ، فكان ود لبنى كلب بن وبرة ( 2 ) بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف

ابن قضاعة . وكان منصوبا بدومة الجندل .

وكان سواع لبنى هذيل بن الياس بن مدركة بن مضر . وكان منصوبا بمكان

يقال له رهاط .

وكان يغوث لبنى أنعم من طيئ ولاهل جرش من مذحج . وكان منصوبا بجرش .

وكان يعوق منصوبا بأرض همدان من اليمن لبنى خيوان بطن من همدان . * ( هامش ) * ( 1 ) سورة نوح : 23 ، 24 ( 2 ) المطبوعة : مرة . وهو خطأ ( * )

ـ 69 ـ

وكان نسر منصوبا بأرض حمير لقبيلة يقال لها ذو الكلاع .

قال إبن إسحاق : وكان لخولان بأرضهم صنم يقال له عم أنس ( 1 ) يقسمون له من

أنعامهم وحروثهم قسما بينه وبين الله ، فيما يزعمون ، ( 2 )

فما دخل في حق عم أنس من

حق الله الذى قسموه ( 3 ) له تركوه له ، وما دخل في حق الله من حق عم أنس ردوه

عليه ، وفيهم أنزل الله : ( وجعلوا لله مما ذرا من الحرث والانعام نصيبا ) .

قال : وكان لبنى ملكان بن كنانة بن خزيمة بن مدركة صنم يقال له سعد ،

صخرة بفلاة من أرضهم طويلة ، فأقبل رجل منهم بإبل له مؤبلة ليقفها عليه التماس

بركته ، فيما يزعم ، فلما رأته الابل ، وكانت مرعية لاتركب وكان الصنم يهراق عليه

الدماء ، نفرت منه فذهبت في كل وجه ، وغضب ربها فأخذ حجرا فرماه به ثم قال :

لا بارك الله فيك نفرت على إبلى . ثم خرج في طلبها حتى جمعها ، فلما اجتمعت له قال :

- أتينا إلى سعد ليجمع شملنا * فشتتنا سعد فلا نحن من سعد -

- وهل سعد إلا صخرة بتنوفة * من الارض لايدعو لغى ولارشد -

قال ابن إسحاق : وكان في دوس صنم لعمرو بن حممة الدوسى .

قال : وكانت قريش قد اتخذت صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له هبل .

وقد تقدم فيما ذكره ابن هشام أنه أول صنم نصبه عمرو بن لحى لعنه الله .

قال ابن إسحاق : واتخذوا إسافا ونائلة ، على موضع زمزم ينحرون عندهما ، ثم ذكر

أنهما كانا رجلا وامرأة فوقع عليهما في الكعبة فمسخهما الله حجرين .

ثم قال : حدثنى عبدالله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة أنها

قالت : سمعت عائشة تقول : مازلنا نسمع أن إسافا ونائلة كانا رجلا وامرأة من جرهم

أحدثا في الكعبة فمسخهما الله عزوجل حجرين . والله أعلم .

* ( هامش ) * ( 1 ) في الاصنام لابن الكلبى : عميانس . ( 2 ) ابن هشام : بزعمهم ( 3 ) ابن هشام : سموه ( * )

ـ 70 ـ

وقد قيل إن الله لم يمهلهما حتى فجرا فيها ، بل مسخهما قبل ذلك ، فعند ذلك نصبا

عند الصفا والمروة .

فلما كان عمرو بن لحى نقلهما فوضعهما على زمزم وطاف الناس بهما .

وفى ذلك يقول أبوطالب :

وحيث ينيخ الاشعرون ركابهم * بمفضى السيول من إساف ونائل -

وقد ذكر الواقدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بكسر نائلة يوم الفتح

خرجت منها سوداء شمطاء تخمش وجهها وتدعو بالويل والثبور .

وقد ذكر السهيلى : أن أجا وسلمى وهما جبلان بأرض الحجاز ، إنما سميا باسم رجل

اسمه أجا بن عبد الحى ، فجر بسلمى بنت حام ، فصلبا في هذين الجبلين فعرفا بهما .

قال : وكان بين أجا وسلمى صنم لطيئ يقال له قلس .

قال ابن إسحاق : واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه ، فإذا أراد الرجل

منهم سفرا تمسح به حين يركب ، فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره ،

وإذا قدم من سفره تمسح به ، فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله .

قال : فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالتوحيد قالت قريش : أجعل الآلهة

إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب .

قال ابن إسحاق : وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت ، وهى بيوت تعظمها

كتعظيم الكعبة لها سدنة وحجاب ، وتهدى لها كماتهدى للكعبة ، وتطوف بها كطوافها

ـ 71 ـ

بها وتنحر عندها . وهى ـ مع ذلك ـ ( 1 ) تعرف فضل الكعبة عليها ، لانها بناء إبراهيم

............................................................................

- السيرة النبوية مجلد: 1 من ص 71 سطر 1 الى ص 80 سطر 20

بها وتنحر عندها . وهى ـ مع ذلك ـ ( 1 ) تعرف فضل الكعبة عليها ، لانها بناء إبراهيم

الخليل عليه السلام ومسجده .

وكانت لقريش وبنى كنانة العزى بنخلة ، وكان سدنتها وحجابها بنى شيبان

من سليم حلفاء بنى هاشم ، وقد خربها خالد بن الوليد زمن الفتح . كما سيأتى .

قال : وكانت اللات لثقيف بالطائف ، وكان سدنتها وحجابها بنى معتب من

ثقيف ، وخربها أبوسفيان والمغيرة بن شعبة بعد مجئ أهل الطائف . كما سيأتى .

قال : وكانت مناة للاوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل المدينة ( 2 ) على

ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد ، وقد خربها أبوسفيان أيضا ، وقيل على بن أبى طالب

كما سيأتى .

قال : وكان ذو الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة ،

وكان يقال له الكعبة اليمانية ، ولبيت مكة الكعبة الشامية . وقد خربه جرير بن عبدالله

البجلى كما سيأتى . قال :

وكان قلس لطيئ ومن يليها بجبلى طيئ ، يعنى ( 3 )

أجأ وسلمى . وهما جبلان مشهوران

كما تقدم .

قال : وكان رئام بيتا لحمير وأهل اليمن كما تقدم ذكره في قصة تبع أحد ملوك حمير

وقصة الحبرين حين خرباه وقتلا منه كلبا أسود .

قال : وكانت رضاء بيتا لبنى ربيعة بن كعب بن سعد ابن زيد مناة بن تميم ، ولها
يقول المستوغر ، واسمه كع

No comments:

Post a Comment