بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
كتاب : تهذيب سنن أبي داود،- منقول
لابن القيم الجوزية رحمه الله
(الملف غير مدقق)
*1*1 ـ كتاب الطهارة
*2*1 ـ باب التخلي عند قضاء
الحاجة
@1 ـ حدثنا عَبْدُ الله بنُ
مَسْلَمَةَ بنِ قَعْنَبٍ الْقَعْنَبِيّ حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابنَ
مُحَمّدٍ عن مُحمّدٍ ـ يَعْنِي ابنَ عَمْروٍ ـ عن أَبي سَلَمَةَ، عن المُغِيَرةِ
بنِ شُعْبَةَ "أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا ذَهَبَ
المَذْهَبَ أَبْعَدَ".
2 ـ حدثنا مُسَدّدُ بنُ
مُسَرْهَدٍ أخبرنا عِيسَى بنُ يُونُسَ حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِالمَلِكِ عن
أبي الزّبَيْرِ عن جَابِرِ بنِ عَبْدِالله: "أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه
وسلم كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتّى لاَ يَرَاهُ أَحَدٌ".
*2*2 ـ باب الرجل يتبوأ لبوله
@3 ـ حدثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ
أخبرنا حَمّادٌ أخبرنا أبُو التّيّاحِ حدثني شَيْخٌ قال: "لَمّا قَدِمَ
عَبْدُالله بنُ عَبّاسٍ الْبَصْرَةَ فَكَانَ يُحَدّثُ عن أبي مُوسَى فَكَتَبَ
عَبْدُ اللّه إلى أبي مُوسَى يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاء، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أبُو
مُوسَى أنّي كُنْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فأَرَادَ
أَنْ يَبُولَ فأَتَى دَمِثاً في أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ، ثمّ قالَ صلى الله عليه
وسلم: "إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ
مَوْضِعاً".
*2*3 ـ باب ما يقول الرجل إذا
دخل الخلاء
@4 ـ حدثنا مُسَدّدُ بنُ
مُسَرْهَدٍ حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ وَ عَبْدُالْوَارِثِ عن عَبْدِالْعَزِيزِ بنِ
صُهَيْبٍ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قال: "كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
إذَا دَخَلَ الخَلاَءَ ـ قال عن حَمّادٍ ـ قال: اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ وقال عن
عَبْدِالْوَارِثِ قال: أَعُوذُ بِالله مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ". قال
أبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ شُعْبَةُ عن عَبْدِالْعَزِيزِ: اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ،
وقال مَرّةً: أَعُوذُ بِالله، وقال وُهَيْبٌ: فَلْيَتَعَوّذْ بِالله.
5 ـ حدثنا الْحَسَنُ بنُ
عَمْروٍ ـ يَعْنِي السّدُوسِيّ ـ قال حدثنا وَكِيعٌ عن شُعْبَةَ عن
عَبْدِالْعَزِيزِ ـ هُوَ ابنُ صُهَيْبٍ ـ عن أَنَسٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قال:
"اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ، وقال شُعْبَةُ وقال مَرّةً: أَعُوذُ
بِالله".
6 ـ حدثنا عَمْرُو بنُ
مَرْزُوقٍ أخبرنا شُعْبَةُ عن قَتَادَةَ عن النّضْرِ بنِ أَنَسٍ عن زَيْدِ بنِ
أَرْقَمَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ هَذِهِ الْحُشُوشَ
مُحْتَضَرَةٌ، فإذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلاَءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِالله مِنَ
الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ".
*2*4 ـ باب كراهية استقبال
القبلة عند قضاء الحاجة
@7 ـ حدثنا مُسَدّدُ بنُ
مُسَرْهَدٍ حدثنا أبُو مُعَاوِيَةَ عن الأعمَشِ عن إبْرَاهِيمَ عن
عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ يَزِيدَ عن سَلْمَانَ قال قِيلَ لَهُ: "لَقَدْ
عَلّمَكُمْ نَبِيّكُمْ كلّ شَيْءٍ حَتّى الْخِرَاءَةَ. قال: أَجَلْ لَقَدْ
نَهَانَا صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ
بَوْلٍ، وَأَنْ لا نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، وَأَنْ لا يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا
بِأَقَلّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ
عَظمٍ".
8 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مُحَمّدٍ النّفَيْلِيّ قال حدثنا ابنُ المُبَارَكِ عن مُحمّدِ بنِ عَجْلاَنَ عن
الْقَعْقَاعِ بنِ حَكِيمٍ عن أَبي صالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قال قال رسولُ الله
صلى الله عليه وسلم: "إِنّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ
أُعَلّمُكُمْ، فإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلا يَسْتَقْبِلْ القِبْلَةَ
وَلاَ يَسْتَدْبِرْهَا وَلاَ يَسْتَطِبْ بِيَمِيِنِهِ، وَكانَ يَأْمُرُ
بِثَلاَثَةِ أحْجَارٍ، وَيَنْهَى عَنِ الرّوْثِ وَالرّمّةِ".
9 ـ حدثنا مُسَدّدُ بنُ
مُسَرْهَدٍ حدثنا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ عن عَطَاءِ بنِ يَزِيدِ اللّيْثِيّ عن
أبي أَيّوبَ رِوَايَةً قال: "إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ
تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلاَ بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرّقُوا أَوْ
غَرّبُوا. فَقَدِمْنَا الشّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ
الْقِبْلَة، فَكُنّا نَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ الله".
10 ـ حدثنا مُوسَى بنُ إسماعيلَ
قال حدثنا وُهَيْبٌ قال حدثنا عَمْرُو بنُ يَحْيَى عن أبي زَيْدٍ عن مَعْقِلِ بنِ
أبي مَعْقِلٍ الأسَدِيّ قال: "نَهَى رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ
نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ غائِطٍ". قال أبُو دَاوُدَ: وَأَبُو
زَيْدٍ هُوَ مَوْلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ.
11 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى
بن فَارِسَ قال حدثنا صَفْوَانُ بنُ عِيسَى عن الْحَسَنِ بِن ذَكْوَانَ عن
مَرْوَانَ الأصْفرِ قال: "رَأَيْتُ ابنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ
مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثمّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ: يا أَبَا
عَبْدِالرّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَ؟ قال: بَلَى إِنّمَا نُهِيَ عَنْ
ذَلِكَ في الْفَضَاءِ، فإِذَا كَانَ بيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ
يَسْتُرُكَ فَلاَ بَأْسَ".
*2*5 ـ باب الرخصة في ذلك
@12 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ عن مَالِكٍ عن يَحْيى بنِ سَعِيدٍ عن مُحَمّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبّانَ
عن عَمّهِ وَاسِعِ بنِ حَبّانَ عن عَبْدِالله بنِ عُمرَ قال: "لَقَدْ
ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ فَرَأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ المُقَدّسِ لِحَاجَتِهِ".
13 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ
بَشّارٍ قال حدثنا وَهْبُ بنُ جَرَيرٍ قال أخبرنا أَبي قال سَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ
إِسْحَاقَ يُحَدّثُ عن أَبَانَ بنِ صَالحٍ عن مُجَاهِدٍ عن جَابِرِ بنِ عَبْدِالله
قال: "نَهَى نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ
بِبَوْلٍ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعامٍ يَسْتَقْبِلُهَا".
قال الشيخ شمس الدين بن القيم
رحمه الله ـ بعد قول الحافظ زكي الدين "وقال الترمذي حديث غريب":
وقال الترمذي: سألت محمداً عن
هذا الحديث، فقال: حديث صحيح. وقد أعل ابن حزم حديث جابر بأنه عن أبان بن صالح،
وهو مجهول، ولا يحتج برواية مجهول. قال ابن مفوز: أبان بن صالح مشهور ثقة صاحب
حديث. وهو أبان بن صالح بن عمير، أبو محمد القرشي، مولى لهم، المكي. روى عنه ابن
جريج، وابن عجلان، وابن إسحاق، وعبيد الله بن أبي جعفر. استشهد بروايته البخاري في
صحيحه عن مجاهد والحسن بن مسلم وعطاء، وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم وأبو زرعة
الرازيان والنسائي، وهو والد محمد بن أبان بن صالح بن عمير الكوفي، الذي روى عنه
أبو الوليد وأبو داود الطيالسي وحسين الجعفي وغيرهم، وجد أبي عبدالرحمَن مشكدانه، شيخ
مسلم، وكان حافظاً. وأما الحديث فإنه انفرد به محمد بن إسحاق، وليس هو ممن يحتج به
في الأحكام. فكيف أن يعارض بحديثه الأحاديث الصحاح أو ينسخ به السنن الثابتة؟ مع
أن التأويل في حديثه ممكن، والمخرج منه معرض. تم كلامه وهو ـ لو صح ـ حكاية فعل لا
عموم لها، ولا يعلم هل كان في فضاء أو بنيان؟ وهل كان لعذر: من ضيق مكان ونحوه، أو
أختياراً؟ فكيف يقدم على النصوص الصحيحة الصريحة بالمنع؟
فإن قيل: فهب أن هذا الحديث
معلول، فما يقولون في حديث عراك عن عائشة "ذكر عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن ناساً يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "أو قد فعلوها؟ استقبلوا بمقعدتي القبلة".
فالجواب أن هذا الحديث لا يصح،
وإنما هو موقوف على عائشة. حكاه الترمذي في كتاب العلل عن البخاري. وقال بعض
الحفاظ: هذا حديث لا يصح، وله علة لا يدركها إلا المعتنون بالصناعة، المعانون
عليها. وذلك أن خالد بن أبي الصلت لم يحفظ متنه، ولا أفام إسناده. خالفه فيه الثقة
الثبت صاحب عراك بن مالك المختص به، الضابط لحديثه: جعفر بن ربيعة الفقيه، فرواه
عن عراك عن عروة عن عائشة: أنها كانت تنكر ذلك. فبين أن الحديث لعراك عن عروة، ولم
يرفعه، ولا يجاوز به عائشة. وجعفر بن ربيعة هو الحجة في عراك بن مالك، مع صحة
الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهرتها بخلاف ذلك. وقال عبدالرحمَن بن أبي
حاتم في كتاب المراسيل عن الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله ـ وذكر حديث خالد بن أبي
الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث فقال:
مرسل. فقلت له: عراك بن مالك قال سمعت عائشة؟ فأنكره وقال: عراك بن مالك من أين
سمع عائشة؟ ما له ولعائشة؟ إنما يرويه عن عروة، هذا خطأ. قال لي: من روى هذا؟ قلت:
حماد بن سلمة عن خالد الحذاء. قال: رواه غير واحد عن خالد الحذاء، وليس فيه سمعت.
وقال غير واحد أيضاً عن حماد بن سلمة، ليس فيه سمعت.
فإن قيل: قد روى مسلم في صحيحه
حديثاً عن عراك عن عائشة. قيل: الجواب أن أحمد وغيره خالفه في ذلك، وبينوا أنه لم
يسمع منها.
*2*6 ـ باب كيف التكشف عند
الحاجة
@14 ـ حدثنا زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ
قال حدثنا وَكِيعٌ عن الأعمشِ عن رَجُلِ عن ابنِ عُمَرَ "أنّ النّبِيّ صلى
الله عليه وسلم كانَ إِذَا أرَادَ حَاجَةً لاَ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتّى يَدْنُوَ
مِنَ الأرْضِ" قال أبُو دَاوُدَ: رَوَاه عَبْدُالسّلاَمِ بنُ حَرْبٍ عن
الأعْمَشِ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وقال في آخره باب التكشف عند
الحاجة ـ بعد قول الحافظ زكي الدين: (والذي قاله الترمذي هو المشهور).
وقال حنبل: ذكرت لأبي عبد الله
ـ يعني أحمد ـ حديث الأعمش عن أنس، فقال: لم يسمع الأعمش من أنس، ولكن رآه، زعموا
أن غياثاً حدث الأعمش بهذا عن أنس. ذكره الخلال في العلل. وقال الخلال أيضاً:
حدثنا مهنا قال: سألت أحمد: لم كرهت مراسيل الأعمش؟ قال: كان لا يبالي عمن حدث.
قلت: كان له رجل ضعيف سوى يزيد الرقاشي وإسماعيل بن مسلم؟ قال: نعم، كان يحدث عن
غياث بن إبراهيم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا أراد الحاجة
أبعد" سألته عن غياث بن إبراهيم؟ فقال: كان كذوباً.
*2*7 ـ باب كراهية الكلام عند
الخلاء
@15 ـ حدثنا عُبَيْدُالله بنُ
عُمَرَ بنِ مَيْسَرَةَ حدثنا ابنُ مَهْدِيّ حدثنا عِكْرَمَةُ بنُ عَمّارٍ عن
يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عن هِلالِ بنِ عَيَاضٍ قال حَدّثَني أَبُو سَعِيدٍ قال
سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا يَخْرُجْ الرّجُلاَنِ
يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كاَشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدّثَانِ، فإِنّ الله
عَزّوَجَلّ يَمْقُتُ عَلى ذَلِكَ" قال أبُو دَاوُدَ: هَذَا لَمْ يَسْنِدْهُ
إِلاّ عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ.
*2*8 ـ باب في الرجل يرد السلام
وهو يبول
@16 ـ حدثنا عُثْمَانُ وَ أَبُو
بَكْرٍ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ قالا حدثنا عُمَرُ بنُ سَعْدٍ عن سُفْيَانَ عن
الضّحّاكِ بنِ عُثْمانَ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ قال: "مَرّ رَجُلٌ عَلَى
النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ فَسَلّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدّ
عَلَيْهِ". قال أبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ وَغَيْرِه أَنّ
النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَيَمّمَ ثمّ رَدّ عَلَى الرّجُلِ السّلاَمَ.
17 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
المُثَنّى حدثنا عَبْدُالأعْلَى حدثنا سَعِيدٌ عن قَتَادَةَ عن الحَسَنِ عن
حُضَيْنِ بنُ المُنْذِرِ أَبي سَاسَانَ عن المُهَاجِرِ بنِ قنْفُذٍ أَنّهُ أَتَى
النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ يَبُولُ فَسَلّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدّ
عَلَيْهِ حَتّى تَوَضّأَ، ثمّ اعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَالَ: "إِنّي كَرِهْتُ
أَنْ أَذْكُرَ الله تَعَالَى ذِكْرُهُ إِلاّ عَلَى طُهْرٍ أَوْ قال: عَلَى
طَهَارَةٍ".
*2*9 ـ باب في الرجل يذكر الله
تعالى على غير طهر
@18 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
الْعَلاَءِ حدثنا ابنُ أَبِي زَائِدَةَ عن أَبِيهِ عن خَالِدِ بنِ سَلَمَةَ ـ
يَعْنِي الْفَأْفَاءَ ـ عن الْبَهِيّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ قَالَتْ:
"كَانَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الله عَزّوَجَلّ عَلَى كُلّ
أَحْيَانِهِ".
*2*10 ـ باب الخاتم يكون فيه
ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء
@19 ـ حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِيّ
عن أَبِي عَلِيّ الحَنَفِيّ عن هَمّامٍ عن ابنِ جُرَيْجٍ عن الزّهْرِيّ عن أَنَسٍ
"كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ وَضَعَ
خاتَمَهُ".
قال أبُو دَاوُدَ: هذا حَدِيثٌ
مُنْكَرٌ وَأَنّمَا يُعْرَفُ عن ابنِ جُرَيْجٍ عن زِيادِ بنِ سَعْدٍ عن الزّهْرِيّ
عن أَنَسٍ قال: "إِنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم اتّخَذَ خَاتَماً مِنْ
وَرَقٍ ثُمّ أَلْقَاهُ". وَالْوَهْمُ فِيهِ مِنْ هَمّامٍ وَلَمْ يَرْوِهِ
إِلاّ هَمّامٌ.
وقال في آخر باب الخاتم يكون
فيه ذكر الله يدخل به الخلاء ـ بعد قول الحافظ زكي الدين: "وإنما يكون غريباً
كما قال الترمذي، والله عز وجل أعلم":
قلت: هذا الحديث رواه همام، وهو
ثقة، عن ابن جريج عن الزهري عن أنس.
قال الدارقطني في كتاب العلل:
رواه سعيد بن عامر وهدبة بن خالد عن همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس أن النبي
صلى الله عليه وسلم، وخالفهم عمرو ابن عاصم فرواه عن همام عن ابن جريج عن الزهري
عن أنس "أنه كان إذا دخل الخلاء" موقوفاً، ولم يتابع عليه. ورواه يحيى
بن المتوكل ويحيى بن الضريس عن ابن جريج عن الزهري عن أنس، نحو قول سعيد بن عامر
ومن تابعه عن همام. ورواه عبد الله بن الحرث المخزومي وأبو عاصم وهشام بن سليمان
وموسى بن طارق عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس "أنه رأى في يد
النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب، فاضطرب الناس الخواتيم، فرمى به النبي
صلى الله عليه وسلم وقال: لا ألبسه أبداً" وهذا هو المحفوظ والصحيح عن ابن
جريج. انتهى كلام الدارقطني. وحديث يحيى بن المتوكل الذي أشار إليه رواه البيهقي
من حديث يحيى بن المتوكل عن ابن جريج به، ثم قال: هذا شاهد ضعيف. وإنما ضعفه لأن
يحيى هذا قال فيه الإمام أحمد: واهي الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، وضعفه
الجماعة كلهم. وأما حديث يحيى بن الضريس، فيحيى هذا ثقة، فينظر الإسناد إليه.
وهمام ـ وإن كان ثقة صدوقاً احتج به الشيخان في الصحيح ـ فإن يحيى بن سعيد كان لا
يحدث عنه ولا يرضى حفظه. قال أحمد: ما رأيت يحيى أسوأ رأياً منه في حجاج ـ يعني
ابن أرطاة ـ وابن إسحاق وهمام، لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم. وقال يزيد ين زريع ـ
وسئل عن همام ـ: كتابه صالح، وحفظه لا يساوي شيئاً. وقال عفان: كان همام لا يكاد
يرجع إلى كتابه ولا ينظر فيه، وكان يخالف فلا يرجع إلى كتاب، وكان يكره ذلك. قال:
ثم رجع بعد فنظر في كتبه، فقال: يا عفان كنا نخطىء كثيراً فنستغفر الله عز وجل.
ولا ريب أنه ثقة صدوق، ولكنه قد خولف في هذا الحديث، فلعله مما حدث به من حفظه
فغلط فيه، كما قال أبو داود والنسائي والدارقطني. وكذلك ذكر البيهقي أن المشهور عن
ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم "أتخذ
خاتماً من ورق، ثم ألقاه". وعلى هذا فالحديث شاذ أو منكر كما قال أبو داود،
وغريب كما قال الترمذي.
فإن قيل: فغاية ما ذكر في
تعليله تفرد همام به؟ وجواب هذا من وجهين: أحدهما: أن هماماً لم ينفرد به كما
تقدم. الثاني أن هماماً ثقة، وتفرد الثقة لا يوجب نكارة الحديث. فقد تفرد عبد الله
بن دينار بحديث النهي عن بيع الولاء وهبته، وتفرد مالك بحديث دخول النبي صلى الله
عليه وسلم مكة وعلى رأسه المغفر. فهذا غايته أن يكون غريباً كما قال الترمذي، وأما
أن يكون منكراً أو شاذاً فلا.
قيل: التفرد نوعان: تفرد لم
يخالف فيه من تفرد به، كتفرد مالك وعبد الله بن دينار بهذين الحديثين، وأشباه ذلك.
وتفرد خولف فيه المتفرد، كتفرد همام بهذا المتن على هذا الإسناد، فإن الناس خالفوه
فيه، وقالوا "إن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورق ـ الحديث"
فهذا هو المعروف عن ابن جريج عن الزهري فلو لم يرو هذا عن جريج وتفرد همام بحديثه،
لكان نظير حديث عبد الله بن دينار ونحوه. فينبغي مراعاة هذا الفرق وعدم إهماله.
وأما متابعة يحيى بن المتوكل
فضعيفة، وحديث ابن الضريس ينظر في حاله ومن أخرجه.
فإن قيل: هذا الحديث كان عند
الزهري على وجوه كثيرة، كلها قد رويت عنه في قصة الخاتم، فروى شعيب بن أبي حمزة
وعبدالرحمَن بن خلاد بن مسافر عن الزهري كرواية زياد بن سعد هذه "أن النبي
صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورق" ورواه يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس
"كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق فصه حبشي" ورواه سليمان بن
بلال وطلحة بن يحيى ويحيى بن نصر بن حاجب عن يونس عن الزهري، وقالوا "إن
النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتماً من فضة في يمينه، فيه فص حبشي جعله في باطن
كفه" ورواه إبراهيم بن سعد عن الزهري بلفظ آخر قريب من هذا، ورواه همام عن
ابن جريج عن الزهري كما ذكره الترمذي وصححه. وإذا كانت هذه الروايات كلها عند
الزهري فالظاهر أنه حدث بها في أوقات فما الموجب لتغليط همام وحده؟.
قيل: هذه الروايات كلها تدل على
غلط همام، فإنها مجمعة على أن الحديث إنما هو في اتخاذ الخاتم ولبسه، وليس في شيء
منها نزعه إذا دخل الخلاء. فهذا هو الذي حكم لأجله هؤلاء الحفاظ بنكارة الحديث
وشذوذه. والمصحح له لما لم يمكنه دفع هذه العلة حكم بغرابته لأجلها، فلو لم يكن
مخالفاً لرواية من ذكر فما وجه غرابته؟ ولعل الترمذي موافق للجماعة، فإنه صححه من
جهة السند لثقة الرواة، واستغربه لهذه العلة وهي التي منعت أبا داود من تصحيح
متنه، فلا يكون بينهما اختلاف، بل هو صحيح السند لكنه معلول. والله أعلم.
*2*11 ـ باب الاستبراء من البول
@20 ـ حدثنا زُهَيْرُ بنُ
حَرْبٍ وَ هَنّادُ بنُ السّرِيّ قالا حدثنا وَكِيعٌ حدثنا الأعمَشُ قال سَمِعْتُ
مُجَاهِداً يُحَدّثُ عن طَاوُسٍ عن ابنِ عَبّاسٍ قال: مَرّ النّبِيّ صلى الله عليه
وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: "إنّهُما يُعَذّبَانِ وَمَا يُعَذّبَانِ في
كَبِيرٍ أَمّا هَذَا فَكَانَ لا يسْتنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمّا هَذَا فَكَانَ
يَمْشِي بِالنّمِيمَةِ، ثُمّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقّهُ باثْنَيْنِ، ثُمّ
غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِداً وَعَلَى هَذَا وَاحِداً وقال: لَعَلّهُ يُخَفّفُ
عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا" قال هَنّادٌ: يَسْتَتِرُ مكانَ يَسْتَنْزِهُ.
21 ـ حدثنا عُثْمَانُ بنُ أَبي
شيْبَةَ حدثنا جَرِيرٌ عن مَنْصُورٍ عن مُجَاهِدٍ عن ابنِ عَبّاسٍ عن النّبِيّ صلى
الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ قال: "كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ"
وقال أَبُو مُعَاوِيَةَ يَسْتَنْزِهُ".
22 ـ حدثنا مُسَدّدٌ حدثنا
عَبْدُالوَاحِدِ بنُ زِيادٍ حدثنا الأعمَشُ عن زَيْدٍ بنِ وَهْبٍ عن عَبْدِ
الرّحْمَنِ بنِ حَسَنَةَ قال: "انْطَلَقْتُ أَنَا وَعَمْرُو بنُ الْعَاصِ
إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَخَرجَ وَمَعَهُ دَرَقَةٌ ثُمّ اسْتَتَرَ بِهَا
ثُمّ بالَ، فَقُلْنَا: انْظُرُوا إِلَيْهِ يَبُولُ كما تَبُولُ المَرْأَةُ،
فَسَمِعَ ذَلِكَ فَقَالَ: أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا لَقِيَ صَاحِبُ بَنِي
إِسْرَائِيلَ؟ كانُوا إذَا أَصَابَهُمْ الْبَوْلُ قَطَعُوا مَا أَصَابَهُ
الْبَوْلُ مِنْهُمْ فَنَهَاهُمْ فَعُذّبَ في قَبْرِهِ". قال أَبُوا دَاوُدَ:
قال مَنْصُورٌ عن أبي وائِلٍ عن أَبي مُوسَى في هَذَا الْحَدِيثِ قال: جِلْدَ
أحَدِهِمْ، وقال عَاصِمٌ عن أبي وَائِلٍ عن أَبي مُوسَى عن النّبِيّ صلى الله عليه
وسلم قال: جَسَدَ أَحَدِهِمْ.
*2*12 ـ باب البول قائما
@23 ـ حدثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ
وَ مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قالا حدثنا شُعْبَةُ ح. وحدثنا مُسَدّدٌ حدثنا أبُو
عَوانَةَ وهَذا لَفْظُ حَفْصٍ عن سُلَيْمانَ عن أَبي وَائِلٍ عن حُذَيْفَةَ قال:
"أَتَى رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِماً
ثُمّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَسَحَ عَلَى خُفّيْهِ". قال أَبُو دَاودَ: قال
مُسَدّدٌ قال: "فَذَهَبْت أتَبَاعَدُ، فَدَعَانِي حَتّى كُنْتُ عِنْدَ
عَقَبِهِ".
*2*13 ـ باب في الرجل يبول
بالليل في الإناء ثم يضعه عنده
@24 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عِيسَى
حدثنا حَجّاجٌ عن ابنِ جُرَيْجٍ عن حُكَيْمَةَ بِنْتِ أُمَيْمَةَ ابْنَةِ
رُقَيْقَةَ عن أُمّهَا أَنّهَا قالَتْ: "كَانَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم
قَدَحٌ مِنْ عِيدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللّيْلِ".
*2*14 ـ باب المواضع التي نُهي
عن البول فيها
@25 ـ حدثنا قُتَيْبةُ بنُ
سَعِيدٍ حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عن العَلاَءِ بنِ عَبْدِالرّحْمَنِ عن
أَبِيهِ عن أَبِي هُرَيْرَة أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "اتّقُوا
الّلاعِنَيْنِ. قالُوا: وَما الّلاعِنَانِ ياَرَسُولَ الله؟ قال: الّذي يَتَخَلّى
في طَرِيقِ النّاسِ أوْ ظِلّهِمْ".
26 ـ حدثنا إسْحَاقُ بنُ
سُوَيْدٍ الرّمْلِيّ وَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ أَبُو حَفْصٍ وَحَدِيثُهُ أَتَمّ،
أَنّ سَعِيدَ بنَ الحَكَمِ حَدّثّهُمْ، أخْبَرَنَا نَافِعُ بنُ يَزِيدَ حَدّثني
حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ أنّ أبَا سَعِيدٍ الحِمْيَرِيّ حدّثَهُ عن مُعَاذِ بنِ
جَبَلٍ قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اتّقُوا المَلاَعِنَ
الثّلاَثَة: الْبِرَازَ في المَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطّرِيقِ والظّلّ".
*2*15 ـ باب في البول في
المستحم
@27 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
مُحمّدٍ بنُ حَنْبَلٍ وَ الْحَسَنُ بنُ علِيّ قالا حدثنا عَبْدُالرّزّاقِ قال
أحْمَدُ حدثنا مَعْمَرٌ أخبرني أَشْعَثُ وقال الْحَسَنُ عن أشْعَثَ بنِ عَبْدِالله
عن الْحَسَنِ عن عَبْدِالله بنِ مُغَفّلٍ قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"لا يَبُولَنّ أَحَدُكُمْ في مُسْتَحَمّهِ ثُمّ يَغْتَسِلُ فِيهِ ـ قال أحمدُ
ـ ثُمّ يَتَوَضّأْ فِيهِ، فإِنّ عَامّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ".
28 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ
يُونُسَ حدثنا زُهَيْرٌ عن دَاوُدَ بنِ عَبْدِالله عن حُمَيْدِ الحِمْيَرِيّ ـ
وهُوَ ابنُ عَبْدِالرّحْمَنِ ـ قال: "لَقِيتُ رَجُلاً صَحِبَ النّبِيّ صلى
الله عليه وسلم كما صَحِبَهُ أبُو هُرَيْرَةَ قال: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله
عليه وسلم أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كلّ يَوْمٍ أَوْ يَبُولَ في
مُغْتَسَلِهِ".
*2*16 ـ باب النهي عن البول في
الجحر
@29 ـ حدثنا عُبَيْدُالله بنُ
عُمَرَ بنِ مَيْسَرَةَ حدثنا مُعَاذُ بنُ هِشامٍ حَدّثَنِي أَبي عن قَتَادَةَ عن
عَبْدِالله بنِ سَرْجِسَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ يُبَالَ في
الجُحْرِ: "قال قالُوا لِقَتَادَةَ: مَا يُكْرَهُ مِنَ الْبَوْلِ في
الجُحْرِ؟ قالَ: كَانَ يُقَالُ إنّهَا مَسَاكِنُ الجِنّ".
*2*17 ـ باب ما يقول الرجل إذا
خرج من الخلاء
@30 ـ حدثنا عَمْرُو بنُ
مُحمّدٍ النّاقِدُ حدثنا هَاشِمُ بنُ الْقَاسِمِ حدثنا إسْرائِيلُ عن يُوسُفَ بنِ
أبي بُرْدَةَ عن أبِيهِ قال حَدّثَتْنِي عائِشَةُ "أنّ النّبِيّ صلى الله
عليه وسلم كَانَ إذَا خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ قال: غُفْرَانَكَ".
*2*18 ـ باب كراهية مس الذكر
باليمين في الاستبراء
@31 ـ حدثنا مُسْلِمُ بنُ
إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسَى بنُ إِسْمَاعِيلَ قالا حدثنا أبَانُ حدثنا يَحْيَى عن
عَبْدِالله بنِ أبي قَتَادَةَ عن أبِيهِ قال قال نَبي الله صلى الله عليه وسلم:
"إِذَا بَالَ أحَدُكُم فَلاَ يَمَسّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وإذَا أتَى
الْخَلاَءَ فَلاَ يَتَمَسّحْ بِيَمِينِهِ، وإذَا شَرِبَ فَلاَ يَشْرَبْ نَفَساً
وَاحِداً".
32 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ آدَمَ
بنِ سُلَيْمَانَ المِصّيصِيّ أخبرنا ابنُ أبي زَائِدَةَ أخبرنا ابنُ أبي أَيّوبَ ـ
، يَعْنى الإفْرِيقِيّ ـ عن عَاصِمٍ عن المُسَيّبِ بنِ رَافَعٍ وَ مَعْبَدٍ عن
حَارِثَةَ بنِ وَهْبٍ الخُزَاعِيّ قال حَدّثَتْنِي حَفْصَةُ زَوْجُ النّبِيّ صلى
الله عليه وسلم "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ
لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ، وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى
ذَلِكَ".
33 ـ حدثنا أبُو تَوْبَةَ
الرّبِيعُ بنُ نَافِعٍ أخبرنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عن ابنِ أبي عَرُوبَةَ عن أبي
مَعْشَرٍ عن إبْرَاهِيمَ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانتْ يَدُ رَسولِ الله صلى
الله عليه وسلم الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وكانَتْ يَدُهُ اليُسْرَى
لِخَلاَئِهِ وَمَا كانَ مِنْ أذى".
34 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ
حَاتِمِ بنِ بَزِيعٍ أخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهّابِ بنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ
أبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَن الأسْوَدِ عَن عَائِشَةَ عَن النّبِيّ صلى
الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ.
*2*19 ـ باب الإستتار في الخلاء
@35 ـ حدثنا إبْرَاهِيمُ بنُ
مُوسَى الرّازِيّ أخْبَرَنَا عِيسَى بنُ يُونُسَ عن ثَوْرٍ عن الْحُصَيْنِ
الْحُبْرَانِيّ عن أبي سَعِيدٍ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
قال: "مَنْ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أحْسَنَ وَمَنْ لاَ
فَلاَ حَرَجَ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أحْسَنَ وَمَنْ
لاَ فَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ أكَلَ فَمَا تَخَلّلَ فَلْيُلْفِظْ، وَمَا لاَكَ
بِلِسانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ
وَمَنْ أتَى الْغَائِط فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلاّ أنْ يَجْمَعَ
كَثيباً مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ، فَإِنّ الشّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ
بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ". قال أبُو
دَاوُدَ: رَوَاهُ أبُو عَاصِمٍ عن ثَوْرٍ. قال حُصَيْنٌ الْحِمْيَرِيّ: وَرَوَاهُ
عَبْدُالمَلِكِ بنُ الصّبّاحِ عن ثَوْرٍ فقالَ أبُو سَعِيدٍ الْخَيْرُ. قال أبُو
دَاوُدَ: أبُو سَعيدٍ الخَيْرُ مِنْ أصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
*2*20 ـ باب ما يُنهى عنه أن
يُستنجى به
@36 ـ حدثنا يَزيدُ بنُ خالِدِ
بنِ عَبْدِالله بنِ مَوْهِبٍ الهَمْدَانيّ أخبرنا المُفَضّلُ ـ يَعْني ابنَ
فَضَالَةَ المِصْرِيّ ـ عن عَيّاشِ بنِ عَبّاسٍ الْقِتْبَانيّ أنّ شَيَيْمَ بنَ
بَيْتَانَ أخْبَرَهُ عن شَيْبَانَ الْقَتْبَانيّ "أنّ مَسْلَمَة بنَ مُخَلّدٍ
اسْتَعْمَلَ رُوَيْفِعَ بنَ ثَابِتَ عَلَى أسْفَلَ الأرْضِ: قال شَيْبَانُ:
فَسِرْنَا مَعَهُ مِنْ كُومِ شَرِيكٍ إلَى عَلْقَمَاءَ أوْ مَنْ عَلقَمَاءَ إلَى
كُومِ شَرِيك ـ يُرِيدُ عَلْقَامَ ـ فَقَالَ رُوَيْفِعُ: إنْ كانَ أحَدُنَا في
زَمَنِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَيَأْخُذَ نِضْوَ أخِيهِ. عَلَى أنّ لَهُ
النّصْفَ مِمّا يَغْنَمُ وَلَنَا النّصْفَ إنْ كانَ أحَدُنَا لِيَطِيرُ لَهُ
النّصْلُ والرّيشُ وَلِلاَخَرِ القَدَحُ. ثُمّ قال قال لي رسولُ الله صلى الله
عليه وسلم: "يَارُوَيْفِعُ لَعَلّ الحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي
فَاخْبِرْ النّاسَ أنّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ، أَوْ تَقَلّدَ وَتَراً، أَوْ
اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابّةٍ أَوْ عَظْم، فإِنّ مُحمّداً مِنْهُ بَرىءٌ".
37 ـ حدثنا يَزِيدُ بنُ خَالِدٍ
حدثنا مُفَضّلٌ عن عَيّاشٍ أنّ شُيَيْمَ بنَ بَيْتَانَ أخْبَرَهُ بِهَذَا
الْحَدِيثِ أيْضاً عن أبي سَالِمٍ الْجِيْشَانِيّ عن عَبْدِالله بنِ عَمْرٍو
يَذْكُرُ ذَلِكَ وَهُوَ مَعَهُ مُرَابِطٌ بِحِصْنِ بَابِ أَلْيُونَ. قال أبو
دَاوُد: حِصْنُ أَلْيُونَ بالْفُسْطَاطِ عَلَى جَبَلِ. قال أبو دَاوُد: وَهُوَ
شَيْبَانُ بنُ أُمَيّةَ، يُكْنَى أبَا حُذَيْفَةَ.
38 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
مُحَمّدِ بِنِ حَنْبَلٍ أخْبَرَنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ حدثنا زَكَرِيّا بنُ
إسْحَاقَ أخبرنا أبُو الزّبَيْرِ أنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بنَ عَبْدِالله يَقُولُ:
"نَهَانَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَمَسّحَ بَعَظْمٍ أَوْ
بَعْرٍ".
39 ـ حدثنا حَيْوَةُ بنُ
شُرَيْحٍ الْحِمْصِيّ أخبرنا ابنُ عَيّاشٍ عن يَحْيَى ابنِ أبي عَمْرٍو
السيْبَانِيّ عن عَبْدِالله بنِ مَسْعُودٍ قال: "قَدِمَ وَفْدُ الْجِنّ عَلَى
النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقالُوا: يامُحمّدُ إِنْه أُمّتَكَ أنْ يَسْتَنْجُوا
بِعَظْمٍ أوْ رَوْثَةٍ أوْ حُمَمةٍ، فإِنّ الله عَزّوَجَلّ جَعَلَ لَنَا فِيهَا
رِزْقاً. قال: فَنَهَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم".
*2*21 ـ باب الاستنجاء بالأحجار
@40 ـ حدثنا سَعِيدُ بنُ
مَنْصُورٍ وَ قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قالا حدثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِالرّحْمَنِ
عن أبي حَازِمٍ عن مُسْلِمِ بنِ قُرْطٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ قَالَتْ إنّ
رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا ذَهَبَ أحَدُكُم إِلَى الْغَائِطِ
فَلْيَذْهَبُ مَعَهُ بِثَلاَثَةِ أحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنّ فإِنّهَا تُجْزِىءُ
عَنْهُ".
41 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مُحمّدٍ النّفَيْلِيّ حدثنا أبُو مُعَاوِيَةَ عَن هِشَامَ بنِ عُرْوَةَ عن عَمْرُو
بنِ خُزَيْمَةَ عن عُمَارَةَ بنِ خُزَيْمَةَ عن خزيمة بنِ ثَابِتٍ قال:
"سُئِلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الإِسْتِطَابَةِ فَقَالَ: بِثَلاَثَةِ
أحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ".
قال أبو داوُد: وكَذَا رَوَاهُ
أبُو أُسَامَةَ وَابنُ نُمَيْرٍ عن هِشَامٍ.
*2*22 ـ باب في الاستبراء
@42 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيدٍ وَ خَلْفُ بنُ هِشامِ المُقْرَئِيّ قالا أخبرنا عَبْدُالله بنُ يَحْيَى
التّوْأَمُ ح. وأخبرنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ أخبرنا أبُو يَعْقُوبَ التّوْأَمُ عن
عَبْدِالله بنِ أبي مُلَيْكَةَ عن أُمّهِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ "بَالَ رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عُمَرُ خَلْفَهُ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ، فَقَالَ:
مَا هَذَا يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: هَذَا مَاءٌ تَتَوَضّأُ بِهِ. قال: ما أُمِرْتُ
كُلّمَا بُلْتُ أنْ أتَوَضّأَ، وَلَوْ فَعَلْتُ لَكَانَتْ سُنّةً".
*2*23 ـ باب في الاستنجاء
بالماء
@43 ـ حدثنا وَهْبُ بنُ
بَقِيّةَ عن خَالِدٍ ـ يَعْنِى الوَاسِطِيّ ـ عن خَالِدٍ ـ يَعْنِي الْحَذّاءَ ـ
عن عَطَاءِ بنِ أبي مَيْمُونَةَ عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ "أنّ رَسولَ الله صلى
الله عليه وسلم دَخَلَ حَائِطاً وَمَعَهُ غُلاَمٌ مَعَهُ مِيضَأَةٌ وَهُوَ
أصْغَرُنَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ السّدْرَةِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا
وَقَدْ اسْتَنْجَى بالمَاءِ".
44 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
العَلاَءِ أخبرنا مُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ عن يُونُسَ بنِ الحَارِثِ عن
إِبْرَاهِيمَ بنِ أبي مَيْمُونَةَ عن أبي صَالحٍ عن أبي هُرَيْرَة عن النّبيّ صلى
الله عليه وسلم قال: "نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ في أهْلِ قُبَاءِ {فِيهِ
رِجَالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا} قال: كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بالماءِ فنزَلَتْ
فيهِمْ هَذِهِ الاَيَةُ.
*2*24 ـ باب الرجل يدلك يده
بالأرض إذا استنجى
@45 ـ حدثنا إبْرَاهِيمُ بنُ
خَالِدٍ أخبرنا أسْوَدُ بنُ عَامِرٍ أخبرنا شَرِيكٌ (ح) وحدثنا مُحمّدُ بنُ
عَبْدِالله ـ يَعْنِي المُخَرّمِيّ ـ حدثنا وَكِيعٌ عن شَرِيكٍ عن إبْرَاهِيمَ بنِ
جَرِيرٍ عن أبي زُرْعَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ قال: "كانَ النّبيّ صلى الله عليه
وسلم إذَا أتَى الْخَلاَءَ أتَيْتُهُ بِمَاءٍ في تَوْرٍ أوْ رَكْوَةٍ فاسْتَنْجَى
قال أبو داود: في حديث وكيع ثُمّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الأرْضِ ثُمّ أتَيْتُهُ
بِإنَاءٍ آخَرَ فَتَوَضّأَ."
قال أبُو داوُد: وَحَديثُ
الأسْوَدِ بنِ عَامِرٍ أتَمّ.
*2*25 ـ باب السواك
@46 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيدٍ عن سُفْيَانَ عن أبي الزّنَادِ عن الأعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ
قال: "لَوْلاَ أنْ أشُقّ عَلَى المُؤمِنِينَ لأَمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ
الْعِشَاءِ وَبِالسّوَاكِ عِنْدَ كُلّ صَلاَةٍ.".
47 ـ حدثنا إبْرَاهِيمُ بن
مُوسَى أخبرنا عِيسَى بن يُونُسَ أخبرنا مُحمّدُ بنُ إسْحَاقَ عن مُحَمّدِ بنِ
إبْراهِيمَ التّيْمِيّ عن أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِالرّحْمَنِ عن زَيْدِ بنِ خَالِدٍ
الْجُهَنِيّ قال سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَوْلاَ أنْ
أشُقّ عَلَى أُمّتِي لأَمَرتُهُمْ بِالسّوَاكِ عِنْدَ كُلّ صَلاَةٍ". قال أبو
سَلَمَةَ: فَرَأَيْتُ زَيْداً يَجْلِسُ في المَسْجِدِ وَإنّ السّوَاكَ مِنْ
أُذْنِهِ مَوْضِعُ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الكَاتِبِ، فَكُلّمَا قامَ إلَى
الصّلاَةِ اسْتَاكَ.
48 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عَوْفٍ
الطّائِيّ حدثنا أحْمَدُ بنُ خَالِدٍ حدثنا مُحمّدُ بنُ إسْحَاقَ عن مُحمّدِ بنِ
يَحْيَى بنِ حَبّانَ عن عَبْدِالله بنِ عَبْدِالله بنِ عُمَرَ قال قُلْتُ:
"أرَأيْتَ تَوَضّىءَ (تَؤَضّؤَ) ابنِ عُمَرَ لِكُلّ صَلاَةٍ طَاهِراً
وَغَيْرَ طَاهِرٍ، عَمّ ذَاكَ؟ فَقال: حَدّثَتْنِيهُ أسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدِ بنِ
الخَطّابِ أنّ عَبْدَالله بنَ حَنْظَلَةَ بنِ أبي عَامِرٍ حَدّثَهَا أنّ رسولَ
الله صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بالْوُضُوءِ لِكُلّ صَلاَةٍ طَاهِراً وَغَيْرَ
طَاهِرٍ، فَلَمّا شَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أُمِرَ بالسّوَاكِ لِكُلّ صَلاَةٍ"
فَكَانَ ابنُ عُمَرَ يَرَى أنّ بِهِ قُوّةً، فَكَانَ لاَ يَدَعُ الْوُضُوءَ لِكُلّ
صَلاَةٍ.
قال أبُو داوُد: إبْرَاهِيمُ
بنُ سَعْدٍ رَوَاهُ عن مُحمّدِ بنِ إسْحَاقَ قال: عُبَيْدَالله بنُ عَبْدِالله.
*2*26 ـ باب كيف يستاك
@49 ـ حدثنا مُسَدّدٌ وَ
سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيّ قالا حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن غَيْلاَنَ
بنِ جَرِيرٍ عن أبي بُرْدَةَ عن أبِيهِ قال مُسَدّدٌ قال: "أَتَيْنَا رَسولَ
الله صلى الله عليه وسلم نَسْتَحْمِلُهُ فَرَأيْتُهُ يَسْتَاكُ عَلَى لِسَانِهِ.
وقال سُلَيْمانُ قال: دَخَلْتُ عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَسْتَاكُ
وَقَدْ وَضَعَ السّوَاكَ عَلَى طَرَفِ لِسَانِهِ وَهُوَ يَقُولُ إه إه"..
يَعْنِي يَتَهَوّعُ.
قال أبُو دَاوُدَ: قال مُسَدّدٌ:
كانَ حَدِيثاً طَويلاً اخَتَصَرَهُ (وَلَكِنّي اخْتَصَرْتُهُ).
*2*27 ـ باب في الرجل يستاك
بسواك غيره
@50 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عِيسَى
أخبرنا عَنْبَسَةُ بنُ عَبْدِالوَاحِدِ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبِيهِ عن
عَائِشَةَ أنّهَا قَالَتْ: "كانَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَنّ
وَعِنْدَهُ رَجُلاَنِ أحَدُهُما أكْبَرُ مِنَ الاَخَرِ، فأُوحِيَ إلَيْهِ في
فَضْلِ السّوَاكِ أنْ كَبّرْ، أعْطِ السّوَاكَ أكْبَرَهُما".
*2*28 ـ باب غسل السواك
@51 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
بَشّارٍ أخبرنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِالله الأنْصَارِيّ أخبرنا عَنْبَسَةُ بنُ
سَعِيدٍ الْكُوفِيّ الحَاسِبُ أخبرنا كَثِيرٌ عن عَائِشَةَ أنّهَا قَاَلَتْ:
"كان نَبِيّالله صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ فَيُعْطِينِي السّوَاكَ
لاِءَغْسِلَهُ فأَبْدَأُ بِهِ فَأَسْتَاكُ ثُمّ أَغْسِلُهُ وَأَدْفَعُهُ
إلَيْهِ".
*2*29 ـ باب السواك من الفطرة
@52 ـ حدثنا يَحْيَى بنُ
مُعِينٍ أخبرنا وَكِيعٌ عن زَكَرِيّا بنَ أبي زَائِدَةَ عن مُصْعَبِ بنِ شَيْبَةَ
عن طَلْقِ بنِ حَبِيبٍ عن ابنِ الزّبَيْرِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رسولُ الله
صلى الله عليه وسلم: "عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصّ الشّارِبِ، وَإِعْفَاءُ
الّحْيَةِ، وَالسّوَاكُ، وَالاِسْتِنْشَاقُ بالمَاءِ، وَقَصّ الأظْفَارِ، وَغَسْلُ
الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الإبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ المَاءِ ـ
يَعْنِي الاسْتِنْجَاءَ بالماءِ ـ قال زَكَرِيّا قال مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ
العَاشِرَةَ، إلاّ أنْ تَكُونَ المَضْمَضَةَ".
53 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ وَ دَاوُدُ بنُ شَبِيبٍ قالا أخبرنا حَمّادٌ عن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ عن
سَلَمَةَ بنِ مُحمّدِ بنِ عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ، قال مُوسَى عن أبِيهِ، وقال
دَاوُدُ عن عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ
مِنَ الْفِطْرَةِ المَضْمَضَةَ والاِسْتِنْشَاقَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ
يَذْكُرْ إعْفَاءَ اللّحْيَةِ، وَزَادَ وَالخِتَانَ، قال: وَالاِنْتِضَاحَ، وَلَمْ
يَذْكُرْ انْتِقَاصَ المَاءِ ـ يَعْنِي الاسْتِنْجَاءَ".
قال أبُو داوُدَ: وَرُوِيَ
نَحْوُهُ عن ابنِ عَبّاسٍ: وقال: خَمْسٌ كُلّهَا في الرّأْسِ" وَذَكَرَ فِيهِ
الْفَرْقَ وَلَمْ يَذْكُرْ إعْفَاءَ اللّحْيَةِ.
قال أبُو داوُدَ: وَرُوِيَ
نَحْوُ حَدِيثِ حَمّادٍ عن طَلْقِ بنِ حَبِيبٍ وَمُجَاهِدٍ وعن بَكْرِ بنِ
عَبْدِالله المُزَنِيّ قَوْلَهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرُوا إعْفاءَ اللّحْيَةِ.
وفي حَديثِ مُحمّدِ بنِ
عَبْدِالله بنِ أبي مَرْيَمَ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبِيّ صلى
الله عليه وسلم فِيهِ: وَإِعْفَاءُ اللّحْيَةِ.
وعن إِبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ
نَحْوَهُ، وَذَكَرَ إِعْفاءَ اللّحْيَةِ وَالخِتَانَ.
*2*30 ـ باب السواك لمن قام
بالليل
@54 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
كَثِيرٍ أخبرنا سُفْيَانُ عن مَنْصُورٍ وَ حُصَينٍ عن أبي وَائِلٍ عن حُذَيْفَةَ
قال: "إنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا قَامَ مِنَ اللّيْلِ
يَشُوصُ فَاهُ بالسّوَاكِ".
55 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْماعِيلَ حدثنا حَمّادٌ أخبرنا بَهْزُ بنُ حَكيمِ عن زُرَارَةَ بنِ أوْفَى عن
سَعْدِ بنِ هِشامٍ عن عَائِشَةَ "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ
يُوضَعُ لَهُ وَضُوؤُهُ وَسِوَاكُهُ، فإذا قامَ مِنَ اللّيْلِ تَخَلّى ثُمّ
اسْتَاكَ".
56 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ كَثِيرٍ
أخبرنا هَمّامٌ عن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ عن أُمّ مُحمّدٍ عن عَائِشَةَ "أنّ
النّبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لا يَرْقُدُ مِنْ لَيْلٍ وَلا نَهَارٍ
فَيَسْتَيْقِظُ إلاّ يَتَسَوّكَ قَبْلَ أنْ يَتَوَضّأَ".
57 ـ حدثنا مُحمّد بنُ عِيسى
أخبرنا هُشَيْمٌ أخبرنا حُصَيْنٌ عن حَبِيبِ بنِ أبي ثابِتٍ عن مُحمّدِ بنِ عَلِيّ
بنِ عَبْدِالله بنِ عَبّاسٍ عن أبيهِ عن جَدّهِ عَبدِ الله بنِ عَبّاسٍ قال:
"بِتّ لَيْلَةً عِنْدَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمّا اسْتَيْقَظَ مِنْ
مَنَامِهِ أتَى طَهُورَهُ فأخَذَ سِوَاكَهُ فاسْتَاكَ ثُمّ تَلاَ هَذِهِ الاَياتِ
{إنّ في خَلْقِ السَمَواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللّيْلِ والنّهَارِ لاَيَاتٍ
لأُولي الألْبَابِ} حَتّى قارَبَ أن يَخْتِمَ السّورَةَ أوْ خَتَمَهَا، ثُمّ
تَوَضّأَ فَأتَى مُصَلاّهُ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ رَجَعَ إلى فِرَاشِهِ
فَنَامَ مَا شَاءَ الله، ثُمّ اسْتَيْقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمّ رَجَعَ
إلى فِرَاشِهِ فَنَامَ، ثُمّ اسْتَيْقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، كلّ ذَلِكَ
يَسْتَاكُ وَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ ثُمّ أوْتَرَ".
قال أبُو داوُدَ: رَوَاهُ ابنُ
فُضَيْلٍ عن حُصَيْنٍ قال: فَتَسَوّكَ وَتَوَضّأ وَهُوَ يقولُ {إنّ في خَلْقِ
السمَواتِ وَالأرْضِ} حَتّى خَتَمَ السّورَةَ.
58 ـ حدثنا إبرَاهيمُ بنُ
مُوسَى الرّازِيّ قال حدثنا عِيسَى حدثنا مُسْعَرٌ عن المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحِ عن
أبِيهِ قال "قُلْتُ لِعَائِشَةَ: بِأيّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قالَتْ: بالسّوَاكِ".
*2*31 ـ باب فرض الوضوء
@59 ـ حدثنا مُسْلِمُ بنُ
إبْراهيمَ قال حدثنا شُعْبَةُ عن قَتَادَةَ عن أبي المَلِيحِ عن أبيهِ عن النّبيّ
صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ يَقْبَلُ الله صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ، وَلاَ
صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ".
60 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ مُحمّدِ
بنِ حَنْبَلٍ قال حدثنا عَبْدُالرّزّاقِ قال أخبرنا مَعْمَرٌ عن هَمّامِ بنِ
مُنَبّهٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "لاَ
يَقْبَلُ الله تَعَالَى جَلّ ذِكْرُهُ صَلاَةَ أحَدِكُم إذَا أحْدَثَ حَتّى
يَتَوَضّأَ".
61 ـ حدثنا عُثْمَانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ قال حدثنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ عن ابنِ عَقِيلٍ عن مُحمّدِ بنِ
الحَنَفِيّةِ عن عَليّ رَضِيَ الله عَنْه قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"مِفْتَاحُ الصّلاَةِ الطّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا
التّسْلِيمُ".
قال الشيخ شمس الدين بن القيم
في باب فرض الوضوء:
16 ـ قوله صلى الله عليه وسلم:
"مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم".
اشتمل هذا الحديث على ثلاثة
أحكام. الحكم الأول: أن مفتاح الصلاة الطهور والمفتاح: ما يفتح به الشيىء المغلق،
فيكون فاتحاً له، ومنه: "مفتاح الجنة لا إله إلا الله"، وقوله:
"مفتاح الصلاة الطهور" يفيد الحصر، وأنه لا مفتاح لها سواه من طريقين:
أحدهما حصر المبتدأ في الخبر إذا كانا معرفتين. فإن الخبر لا بد وأن يكون مساوياً
للمبتدأ أو أعم منه، ولا يجوز أن يكون أخص منه. فإذا كان المبتدأ معرفاً بما يقتضي
عمومه ـ كاللام وكل، ونحوهما ـ ثم أخبر عنه بخبر، اقتضى صحة الإخبار أن يكون
إخباراً عن جميع أفراد المبتدأ فإنه لا فرد من أفراده إلا والخبر حاصل له. وإذا
عرف هذا لزم الحصر، وأنه لا فرد من أفراد ما يفتتح به الصلاة إلا وهو الطهور. فهذا
أحد الطريقين. والثاني: أن المبتدأ مضاف إلى الصلاة، والإضافة تعم. فكأنه قيل:
جميع مفتاح الصلاة هو الطهور. وإذا كان الطهور هو جميع ما يفتح به لم يكن لها
مفتاح غيره. ولهذا فهم جمهور الصحابة والأمة أن قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن
أن يضعن حملهن} أنه على الحصر، أي مجموع أجلهنّ الذي لا أجل لهن سواه. وضع الحمل.
وجاءت السنة مفسرة لهذا الفهم مقررة له، بخلاف قوله: {والمطلقات يتربصن} فإنه فعل
لا عموم له، بل هو مطلق وإذا عرف هذا ثبت أن الصلاة لا يمكن الدخول فيها إلا
بالطهور. وهذا أدل على الاشتراط من قوله: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث
حتى يتوضأ" من وجهين: أحدهما: أن نفي القبول قد يكون لفوات الشرط وعدمه. وقد
يكون لمقارنة محرم، يمنع من القبول، كالإباق وتصديق العراف وشرب الخمر وتطيب
المرأة إذا خرجت للصلاة، ونحوه. الثاني: أن عدم الافتتاح بالمفتاح يقتضي أنه لم
يحصل له الدخول فيها، وأنه مصدود عنها، كالبيت المقفل على من أراد دخوله بغير
مفتاح. وأما عدم القبول فمعناه: عدم الاعتداد بها، وأنه لم يرتب عليها أثرها
المطلوب منها، بل هي مردودة عليه. وهذا قد يحصل لعدم ثوابه عليها ورضا الرب عنه
بها، وإن كان لا يعاقبه عليها عقوبة تاركها جملة، بل عقوبة ترك ثوابه وفوات الرضا
لها بعد دخوله فيها. بخلاف من لم يفتحها أصلاً بمفتاحها، فإن عقوبته عليها عقوبة
تاركها. وهذا واضح.
فإن قيل: فهل في الحديث حجة لمن
قال: إن عادم الطهورين لا يصلي، حتى يقدر على أحدهما، لأن صلاته غير مفتتحة
بمفتاحها، فلا تقبل منه؟
قيل: قد استدل به من يرى ذلك،
ولا حجة فيه.
ولا بد من تمهيد قاعدة يتبين
بها مقصود الحديث، وهي أن ما أوجبه الله تعالى ورسوله، أو جعله شرطاً للعبادة، أو
ركناً فيها، أو وقف صحتها عليه: هو مقيد بحال القدرة، لأنها الحال التي يؤمر فيها
به. وأما في حال العجز فغير مقدور ولا مأمور، فلا تتوقف صحة العبادة عليه. وهذا
كوجوب القيام والقراءة والركوع والسجود عند القدرة، وسقوط ذلك بالعجز، وكإشتراط
ستر العورة، واستقبال القبلة عند القدرة، ويسقط بالعجز. وقد قال صلى الله عليه
وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" ولو تعذر عليها صلت بدونه،
وصحت صلاتها. وكذلك قوله "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"
فإنه لو تعذر عليه الوضوء صلى بدونه، وكانت صلاته مقبولة. وكذلك قوله صلى الله عليه
وسلم: "لا تجزىء صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود" فإنه
لو كسر صلبه وتعذر عليه إقامته أجزأته صلاته ونظائره كثيرة فيكون "الطهور
مفتاح الصلاة" هو من هذا.
لكن هنا نظر آخر، وهو أنه إذا
لم يمكن اعتبار الطهور عند تعذره فإنه يسقط وجوبه، فمن أين لكم أن الصلاة تشرع
بدونه في هذه الحال؟ وهذا حرف المسألة، وهلا قلتم: إن الصلاة بدونه كالصلاة مع
الحيض غير مشروعة، لما كان الطهور غير مقدور للمرأة، فلما صار مقدوراً لها شرعت
لها الصلاة وترتبت في ذمتها فما الفرق بين العاجز عن الطهور شرعاً والعاجز عنه
حساً؟ فإن كلا منهما غير متمكن من الطهور؟.
قيل: هذا سؤال يحتاج إلى جواب.
وجوابه أن يقال: زمن الحيض جعله الشارع منافياً لشرعية العبادات، من الصلاة،
والصوم، والاعتكاف. فليس وقتاً لعبادة الحائض، فلا يترتب عليها فيه شيء. وأما
العاجز فالوقت في حقه قابل لترتب العبادة المقدورة في ذمته، فالوقت في حقه غير
مناف لشرعية العبادة بحسب قدرته، بخلاف الحائض، فالعاجز ملحق بالمريض المعذور الذي
يؤمر بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، والحائض ملحقة بمن هو من غير أهل
التكليف، فافترقا.
ونكتة الفرق أن زمن الحيض ليس
بزمن تكليف بالنسبة إلى الصلاة، بخلاف العاجز، فإنه مكلف بحسب الاستطاعة، وقد ثبت
في صحيح مسلم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أناساً لطلب قلادة أضاعتها
عائشة فحضرت الصلاة، فصلوا بغير وضوء، بأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك
له، فنزلت آية التيمم". فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، ولم يأمرهم
بالإعادة، وحالة عدم التراب كحالة عدم مشروعيته، ولا فرق، فإنهم صلوا بغير تيمم
لعدم مشروعية التيمم حينئذ. فهكذا من صلى بغير تيمم لعدم ما يتيمم به، فأي فرق بين
عدمه في نفسه وعدم مشروعيته؟.
فمقتضى القياس والسنة أن العادم
يصلي على حسب حاله، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ويعيد، لأنه فعل ما أمر به،
فلم يجب عليه الإعادة، كمن ترك القيام والاستقبال والسترة والقراءة لعجزه عن ذلك،
فهذا موجب النص والقياس.
فإن قيل: القيام له بدل، وهو
القعود، فقام بدله مقامه، كالتراب عند عدم الماء، والعادم هنا صلى بغير أصل ولا بدل.
قيل: هذا هو مأخذ المانعين من
الصلاة، والموجبين للاعادة، ولكنه منتقض بالعاجز عن السترة. فإنه يصلي من غير
اعتبار بدل، وكذلك العاجز عن الاستقبال، وكذلك العاجز عن القراءة والذكر.
وأيضاً فالعجز عن البدل في
الشرع كالعجز عن المبدل منه سواء. هذه قاعدة الشريعة. وإذا كان عجزه عن المبدل لا
يمنعه من الصلاة، فكذلك عجزه عن البدل وستأتي المسألة مستوفاة في باب التيمم إن
شاء الله.
وفي الحديث دليل على اعتبار
النية في الطهارة بوجه بديع. وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الطهور مفتاح
الصلاة، التي لا تفتتح ويدخل فيها إلا به، وما كان مفتاحاً للشىء كان قد وضع لأجله
وأعد له. فدل على أن كونه مفتاحاً للصلاة هو جهة كونه طهوراً، فإنه إنما شرع
للصلاة وجعل مفتاحاً لها، ومن المعلوم أن ما شرع للشيء ووضع لأجله لا بد أن يكون
الآتي به قاصداً ما جعل مفتاحاً له ومدخلاً إليه هذا هو المعروف حساً كما هو ثابت
شرعاً ومن المعلوم أن من سقط في ماء ـ وهو لا يريد التطهر ـ لم يأت بما هو مفتاح
الصلاة، فلا تفتح له الصلاة، وصار هذا كمن حكى عن غيره أنه قال لا إله إلا الله،
وهو غير قاصد لقولها، فإنها لا تكون مفتاحاً للجنة منه، لأنه لم يقصدها. وهكذا
هذا، لما لم يقصد الطهور لم يحصل له مفتاح الصلاة ونظير ذلك الإحرام، هو مفتاح
عبادة الحج، ولا يحصل له إلا بالنية فلو اتفق تجرده لحر أو غيره، ولم يخطر بباله
الإحرام، لم يكن محرماً بالاتفاق. فهكذا هذا يجب أن لا يكون متطهراً. وهذا بحمد
الله بين.
فصل الحكم الثاني: قوله "وتحريمها
التكبير"، وفي هذا من حصر التحريم في التكبير نظير ما تقدم في حصر مفتاح
الصلاة في الطهور من الوجهين، وهو دليل بين أنه لا تحريم لها إلا التكبير. وهذا
قول الجمهور وعامة أهل العلم قديماً وحديثاً وقال أبو حنيفة. ينعقد بكل لفظ يدل
على التعظيم. فاحتج الجمهور عليه بهذا الحديث ثم اختلفوا، فقال أحمد ومالك، وأكثر
السلف: يتعين لفظ "الله أكبر" وحدها وقال الشافعي: يتعين أحد اللفظين:
"الله أكبر" و"الله الأكبر" وقال أبو يوسف: يتعين التكبير وما
تصرف منه، نحو "الله الكبير" ونحوه، وحجته: أنه يسمى تكبيراً حقيقة،
فيدخل في قوله "تحريمها التكبير" وحجة الشافعي: أن المعرف في معنى
المنكر، فاللام لم تخرجه عن موضوعه، بل هي زيادة في اللفظ غير مخلّة بالمعنى،
بخلاف "الله الكبير" "وكبرت الله" ونحوه، فإنه ليس فيه من
التعظيم والتفضيل والاختصاص ما في لفظه "الله أكبر".
والصحيح قول الأكثرين، وأنه
يتعين "الله أكبر لخمس حجج":
إحداها: قوله "تحريمها
التكبير"، واللام هنا للعهد، فهي كاللام في قوله "مفتاح الصلاة
الطهور" وليس المراد به كل طهور بل الطهور الذي واظب عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم وشرعه لأمته، وكان فعله له تعليماً وبياناً لمراد الله من كلامه. وهكذا
التكبير هنا: هو التكبير المعهود، الذي نقلته الأمة نقلاً ضرورياً خلفاً عن سلف عن
نبيها صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله في كل صلاة، لا يقول غيره ولا مرة واحدة.
فهذا هو المراد بلا شك في قوله "تحريمها التكبير" وهذا حجة على من جوز
"الله أكبر" و"الله أكبر" فإنه وإن سمي تكبيراً، لكنه ليس
التكبير المعهود المراد بالحديث.
الحجة الثانية: أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال للمسيء في صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر" ولا
يكون ممتثلاً للأمر إلا بالتكبير. وهذا أمر مطلق يتقيد بفعله الذي لم يخل به هو
ولا أحد من خلفائه ولا أصحابه.
الحجة الثالثة: ما روى أبو داود
من حديث رفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله صلاة امرىء
حتى يضع الطهور مواضعه، ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر".
الحجة الرابعة: أنه لو كانت
الصلاة تنعقد بغير هذا اللفظ لتركه النبي صلى الله عليه وسلم ولو في عمره مرة
واحدة، لبيان الجواز. فحيث لم ينقل أحد عنه قط أنه عدل عنه حتى فارق الدنيا، دل
على أن الصلاة لا تنعقد بغيره.
الحجة الخامسة: أنه لو قام غيره
مقامه لجاز أن يقوم غير كلمات الأذان مقامها، وأن يقول المؤذن: "كبرت
الله"، أو "الله الكبير"، أو "الله أعظم" ونحوه. بل تعين
لفظة "الله أكبر" في الصلاة أعظم من تعينها في الأذان، لأن كل مسلم لا
بد له منها، وأما الأذان فقد يكون في المصر مؤذن واحد أو اثنان، والأمر بالتكبير
في الصلاة آكد من الأمر بالتكبير في الأذان.
وأما حجة أصحاب الشافعي على
ترادف: "الله أكبر" و"الله الأكبر" فجوابها. أنهما ليسا
بمترادفين، فإن الألف واللام اشتملت على زيادة في اللفظ ونقص في المعنى. وبيانه:
أن أفعل التفضيل إذا نكر وأطلق تضمن من عموم الفضل وإطلاقه عليه ما لم يتضمنه
المعرف، فإذا قيل. "الله الأكبر" كان معناه. من كل شيء. وأما إذا قيل
"الله أكبر" فإنه يتقيد معناه ويتخصص، ولا يستعمل هذا إلا في مفضل عليه
معين، كما إذا قيل: من أفضل، أزيد أم عمرو؟ فيقول: زيد الأفضل. هذا هو المعروف في
اللغة والاستعمال. فإن أداة التعريف لا يمكن أن يؤتى بها إلا مع "من"
وأما بدون "من" فلا يؤتى بالأداة، فإذا حذف المفضل عليه مع الأداة أفاد
التعمم، وهذا لا يتأنى مع اللام، وهذا المعنى مطلوب من القائل: "الله
أكبر" بدليل ما روى الترمذي من حديث عدى بن حاتم الطويل: أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال له "ما يضرك، أيضرك أن يقال: الله أكبر، فهل تعلم شيئاً أكبر
من الله؟" وهذا مطابق لقوله تعالى: {قل أي شيء أكبر شهادة؟} وهذا يقتضي
جواباً: لا شيء أكبر شهادة من الله، فالله أكبر شهادة من كل شيء. كما أن قوله لعدي
"هل تعلم شيئاً أكبر من الله؟" يقتضي جواباً: لا شيء أكبر من الله،
فالله أكبر من كل شيء.
وفي افتتاح الصلاة بهذا اللفظ،
المقصود منه: استحضار هذا المعنى، وتصوره: سر عظيم يعرفه أهل الحضور، المصلون
بقلوبهم وأبدانهم. فإن العبد إذا وقف بين يدي الله عز وجل وقد علم أن لا شيء أكبر
منه، وتحقق قلبه ذلك، وأشربه سره ـ استحي من الله، ومنعه وقاره وكبرياؤه أن يشغل
قلبه بغيره، وما لم يستحضر هذا المعنى فهو واقف بين يديه بجسمه، وقلبه يهيم في
أودية الوساوس والخطرات، وبالله المستعان. فلو كان الله أكبر من كل شيء في قلب هذا
لما اشتغل عنه، وصرف كلية قلبه إلى غيره، كما أن الواقف بين يدي الملك المخلوق لما
لم يكن في قلبه أعظم منه لم يشغل قلبه بغيره ولم يصرفه عنه صارف.
فصل الحكم الثالث: قوله
"تحليلها التسليم" والكلام في إفادته الحصر كالكلام في الجملتين قبله.
والكلام في التسليم على قسمين: أحدهما: أنه لا ينصرف من الصلاة إلا بالتسليم. وهذا
قول جمهور العلماء. وقال أبو حنيفة: لا يتعين التسليم، بل يخرج منها بالمنافي لها،
من حدث أو عمل مبطل ونحوه. واستدل له بحديث ابن مسعود الذي رواه أحمد وأبو داود في
تعليمه التشهد، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته، ولو كان
فرضاً لعلمه إياه، وبأنه ليس من الصلاة، فإنه ينافيها ويخرج به منها، ولهذا لو أتى
به في أثنائها لأبطلها، وإذا لم يكن منها، علم أنه شرع منافياً لها، والمنافي لا
يتعين. هذا غاية ما يحتج له به.
والجمهور أجابوا عن هذه الحجج.
أما حديث ابن مسعود: فقال الدارقطني والخطيب والبيهقي وأكثر الحفاظ: الصحيح أن
قوله "إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك" من كلام ابن مسعود، فصله شبابة عن
زهير، وجعله من كلام ابن مسعود وقوله أشبه بالصواب ممن أدرجه، وقد اتفق من روى
تشهد ابن مسعود رضي الله عنه على حذفه.
وأما كون النبي صلى الله عليه
وسلم لم يعلمه المسىء في صلاته، فما أكثر ما يحتج بهذه الحجة على عدم واجبات في
الصلاة، ولا تدل، لأن المسيء لم يسيء في كل جزء من الصلاة، فلعله لم يسيء في
السلام، بل هذا هو الظاهر، فإنهم لم يكونوا يعرفون الخروج منها إلا بالسلام.
وأيضاً فلو قدر أنه أساء فيه
لكان غاية ما يدل عليه ترك التعليم: استصحاب براءة الذمة من الوجوب، فكف يقدم على
الأدلة الناقلة لحكم الاستصحاب؟.
وأيضاً فأنتم لم توجبوا في
الصلاة كل ما أمر به المسيء، فكيف تحتجون بترك أمره على عدم الوجوب؟ ودلالة الأمر
على الوجوب أقوى من دلالة تركه على نفي الوجوب، فإنه قال "إذا قمت إلى الصلاة
فكبر" ولم توجبوا التكبير، وقال "ثم اركع حتى تطمئن راكعاً" وقلتم:
لو ترك الطمأنينة لم تبطل صلاته وإن كان مسيئاً.
وأما قولكم: إنه ليس من الصلاة،
فإنه ينافيها ويخرج منها به، فجوابه: أن السلام من تمامها وهو نهايتها، ونهاية
الشيء منه ليس خارجاً عن حقيقته، ولهذا أضيف إليها إضافة الجزء، بخلاف مفتاحها،
فإن إضافته إضافة مغاير، بخلاف تحليلها فإنه يقتضي أنه لا يتحلل منها إلا به.
وأما بطلان الصلاة إذا فعله في
أثنائها، فلأنه قطع لها قبل إتمامها، وإتيان بنهايتها قبل فراغها، فلذلك أبطلها،
فالتسليم آخرها وخاتمها، كما في حديث أبي حميد "يحتم صلاته بالتسليم"
فنسبة التسليم إلى آخرها كنسبة تكبيرة الإحرام إلى أولها فقول "الله
أكبر" أول أجزائها، وقول "السلام عليكم" آخر أجزائها.
ثم لو سلم أنه ليس جزءاً منها
فإنه تحليل لها لا يخرج منها إلا به، وذلك لا ينفي وجوبه، كتحللات الحج، فكونه
تحليلاً لا يمنع الإيجاب. فإن قيل: ولا يقتضي، قيل: إذا ثبت انحصار التحليل في
السلام تعين الإتيان به، وقد تقدم بيان الحصر من وجهين.
فصل وقد دل هذا الحديث على أن
كل ما تحريمه التكبير وتحليله التسليم فمفتاحه الطهور، فيدخل في هذا الوتر بركعة،
خلافاً لبعضهم.
واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم
"صلاة الليل والنهار مثنى مثنى".
وجوابه: أن كثيراً من الحفاظ
طعن في هذه الزيادة، ورأوها غير محفوظة.
وأيضاً فإن الوتر تحريمه
التكبير وتحليله التسليم، فيجب أن يكون مفتاحه الطهور.
وأيضاً فالمغرب وتر، لا مثنى،
والطهارة شرط فيها.
وأيضاً فالنبي صلى الله عليه
وسلم سمي الوتر صلاة، بقوله "فإذا خفت الصبح فصل ركعة توتر لك ما قد
صليت".
وأيضاً فإجماع الأمة من الصحابة
ومن بعدهم هلى أطلاق اسم الصلاة على الوتر. فهذا القول في غاية الفساد.
ويدخل في الحديث أيضاً صلاة
الجنازة، لأن تحريمها التكبير وتحليلها التسليم وهذا قول أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم، لا يعرف عنهم فيه خلاف وهو قول الأئمة الأربعة وجمهور الأمة، خلافاً
لبعض التابعين. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تسميتها صلاة، وكذلك عن
الصحابة، وحملة الشرع كلهم يسمونها صلاة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم
"مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" هو فصل
الخطاب في هذه المسائل وغيرها، طرداً وعكساً، فكل ما كان تحريمه التكبير وتحليله
التسليم فلا بد من افتتاحه بالطهارة.
فإن قيل: فما تقولون في الطواف
بالبيت، فإنه يفتتح بالطهارة، ولا تحريم فيه ولا تحليل؟.
قيل: شرط النقض أن يكون ثابتاً
بنص أو إجماع. وقد اختلف السلف والخلف في اشتراط الطهارة للطواف على قولين:
أحدهما: أنها شرط، كقول الشافعي ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد. والثاني: ليست
بشرط، نص عليه في رواية ابنه عبد الله وغيره، بل نصه في رواية عبد الله تدل على
أنها ليست بواجبة، فإنه قال: أحب إلى أن يتوضأ، وهذا مذهب أبي حنيفة. قال شيخ
الإسلام أحمد بن تيمية: وهذا قول أكثر السلف، قال: وهو الصحيح، فإنه لم ينقل أحد
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر المسلمين بالطهارة، لا في عمره ولا في حجته،
مع كثرة من حج معه واعتمر، ويمتنع أن يكون ذلك واجباً ولا يبنيه للأمة، وتأخير
البيان عن وقته ممتنع.
فإن قيل: فقد طاف النبي صلى
الله عليه وسلم متوضئاً، وقال "خذوا عن مناسككم"؟.
قيل: الفعل لا يدل على الوجوب.
والأخذ عنه: هو أن يفعل كما فعل على الوجه الذي فعل، فإذا كان قد فعل فعلاً على
وجه الاستحباب، فأوجبناه، لم نكن قد أخذنا عنه، ولا تأسينا به، مع أنه صلى الله
عليه وسلم فعل في حجته أشياء كثيرة جداً لم يوجبها أحد من الفقهاء.
فإن قيل: فما تقولون في حديث
ابن عباس "الطواف بالبيت صلاة"؟.
قيل: هذا قد اختلف في رفعه
ووقفه، فقال النسائي والدارقطني وغيرهما: الصواب أنه موقوف، وعلى تقدير رفعه،
فالمراد شبيه بالصلاة، كما شبه انتظار الصلاة بالصلاة، وكما قال أبو الدرداء
"ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة، وإن كنت في السوق" ومنه قوله صلى الله
عليه وسلم "إن أحدكم في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة" فالطواف وإن سمي صلاة
فهو صلاة، بالاسم العام، ليس بصلاة خاصة، والوضوء إنما يشترط للصلاة الخاصة، ذات
التحريم والتحليل.
فإن قيل: فما تقولون في سجود
التلاوة والشكر؟.
قيل: فيه قولان مشهوران،
أحدهما: يشترط له الطهارة. وهذا هو المشهور عند الفقهاء، ولا يعرف كثير منهم فيه
خلافاً، وربما ظنه بعضهم إجماعاً. والثاني: لا يشترط له الطهارة، وهذا قول كثير من
السلف، حكاه عنهم ابن بطال في شرح البخاري، وهو قول عبد الله بن عمر، ذكره البخاري
عنه في صحيحه فقال "وكان ابن عمر يسجد للتلاوة على غير وضوء" وترجمه
البخاري، واستدلاله يدل على اختياره إياه، فإنه قال "باب من قال يسجد على غير
وضوء" هذا لفظه.
واحتج الموجبون للوضوء له بأنها
صلاة، قالوا: فإنه له تحريم وتحليل، كما قاله بعض أصحاب أحمد والشافعي. وفيه وجه
أنه يتشهد له، وهذا حقيقة الصلاة. والمشهور من مذهب أحمد عند المتأخرين أنه يسلم
له. وقال عطاء وابن سيرين: إذا رفع رأسه يسلم، وبه قال إسحاق بن راهويه. واحتج لهم
بقوله "تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" قالوا: ولأنه يفعل تبعاً
للامام، ويعتبر أن يكون القارىء يصلح إماماً للمستمع، وهذا حقيقة الصلاة.
قال الاَخرون: ليس معكم باشتراط
الطهارة له كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح. وأما استدلالكم بقوله
"تحريمها التكبير وتحليلها التسليم" فهو من أقوى ما يحتج به عليكم. فإن
أئمة الحديث والفقه ليس فيهم أحد قط نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد
من أصحابه أنه سلم منه، وقد أنكر أحمد السلام منه، قال الخطابي: وكان أحمد لا يعرف
التسليم في هذا. وقال الحسن البصري...
ويذكر نحوه عن إبراهيم النخعي،
وكذلك المنصوص عن الشافعي أنه لا يسلم فيه.
والذي يدل على ذلك أن الذين
قالوا: يسلم منه، إنما احتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم "وتحليلها
التسليم" وبذلك احتج لهم إسحاق، وهذا استدلال ضعيف، فإن النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه فعلوها، ولم ينقل عنهم سلام منها، ولهذا أنكره أحمد وغيره، وتجويز
كونه سلم منه ـ ولم ينقل ـ كتجويز كونه سلم من الطواف.
قالوا: والسجود هو من جنس ذكر
الله وقراءة القرآن والدعاء، ولهذا شرع في الصلاة وخارجها، فكما لا يشترط الوضوء
لهذه الأمور ـ وإن كانت من أجزاء الصلاة ـ فكذا لا يشترط للسجود، وكونه جزءاً من
أجزائها لا يوجب أن لا يفعل إلا بوضوء. واحتج البخاري بحديث ابن عباس: أن النبي
صلى الله عليه وسلم "سجد بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن
والإنس". ومعلوم أن الكافر لا وضوء له.
قالوا: وأيضاً فالمسلمون الذين
سجدوا معه صلى الله عليه وسلم لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم
بالطهارة، ولا سألهم: هل كنتم متطهرين أم لا؟ ولو كانت الطهارة شرطاً فيه للزم أحد
الأمرين: إما أن يتقدم أمره لهم بالطهارة، وإما أن يسألهم بعد السجود، ليبين لهم
الاشتراط، ولم ينقل مسلم واحداً منهما.
فإن قيل: فلعل الوضوء تأخرت
مشروعيته عن ذلك، وهذا جواب بعض الموجبين.
قيل: الطهارة شرعت للصلاة من
حين المبعث، ولم يصل قط إلا بطهارة، أناه جبريل فعلمه الطهارة والصلاة. وفي حديث
إسلام عمر أنه لم يمكن من مس القرآن إلا بعد تطهره، فكيف نظن أنهم كانوا يصلون بلا
وضوء؟.
قالوا: وأيضاً فيبعد جداً أن
يكون المسلمون كلهم إذ ذاك على وضوء.
قالوا: وأيضاً ففي الصحيحين عن
عبد الله بن عمر قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن، فيقرأ
السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه، حتى ما يجد بعضنا موضعاً لمكان جبهته".
قالوا: وقد كان يقرأ القرآن
عليهم في الجامع كلها، ومن البعيد جداً أن يكون كلهم إذ ذاك على وضوء، وكانوا
يسجدون حتى لا يجد بعضهم مكاناً لجبهته، ومعلوم أن مجامع الناس تجمع المتوضىء
وغيره.
قالوا: وأيضاً فقد أخبر الله
تعالى في غير موضع من القرآن أن السحرة سجدوا لله سجدة، فقبلها الله منهم، ومدحهم
عليها، ولم يكونوا متطهرين قطعاً، ومنازعونا يقولون: مثل هذا السجود حرام، فكيف
يمدحهم ويثنى عليهم بما لا يجوز؟
فإن قيل: شرع من قبلنا ليس بشرع
لنا.
قيل: قد احتج الأئمة الأربعة
بشرع من قبلنا، وذلك منصوص عنهم أنفسهم في غير موضع.
قالوا: سلمنا، لكن ما لم يرد
شرعنا بخلافه.
قال المجوزون: فأين ورد في
شرعنا خلافه؟
قالوا: وأيضاً فأفضل أجزاء
الصلاة وأقوالها هو القراءة، ويفعل بلا وضوء، فالسجود أولى.
قالوا: وأيضاً فالله سبحانه
وتعالى أثنى على كل من سجد عند التلاوة، فقال تعالى {إن الذين أوتوا العلم من قبله
إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً} وهذا يدل على أنهم سجدوا عقب تلاوته بلا فضل،
سواء كانوا بوضوء أو بغيره، لأنه أثنى عليهم بمجرد السجود عقب التلاوة، ولم يشترط
وضوءاً. وكذلك قوله تعالى {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً}.
قالوا: وكذلك سجود الشكر مستحب
عند تجدد النعم المنتظرة. وقد تظاهرت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بفعله في
مواضع متعددة، وكذلك أصحابه، مع ورود الخبر السار عليهم بغتة، وكانوا يسجدون عقبة،
ولم يؤمروا بوضوء، ولم يخبروا أنه لا يفعل إلا بوضوء. ومعلوم أن هذه الأمور تدهم
العبد وهو على غير طهارة فلو تركها لفاتت مصلحتها.
قالوا: ومن الممتنع أن يكون
الله تعالى قد أذن في هذا السجود وأثنى على فاعله وأطلق ذلك، وتكون الطهارة شرطاً
فيه، ولا يسنها ولا يأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ولا روي عنه في
ذلك حرف واحد. وقياسه على الصلاة ممتنع لوجهين:
أحدهما:أن الفارق بينه وبين
الصلاة أظهر وأكثر من الجامع، إذ لا قراءة فيه ولا ركوع، لا فرضاً ولا سنة، ثابتة
بالتسليم. ويجوز أن يكون القارىء خلف الإمام فيه، ولا مصافة فيه. وليس إلحاق محل
النزاع بصور الاتفاق أولى من إلحاقه بصور الافتراق.
الثاني: أن هذا القياس إنما
يمتنع لو كان صحيحاً إذا لم يكن الشيء المقيس قد فعل على عهد النبي صلى الله عليه
وسلم، ثم تقع الحادثة، فيحتاج المجتهد أن يلحقها بما وقع على عهده صلى الله عليه
وسلم من الحوادث أو شملها نصه، وأما مع سجوده وسجود أصحابه وإطلاق الإذن في ذلك من
غير تقييد بوضوء، فيمتنع التقييد به.
فإن قيل: فقد روى البيهقي من
حديث الليث عن نافع عن ابن عمر أنه قال: "لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر"
وهذا يخالف ما رويتموه عن ابن عمر، مع أن في بعض الروايات: "وكان ابن عمر
يسجد على وضوء" وهذا هو اللائق به، لأجل رواية الليث.
قيل: أما أثر الليث فضعيف.
وأما رواية من روى "كان
يسجد على وضوء" فغلط، لأن تبويب البخاري واستدلاله قوله "والمشرك ليس له
وضوء" يدل على أن الرواية بلفظ "غير" وعليها أكثر الرواة. ولعل
الناسخ استشكل ذلك، فظن أن لفظه "غير" غلط فأسقطها، ولاسيما إن كان قد
اغتر بالأثر الضعيف المروي عن الليث، وهذا هو الظاهر، فإن إسقاط الكلمة للاستشكال
كثير جداً، وأما زيادة "غير" في مثل هذا كالموضع فلا يظن زيادتها غلطاً،
ثم تتفق عليها النسخ المختلفة أو أكثرها.
*2*32 ـ باب الرجل يجدد الوضوء
من غير حدث
@62 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
يَحْيَى بنِ فَارِسٍ قال حدثنا عَبْدُالله بنُ يَزِيدَ المُقْرِئِيّ ح. وحدثنا
مُسَدّدٌ قال حدثنا عيسى بنُ يُونُسَ قالا حدثنا عَبْدُالرّحْمَنِ بنُ زِيادٍ، قال
أبُو دَاوُد: وَأنَا لِحَدِيثِ ابنِ يَحْيَى أضْبَطُ، عن غُطَيْفٍ، وقال مُحمّدُ
عن أبي غُطَيْفٍ الهُذَلِيّ قال: "كُنْتُ عِنْدَ ابنِ عُمَرَ، فَلَمّا
نُودِيَ بالظّهْرِ تَوَضّأَ فَصَلّى، فَلَمّا نُودِيَ بالعَصْرِ تَوَضّأ، فَقُلْتُ
لَهُ، فَقَالَ: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ تَوَضّأَ
عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ". قال أبُو داوُد: وَهَذَا
حَدِيثُ مُسَدّدٍ وَهُوَ أتَمّ.
*2*33 ـ باب ما يُنجس الماء
@63 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
العَلاَءِ وَ عُثْمَانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ وَ الحَسَنُ بنُ عَلِيَ وَغَيْرُهُمْ
قالُوا حدثنا أبُو أُسَامَةَ عن الوَلِيدِ بنِ كثَيرٍ عن مُحمّدِ بنِ جَعفَرِ بنِ
الزّبَيْرِ عن عَبْدِالله بنِ عَبْدِالله بنِ عُمَرَ عن أبيهِ قال: "سُئِلَ
النّبيّ صلى الله عليه وسلم عَن المَاءَ وَما يَنُوبُهُ مِنَ الدّوَابّ
والسّبَاعِ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إذَا كانَ المَاءُ قُلّتَيْنِ
لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ".
قال أبو داوُد: هَذَا لَفْظُ
ابنِ العَلاَءِ، وقال عُثْمَانُ والحَسَنُ بنُ عَلِيَ عن مُحمّدِ بنِ عَبّادِ بنِ
جَعْفَرٍ، قال أبُو داوُدَ: وَهُوَ الصّوَابُ.
64 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعيلَ قال حدثنا حَمّادٌ ح. وحدثنا أبو كامِلٍ حدثنا يَزيدُ ـ يَعْني ابنَ
زُرَيْعٍ عن مُحمّدِ بنِ إسْحاقَ عن مُحمّدِ بنِ جَعْفَرٍ، قال أبُو كامِلِ ابنُ
الزّبَيْرِ عن عُبَيْدَالله بن عَبْدِالله بنِ عُمَرَ عن أبِيهِ "أنّ رسولَ
الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن المَاءِ يَكُونُ في الفَلاَةِ" فَذَكَرَ
مَعْنَاهُ.
65 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعيلَ قال حدثنا حَمّادٌ قال أخبرنا عَاصِمُ بنُ المُنْذِرِ عن عُبَيْدِالله
بنِ عَبْدِالله بنِ عُمَرَ قال حَدّثَني أبي أنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم
قال: "إذَا كانَ المَاءُ قُلّتَيْنِ فإنّهُ لاَ يَنْجَسُ".
قال أبُو دَاوُدَ: حَمّادُ بنُ
زَيْدٍ وَقَفَهُ عن عَاصِمٍ.
قال الشيخ شمس الدين بن القيم
في باب ما ينجس الماء:
ورواه الحاكم في المستدرك وقال:
صحيح على شرط البخاري ومسلم، وصححه الطحاوي. رواه الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر
بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه. هكذا رواه إسحاق بن راهويه
وجماعة عن أبي أسامة عن الوليد ورواه الحميدي عن أبي أسامة: حدثنا الوليد عن محمد
بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله عن أبيه. فهذان وجهان. قال الدارقطني في
هاتين الروايتين: فلما اختلف على أبي أسامة اخترنا أن نعلم من أتى بالصواب فنظرنا
في ذلك، فإذا شعيب بن أيوب قد روى عن أبي أسامة، وصح أن الوليد بن كثير رواه عنهما
جميعاً، وكان أبو أسامة مرة يحدث به عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير،
ومرة يحدث به عن الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر. ورواه محمد بن إسحاق عن محمد بن
جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، رواه جماعة عن ابن
إسحاق، وكذلك رواه حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله عن
أبيه. وفيه تقوية لحديث ابن إسحاق. فهذه أربعة أوجه.
ووجه خامس: محمد بن كثير
المصيصي عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ووجه سادس: معاوية بن عمرو عن
زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر ـ قوله. قال البيهقي: وهو الصواب، يعني حديث
مجاهد.
ووجه سابع: بالشك في قلتين أو
ثلاث، ذكرها يزيد بن هارون وكامل بن طلحة وإبراهيم بن الحجاج وهدبة بن خالد، عن
حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر بن الزبير، قال: "دخلت مع عبيد الله بن عبد
الله بن عمر بستاناً فيه مقراة ماء(1) فيه جلد بعير ميت فتوضأ منه، فقلت: أتتوضأ
منه وفيه جلد بعير ميت؟ فحدثني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا
بلغ الماء قدر قلتين أو ثلاث لم ينجسه شيء" ورواه أبو بكر النيسابوري: حدثني
أبو حميد المصيصي حدثنا حجاج، قال ابن جريج أخبرني لوط عن ابن إسحاق عن مجاهد أن
ابن عباس قال "إذا كان الماء قلتين فصاعداً لم ينجسه شيء". ورواه أبو
بكر بن عياش عن أبان بن أبي يحيى عن ابن عباس، كذلك موقوفاً. وروى أبو أحمد بن عدي
من حديث القاسم العمري عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "إذا بلغ الماء أربعين قلة لا يحمل الخبث" تفرد به القاسم
العمري هكذا، وهو ضعيف، وقد نسب إلى الغلط فيه، وقد ضعف القاسم أحمد والبخاري
ويحيى بن معين وغيرهم. قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا علي
الحافظ يقول: حديث محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا
بلغ الماء أربعين قلة" خطأ، والصحيح عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمرو
ـ قوله.
قلت: كذلك رواه عبدالرزاق
أخبرنا الثوري ومعمر عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ قوله.
وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي
حبيب عن سليمان عن عبدالرحمَن بن أبي هريرة عن أبيه قال "إذا كان الماء
أربعين قلة لم يحمل خبثاً" وخالفه غير واحد، فرووه عن أبي هريرة، فقالوا
"أربعين غرباً" ومنهم من قال "دلواً" قاله الدارقطني.
والاحتجاج بحديث القلتين مبني
على ثبوت عدة مقامات:
(الأول) صحة سنده. (الثاني)
ثبوت وصله، وإن إرساله غير قادح فيه. (الثالث) ثبوت رفعه، وأن وقف من وقفه ليس
بعلة. (الرابع) أن الاضطراب الذي وقع في سنده لا يوهنه. (الخامس) أن القلتين
مقدرتان بقلال هجر. (السادس) أن قلال هجر متساوية المقدار ليس فيها كبار وصغار.
(السابع) أن القلة مقدرة بقريتين حجازتين، وأن قرب الحجاز لا تتفاوت. (الثامن) أن
المفهوم حجة. (التاسع) أنه مقدم على العموم. (العاشر) أنه مقدم على القياس الجلي.
(الحادي عشر) أن المفهوم عام في سائر صور السكوت عنه. (الثاني عشر) أن ذكر العدد
خرج مخرج التحديد والتقييد (الثالث عشر) الجواب عن المعارض ومن جعلهما خمسمائة رطل
احتاج إلى مقام. (رابع عشر) وهو أنه يجعل الشيء نصفاً احتياطاً. (ومقام خامس عشر)
أن ما وجب به الاحتياط صار فرضاً.
قال المحددون: الجواب عما
ذكرتم:
أما صحة سنده فقد وجدت، لأن
رواته ثقات، ليس فيهم مجروح ولامتهم. وقد سمع بعضهم من بعض. ولهذا صححه ابن خزيمة
والحاكم والطحاوي وغيرهم. وأما وصله، فالذين وصلوه ثقاة، وهم أكثر من الذين
أرسلوه، فهي زيادة من ثقة، ومعها الترجيح. وأما رفعه فكذلك. وإنما وقفه مجاهد على
ابن عمر، فإذا كان مجاهد قد سمعه منه موقوفاً لم يمنع ذلك سماع عبيد الله وعبد
الله له من ابن عمر مرفوعاً. فإن قلنا: الرفع زيادة، وقد أتى بها ثقة، فلا كلام.
وإن قلنا: هي اختلاف وتعارض، فعبد الله أولى في أبيه من مجاهد، لملازمته له وعلمه
بحديثه، ومتابعة أخيه عبد الله له.
وأما قولكم: إنه مضطرب، فمثل
هذا الاضطراب لا يقدح فيه، إذ لا مانع من سماع الوليد بن كثير له من محمد بن عباد
ومحمد بن جعفر، كما قال الدارقطني: قد صح أن الوليد بن كثير رواه عنهما جميعاً،
فحدث به أبو أسامة عن الوليد على الوجهين، وكذلك لا مانع من رواية عبيد الله وعبد
الله له جميعاً عن أبيهما، فرواه المحمدان عن هذا تارة، وعن هذا تارة.
وأما تقدير القلتين بقلال هجر،
فقد قال الشافعي: حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج ـ بإسناد لا يحضرني ذكره ـ أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل حبثاً"
وقال في الحديث "بقلال هجر" وقال ابن جريج: أخبرني محمد أن يحيى بن عقيل
أخبره أن يحيى بن يعمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان
الماء قلتين لم يحمل نجساً ولا بأساً"، قال: فقلت ليحيى بن عقيل: قلال هجر؟
قال: قلال هجر، قال: فأظن أن كل قلة تأخذ قربتين. قال ابن عدي: محمد هذا: هو محمد
بن يحيى، يحدث عن يحيى بن أبي كثير ويحيى بن عقيل.
قالوا: وإن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذكرها لهم في حديث المعراج، وقال في سدرة المنتهى: "فإذا نبقها مثل
قلال هجر" فدل على أنها معلومة عندهم. وقد قال يحيى بن آدم، ووكيع، وابن
إسحاق: القلة: الجرة. وكذلك قال مجاهد: القلتان: الجرتان.
وأما كونها متساوية المقدار،
فقد قال الخطابي في معالمه: قلال هجر: مشهورة الصنعة معلومة المقدار، لا تختلف كما
لا تختلف المكاييل والصيعان. وهو حجة في اللغة.
وأما تقديرها بقرب الحجاز، فقد قال
ابن جريج: رأيت القلة تسع قربتين. وابن جريج حجازي، إنما أخبر عن قرب الحجاز، لا
العراق ولا الشام ولا غيرهما.
وأما كونها لا تتفاوت، فقال
الخطابي: القرب المنسوبة إلى البلدان المحذوة على مثال واحد، يريد أن قرب كل بلد
على قدر واحد، لا تختلف. قال: والحد لا يقع بالمجهول.
وأما كون المفهوم حجة، فله
طريقان:
أحدهما: التخصيص.
والثاني: التعليل.
أما التخصيص، فهو أن يقال:
تخصيص الحكم بهذا الوصف والعدد لا بد له من فائدة، وهي نفي الحكم عما عدا المنطوق.
وأما التعليل فيختص التعليل بمفهوم الصفة، وهو أن تعليق الحكم بهذا الوصف المناسب
يدل على أنه علة له، فينتفي الحكم بانتفائها. فإن كان المفهوم شرط فهو قوى، لأن
الشروط عدم عند عدم شرطه وإلا لم يكن شرطاً له.
وأما تقديمه على العموم، فلأن
دلالته خاصة، فلو قدم العموم عليه بطلت دلالته جملة، وإذا خص به العموم عمل
بالعموم فيما عدا المفهوم، والعمل بالدليلين أولى من إلغاء أحدهما، كيف وقد تأيد
المفهوم بحديث الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب وإراقته، وبحديث النهي عن غمس اليد
في الإناء قبل غسلها عند القيام من نوم الليل؟.
وأما تقديمه على القياس الجلي
فواضح، لأن القياس عموم معنوي، فإذا ثبت تقديمه على العموم اللفظي فتقديمه على
المعنوي بطريق الأولى، ويكون خروج صور المفهوم من مقتضى القياس، كخروجها من مقتضى
لفظ العموم.
وأما كون المفهوم عاماً، فلأنه
إنما دل على نفي الحكم عما عدا المنطوق بطريق سكوته عنه، ومعلوم أن نسبة المسكوت
إلى جميع الصور واحدة، فلا يجوز نفي الحكم عن بعضها دون بعض للتحكم. ولا إثبات حكم
المنطوق لها لأبطال فائدة التخصيص، فتعين بقيد عن جميعها.
وأما قولكم: إن العدد خرج مخرج
التحديد: فلأنه عدد صدر من الشارع فكان تحديداً وتقييداً، كالخمسة الأوسق،
والأربعين من الغنم، والخمس من الإبل، والثلاثين من البقر، وغير ذلك، إذ لا بد
للعدد من فائدة، ولا فائدة له إلا التحديد.
وأما الجواب عن بعض المعارض،
فليس معكم إلا عموم لفظي، أو عموم معنوي وهو القياس، وقد بينا تقديم المفهوم
عليهما.
وأما جعل الشيء نصفاً، فلأنه قد
شك فيه، فجعلناه نصفاً احتياطياً، والظاهر أنه لا يكون أكثر منه، ويحتمل النصف فما
دون، فتقديره بالنصف أولى.
وأما كون ما أوجب به الاحتياط
يصير فرضاً، فلأن هذا حقيقة الاحتياط، كإمساك جزء من الليل مع النهار، وغسل جزء من
الرأس مع الوجه.
فهذا تمام تقرير هذا الحديث
سنداً ومتناً، ووجه الاحتجاج به.
قال المانعون من التحديد
بالقلتين:
أما قولكم: إنه قد صح سنده، فلا
يفيد الحكم بصحته، لأن صحه السند شرط أو جزء سبب للعلم بالصحة لا موجب تام، فلا
يلزم من مجرد صحة السند صحة الحديث ما لم ينتف عنه الشذوذ والعلة، ولم ينتفيا عن
هذا الحديث. أما الشذوذ فإن هذا حديث فاصل بين الحلال والحرام، والطاهر والنجس،
وهو في المياه كالأوسق في الزكاة، والنصب في الزكاة، فكيف لا يكون مشهوراً شائعاً
بين الصحابة ينقله خلف عن سلف، لشدة حاجة الأمة إليه أعظم من حاجتهم إلى نصب
الزكاة؟ فإن أكثر الناس لا تجب عليهم زكاة، والوضوء بالماء الطاهر فرض على كل
مسلم، فيكون الواجب نقل هذا الحديث كنقل نجاسة البول ووجوب غسله، ونقل عدد
الراكعات، ونظائر ذلك. ومن المعلوم: أن هذا لم يروه غير ابن عمر، ولا عن ابن عمر
غير عبيد الله وعبد الله، فأين نافع، وسالم، وأيوب، وسعيد بن جبير؟ وأين أهل
المدينة وعلماؤهم عن هذه السنة التي مخرجها من عندهم، وهم إليها أحوج الخلق، لعزة
الماء عندهم؟ ومن البعيد جداً أن تكون هذه السنة عند ابن عمر وتخفى على علماء
أصحابه وأهل بلدته، ولا يذهب إليها أحد منهم، ولا يروونها ويديرونها بينهم. ومن
أنصف لم يخف عليه امتناع هذا، فلو كانت هذه للسنة العظيمة المقدار عند ابن عمر
لكان أصحابه وأهل المدينة أقول الناس بها وأرواهم لها. فأي شذوذ أبلغ من هذا؟ وحيث
لم يقل بهذا التحديد أحد من أصحاب ابن عمر علم أنه لم يكن فيه عنده سنة من النبي
صلى الله عليه وسلم، فهذا وجه شذوذه.
وأما عليه: فمن ثلاثة أوجه:
أحدها: وقف مجاهد له على ابن
عمر، واختلف فيه عليه، واختلف فيه على عبيد الله أيضاً، رفعاً ووقفاً. ورجح شيخا
الإسلام أبو الحجاج المزي، وأبو العباس بن تيمية وقفه، ورجح البيهقي في سننه وقفه
من طريق مجاهد، وجعله هو الصواب قال شيخنا أبو العباس: وهذاً كله يدل على أن ابن عمر
لم يكن يحدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سئل عن ذلك فأجاب بحضرة ابنه،
فنقل ابنه ذلك عنه.
قلت: ويدل على وقفه أيضاً: أن
مجاهداً ـ وهو العلم المشهور الثبت ـ إنما رواه عنه موقوفاً. واختلف فيه على عبيد
الله وقفاً ورفعاً.
العلة الثانية: اضطراب سنده، كما
تقدم.
العلة الثالثة: اضطراب منه، فإن
في بعض ألفاظه "إذا كان الماء قلتين" وفي بعضها "إذا بلغ الماء قدر
قلتين أو ثلاث" والذين زادوا هذه اللفظة ليسوا بدون من سكت عنها كما تقدم.
قالوا: وأما تصحيح من صححه من
الحفاظ، فمعارض بتضعيف من ضعفه، وممن ضعفه حافظ المغرب أبو عمر بن عبدالبر وغيره.
ولهذا أعرض عنه أصحاب الصحيح جملة.
قالوا: وأما تقدير القلتين
بقلال هجر، فلم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء أصلاً. وأما ما ذكره
الشافعي فمنقطع، وليس قوله: "بقلال هجر" فيه: من كلام النبي صلى الله
عليه وسلم، ولا أضافة الراوي إليه، وقد صرح في الحديث أن التفسير بها من كلام يحيى
بن عقيل. فكيف يكون بيان هذا الحكم العظيم، والحد الفاصل بين الحلال والحرام، الذي
تحتاج إليه جميع الأمة، لا يوجد إلا بلفظ شاذ بإسناد منقطع؟ وذلك اللفظ ليس من
كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالوا: وأما ذكرها في حديث
المعراج، فمن العجب أن يحال هذا الحد الفاصل على تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم
نبق السدرة بها وما الرابط بين الحكمين؟ وأي ملازمة بينهما؟ ألكونها معلومة عندهم
معروفة لهم مثل لهم بها؟ وهذا من عجيب حمل المطلق على المقيد. والتقييد بها في حديث
المعراج لبيان الواقع، فكيف يحمل حمل المطلق على المقيد. والتقييد بها في حديث
المعراج لبيان الواقع، فكيف يحمل إطلاق حديث القلتين عليه؟ وكونها معلومة لهم لا
يوجب أن ينصرف الإطلاق إليها حيث أطلقت العلة، فإنهم كانوا يعرفونها ويعرفون
غيرها. والظاهر أن الإطلاق في حديث القلتين إنما ينصرف إلى قلال البلد التي هي
أعرف عندهم، وهم لها أعظم ملابسة من غيرها، فالإطلاق إنما ينصرف إليها، كما ينصرف
إطلاق النقد إلى نقد بلد دون غيره، هذا هو الظاهر، وإنما مثل النبي صلى الله عليه
وسلم بقلال هجر، لأنه هو الواقع في نفس الأمر، كما مثل بعض أشجار الجنة بشجرة
بالشام تدعي الجوزة، دون النخل وغيره من أشجارهم، لأنه هو الواقع، لا لكون الجوز
أعرف الأشجار عندهم. وهكذا التمثيل بقلال هجر، لأنه هو الواقع، لا لكونها أعرف
القلال عندهم. هذا بحمد الله واضح.
وأما قولكم: إنها متساوية
المقدار، فهذا إنما قاله الخطابي، بناه على أن ذكرهما تحديد، والتحديد إنما يقع
بالمقادير المتساوية. وهذا دور باطل، وهو لم ينقله عن أهل اللغة، وهو الثقة في
نقله، ولا أخبر به عيان. ثم إن الواقع بخلافه، فإن القلال فيها الكبار والصغار في
العرف العام أو الغالب، ولا تعمل بقالب واحد. ولهذا قال أكثر السلف: القلة الجرة.
وقال عاصم بن المنذر ـ أحد رواة الحديث ـ: القلال الخوابي العظام. وأما تقديرها
بقرب الحجاز فلا ننازعكم فيه، ولكن الواقع أنه قدر قلة من القلال بقربتين من القرب
فرآها تسعهما، فهل يلزم من هذا أن كل قلة من قلال هجر تأخذ قربتين من قرب الحجاز؟
وأن قرب الحجاز كلها على قدر واحد، ليس فيها صغار وكبار؟ ومن جعلها متساوية فإنما
مستنده أن قال: التحديد لا يقع بالمجهول، فيا سبحان الله إنما يتم هذا أن لو كان
التحديد مستنداً إلى صاحب الشرع، فأما والتقدير بقلال هجر وقرب الحجاز تحديد يحيى
بن عقيل وابن جريج، فكان ماذا؟ وأما تقرير كون المفهوم حجة، فلا تنفعكم مساعدتنا
عليه، إذ المساعدة على مقدمة من مقدمات الدليل لا تستلزم المساعدة على الدليل.
وأما تقديمكم له على العموم
فممنوع، وهي مسألة نزاع بين الأصوليين والفقهاء، وفيها قولان معروفان. ومنشأ النزاع
تعارض خصوص المفهوم وعموم المنطوق، فالخصوص يقتضي التقديم، والمنطوق الترجيح، فإن
رجحتم المفهوم بخصوصه، رجح منازعوكم للعموم بمنطوقه.
ثم الترجيح معهم ههنا للعموم من
وجوه:
أحدها: أن حديثه أصح.
الثاني: أنه موافق للقياس
الصحيح.
الثالث: أنه موافق لعمل أهل المدينة
قديماً وحديثاً، فإنه لا يعرف عن أحد منهم أنه حدد الماء بقلتين، وعملهم بترك
التحديد في المياه عمل خلفاً عن سلف، فجرى نقلهم الصاع والمد والأجناس، وترك أخذ
الزكاة من الخضروات، وهذا هو الصحيح المحتج به من إجماعهم، دون ما طريقه الاجتهاد
والاستدلال. فإنهم وغيرهم فيه سواء، وربما يرجح غيرهم عليهم، ويرجحوا هم على
غيرهم. فتأمل هذا الموضع.
فإن قيل: ما ذكرتم من الترجيح
فمعنا من الترجيح ما يقابله، وهو أن المفهوم هنا قد تأيد بحديث النهي عن البول في
الماء الراكد، والأمر بإراقة ما ولغ فيه الكلب، والأمر بغسل اليد من نوم الليل،
فإن هذه الأحاديث تدل على أن الماء يتأثر بهذه الأشياء وإن لم يتغير، ولا سبيل إلى
تأثر كل ماء بها، بل لا بد من تقديره، فتقديره بالقلتين أولى من تقديره بغيرهما،
لأن التقدير بالحركة، والأذرع المعينة، وما يمكن نزحه وما لا يمكن ـ تقديرات باطلة
لا أصل لها، وهي غير منضبطة في نفسها، فرب حركة تحرك غديراً عظيماً من الماء،
وأخرى تحرك مقداراً يسيراً منه، بحسب المحرك والمتحرك. وهذا التقدير بالأذرع تحكم
محض لا بسنة ولا قياس، وكذا التقدير بالنزح الممكن مع عدم انضباطه، فإن عشرة آلاف
مثلاً يمكنهم نزح ما لا ينزحه غيرهم، فلا ضابط له. وإذا بطلت هذه التقديرات ـ ولا
بد من تقدير ـ فالتقدير بالقلتين أولى لثبوته، إما عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وإما عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
قيل: هذا السؤال مبني على
مقامات.
أحدهما: أن النهي في هذه
الأحاديث مستلزم لنحاسة الماء المنهي عنه.
والثاني: أن هذا التنجيس لا يعم
كل ماء، بل يختص ببعض المياه دون بعض.
والثالث: أنه إذا تعين التقدير،
كان تقديره بالقلتين هو المتعين.
فأما المقام الأول فنقول: ليس
في شيء من هذه الأحاديث أن الماء ينجس بمجرد ملاقاة البول والولوغ وغمس اليد فيه.
أما النهي عن البول فيه فليس فيه دلالة على أن الماء كله ينجس بمجرد ملاقاة البول
لبعضه، بل قد يكون ذلك لأن البول سبب لتنجيسه، فإن الأبوال متى كثرت في المياه
الدائمة أفسدتها، ولو كانت قلالاً عظيمة. فلا يجوز أن يخص نهيه بما دون القلتين،
فيجوز للناس أن يبولوا في القلتين فصاعداً، وحاشى للرسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يكون نهيه خرج على ما دون القلتين، ويكون قد جوز للناس البول في كل ماء بلغ
القلتين؟ أو زاد عليهما، وهل هذا إلا إلغاز في الخطاب، أن يقول "لا يبولن
أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري" ومراده من هذا اللفظ العام: أربعائة رطل
بالعراقي أو خمسمائة، مع ما يتضمنه التجويز من الفساد العام وإفساد موارد الناس
ومياههم عليهم؟
وكذلك حمله على ما لا يمكن
نزحه، أو ما لا يتحرك أحد طرفيه بحركة طرفه الاَخر، وكل هذا خلاف مدلول الحديث،
وخلاف ما عليه الناس وأهل العلم قاطية. فإنهم ينهون عن البول في هذه المياه، وإن
كان مجرد البول لا ينجسها، سداً للذريعة. فإنه إذا مكن الناس من البول في هذه
المياه ـ وإن كانت كبيرة عظيمة ـ لم تلبث أن تتغير وتفسد على الناس، كما رأينا من
تغير الأنهار الجارية بكثرة الأبوال. وهذا كما نهى عن إفساد ظلالهم عليهم بالتخلي
فيها، وإفساد طرقاتهم بذلك. فالتعليم بهذا أقرب إلى ظاهر لفظه صلى الله عليه وسلم،
ومقصوده، وحكمته بنهيه، ومراعاته مصالح العباد، وحمايتهم مما يفسد عليهم ما
يحتاجون إليه من مواردهم وطرقاتهم وظلالهم، كما نهى عن إفساد ما يحتاج إليه الجن
من طعامهم وعلف دوابهم.
فهذه علة معقولة تشهد لها
العقول والفطر، ويدل عليها تصرف الشرع في موارده ومصادره، ويقبلها كل عقل سليم،
ويشهد لها بالصحة.
وأما تعليل ذلك بمائة وثمانية
أرطال بالدمشقي، أو بما يتحرك أو لا يتحرك، أو بعشرين ذراعاً مكسرة، أو بما لا
يمكن نزحه ـ فأقوال، كل منها بكل معارض، وكل بكل مناقض، لا يشم منها رائحة الحكمة،
ولا يشام منها بوارق المصلحة، ولا تعطل بها المفسدة المخوفة. فإن الرجل إذا علم أن
النهي إنما تناول هذا المقدار من الماء لم يبق عنده وازع ولا زاجر عن البول فيما
هو أكثر منه، وهذا يرجع على مقصود صاحب الشرع بالإبطال. وكل شرط أو علة أو ضابط
يرجع على مقصود الشارع بالإبطال كان هو الباطل المحال.
ومما يدل على هذا أن النبي صلى
الله عليه وسلم ذكر في النهي وصفاً يدل على أنه هو المعتبر في النهي، وهو كون
الماء "دائماً لا يجري" ولم يقتصر على قوله "الدائم" حتى نبه
على العلة بقوله "لا يجري" فتقف النجاسة فيه، فلا يذهب بها. ومعلوم أن
هذه العلة موجودة في القلتين وفيما زاد عليهما.
والعجب من مناقضة المحددين
بالقلتين لهذا المعنى، حيث اعتبروا القلتين حتى في الجاري، وقالوا: إن كانت الجرية
قلتين فصاعداً لم يتأثر بالنجاسة، وإن كانت دون القلتين تأثرت، وألغوا كون الماء
جارياً أو واقفاً، وهو الوصف الذي اعتبره الشارع. واعتبروا في الجاري والواقف
القلتين. والشارع لم يعتبره، بل اعتبر الوقوف والجريان.
فإن قيل: فإذا لم تخصصوا الحديث
ولم تقيدوه بماء دون ماء، لزمكم المحال، وهو أن ينهى عن البول في البحر، لأنه دائم
لا يجري.
قيل: ذكره صلى الله عليه وسلم
"الماء الدائم الذي لا يجري" تنبيه على أن حكمة النهي إنما هي ما يخشى
من إفساد مياه الناس عليهم، وأن النهي إنما تعلق بالمياه الدائمة التي من شأنها أن
تفسدها الأبوال. فأما الأنهار العظام والبحار فلم يدل نهي النبي صلى الله عليه
وسلم عليها بوجه، بل لما دل كلامه بمفهومه على جواز البول في الأنهار العظام ـ
كالنيل والفرات ـ فجواز البول في البحار أولى وأحرى، ولو قدر أن هذا تخصيص لعموم
كلامه، فلا يستريب عاقل أنه أولى من تخصيصه بالقلتين. أو ما لا يمكن نزحه، أو ما لا
يمكن تبلغ الحركة طرفيه، لأن المفسدة المنهي عن البول لأجلها لا تزول في هذه
المياه، بخلاف ماء البحر فإنه لا مفسدة في البول فيه. وصار هذا بمنزلة نهيه عن
التخلي في الظل. وبوله صلى الله عليه وسلم في ظل الشجرتين واستتاره بجذم الحائط،
فإنه نهى عن التخلي في الظل النافع، وتخلى مستتراً بالشجرتين والحائط، حيث لم
ينتفع أحد بظلهما، فلم يفسد ذلك الظل على أحد.
وبهذا الطريق يعلم أنه إذا كان
صلى الله عليه وسلم قد نهى عن البول في الماء الدائم، مع أنه قد يحتاج إليه، فلأن
ينهي عن البول في إناء ثم يصبه فيه بطريق الأولى. ولا يستريب في هذا من علم حكمة
الشريعة، وما اشتملت عليه من مصالح العباد ونصائحهم. ودع الظاهرية البحتة، فإنهما
تقسي القلوب، وتحجبها عن رؤية محاسن الشريعة وبهجتها، وما أودعته من الحكم
والمصالح والعدل والرحمة. وهذه الطريق ـ التي جاءتك عفواً تنظر إليها نظر متكىء على
أريكته ـ قد تقطعت في مفاوزها أعناق المطي، لا يسلكها في العالم إلا الفرد بعد
الفرد، ولا يعرف مقدارها من أفرحت قلبه الأقوال المختلفة، والاحتمالات المتعددة،
والتقديرات المستبعدة. فإن علت همته جعل مذهبه عرضة للأحاديث النبوية، وخدمه بها،
وجعله أصلاً محكماً يرد إليه متشابههاً، فما وافقه منها قبله، وما خالفه تكلف له
وجوهاً بالرد غير الجميل، فما أتعبه من شقى، وما أقل فائدته
ومما يفسد قول المحددين بقلتين
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن البول في الماء الدائم ثم يغتسل البائل فيه
بعد البول. هكذا لفظ الصحيحين: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري
ثم يغتسل فيه" وأنتم تجوزون أن يغتسل في ماء دائم قدر القلتين بعد ما بال
فيه. وهذا خلاف صريح للحديث فإن منعتم الغسل فيه نقضتم أصلكم، وإن جوز تموه خالفتم
الحديث. فإن جوزتم البول والغسل خالفتم الحديث من الوجهين جميعاً.
ولا يقال: فهذا بعينه وارد
عليكم، لأنه إذا بال في الماء اليسير ولم يتغير جوزتم له الغسل فيه، لأنا لم نعلل
النهي بالتنجيس، وإنما عللناه بإفضائه إلى التنجيس، كما تقدم، فلا يرد علينا هذا.
وأما إذا كان الماء كثيراً فبال في ناحية ثم اغتسل في ناحية أخرى لم يصل إليها
البول، فلا يدخل في الحديث، لأنه لم يغتسل في الماء الذي بال فيه، وإلا لزم إذا
بال في ناحية من البحر أن لا يغتسل فيه أبداً، وهو فاسد. وأيضاً فالنبي صلى الله
عليه وسلم نهى عن الغسل فيه بعد البول، لما يفضي إليه من إصابة البول له.
قلت: ونظير هذا نهية أن يبول الرجل
في مستحمه. وذلك لما يفضي إليه من تطاير رشاش الماء الذي يصيب البول، فيقع في
الوسواس، كما في الحديث "فإن عامة الوسواس منه" حتى لو كان المكان
مبلطاً لا يستقر فيه البول، بل يذهب مع الماء لم يكره ذلك عند جمهور الفقهاء.
ونظير هذا منع البائل أن يستجمر
أو يستنجي موضع بوله، لما يفضي إليه من التلوث بالبول.
ولم يرد النبي صلى الله عليه
وسلم بنهيه الإخبار عن نجاسة الماء الدائم بالبول، فلا يجوز تعليل كلامه بعلة عامة
تتناول ما لم ينه عنه. والذي يدل على ذلك: أنه قيل له في بئر بضاعة "أنتوضأ
منها وهي بئر يطرح فيها الحيض(1) ولحوم الكلاب وعذر الناس؟ فقال: "الماء طهور
لا ينجسه شيء". فهذا نص صحيح صريح على أن الماء لا ينجس بملاقاة النجاسة، مع
كونه واقفاً، فإن بئر بضاعة كانت واقفة، ولم يكن على عهده بالمدينة ماء جار أصلاً.
فلا يجوز تحريم ما أباحه وفعله، قياساً على ما نهي عنه، ويعارض أحدهما بالاَخر، بل
يستعمل هذا وهذا، هذا في موضعه، وهذا في موضعه، ولا تضرب سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعضها ببعض. فوضوؤه من بئر بضاعة ـ وحالها ما ذكروه له ـ دليل على أن
الماء لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه، ما لم يتغير. ونهيه عن الغسل في الماء الدائم
بعد البول فيه، لما ذكرنا من إفضائه إلى تلوثه بالبول، كما ذكرنا عنه التعليل
بنظيره، فاستعملنا السنن على وجوهها. وهذا أولى من حمل حديث بئر بضاعة على أنه كان
أكثر من قلتين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلل بذلك، ولا أشار إليه، ولا دل
كلامه عليه بوجه. وإنما علل بطهورية الماء، وهذه علة مطردة في كل ماء. قل أو كثر،
ولا يرد المتغير، لأن طهور النجاسة فيه يدل على تنجسه بها، فلا يدخل في الحديث،
على أنه محل وفاق فلا يناقص به.
وأيضاً: فلو أراد صلى الله عليه
وسلم النهي عن استعمال الماء الدائم: اليسير إذا وقعت فيه أي نجاسة كانت لأتي بلفظ
يدل عليه. ونهيه عن الغسل فيه بعد البول لا يدل على مقدار ولا تنجيس، فلا يحمل ما
لا يحتمله.
ثم إن كل من قدر الماء المتنجس
بقدر خالف ظاهر الحديث. فأصحاب الحركة خالفوه، بأن قدروه بما لا يتحرك طرفاه،
وأصحاب النزح خصوه بما لا يمكن نزحه، وأصحاب القلتين خصوه بمقدار القلتين. وأسعد
الناس بالحديث من حمله على ظاهره ولم يخصه ولم يقيده، بل إن كان تواتر الأبوال فيه
يفضي إلى إفساده منع من جوازها، وإلا منع من اغتساله في موضع بوله كالبحر، ولم
يمنع من بوله في مكان واغتساله في غيره.
وكل من استدل بظاهر هذا الحديث
على نجاسة الماء الدائم ـ لوقوع النجاسة فيه ـ فقد ترك من ظاهر الحديث ما هو أبين
دلالة مما قال به، وقال بشيء لا يدل عليه لفظ الحديث. لأنه إن عمم النهي في كل ماء
بطل استدلاله بالحديث، وإن خصه بقدر خالف ظاهرة، وقال ما لا دليل عليه، ولزمه أن
يجوز البول فيما عدا ذلك القدر وهذا لا يقوله أحد.
فظهر بطلان الاستدلال بهذا
الحديث على التنجيس بمجرد الملاقاة على كل تقدير.
وأما من قدره بالحركة، فيدل على
بطلان قوله: أن الحركة مختلفة اختلافاً لا ينضبط، والبول قد يكون قليلاً وقد يكون
كثيراً، ووصول النجاسة إلى الماء أمر حسي، وليس تقديره بحركة الطهارة الصغرى أو
الكبرى أولى من سائر أنواع الحركات، فيا لله العجب حركة الطهارة ميزان ومعيار على
وصول النجاسة وسريانها، مع شدة اختلافها؟ ونحن نعلم بالضرورة أن حركة المغتسل تصل
إلى موضع لا تصل إليه القطرة من البول، ونعلم أن البولة الكبيرة تصل إلى مكان لا
تصل إليه الحركة الضعيفة، وما كان هكذا لم يجز أن يجعل حداً فاصلاً بين الحلال
والحرام.
والذين قدروه بالنزح أيضاً
قولهم باطل، فإن العسكر العظيم يمكنهم نزح ما لا يمكن الجماعة القليلة نزحه. وأما
حديث "ولوغ الكلب" فقالوا: لا يمكنكم أن تحتجوا به علينا، فإنه ما منكم
إلا من خالفه أو قيده أو خصصه فخالف ظاهره، فإن احتج به علينا من لا يوجب التسبيع
ولا التراب، كان احتجاجه باطلاً. فإن الحديث إن كان حجة له في التنجيس بالملاقاة،
فهو حجة عليه في العدد والتراب. فأما أن يكون حجة له فيما وافق مذهبه، ولا يكون
حجة عليه فما خالفه فكلا. ثم هم يخصونه بالماء الذي لا تبلغ الحركة طرفية، وأين في
الحديث ما يدل على هذا التخصيص؟
ثم يظهر تناقضهم من وجه آخر:
وهو أنه إذا كان الماء رقيقاً جداً، وهو منبسط انبساطاً لا تبلغه الحركة: أن يكون
طاهراً ولا يؤثر الولوغ فيه، وإذا كان عميقاً جداً وهو متضايق، بحيث تبلغ الحركة
طرفيه: أن يكون نجساً، ولو كان أضعاف أضعاف الأول. وهذا تناقض بين لا محيد عنه.
قالوا: وإن احتج به من يقول
بالقلتين فإنه يخصصه بما دون القلتين، ويحمل الأمر بغسله وإراقته على هذا المقدار،
ومعلوم أنه ليس في اللفظ ما يشعر بهذا بوجه ولا يدل عليه بواحدة من الدلالات
الثلاث. وإذا كان لا بد لهم من تقييد الحديث وتخصيصه ومخالفة ظاهره، كان أسعد
الناس به من حمله على الولوغ المعتاد في الاَنية المعتادة التي يمكن إراقتها، وهو
ولوغ متتابع في آنية صغار. يتحلل من فم الكلب في كل مرة ريق ولعاب نجس يخالط
الماء، ولا يخالف لونه لونه، فيظهر فيه التغير، فتكون أعيان النجاسة قائمة بالماء
وإن لم تر، فأمر بإراقته وغسل الإناء. فهذا المعنى أقرب إلى الحديث وألصق به، وليس
في حمله عليه ما يخالف ظاهره. بل الظاهر أنه إنما أراد الاَنية المعتادة التي تتخذ
للاستعمال فيلغ فيها الكلاب، فإن كان حمله على هذا موافقة للظاهر فهو المقصود، وإن
كان مخالفة للظاهر، فلا ريب أنه أقل مخالفة من حمله على الأقوال المتقدمة. فيكون
أولى على التقديرين.
قالوا: وأما حديث النهي عن غمس
اليد في الإناء عند القيام من نومه، فالاستدلال به أضعف من هذا كله، فإنه ليس في
الحديث ما يدل على نجاسة الماء. وجمهور الأمة على طهارته، والقول بنجاسته من أشذ
الشاذ، وكذا القول بصيرورته مستعملاً ضعيف أيضاً، وإن كان إحدى الروايتين عن أحمد،
واختيار القاضي وأتباعه، واختيار أبي بكر وأصحاب أحمد ـ فإنه ليس في الحديث دليل
على فساد الماء. وقد بينا أن النهي عن البول فيه لا يدل على فساده بمجرد البول،
فكيف يغمس اليد فيه بعد القيام من النوم؟
وقد اختلف في النهي عنه، فقيل:
تعبدي، ويرد هذا القول: أنه معلل في الحديث بقوله: "فإنه لا يدري أين باتت
يده؟".
وقيل: معلل باحتمال النجاسة،
كثرة في يديه، أو مباشرة اليد لمحل الاستجمار. وهو ضعيف أيضاً. لأن النهي عام
للمستنجي والمستجمر، والصحيح وصاحب البثرات. فيلزمكم أن تخصوا النهي بالمستجمر،
وصاحب البثور وهذا لم يقله أحد.
وقيل ـ وهو الصحيح ـ إنه معلل
بحشية مبيت الشيطان على يده، أو مبيتها عليه. وهذه العلة نظير تعليل صاحب الشرع
الاستنشاق بمبيت الشيطان على الخيشوم فإنه قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه
فليستنشق بمنخريه من الماء، فإن الشيطان يبيت على خيشومه" متفق عليه. وقال
هنا: "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟". فعلل بعدم الدراية لمحل المبيت.
وهذا السبب ثابت في مبيت الشيطان على الخيشوم فإن اليد إذا باتت ملابسة للشيطان لم
يدر صاحبها أين باتت، وفي مبيت الشيطان على الخيشوم وملابسته لليد سر، يعرفه من
عرف أحكام الأرواح، واقتران الشياطين بالمحال التي تلابسها، فإن الشيطان خبيث
يناسبه الخبائث، فإذا نام العبد لم ير في ظاهر جسده أوسخ من خيشومه، فيستوطنه في
المبيت، وأما ملابسته ليده فلأنها أعم الجوارح كسباً وتصرفاً ومباشرة لما يأمر به
الشيطان من المعصية، فصاحبها كثير التصرف والعمل بها، ولهذا سميت جارحة، لأنه
يجترح بها، أي يكسب. وهذه العلة لا يعرفها أكثر الفقهاء، وهي كما ترى وضوحاً
وبياناً. وحسبك شهادة النص لها بالاعتبار.
والمقصود أنه لا دليل لكم في
الحديث بوجه ما، والله أعلم.
وقد تبين بهذا جواب المقامين:
الثاني والثالث.
فلنرجع إلى الجواب عن تمام
الوجوه الخمسة عشر، فنقول:
وأما تقديمكم للمفهوم من حديث
القلتين على القياس الجلي، فمما يخالفكم فيه كثير من الفقهاء والأصوليين، ويقولون:
القياس الجلي مقدم عليه، وإذا كانوا يقدمون القياس على العموم الذي هو حجة
الاتفاق، فلأن يقدم على المفهوم المختلف في الاحتجاج به أولى.
ثم لو سلمنا تقديم المفهوم على
القياس في صورة ما، فتقديم القياس ههنا متعين، لقوته، ولتأيده بالعمومات، ولسلامته
من التناقض الملازم لمن قدم المفهوم، كما سنذكره، ولموافقته لأدلة الشرع الدالة
على عدم التحديد بالقلتين. فالمصير إليه أولى، ولو كان وحده، فكيف بما معه من
الأدلة؟ وهل يعارض مفهوم واحد لهذه الأدلة من الكتاب، والسنة، والقياس الجلي،
واستصحاب الحال، وعمل أكثر الأمة ـ مع اضطراب أصل منطوقه، وعدم براءته من العلة
والشذوذ؟ قالوا: وأما دعواكم أن المفهوم عام في جميع الصور المسكوت عنها، فدعوى لا
دليل عليها. فإن الاحتجاج بالمفهوم يرجع إلى حرفين: التخصيص، والتعليل، كما نقدم.
ومعلوم أنه إذا ظهر للتخصيص فائدة بدون العموم بقيت دعوى العموم باطلة، لأنها دعوى
مجردة، ولا لفظ معنا يدل عليها. وإذا علم ذلك فلا يلزم من انتفاء حكم المنطوق
انتفاؤه عن كل فرد فرد أفراد السكوت، لجواز أن يكون فيه تفصيل فينتفي عن بعضها
ويثبت لبعضها، ويجوز أن يكون ثابتاً لجميعها بشرط ليس في المنطوق، فتكون فائدة
التخصيص به لدلالته على ثبوت الحكم له مطلقاً، وثبوته للمفهوم بشرط. فيكون المنفي
عنه الثبوت المطلق، لا مطلق المثبوت. فمن أين جاء العموم للمفهوم، وهو من عوارض
الألفاظ؟ وعلى هذا عامة المفهومات. فقوله تعالى {لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً
غيره} لا يدل المفهوم على أن بمجرد نكاحها الزوج الثاني تحل له. وكذا قوله:
(فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً): لا يدل على عدم الكتابة عند عدم هذا الشرط
مطلقاً. وكذا قوله: {والذين يبتغون الكتاب}. ونظائره أكثر من أن تحصى.
وكذلك إن سلكت طريقة التعليل لم
يلزم العموم أيضاً، فإنه يلزم من انتفاء العلة انتفاء معلولها، ولا يلزم انتفاء
الحكم مطلقاً، لجواز ثبوته بوصف آخر. وإذا ثبت هذا فمنطوق حديث القلتين لا ننازعكم
فيه، ومفهومه لا عموم له. فبطل الاحتجاج به منطوقاً ومفهوماً.
وأما قولكم: إن العدد خرج مخرج
التحديد والتقييد ـ كنصب الزكوات ـ فهذا باطل من وجوه:
أحدها: أنه لو كان هذا مقداراً
فاصلاً بين الحلال والحرام، والطاهر والنجس، لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم
بيانه بياناً عاماً متتابعاً تعرفه الأمة، كما بين نصب الزكوات، وعدد الجلد في
الحدود، ومقدار ما يستحقه الوارث، فإن هذا أمر يعم الإبتلاء به كل الأمة، فكيف لا
يبنيه، حتى يتفق سؤال سائل له عن قضية جزئية فيجيبه بهذا، ويكون ذلك حداً عاماً
للأمة كلها لا يسع أحداً جهله، ولا تتناقله الأمة، ولا يكون شائعاً بينهم، بل
يحالون فيه على مفهوم ضعيف، شأنه ما ذكرناه، قد خالفته العمومات والأدلة الكثيرة،
ولا يعرفه أهل بلدته، ولا أحد منهم يذهب إليه؟
الثاني: أن الله سبحانه وتعالى
قال: {وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} وقال: {وقد
فصل لكم ما حرم عليكم} فلو كان الماء الذي لم يتغير بالنجاسة: منه ما هو حلال ومنه
ما هو حرام، لم يكن في هذا الحديث بيان للأمة ما يتقون، ولا كان قد فصل لهم ما حرم
عليهم. فإن المنطوق من حديث القلتين لا دليل فيه، والسكوت عنه كثير من أهل العلم
يقولون لا يدل على شيء، فلم يحصل لهم بيان، ولا فصل الحلال من الحرام. والاَخرون
يقولون: لا بد من مخالفة السكوت للمنطوق، ومعلوم أن مطلق المخالفة لا يستلزم
المخالفة المطلقة الثابتة لكل فرد فرد من السكوت عنه، فكيف يكون هذا حداً فاصلاً؟
فتبين أنه ليس في المنطوق ولا في السكوت عنه فصل ولا حد.
الثالث: أن القائلين بالمفهوم
إنما قالوا به إذا لم يكن هناك سبب اقتضى التخصيص بالمنطوق، فلو ظهر سبب يقتضي
التخصيص به لم يكن المفهوم معتبراً، كقوله (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق): وذكر
هذا القيد لحاجة المخاطبين إليه، إذ هو الحامل لهم على قتلهم، لا لاختصاص الحكم
به. ونظيره {لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة} ونظائره كثيرة.
وعلى هذا فيحتمل أن يكون ذكر
العلتين وقع في الجواب لحاجة السائل إلى ذلك، ولا يمكن الجزم بدفع هذا الاحتمال.
نعم لو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا اللفظ ابتداء من غير سؤال لا ندفع هذا
الاحتمال.
الرابع: أن حاجة الأمة ـ حضرها وبدوها،
على اختلاف أصنافها ـ إلى معرفة الفرق بين الطاهر والنجس ضرورية، فكيف يحالون في
ذلك على مالا سبيل لأكثرهم إلى معرفته؟ فإن الناس لا يكتالون الماء، ولا يكادون
يعرفون مقدار القلتين: لا طولهما، ولا عرضهما، ولا عمقهما فإذا وقعت في الماء
نجاسة فما يدريه أنه قلتان؟ وهل تكليف ذلك إلا من باب علم الغيب، وتكليف ما لا
يطاق؟
فإن قيل: يستظهر حتى يغلب على
ظنه أنه قلتان: قيل: ليس هذا شأن الحدود الشرعية، فإنها مضبوطة لا يزاد عليها ولا
ينقص منها، كعدد الجلدات، ونصب الزكوات، وعدد الركعات، وسائر الحدود الشرعية.
الخامس: أن خواص العلماء إلى
اليوم لم يستقر لهم قدم على قول واحد في القلتين، فمن قائل: ألف رطل بالعراقي، ومن
قائل: ستمائة رطل، ومن قائل: خمسمائة، ومن قائل: أربعمائة. وأعجب من هذا: جعل هذا
المقدار تحديداً فإذا كان العلماء قد أشكل عليهم قدر القلتين، واضطربت أقوالهم في
ذلك، فما الظن بسائر الأمة؟ ومعلوم أن الحدود الشرعية لا يكون هذا شأنها.
السادس: أن المحددين يلزمهم
لوازم باطلة شنيعة جداً.
منها: أن يكون ماء واحد إذا ولغ
فيه الكلب تنجس وإذا بال فيه لم ينجسه ومنها: أن الشعرة من الميتة إذا كانت نجسة
فوقعت في قلتين إلا رطلاً مثلاً أن ينجس الماء، ولو وقع رطل بول في قلتين لم ينجسه
ومعلوم أن تأثر الماء بهذه النجاسة أضعاف تأثره بالشعرة، فمحال أن يجيء شرع بتنجّس
الأول وطهارة الثاني. وكذلك ميتة كاملة تقع في قلتين لا تنجسها، وشعرة منها تقع في
قلتين إلا نصف رطل أو رطلاً فتنجسها إلى غير ذلك من اللوازم التي يدل بطلانها على
بطلان ملزوماتها:
وأما جعلكم الشيء نصفاً ففي
غاية الضعف، فإنه شك من ابن جريج. فياسبحان الله يكون شكله حداً لازماً للأمه،
فاصلاً بين الحلال والحرام، والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين لأمته الدين، وتركهم
على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، فيمتنع أن يقدر لأمته حداً لا سبيل لهم إلى
معرفة إلا شك حادث بعد عصر الصحابة، يجعل نصفاً احتياطياً؟ وهذا بين لمن أنصف.
والشك الجاري الواقع من الأمة في طهورهم وصلاتهم قد بين لهم حكمه ليندفع عنهم
باليقين، فكيف يجعل شكهم حداً فاصلاً فارقاً بين الحلال والحرام؟
ثم جعلكم هذا احتياطاً: باطل،
لأن الاحتياط يكون في الأعمال التي يترك لتكلف منها عملاً لاَخر احتياطاً، وأما
الأحكام الشرعية والإخبار عن الله ورسوله فطريق الاحتياط فيها أن لا يخبر عنه إلا
بما أخبر به، ولا يثبت إلا ما أثبته. ثم إن الاحتياط هو في ترك هذا الاحتياط، فإن
الرجل تحضره الصلاة وعنده قلة ماء قد وقعت فيها شعرة ميتة، فتركه الوضوء منه مناف
للاحتياط. فهلا أخذتم بهذا الأصل هنا، وقلتم: ما ثبت تنجيسه بالدليل الشرعي
نجسناه، وما شككنا فيه رددناه إلى أصل الطهارة؟ لأن هذا لما كان طاهراً قطعاً وقد شككنا:
هل حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنجيسه أم لا؟ فالأصل الطهارة.
وأيضاً: فأنتم لا نبيحون لمن شك
في نجاسة الماء أن يعدل إلى التيمم، بل توجبون عليه الوضوء. فكيف تحرمون عليه
الوضوء هنا بالشك؟
وأيضاً: فإنكم إذا نجستموه
بالشك نجستم ما يصيبه من الثياب والأبدان والاَنية، وحرمتم شربه والطبخ به، وأرقتم
الأطعمة المتخذة منه. وفي هذا تحريم لأنواع عظيمة من الحلال بمجرد الشك، وهذا مناف
لأصول الشريعة. والله أعلم.
*2*34 ـ باب ما جاء في بئر
بضاعة
@66 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
العَلاَءِ وَ الحَسَنُ بنُ عَلِيّ وَ مُحمّدُ بنُ سُلَيْمانَ الأنْبَارِيّ قالوا
حَدثنا أبُو أُسَامَةَ عن الوَلِيدِ بنِ كَثيرٍ عن مُحمّدِ بنِ كَعْبٍ عن
عُبيدِالله بنِ عَبْدِالله بنِ رَافَعٍ بنِ خَديجٍ عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ
"أنّه قِيلَ لِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أنَتَوَضّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ
وهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا الْحَيْضُ وَلَحْمُ الكِلابِ وَالنّتْنُ؟ فقالَ
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: المَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجّسُهُ شَيءٌ". قال
أبُو داوُد: وقال بعضُهُمْ عَبْدُالرّحْمَنُ بنُ رافِعٍ.
67 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ أبي
شُعَيْبٍ وَ عَبْدُالعَزِيزِ بنُ يَحْيَى الحَرّانِيّانِ قالا حدثنا مُحمّدُ بنُ
سَلَمَةَ عن مُحمّدِ بنِ إسْحاقَ عن سَلِيْطِ بنِ أيّوبَ عن عُبَيْدِالله بنِ
عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ رافَعٍ الأنْصارِيّ ثُمّ العَدَوِيّ عن أبي سَعيدٍ
الخُدْرِيّ قال: "سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُقَالُ
لَهُ إنّهُ يُسْتَقَى لَكَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهيَ بِئْرٌ يُلْقَى فيها
لُحُومُ الكِلابِ وَالمَحَائِضُ وَعَذِرُ النّاسِ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم: إنّ المَاءَ طَهُورٌ لاَ يُنَجّسَهُ شَيْءٌ".
قال أبُو داوُدَ: سَمِعْتُ
قُتَيْبَةَ بنَ سَعيدٍ قال: سَألْتُ قَيّمَ بِئْرِ بُضَاعَةَ عن عُمْقِهَا، قال:
أكْثَرُ مَا يَكُونُ فِيها المَاءُ إلَى الْعَانَةِ. قُلْتُ: فإذَا نَقَصَ؟ قال:
دُونَ العَوْرَةِ.
قال أبُو داوُدَ: وَقَدّرْتُ
أنَا بِئْرَ بُضَاعَةَ بِرِدَائِي مَدَدْتُهُ عَلَيْهَا ثُمّ ذَرَعْتُهُ فَإذَا
عَرضُها سِتّةُ أذْرُعٍ، وَسَألْتُ الّذِي فَتَحَ لي بَابَ البُسْتانِ فأدْخَلَنِي
إلَيْهِ هَلْ غُيّرَ بِنَاؤُهَا عَمّا كَانَتْ عَليْهِ؟ قال: لاَ، ورَأيْتُ فِيهاَ
مَاءً مُتَغَيّرَ اللّوْنِ.
*2*35 ـ باب الماء لا يجنب
@68 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
أبُو الأحْوَصِ قال حدثنا سِمَاكٌ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قال:
"اغْتَسَلَ بَعْضُ أزْواجِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في جَفْنَةٍ، فَجَاءَ
النّبيّ صلى الله عليه وسلم لِيَتَوَضّأَ مِنْهَا أوْ يَغْتَسِلَ، فقالَتْ لَهُ:
يارسولَ الله إنّي كُنْتُ جُنُباً. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إن
المَاءُ لاَ يُجْنِبُ".
*2*36 ـ باب البول في الماء
الراكد
@69 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
يُونُسَ قال حدثنا زَائِدَةُ في حَديثِ هِشَامٍ عن مُحمّدٍ عن أبي هُرَيْرَةَ عن
النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ يَبُولَنّ أحَدُكُم في الْمَاءِ
الدّائِمِ ثُمّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ".
70 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
يَحْيَى عن مُحمّدِ بنِ عَجْلاَنَ قال سَمِعْتُ أبي يُحَدّثُ عن أبي هُرَيْرَة قال
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَبُولَنّ أحَدُكُم في المَاءِ
الدّائِمِ وَلا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنَ الجَنَابَةِ".
*2*37 ـ باب الوضوء بسؤر الكلب
@71 ـ حدثنا أحْمَد بن يُونُسَ
قال حدثنا زَائِدَةُ في حَديثِ هِشَامٍ عن مُحمّدٍ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ
صلى الله عليه وسلم قال: "طُهُورُ إنَاءِ أحَدِكُم إذَا وَلَغَ فِيهِ
الْكَلْبُ أَنْ يَغْتَسِلَ سَبْعَ مَرّاتٍ، أولاَهُنّ بالتّرَابِ".
قال أبُو داوُدَ: وكَذَلِكَ قال
أيّوبُ وَحَبِيبُ بنُ الشّهِيد عن مُحمّدٍ.
72 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمانَ ح. وحدثنا مُحمّدُ بنُ عُبيْدٍ قال حدثنا حَمّادُ بنُ
زَيْدٍ جَمِيعاً عن أيّوبَ عن مُحمّدٍ عن أبي هُرَيْرَةَ بِمَعْناهُ وَلَمْ
يَرْفَعَاهُ، وَزَادَ: "وَإذَا وَلَغَ الهِرّ غُسِلَ مَرّةً".
73 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ قال حدثنا أبَانُ قال حدثنا قَتَادَةُ أنّ مُحمّدَ بنَ سِيرِينَ
حَدّثَهُ عن أبي هُرَيْرَةَ أنّ نَبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا
وَلَغَ الكَلْبُ في الإِنَاءِ فاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرّاتٍ، السّابِعَةَ
بالتّرابِ".
قال أبُو داوُدَ: وأمّا أبُو
صَالِحٍ وأبُو رَزِينٍ وَالأَعْرَجُ وَثَابِتٌ الأحْنَفُ وَهَمّامُ بنُ مُنْبّهٍ
وأبُو السّدّيّ عَبْدُالرّحْمَنِ رَوَوْهُ عن أبي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَذْكُرُوا
التّرَابَ.
74 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ مُحمّدِ
بنِ حَنْبَلٍ قال حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عن شُعْبَةَ قال حدثنا أبُو التّيّاحِ
عن مُطَرّفٍ عن ابنِ مُغَفّلٍ "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ
بِقَتْلِ الكِلابِ، ثُمّ قال: مَا لَهُمْ وَلَهَا، فَرَخّصَ في كَلْبِ الصّيْدِ
وفي كلْبِ الغَنَمِ، وقال: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ
سَبْعَ مِرَار وَالثّامِنَةَ عَفّرُوهُ بالتّرَابِ.
قال أبُو داوُد: وَهَكَذَا قال
ابنُ مُغَفّلٍ.
*2*38 ـ باب سؤر الهرة
@75 ـ حدثنا عَبْدُالله بن
مَسْلَمَةَ القَعْنَبيّ عن مَالِكٍ عن إسْحَاقَ بنِ عَبْدِالله بنِ أبي طَلْحَةَ
عن حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ عن كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بنِ
مَالِكٍ ـ وكَانتْ تَحْتَ ابنِ أبي قَتَادَةَ أنّ أبَا قَتَادَةَ دَخَلَ
فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا فَجَاءَتْ هِرّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ فَأصْغَى لَهَا
الإِنَاءَ حَتّى شَرِبَتْ. قالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أنْظُرُ إلَيْهِ فَقَالَ:
أتَعْجَبِينَ يابِنْتَ أخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: إنّ رسولَ الله صلى الله
عليه وسلم قال: "إنّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسٍ، إنّهَا مِنَ الطّوّافِينَ عَلَيْكُمْ
وَالطّوّافَاتِ".
76 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ قال حدثنا عَبْدُالعَزِيزِ عن دَاوُدَ بنِ صالحِ بنِ دينَارٍ التّمّارِ
عن أُمّهِ "أنّ مَوْلاَتَهَا أرْسَلَتْهَا بِهَرِيسَةٍ إلَى عائِشَةَ
فَوَجَدَتْهَا تُصَلّي، فَأشَارَتْ إلَيّ أنْ ضَعِيهاَ، فَجَاءَتْ هِرّةٌ فأكَلَتْ
مِنْهَا فَلَمّا انْصَرَفْتُ أكَلَتْ مِنْ حَيْثُ أكَلَتْ الهِرّةُ، فَقَالَتْ:
إنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنّمَا هِيَ
مِنَ الطّوّافِينَ عَلَيْكُمُ، وَقَدْ رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
يَتَوَضّأُ بِفَضْلِهَا".
*2*39 ـ باب الوضوء بفضل المرأة
@77 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
يَحْيَى عن سُفْيَانَ قال حدّثَني مَنْصُورٌ عن إبْرَاهِيمَ عن الأسْوَدِ عن
عَائِشَةَ قالَتْ: "كُنْتُ أغْتَسِلُ أنَا وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم
منْ إنَاءٍ واحِدٍ وَنَحْنُ جُنُبَان".
78 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مُحمّدٍ النّفَيْلِيّ قال حدثنا وَكِيعٌ عن أُسامَةُ بنِ زَيْدٍ عن ابنِ خَرّبُوذ
عن أُمّ صُبَيّةَ الْجُهَنِيّةِ قالَتْ: "اختَلَفَتْ يَدِي وَيَدُ رسولِ الله
صلى الله عليه وسلم في الْوُضُوءِ منِ إنَاءٍ واحِدٍ".
79 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ عن مَالِكٍ عن نَافِعٍ ح. وحدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا حَمّادٌ عن أيّوبَ
عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ قال: "كانَ الرّجَالُ والنساءُ يَتَوَضّؤُونَ في
زَمَانِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ـ قالَ مُسَدّدٌ ـ مِنَ الإنَاءِ الوَاحِدِ
جَمِيعاً".
80 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
يَحْيَى عن عُبَيْدِالله قال حَدّثَني نَافِعٌ عن عَبْدِالله بنِ عُمَرَ قال:
"كُنّا نَتَوَضّأُ نَحْنُ وَالنّسَاءُ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه
وسلم مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ نُدْلِي فِيهِ أيْديَنَا".
*2*40 ـ باب النهي عن ذلك
@81 ـ حدثنا أحْمَدُ بن يُونُسَ
قال حدثنا زُهَيْرٌ عن دَاوُدَ بنِ عَبْدِالله ح. وحدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا أبو
عَوانَةَ عن دَاوُدَ بنِ عبْدِالله عن حُمَيْدٍ الحِمْيَريّ قال: "لَقِيتُ
رَجُلاً صَحِبَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أرْبَعَ سِنِينَ كما صَحِبَهُ أبو هُرَيْرَةَ،
قال: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن تَغْتَسِلَ المَرْأةُ بِفَضْلِ
الرّجُلِ، أوْ يَغْتَسِلَ الرّجُلُ بِفَضْلِ المَرْأةِ. زادَ مُسَدّدٌ:
وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعاً".
82 ـ حدثنا ابنُ بَشّارٍ قال
حدثنا أبو دَاوُدَ ـ يَعْني الطّيَالِسيّ ـ قال حدثنا شُعْبَةُ عن عَاصِمٍ عن أبي
حَاجِبٍ عن الحَكَمِ بنِ عَمْرٍو وَهُوَ الأقْرَعُ "أنّ النّبِيّ صلى الله
عليه وسلم نَهَى أنْ يَتَوَضّأ الرّجُلُ بِفَضْلِ طُهُورِ المَرْأةِ".
قال الشيخ شمس الدين بن القيم:
وقال الترمذي في كتاب العلل:
سألت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث ـ يعني حديث أبي حاجب عن
الحكم بن عمرو؟ فقال: ليس بصحيح، قال: وحديث عبد الله بن سرجس في هذا الباب،
الصحيح هو موقوف، ومن رفعه فهو خطأ. تم كلامه. وقال أبو عبيد في كتاب الطهور:
حدثنا علي بن معبد عن عبيد الله بن عمرو عن معمر عن عاصم بن سليمان عن عبد الله بن
سرجس أنه قال: أترون هذا الشيخ ـ يعني نفسه ـ فإنه قد رأى نبيكم صلى الله عليه
وسلم وأكل معه، قال عاصم: فسمعته يقول "لا بأس بأن يغتسل الرجل والمرأة من
الجنابة من الإناء الواحد فإن خلت به فلا تقربه". فهذا هو الذي رجحه البخاري،
ولعل بعض الرواة ظن أن قوله "فسمعته يقول" من كلام عبد الله بن سرجس،
فوهم فيه، وإنما هو من قول عاصم بن سليمان يحيكيه عن عبد الله.
وقد اختلف الصحابة في ذلك. فقال
أبو عبيد: حدثنا حجاج عن المسعودي عن مهاجر أبي الحسن قال: حدثني كلثوم بن عامر بن
الحرث قال: توضأت جويرية بنت الحارث ـ وهي عمته ـ قال: فأردت أن أتوضأ بفضل
وضوئها، فجذبت الإناء ونهتني وأمرتني أن أهريقه، قال: فأهرقته". وقال: حدثنا
الهيثم بن جميل عن شريك عن مهاجر الصائغ عن ابن لعبدالرحمَن بن عوف: أنه دخل على
أم سلمة، ففعلت به مثل ذلك. فهؤلاء ثلاثة: عبد الله بن سرجس، وجويرية، وأم سلمة.
وخالفهم في ذلك ابن عباس، وابن
عمر، قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن أبي زيد المديني عن ابن
عباس: أنه سئل عن سؤر المرأة؟ فقال: "هي ألطف بناناً، وأطيب ريحاً"
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: "أنه كان لا يرى بأساً
بسؤر المرأة، إلا أن تكون حائضاً أو جنباً".
واختلف الفقهاء أيضاً في ذلك
على قولين. أحدهما: المنع من الوضوء بالماء الذي تخلو به، قال أحمد: وقد كرهه غير
واحد من الصحابة، وهذا هو المشهور من الروايتين عن أحمد، وهو قول الحسن. والقول
الثاني: يجوز الوضوء به. وهو قول أكثر أهل العلم واحتجوا بما رواه مسلم صحيحه عن
ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة" وفي
السنن الأربع، عن ابن عباس أيضاً "أن امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم
استحمت من جنابة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ من فضلها. فقالت: إني
اغتسلت منه. فقال: إن الماء لا ينجسه شيء" وفي رواية "لا يجنب".
*2*41 ـ باب الوضوء بماء البحر
@83 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ عن مالِكٍ عن صَفْوانَ بنِ سُلَيمٍ عن سَعِيدِ بنِ سَلَمَةَ مِنْ آلِ
ابنِ الأزْرَقِ قال: إنّ المُغِيرةَ بنَ أبي بُرْدَةَ ـ وَهُوَ مِنْ بَنِي
عَبْدِالدّار ـ أخْبَرَهُ أنّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ يقولُ: "سَألَ رَجُلٌ
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: يارسولَ الله إنّا نَرْكَبُ البَحْرَ
وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ المَاءِ فإنْ تَوَضّأْنَا به عَطِشْنَا،
أفَنَتَوَضّأُ بِمَاءِ البَحْرِ؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: هُوَ
الطّهُورُ مَاؤُهُ والْحِلّ مَيْتَتُهُ".
*2*42 ـ باب الوضوء بالنبيذ
@84 ـ حدثنا هَنّادٌ وَ
سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيّ قالا حدثنا شَرِيكٌ عن أبي فَزَارَةَ عن أبي
زَيْدٍ عن عبْدِالله بنِ مَسْعُودٍ "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لَهُ
لَيْلَةَ الجِنّ: مَا في إداوَتِكَ؟ قال: نَبِيذٌ. قالَ: تَمْرَةٌ طَيّبَةٌ
وَمَاءٌ طَهُورٌ".
قال سُلَيْمانُ بنُ دَاوُدَ عن
أبي زَيْدٍ أوْ زَيْدٍ: كَذَا قال شَريكٌ وَلَمْ يذْكُرْ هَنّادٌ لَيْلَةَ الجِنّ.
85 ـ حدثنا مُوسى بن إسْماعيلَ
قال حدثنا وُهَيْبٌ عن دَاوُد عن عامِرٍ عن عَلْقَمَةَ قال "قُلْتُ لِعبدالله
بنِ مَسْعودٍ: مَنْ كانَ مِنْكُمُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ
الجِنّ؟ فقال: مَا كانَ مَعَهُ مِنّا أحَدٌ".
86 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ
قال حدثنا عَبْدُالرّحْمَنِ قال حدثنا بِشْرُ بنُ مَنْصُورٍ عن ابنِ جُرَيْجٍ عن
عَطَاءٍ قال: "إنّهُ كَرِهَ الوُضُوءَ بِاللّبَنِ وَالنّبِيذِ وقال: إنّ
التّيَمّمَ أعْجَبٌ إلَيّ منْهُ".
87 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ
قال حدثنا عبدُالرّحْمَنِ قَالَ حدثنا أبو خَلْدَةَ قال: "سَألْتُ أبَا
العَالِيَةَ عن رَجُلٍ أصَابَتْهُ جَنَابَةٌ وَلَيْس عِنْدَهُ مَاءٌ وَعِنْدَهُ
نَبِيذٌ، أيَغْتَسِلُ بِهِ؟ قال: لاَ".
*2*43 ـ باب أيصلي الرجل وهو
حاقن
@88 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
يُونُسَ قال حدثنا زُهَيْرٌ قال حدثنا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عن أبيهِ عن
عَبْدِالله بنِ الأرْقَمِ "أنّهُ خَرَجَ حاجاً أوْ مُعْتَمِراً وَمَعَهُ
النّاسُ وَهُوَ يَؤمّهُمْ، فَلَمّا كانَ ذَاتُ يَوْمٍ أقامَ الصّلاةَ ـ صلاةَ
الصّبْحِ ـ ثُمّ قال: لِيَتَقَدّمْ أحَدُكُم وَذَهبَ الخَلاَءَ، فإنّي سَمِعْتُ رسولَ
الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: إذَا أرَادَ أحدُكُم أنْ يَذْهَبَ الخَلأَ
وَقَامَتِ الصّلاةُ فَلْيَبْدَأْ بالخَلاَءِ".
قال أبُو داوُدَ: رَوَى
وُهَيْبُ بن خالِدٍ وَشُعَيْبٍ بنُ إسْحاقَ وأبُو ضَمْرَةَ هَذَا الْحَديثَ عن
هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أبيهِ عن رَجُلٍ حَدّثَهُ عن عبدِالله بنِ أرْقَمَ،
والأكْثَرُ الذّينَ رَوَوْهُ عن هِشَامٍ قالُوا كما قال زُهَيرٌ.
89 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ مُحمّدِ
بنِ حَنْبَلٍ وحدثنا مُسَدّدٌ وَ مُحمّدُ بنُ عِيسَى المَعْنَى قالُوا حدثنا
يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عن أبي حَزْرَةَ قال حدثنا عَبْدُالله بنُ مُحمّدٍ ـ قال ابنُ
عِيسَى في حَدِيثِهِ ابنُ أبي بَكْرٍ ثُمّ اتّفَقُوا ـ أخُو الْقَاسِمِ بنِ
مُحمّدٍ قال: "كُنّا عِنْدَ عَائِشَةَ فَجِيءَ بِطَعَامِهَا فَقَامَ
القَاسِمُ يُصَلّي، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ:
لاَ يُصَلّى بِحَضْرَةِ الطّعَامِ وَلاَ هُوَ يُدَافِعُهُ الأخْبَثَانِ".
90 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عِيسَى
قال حدثنا ابنُ عَيّاشٍ عن حَبِيبِ بنِ صَالحٍ عن يَزِيدَ بنِ شُرَيْحٍ
الحَضْرَمِيّ عن أبي حَيَ المُؤَذّنِ عن ثَوْبَانَ قال قال رسولُ الله صلى الله
عليه وسلم: "ثَلاَثٌ لاَ يَحِلّ لاِءَحَدٍ أنْ يَفْعَلَهُنّ: لاَ يؤُمّ
رَجُلٌ قَوْماً فَيَخُصّ نَفْسَهُ بالدّعَاءِ دُونَهُمْ فإنْ فَعَلَ فَقَدْ
خَانَهُمْ، وَلاَ يَنْظُرُ في قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أنْ يَسْتَأْذِنَ فَإنْ فَعَلَ
فَقَدْ دَخَلَ، وَلاَ يُصَلّي وَهُوَ حَقِنٌ حَتّى يَتَخَفّفَ".
91 ـ حدثنا مَحمودُ بنُ خَالِدٍ
السّلَمِيّ قال حدثنا أحْمَدُ بنُ عَلِيَ قال حدثنا ثَوْرٌ عن يَزِيدَ بن شُرَيْحٍ
الحَضْرَمِيّ عن أبي حَيَ المُؤَذّنِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبِيّ صلى الله عليه
وسلم قال: "لاَ يَحِلّ لِرَجُلٍ يُؤمِنُ بالله وَاليَوْمِ الاَخِرِ أنْ
يُصَلّيَ وَهُوَ حَقِنٌ حَتّى يَتَخَفّفَ. ثُمّ سَاقَ نَحْوَهُ عَلَى هَذَا
اللّفْظِ قال: وَلاَ يَحِلّ لِرَجُلٍ يُؤمِنُ بالله وَاليَوْمِ الاَخِرِ أنْ
يَؤُمّ قَوْماً إلاّ بِإذْنِهِمْ وَلاَ يَخْتَصّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ،
فَإنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ".
قال أبُو داوُدَ هَذَا مِنْ
سُنَنِ أهْلِ الشّامِ لَمْ يَشْرَكْهُمْ فيها أحَدٌ.
*2*44 ـ باب ما يجزىء من الماء
في الوضوء
@92 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
كَثِيرٍ قال حدثنا هَمّامٌ عن قَتَادَةَ عن صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عن عَائِشَةَ
"أنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ بالصّاعِ وَيَتَوَضّأُ
بالمُدّ" قال أبُو دَاوُد: رَوَاهُ أبَانٌ عن قَتَادَةَ قال سَمِعْتُ
صَفِيّةَ.
93 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ مُحمّدِ
بنِ حَنْبَلٍ قال حدثنا هُشَيْمٌ قال أخبرنا يَزِيدُ بنُ أبي زِيادٍ عن سَالِمِ
بنِ أبي الجَعْدِ عن جابِرٍ قال: "كانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
يَغْتَسِلُ بالصّاعِ وَيَتَوضّأُ بالمُدّ".
94 ـ حدثنا ابنُ بَشّارٍ قال
حدثنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ قال حدثنا شُعْبَةُ عن حَبيبٍ الأنْصَاريّ قال
سَمِعْتُ عَبّادَ بنَ تَمِيمٍ عن جَدّتِي وهي أُمّ عُمَارَةَ "أنّ النّبِيّ
صلى الله عليه وسلم تَوَضّأَ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فيهِ مَاءٌ قَدْرُ ثُلْثَي
المُدّ".
95 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
الصّبّاحِ البَزّازُ قال حدثنا شَرِيكٌ عن عَبْدِالله بنِ عِيسَى عن عَبْدِالله
بنِ جَبْرٍ عن أنَسٍ قال: "كانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضّأُ بِإِنَاءٍ
يَسَعُ رَطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بالصّاعِ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
شُعْبَةُ قال حدّثَني عَبْدُالله بنُ عَبْدِالله بنِ جَبْرٍ قال سَمِعْتُ أنَساً،
إلاّ أنّهُ قال: يَتَوَضّأُ بِمَكّوكٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ رَطْلَيْنِ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
يَحْيَى بنُ آدَمَ عن شَرِيكٍ قال عن ابنِ جَبْرِ بنِ عَتِيكٍ. قال وَرَوَاهُ
سَفْيَانُ عن عَبْدِالله بنِ عِيسَى قال حَدّثَنِي جَبْرُ بنُ عَبْدِالله.
قال أبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ
أحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يقولُ: الصّاعُ خَمْسَةُ أرْطالٍ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَهُوَ صاعُ
ابنِ أبي ذِئْبٍ، وَهُوَ صاعُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
*2*45 ـ باب الإسراف في الوضوء
@96 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ قال حدثنا حَمّادٌ قال حدثنا سَعِيدٌ الجُرَيْرِيّ عن أبي نَعَامَةَ
"أنّ عبدالله بنَ مُغَفّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يقولُ: اللّهُمّ إنّي أسْألُكَ القَصْرَ
الأبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الجَنّةِ إذَا دَخَلْتُهَا. قال: يابُنَيّ سَلِ الله
الجَنّةَ وَتَعَوّذْ بِهِ مِنَ النّارِ فإنّي سَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه
وسلم يقولُ: "سَيَكُونُ في هَذِهِ الأُمّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ في الطّهُورِ
وَالدّعَاءِ".
قال الشيخ شمس الدين بن القيم:
وفي الباب حديث أبي بن كعب عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الوضوء شيطاناً يقال له الولهان، فاتقوا
وسواس الماء" رواه الترمذي وقال: غريب، ليس إسناده بالقوي عند أهل الحديث، لا
نعلم أحداً أسنده غير خارجة ـ يعني ابن مصعب ـ قال: وقد روى هذا الحديث من غير وجه
عن الحسن، قوله ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وخارجة
ضعيف، ليس بالقوي عند أصحابنا، وضعفه ابن المبارك قال: وفي الباب عن عبد الله بن
عمرو، وعبد الله بن مغفل. هذا آخر كلامه. والذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم تسمية
شيطان الصلاة الذي يوسوس للمصلي فيها "خنرب" رواه مسلم في صحيحه من حديث
عمارة ابن أبي العاص الثقفي.
*2*46 ـ باب في إسباغ الوضوء
@97 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
يَحْيَى عن سُفْيانَ قال حَدّثَني مَنْصورٌ عن هِلالِ بنِ يَسَافٍ عن أبي يَحْيَى
عن عبدالله بنِ عَمْرٍو "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأى قَوْماً
وَأعْقَابُهُمْ تَلُوحُ، فَقَال: وَيْلٌ للأعْقَابِ مِنَ النّارِ، أسْبِغُوا
الوُضُوءَ".
*2*47 ـ باب الوضوء في آنية
الصفر
@98 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ قال حدثنا حَمّادٌ قال أخبرني صَاحِبٌ لِي عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ
أنّ عَائِشَةَ قالَتْ: "كُنْتُ أغْتَسِلُ أنَا ورسولُ الله صلى الله عليه
وسلم في تَوْرٍ مِنْ شَبَهٍ".
99 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
العَلاَءِ أنّ إسْحَاقَ بنَ مَنْصُورٍ حَدّثَهُمْ عن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عن
رَجُلٍ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أبِيهِ عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
بِنَحْوِهِ.
100 ـ حدثنا الحسَنُ بنُ عَليّ
قال حدثنا أبُو الوَلِيدِ وَ سَهْلُ بنُ حَمّادٍ قالا حدثنا عَبْدُالعَزِيزِ بنُ
عَبْدِالله بنِ أبي سَلَمَةَ عن عَمْرِو بنِ يَحْيَى عن أبِيهِ عن عَبْدِالله بنِ
زَيْدٍ قال: "جَاءَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجْنَا لَهُ
مَاءاً في تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضّأَ".
*2*48 ـ باب في التسمية على
الوضوء
@101 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيدٍ قال حدثنا مُحمّدُ بنُ مُوسَى عن يَعْقُوبَ بنِ سَلَمَةَ عن أبِيهِ عن أبي
هُرَيْرَةَ قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ
لاَوُضُوءَ لَهُ، وَلاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ الله عَلَيْهِ".
102 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
عَمْرِو بنِ السّرْحِ قال حدثنا ابنُ وَهْبٍ عن الدّرَاوَرْدِيّ، قال وَذَكَرَ
رَبِيعَةُ أنّ تَفْسِيرَ حَدِيثَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ وُضُوءَ
لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ الله عَلَيْهِ" أنّهُ الّذِي يَتَوَضّأُ
وَيَغْتَسِلُ وَلاَ يَنْوِي وُضُوءاً لِلصّلاَةِ وَلاَ غُسْلاً لِلِجِنَابَةِ.
*2*49 ـ باب في الرجل يدخل يده
في الإناء قبل أن يغسلها
@103 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال
حدثنا أبُو مُعَاوِيَةَ عن الأعْمَشِ عن أبي رَزِينٍ وَ أبي صَالحٍ عن أبي
هُرَيْرَةَ قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قَامَ أحدُكُم مِنَ
اللّيْلَ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ في الإنَاءِ حَتّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثَ مَرّاتٍ
فَإِنّهُ لا يَدْرِي أينَ بَاتَتْ يَدُهُ".
104 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
عِيسَى بنُ يُونُسَ عن الأعْمَشِ عن أبي صَالحٍ عن أبي هُرَيْرةَ رَضِي الله
عَنْهُ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ـ يَعْنِي بِهَذَا الحَديثِ قال مَرّتَيْنِ
أوْ ثَلاَثاً وَلَمْ يَذْكُرْ أبَا رَزِينٍ.
105 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
عَمْرِو بن السّرْحِ وَ مُحمّدُ بنُ سَلَمَةَ المُرَادِيّ قالا حدثنا ابنُ وَهْبٍ
عن مُعَاوِيَةَ بنِ صَالحٍ عن أبي مَرْيَمَ قال: سمعت أبا هريرة يقول: سَمِعْتُ
رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "إذَا اسْتَيْقَظَ أحَدُكُم مِنْ
نَوْمِهِ فَلاَ يُدْخِلُ يَدَهُ في الإنَاءِ حَتّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثَ مَرّاتٍ،
فَإنّ أحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ أوْ أيْنَ كانَتْ تَطُوفُ
يَدُهُ".
*2*50 ـ باب صفة وضوء النبي صلى
الله عليه وسلم
@106 ـ حدثنا الحَسَنُ بنُ
عَلِيَ الحُلْوَانِيّ قال حدثنا عَبْدُالرّزّاقِ قال أخبرنا مَعْمَرٌ عن
الزّهْرِيّ عن عَطَاءِ بنِ يَزِيدَ اللّيْثِيّ عن حُمْرَانَ بنِ أبَانَ مَوْلى
عُثْمَانَ بنِ عَفّانَ قال: رَأيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفّانَ تَوَضّأَ فَأَفْرَغَ
عَلَى يَدَيْهِ ثَلاَثاً فَغَسَلَهُمَا ثُمّ تَمَضْمَضَ واسْتَنْثَرَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ
ثَلاَثاً وَغَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إلَى المِرْفَقِ ثَلاَثَاً ثُمّ اليُسْرَى
مِثْلَ ذَلِكَ ثُمّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمّ غَسَلَ قَدَمَهُ اليُمْنَى ثَلاَثاً ثُمّ
اليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمّ قال: رَأيْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم
تَوَضّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَ، ثُمّ قال: مَنْ تَوَضّأ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا
ثُمّ صَلّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَرَ الله لَهُ ما
تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
107 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
المُثَنّى قال حدثنا الضّحّاكُ بنُ مَخْلَدٍ قال حدثنا عَبْدُالرّحْمَنِ بنُ
وَرْدَانَ قال حَدّثَني أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِالرّحْمَنِ قال حدّثَنِي حُمْرانُ
قال: رَأيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفّانَ تَوَضّأَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ
المَضْمَضَةَ وَالاِسْتِنْشَاقَ، وقال فِيهِ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلاَثاً ثُمّ
غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثاً، ثُمّ قال: رأيْتُ رَسول الله صلى الله عليه وسلم
تَوَضّأَ هَكَذَا، وقال: مَنْ تَوَضّأَ دُونَ هَذَا كَفَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ
أمْرَ الصّلاَةِ.
108 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
دَاوُدَ الإسْكَنْدَرَانِيّ قال حدثنا زِيَادُ بنُ يُونُسَ قال حَدّثَني سَعِيدُ
بنُ زِيَادٍ المُؤَذّنُ عن عُثْمَانَ بنِ عَبْدِالرّحْمَنِ التّيْمِيّ قال: سُئِلَ
ابنُ أبي مُلَيْكَةَ عن الْوُضُوءِ فقالَ: رَأيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفّانَ سُئِلَ
عن الْوُضُوءِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأُتِيَ بِمِيضَأَةٍ فَأَصْغَاهَا عَلَى يَدِهِ
الْيُمْنَى ثُمّ أدْخَلَهَا في المَاءِ فَتَمَضْمَضَ ثَلاَثَاً وَاسْتَنْثَرَ
ثَلاَثاً وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثاً ثُمّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى ثَلاَثاً
وَغَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى ثَلاَثاً ثُمّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ مَاءاً
فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ فَغَسَلَ بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُما مَرّةً
وَاحِدَةً ثُمّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمّ قال: أيْنَ السّائِلُونَ عن الْوُضُوءِ؟
هَكَذَا رَأيْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَتَوضّأُ".
قال أبُو دَاوُد: أحَادِيثُ
عُثْمَانَ الصّحَاحُ كلّهَا تَدُلّ عَلَى مَسْحِ الرّأْسِ أنّهُ مَرّةً، فَإنّهُمْ
ذَكَرُوا الْوُضُوءَ ثَلاَثاً، وَقالُوا فيها: وَمَسَحَ رَأْسَهُ، لَمْ يَذْكُرُوا
عَدَداً كما ذَكَرُوا في غَيْرِهِ.
109 ـ حدثنا إبْرَاهِيمُ بنُ
مُوسَى قال أخَبرنا عِيسَى قال حدثنا عُبَيْدُالله ـ يَعْني ابنَ أبي زِيادٍ ـ عن
عَبْدِالله بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ عن أبي عَلْقَمَةَ "أنّ عُثْمَانَ دَعا
بِمَاءٍ فَتَوَضّأَ فَأفْرَغَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى اليُسْرَى ثُمّ
غَسَلَهُمَا إلَى الكُوعَيْنِ قال: ثُمّ مَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ ثَلاَثاً وَذَكَرَ
الوُضُوءَ ثَلاَثاً، قال: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، وقال:
رأيْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم تَوَضّأَ مِثْلَ مَا رَأيْتُمُونِي
تَوَضّأْتُ ثُمّ سَاقَ نَحْوَ حَدِيثِ الزّهْرِيّ وَأتَمّ.
110 ـ حدثنا هَارُونُ بنُ
عَبْدِالله قال حدثنا يَحْيَى بنُ آدَمَ قال حدثنا إسْرَائِيلُ عن عَامِرِ بنِ
شَقِيقِ بنِ جَمْرَةَ عن شقِيقِ بنِ سَلَمَةَ قال: رَأيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفّانَ
غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاَثاً ثَلاَثاً وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلاَثَاً ثُمّ قال:
رَأيْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَعَلَ هَذَا".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
وَكِيعٌ عن إسْرَائِيلَ قال: تَوَضّأَ ثَلاَثاً قَطْ.
111 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
أبُو عَوَانَةَ عن خَالِدِ بنِ عَلْقَمَةَ عن عَبْدِ خَيْرٍ قال: أتَانَا عَلِيّ
وَقَدْ صَلّى فَدَعَا بِطَهُورٍ، فَقُلْنَا: مَا يَصْنَعُ بالطّهُورِ وَقَدْ صَلّى
مَا يُرِيدُ إلاّ لِيُعَلّمَنَا. فَأُتِيَ بِإنَاءٍ فِيهِ ماءٌ وَطَسْتٌ، فأفْرَغَ
مِنَ الإنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاَثاً ثُمّ تَمَضْمَضَ
وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثاً فَمَضْمَضَ وَنَثَرَ مِنَ الكَفّ الّذِي يَأْخُذُ فِيهِ
ثُمّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثاً وَغَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى ثَلاَثاً وَغَسَلَ يَدَهُ
الشّمَالَ ثَلاَثاً ثُمّ جَعَلَ يَدَهُ في الإنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرّةً
وَاحِدَةً ثُمّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمْنَى ثَلاَثاً وَرِجْلَهُ اليُسْرَى ثَلاثاً،
ثُمّ قال: مَنْ سَرّهُ أنْ يَعْلَمَ وُضُوءَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَهُوَ
هَذَا".
112 ـ حدثنا الحَسَنُ بنُ
عَلِيّ الْحُلْوَانِيّ قال حدثنا حُسَيْنُ بنُ عَلِيَ الْجُعْفِيّ عن زَائِدَةَ
قال حدثنا خَالِدُ بنُ عَلْقَمَةَ الْهَمْدَانِيّ عن عَبْدِ خَيْرٍ قال: صَلّى
عَلِيّ الغَدَاةَ ثُمّ دَخَلَ الرّحْبَةَ فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأتَاهُ الغُلاَمُ
بإنَاءٍ فِيهِ ماءٌ وَطَسْتٌ، قال: فأخَذَ الإنَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَأفْرَغَ
عَلَى يَدِهِ اليُسْرَى وَغَسَلَ كَفّيْهِ ثَلاَثاً ثُمّ أدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنَى
في الإنَاءِ فَمَضْمَضَ ثَلاثاً وَاسْتَنْشَقَ ثَلاثاً. ثُمّ سَاقَ قَرِيباً مِنْ
حَدِيثِ أبي عَوانَةَ. ثُمّ مَسَحَ رَأْسَهُ مُقَدّمَهُ وَمُؤخّرَهُ". ثُمّ
سَاقَ الحَدِيثَ نَحْوَهُ.
113 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
المُثَنّى قال حَدّثَنِي مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ قال حدثنا شُعْبَةُ قال سَمِعْتُ
مَالِكَ بنَ عُرْفُطَةَ قال سَمِعْتُ عَبْدَ خَيْرٍ قال: "رَأيْتُ عَلِيّاً
أُتِيَ بِكُرْسِيّ فَقَعَدَ عَلَيْهِ ثُمّ أُتِيَ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ
يَدَهُ ثَلاثاً ثُمّ تَمَضْمَضَ مَعَ الاِسْتِنْشَاقِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ"
وَذَكَرَ الحَدِيثَ.
114 ـ حدثنا عُثْمَانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ قال حدثنا أبُو نُعَيْمٍ قال حدثنا رَبِيعَةُ الكِنَانِيّ عن المِنْهَالِ
بنِ عَمْرٍو عن زِرّ بنِ حُبَيْشٍ أنّهُ سَمِعَ عَلِيّاً وَسُئِلَ عَنْ وُضُوءِ
رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ الحَدِيثَ وقال: وَمَسَحَ رَأْسَهُ
حَتّى لَمّا يَقْطُرْ وَغَسَلَ رِجِلَيْهِ ثَلاَثاً ثَلاثاً، ثمّ قال: هَكَذَا
كَانَ وُضوءُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم".
قال الشيخ شمس الدين بن القيم:
حديث زر عن على هذا فيه المنهال
بن عمرو، كان ابن حزم يقول: لا يقبل في باقة بقل. ومن روايته حديث البراء الطويل
في عذاب القبر. والمنهال قد وثقه يحيى بن معين وغيره. والذي غر ابن حزم شيئان:
أحدهما: قول عبد الله بن أحمد
عن أبيه. تركه شعبة على عمد. والثاني: أنه سمع من داره صوت طنبور. وقد صرح شعبة
بهذه العلة، فقال العقيلي عن وهيب: قال: سمعت شعبة يقول: أتيت المنهال بن عمرو،
فسمعت عنده صوت طنبور، فرجعت ولم أسأله، قيل: فهلا سألته فعسى كان لا يعلم به؟
وليس في شيء من هذا ما يقدح فيه. وقال ابن القطان: ولا أعلم لهذا الحديث علة.
115 ـ حدثنا زِياد بنُ أيّوبَ
الطّوسِيّ قال حدثنا عُبَيْدُالله بنُ مُوسَى قال حدثنا فِطْرٌ عن أبي فَرْوَةَ عن
عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ أبي لَيْلَى قال: "رَأيْتُ عَلِيّا تَوَضّأ فَغَسَلَ
وَجْهَهُ ثَلاَثاً وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاَثاً وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً،
ثُمّ قال: هَكَذَا تَوَضّأَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم".
116 ـ حدثنا مُسَدّدٌ وَأبُو
تَوْبَةَ قالا حدثنا أبُو الأحْوَصِ ح. وحدثنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ قال أخبرنا أبُو
الأحْوَصِ عن أبي إسْحَاقَ عن أبي حَيّةَ قال: "رَأيْتُ عَلِيّا تَوَضّأَ،
فَذَكَرَ وَضُوءَهُ كُلّهُ ثَلاَثاً ثَلاَثاً، قال: ثم مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمّ
غَسَلَ رِجْلَيْهِ إلَى الكَعْبَيْنِ، ثم قال: إنّمَا أحْبَبْتُ أن أَرِيكُم
طُهُورَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم".
117 ـ حدثنا عَبْدُالعَزِيز بنُ
يَحْيَى الحَرّانِيّ قال حدثنا مُحمّدٌ ـ يَعْنِي ابنَ سَلَمَةَ ـ عن مُحمّدِ بنِ
إسْحَاقَ عن مُحمّدِ بنِ طَلْحَةَ بنِ يَزِيدَ بنِ رُكَانَةَ عن عُبَيْدِالله
الخَوْلاَنِيّ عن ابنِ عَبّاسٍ قال: "دَخَلَ عَلَيّ عَلِيّ ـ يَعْنِي ابنَ
أبي طَالِبٍ ـ وَقَدْ أهْرَاقَ المَاءَ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فأتَيْنَاهُ بِتَوْرٍ
فِيهِ ماءٌ حتّى وَضَعْنَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فقال: يا ابنَ عَبّاسٍ ألاَ أُرِيكَ
كَيْفَ كَانَ يَتَوَضّأُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قُلْتُ: بَلَى. قال:
فأصْغَى الإنَاءَ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَهَا ثمّ أدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنَى
فَأفْرَغَ بِهَا عَلَى الأُخْرَى ثمّ غَسَلَ كَفّيْهِ ثمّ تَمَضْمَضَ
وَاسْتَنْثَرَ ثمّ أدْخَلَ يَدَيْهِ في الإنَاءِ جَمِيعاً فأخَذَ بِهِمَا حَفْنَةً
مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلى وَجْهِهِ ثمّ ألْقَمَ إبْهَامَيْهِ مَا أقْبَلَ
مِنْ أُذُنَيْهِ ثم الثّانِيَةَ ثمّ الثّالثَةَ مِثْلَ ذَلِكَ ثمّ أخَذَ بِكَفّهِ
اليُمْنَى قَبْضَةً مِنْ ماءٍ فَصَبّهَا عَلَى نَاصِيَتِهِ فَتَرَكَها تَسْتَنّ
عَلَى وَجْهِهِ ثمّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاَثاً ثَلاَثاَ ثمّ
مَسَحَ رَأْسَهُ وَظُهُورَ أُذُنَيْهِ ثمّ أدْخَلَ يَدَيْهِ جَميعاً فأخَذَ
حَفْنَةً منْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى رِجْلِهِ وَفِيهَا النّعْلُ فَفَتَلَهَا
بِهَا ثم الأخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ. قال قُلْتُ: وفي النّعْلَيْنِ؟ قال: وفي
النّعْلَيْنِ. قال قُلْتُ: وفي النّعْلَيْنِ؟ قال: وفي النّعْلَيْنِ. قال قُلْتُ:
وفي النّعْلَيْنِ؟ قال: وفي النّعْلَيْنِ".
قال أبُو دَاوُد: وَحَدِيثُ
ابنُ جُرَيْجٍ عن شَيْبَةَ يُشْبِهُ حَدِيثَ عَلِيَ، لأَنّهُ قال فيه حَجّاجُ بنُ
مُحمّدٍ عن ابنِ جُرَيْجٍ: وَمَسَحَ بِرَأسِهِ مَرّةً وَاحِدَةً. وقال ابنُ وَهْبٍ
فِيهِ عن ابنِ جُرَيْجٍ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلاَثاً.
قال الشيخ شمس الدين بن القيم:
711 ـ هذا من الأحاديث المشكلة
جداً، وقد اختلف مسالك الناس في دفع إشكاله: فطائفة ضعفته، منهم البخاري والشافعي،
قال: والذي خالفه أكثر وأثبت منه. وأما الحديث الاَخر ـ يعني هذا ـ فليس مما يبت
أهل العلم بالحديث لو انفرد. وفي هذا المسلك نظر: فإن البخاري روى في صحيحه حديث
ابن عباس رضي الله عنهما كما سيأتي، وقال في آخره: "ثم أخذ غرفة من ماء فرش
بها على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها ـ يعني رجله اليسرى ـ
ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ".
المسلك الثاني: أن هذا كان في
أول الإسلام، ثم نسخ بأحاديث الغسل. وكان ابن عباس أولاً يذهب إليه، بدليل ما روى
الدارقطني: حدثنا إبراهيم بن حماد حدثنا العباس بن يزيد حدثنا سفيان بن عيينة
حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل: أن على بن الحسين أرسله إلى الربيع بنت معوذ،
يسألها عن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ـ فذكر الحديث ـ وقالت: "ثم غسل
رجليه" قالت: وقد أتاني ابن عم لك ـ تعني ابن عباس ـ فأخبرته فقال: "ما
أجد في الكتاب إلا غسلين ومسحين". ثم رجع ابن عباس عن هذا لما بلغه غسل النبي
صلى الله عليه وسلم رجليه، وأوجب الغسل، فلعل حديث علي وحديث ابن عباس كانا في أول
الأمر ثم نسخ. والذي يدل عليه أن فيه "أنه مسح عليهما بدون حائل" كما
روى هشام بن سعد: حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: قال لنا ابن عباس:
"أتحبون أن أحدثكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ" فذكر
الحديث، قال: "ثم اغترف غرفة أخرى فرش على رجله وفيها النعل، واليسرى مثل
ذلك، ومسح
بأسفل الكعبين" وقال
عبدالعزيز الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: "توضأ رسول
الله صلى الله عليه وسلم" ـ فذكره قال: "ثم خذ حفنة من ماء فرش قدميه
وهو منتعل"
المسلك الثالث: أن الرواية عن
علي وابن عباس مختلفة، فروى عنهما هذا، وروى عنهما الغسل، كما رواه البخاري في
الصحيح عن عطاء بن يسار عن ابن عباس ـ فذكر الحديث ـ وقال في آخره: "أخذ غرفة
من ماء، فرش بها على رجله اليمنى حتى غسلها ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله ـ يعني
اليسرى" فهذا صريح في الغسل. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبد الله بن
إدريس عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس به، وقال:
"ثم غرف غرفة، ثم غسل رجله اليمنى، ثم غرف غرفة فغسل رجله اليسرى". وقال
ورقاء عن زيد عن عطاء عنه: "ألا أريكم وضوء رسول الله صلى الله عليه
وسلم؟" فذكره، وقال فيه "وغسل رجليه مرة مرة". وقال محمد بن جعفر
عن زيد: "وأخذ حفنة فغسل بها رجله اليمنى، وأخذ حفنة فغسل رجله اليسرى"
قالوا: والذي روى أنه رش عليهما في النعل هو هشام بن سعد، وليس بالحافظ، فرواية
الجماعة أولى من روايته. على أن سفيان الثوري وهشاماً أيضاً رويا ما يوافق
الجماعة، فرويا عن زيد عن عطاء بن يسار قال: قال لي ابن عباس: "ألا أريك وضوء
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتوضأ مرة مرة، ثم غسل رجليه، وعليه نعله". وأما
حديث علي رضي الله عنه، فقال البيهقي روينا من أوجه كثيرة عن علي "أنه غسل
رجليه في الوضوء". ثم ساق منها حديث عبدخير عنه "أنه دعا بوضوء"
فذكر الحديث وفيه: "ثم صب بيده اليمنى ثلاث مرات على قدمه اليمنى، ثم غسلها
بيده اليسرى، ثم قال: هذا طهور نبي صلى الله عليه وسلم".
ومنها حديث زر بن حبيش عنه: أنه
سئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فذكر الحديث، وفيه: "وغسل رجليه
ثلاثاً ثلاثاً".
ومنها: حديث أبي حية عنه:
"رأيت علياً توضأ" الحديث، وفيه "وغسل قدميه إلى الكعبين"، ثم
قال: "أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قالوا: وإذا اختلفت الروايات عن
علي وابن عباس، وكان مع أحدهما رواية الجماعة، فهي أولى.
المسلك الرابع:أن أحاديث الرش
والمسح إنما هي وضوء تجديد للطاهر، لا طهارة رفع حدث، بدليل ما رواه شعبة: حدثنا
عبدالملك بن ميسرة قال: سمعت النزال بن سبرة يحدث عن علي: "أنه صلى الظهر، ثم
قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة، حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتى بكوز من ماء،
فأخذ منه حفنة واحدة، فمسح بها وجهه ويديه ورأسه ورجليه، ثم قام فشرب فضله وهو
قائم، ثم قال: إن أناساً يكرهون الشرب قائماً، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
صنع كما صنعت. وقال: هذا وضوء من لم يحدث". رواه البخاري بمعناه، قال
البيهقي: في هذا الحديث الثابت: دلالة على أن الحديث الذي روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم في المسح على الرجلين ـ إن صح ـ فإنما عنى به: وهو طاهر غير محدث إلا أن
بعض الرواة كأنه اختصر الحديث، فلم ينقل قوله "هذا وضوء من لم يحدث"
وقال أحمد: حدثنا ابن الأشجعي عن أبيه عن سفيان عن السدى عن عبدخير عن علي:
"إنه دعا بكوز من ماء، ثم قال: ثم توضأ وضوءاً خفيفاً ومسح على نعليه ـ ثم
قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لم يحدث" وفي رواية:
"للطاهر ما لم يحدث". قال: وفي هذا دلالة على أن ما روى عن
علي في المسح على النعلين إنما
هو في وضوء متطوع به، لا في وضوء واجب عليه من حدث يوجب الوضوء، أو أراد غسل
الرجلين في النعلين، أو أراد أنه مسح على جوربيه ونعليه، كما رواه عنه بعض الرواة
مقيداً بالجوربين، وأراد به جوربين منعلين.
قلت: هذا هو المسلك الخامس: أن
مسحه رجليه ورشه عليهما لأنهما كانتا مستورتين بالجوربين في النعلين. والدليل عليه
ما رواه سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: "أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، ومسح على نعليه". لكن تفرد به رواد بن
الجراح عن الثوري، والثقات رووه عن الثوري بدون هذه الزيادة. وقد رواه الطبراني من
حديث زيد بن الحباب عن سفيان ـ فذكره بإسناده ومتنه: "أن النبي صلى الله عليه
وسلم مسح على النعلين" وروى أبو داود من حديث هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه
أخبرني أويس بن أبي أويس الثقفي قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
توضأ ومسح على نعليه وقدميه" فقوله: "مسح على نطيه" كقوله:
"مسح على خفيه". والنعل لا تكون ساترة لمحل المسح إلا إذا كان عليها
جورب، فلعله مسح على نعل الجورب فقال: "مسح على نعليه".
المسلك السادس: أن الرجل لها
ثلاثة أحوال: حال تكون في الخف فيجزي مسح ساترها وحال تكون حافية، فيجب غسلها،
فهاتان مرتبتان، وهما كشفها وسترها، ففي حال كشفها لها أعلى مراتب الطهارة، وهي
الغسل التام، وفي حال استتارها لها أدناها، وهي المسح على الحائل، ولها حالة
ثالثة، وهي حالما تكون في النعل، وهي حالة متوسطة بين كتفها وبين سترها بالخف ـ
فأعطيت حالة متوسطة من الطهارة، وهي الرش، فإنه بين الغسل والمسح. وحيث أطلق لفظ
"المسح" عليها في هذه الحال فالمراد به الرش، لأنه جاء مفسراً في
الرواية الأخرى. وهذا مذهب كما ترى، لو كان
يعلم قائل معين. ولكن يحكى عن
طائفة لا أعلم منهم معيناً وبالجملة فهو خير من مسلك الشيعة في هذا الحديث ـ وهو:
المسلك السابع: أنه دليل على أن
فرض الرجلين المسح، وحكى عن داود الجواري وابن عباس، وحكى عن ابن جرير أنه مخير
بين الأمرين، فأما حكايته عن ابن عباس فقد تقدمت، وأما حكايته عن ابن جرير فغلط
بين، وهذه كتبه وتفسيره كله يكذب هذا النقل عليه، وإنما دخلت الشبهة لأن ابن جرير
القائل بهذه المقالة رجل آخر من الشيعة، يوافقه في إسمه واسم أبيه، وقد رأيت له
مؤلفات في أصول مذهب الشيعة وفروعهم. فهذه سبعة مسالك للناس في هذا الحديث.
وبالجملة فالذين رووا وضوء
النبي صلى الله عليه وسلم: مثل عثمان بن عفان، وأبي هريرة، وعبد الله بن زيد بن
عاصم، وجابر بن عبد الله، والمغيرة بن شعبة، والربيع بنت معوذ، والمقدام بن معد
يكرب، ومعاوية بن أبي سفيان، وجد طلحة بن مصرف، وأنس بن مالك، وأبي أمامة الباهلي،
وغيرهم ـ رضي الله عنهم ـ لم يذكر أحد منهم ما ذكر في حديث علي وابن عباس، مع
الاختلاف المذكور عليهما. والله أعلم.
118 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ عن مَالِكٍ عن عَمْرِو بنِ يَحْيَى الْمَازِنِيّ عن أبِيهِ أنّهُ قال
لِعَبْدِالله بنِ زَيْدِ بنِ عَاصِمٍ ـ وَهُوَ جَدّ عَمْرِو بنِ يَحْيَى
"هَلْ تَسْتَطِيعُ أن تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
يَتَوَضّأُ؟ فَقال عَبْدُالله بنُ زَيْدٍ: نَعَمْ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ فأفْرَغَ
عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثم تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاثاً ثمّ غَسَلَ
وَجْهَهُ ثَلاثاً ثم غَسَلَ يَدَيْهِ مَرّتَيْنِ مَرّتَيْنِ إلى المِرْفَقَيْنِ ثم
مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأ بِمُقَدّمِ
رَأْسِهِ ثم ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثم رَدّهُما حَتّى رَجَعَ إلَى المَكَانِ
الّذي بَدأ مِنْهُ ثم غَسَلَ رِجْلَيْهِ".
119 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
خَالِدٌ عن عَمْرِو بنِ يَحْيَى المَازِنِيّ عن أبِيهِ عن عَبْدِالله بنِ زَيْدِ
بنِ عَاصِمٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ وقال: "فَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَ
وَاحِدَةٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثاً". ثم ذَكَرَ نَحْوَهُ.
120 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
عَمْرٍو بنِ السّرْحِ قال حدثنا ابنُ وَهْبِ عن عَمْرُو بنِ الحَارِثِ أنّ حَبّانَ
بنَ وَاسِعٍ حَدّثَهُ أنّ أبَاهُ حَدّثَهُ أنّهُ سَمِعَ عَبْدَالله بنَ زَيْدِ بنِ
عَاصِمٍ المَازِنِيّ يَذْكُرُ "أنّهُ رَأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
فَذَكَرَ وَضُوءَهُ قال: وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ،
وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتّى أنْقاَهُما".
121 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
مُحمّدِ بنِ حَنْبَلٍ قال حدثنا أبُو المُغِيرَةِ قال حدثنا حَرِيزٌ قال حَدّثَنِي
عَبْدُالرّحْمَنِ بنُ مَيْسَرَةَ الحَضْرَمِيّ قال سَمِعْتُ المِقْدامَ ابنَ
مَعْدِيكَرِبَ الكِنْدِيّ قال: "أُتِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
بِوَضُوءِ فَتَوَضّأَ فَغَسَلَ كَفّيْهِ ثَلاَثاً ثم تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ
ثَلاَثاً وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثاً ثم غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاَثاً ثَلاثاً ثم
تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلاَثاً ثم مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِما
وَبَاطِنِهِمَا".
122 ـ حدثنا مَحمُودُ بنُ
خَالِدٍ وَ يَعْقُوبُ بنُ كَعْبِ الأنْطَاكِيّ لَفْظَهُ قالا حدثنا الْوَلِيدُ بنُ
مُسْلِمٍ عن حَرِيزِ بنِ عُثْمَانَ عن عبْدِالرّحْمَنِ بنِ مَيْسَرَةَ عن
المِقْدَامِ بنِ مَعْدِيكَرِبَ قال: "رَأيْتُ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم
تَوَضّأَ فَلَمّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفّيْهِ عَلى مُقَدّمِ رَأْسِهِ
فَأَمَرّهُما حَتّى بَلَغَ القَفَا ثُمّ رَدّهُما إلَى المَكَانِ الّذِي مِنْهُ
بَدَأ" قال محمُودٌ قال أخبرني حَرِيزٌ.
123 ـ حدثنا مَحمُودُ بنُ
خَالِدٍ وَ هِشَامُ بنُ خَالِدٍ المَعْنَى قالا حدثنا الْوَلِيدُ بِهَذا الإسْنَاد
قال: وَمَسَحَ بِأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا. زَادَ هِشَامٌ:
وَأدْخَلَ أصَابِعَهُ في صِمَاخِ أُذُنَيْهِ".
124 ـ حدثنا مُؤَمّلُ بنُ
الفَضْلِ الْحَرّانيّ قال حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ قال حدثنا عَبْدُالله بنُ
العَلاَءِ قال حدثنا أبُو الأزْهَرِ المُغِيرَةُ بنُ فَرْوَةَ وَ يَزِيدُ بنُ أبي
مَالكٍ "أنّ مُعَاوِيَةَ تَوَضّأَ لِلنّاسِ كما رَأى رسولَ الله صلى الله
عليه وسلم يَتَوَضّأُ، فَلَمّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غُرْفَةً منْ مَاءٍ
فَتَلَقّاهَا بِشِمَالِهِ حَتّى وَضَعَهَا عَلى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتّى قَطَرَ
المَاءُ أوْ كَادَ يَقْطُرُ ثُمّ مَسَحَ مِنْ مُقَدّمِهِ إلَى مُؤَخّرِهِ وَمِنْ
مُؤخّرِهِ إلَى مُقَدّمِهِ".
125 ـ حدثنا مَحمُودُ بنُ
خَالِدٍ قال حدثنا الوَلِيدُ بِهَذَا الإسْنَادِ قال: "فَتَوَضّأَ ثَلاَثاً
ثَلاَثاً وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ بِغَيْرِ عَدَدٍ".
126 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ قال حدثنا عَبْدُالله بنُ مُحمّدِ بنِ عَقِيلٍ عن
الرّبَيّعِ بِنْتِ مُعَوّذِ بنِ عَفْرَاءَ قَالتْ: "كَانَ رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم يَأْتِينَا فَحَدّثَتْنَا أنّهُ قال: اسْكُبِي لي وُضُوءًا
فَذَكَرَتْ وُضُوءَ النّبي صلى الله عليه وسلم قَالَتْ فيه: فَغَسَلَ كَفّيْهِ
ثَلاَثاً وَوَضّأ وَجْهَهُ ثَلاَثاً وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرّةً وَوَضّأ
يَدَيْهِ ثَلاَثاً ثَلاَثاً وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرّتَيْنِ، يَبْدأُ بِمُؤَخّرِ
رَأْسِهِ ثُمّ بِمُقَدّمِهِ وبِأُذُنَيْهِ كِلْتَيْهِمَا وَبُطُونِهِمَا ووَضّأَ
رَجْلَيْهِ ثَلاَثاً ثَلاَثاً".
قال أبُو دَاوُد: وَهَذَا
مَعْنَى حَدِيثِ مُسَدّدٍ.
127 ـ حدثنا إسْحَاقُ بنُ
إسْمَاعِيل قال حدثنا سُفْيَانُ عن ابنِ عَقِيلٍ بِهَذَا الحَدِيثِ يُغَيّرُ
بَعْضُ مَعَانِي بِشْرٍ قال فيه "وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثاً".
128 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بنُ خَالِدٍ الهَمْدَانِيّ قالا حدثنا اللّيثُ عن ابنِ
عَجْلاَنَ عن عَبْدِالله بنِ مُحمّدِ بنِ عَقِيلٍ عن الرّبَيّعِ بِنْتِ مُعَوّذِ
بنِ عَفْرَاءَ "أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَوَضّأَ عِنْدَهَا
فَمَسَحَ الرّأْسَ كُلّهُ مِنْ قَرْنِ الشّعْرِ، كُلّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبّ
الشّعْرِ، وَلاَ يُحَرّكُ الشّعْرَ عَنْ هَيْئتِهِ".
129 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيدٍ قال حدثنا بَكْرٌ ـ يَعْني ابنَ مُضَرَ ـ عن ابنِ عَجْلاَنَ عن عبْدِالله
بنِ مُحمّدِ بنِ عَقِيلٍ أنّ رُبَيّعَ بنْتَ مُعَوّذِ بنِ عَفْرَاءَ أخْبَرَتْهُ
قالتْ: "رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَتَوَضّأَ. قالَتْ فَمَسَحَ
رَأْسَهُ وَمَسَحَ مَا أقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أدْبَرَ وَصُدُغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ
مَرّةً وَاحِدَةً".
130 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
عَبْدُالله بنُ دَاوُدَ عن سُفْيَانَ بنِ سَعِيدٍ عن ابنِ عَقِيلٍ عن الرّبَيّع
"أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاء كَانَ في
يَدهِ".
131 ـ حدثنا إبْرَاهِيمُ بنُ
سَعِيدٍ قال حدثنا وَكِيعٌ قال حدثنا الْحَسَنُ بنُ صالح عن عبْدِالله بنِ مُحمّدِ
بنِ عَقِيلٍ عن الرّبَيّع بِنْتِ مُعَوّذٍ "أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم
تَوَضّأَ فَأَدْخَلَ إصْبَعَيْهِ في جُحْرَيْ أُذُنَيْهِ".
132 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عِيسَى
وَمُسَدّدٌ قالا حدثنا عَبْدُالوَارِثِ عن لَيْثٍ عن طَلْحَةَ بنِ مُصَرّفٍ عن
أبِيهِ عن جَدّهِ قال: "رأيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ
رَأْسَهُ مَرّةً وَاحِدَةً حَتّى بَلغَ الْقَذَالَ وَهُوَ أوّلُ الْقَفَا. وقال
مُسَدّدٌ: مَسَحَ رَأْسَهُ مِنْ مُقَدّمِهِ إَلى مُؤخّرِهِ حَتّى أخْرَجَ يَدَيْه
مِنْ تَحْتِ أُذُنَيْهِ".
قال أبُو دَاوُدَ: قال
مُسَدّدٌ: فَحَدّثْتُ بِهِ يَحْيَى فأنْكَرَهُ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ
أحْمَدَ يَقولُ: إنّ ابنَ عُيَيْنَةَ زَعَمُوا أنّهُ كَانَ يُنْكِرُهُ ويقولُ:
أيْشِ هَذَا طَلْحَةُ عن أبِيهِ عن جَدّهِ؟
قال الشيخ شمس الدين بن القيم:
وقال عثمان ين سعيد الدارمي:
سمعت علي بن المديني يقول قلت لسفيان: إن ليثاً روى عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن
جده: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ"؟ فأنكر سفيان ذلك وعجب أن
يكونن جد طلحة لقي النبي صلى الله عليه وسلم. قال علي: سألت عبدالرحمَن بن مهدي عن
اسم جد طلحة؟ فقال: عمرو بن كعب، أو كعب بن عمرو، وكانت له صحبة. وقال عباس
الدوري: قلت ليحي بن معين: طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، رأى جده النبي صلى الله
عليه وسلم؟ فقال يحيى: المحدثون يقولون قد رآه. وأهل بيت طلحة يقولون: ليست له
صحبة.
133 ـ حدثنا الْحَسَنُ بنُ
عَلِيّ حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ قال أخبرنا عَبّادُ بنُ مَنْصُورٍ عن
عِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ "رَأى
رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَتَوَضّأُ. فَذَكَرَ الحَدِيثَ كُلّهُ ثَلاثاً
ثَلاثاً. قال: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً".
134 ـ حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ
حَرْبٍ قال حدثنا حَمّادٌ ح. وحدثنا مُسَدّدٌ وَ قُتَيْبَةُ عن حَمّادِ بنِ زَيْدٍ
عن سِنَانِ بنِ رَبِيعَةَ عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عن أبي أُمَامَةَ ذَكَرَ وُضُوءَ
النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "كانَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم
يَمْسَحُ الْمَأْقَيْنِ. قال وقال: الاْذُنَانِ مِنَ الرّأْسِ" قال
سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ يَقُولُها أبُو أُمَامَةَ، قال قَتَيْبَةُ قال حَمّادٌ: لا
أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ النّبي صلى الله عليه وسلم أوْ أبي أُمَامَةَ ـ يَعْني
قِصّةِ الأُذُنَيْنِ. قال قُتَيْبَةُ عن سِنَانٍ أبي رَبِيعَةَ. قال أبُو دَاوُدَ:
هُوَ ابنُ رَبِيعَةَ كُنْيَتُهُ أبُو رَبِيعَةَ.
*2*51 ـ باب الوضوء ثلاثاً ثلاثا
@135 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال
حدثنا أبُو عَوانَةَ عن مُوسَى بنِ أبي عائِشَةَ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عن أبِيهِ
عن جَدّهِ قال: "إنّ رَجُلاً أتَى النّبي صلى الله عليه وسلم فقَالَ: يارسولَ
الله كَيْفَ الطّهُورُ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ في إنَاءٍ فَغَسَلَ كَفّيْهِ ثَلاثاً ثُم
غَسَلَ وَجْهَهُ ثلاثاً ثمّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاثاً ثُمّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ
وَأدْخَلَ إصْبَعَيْهِ السّبّاحَتَيْنِ في أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ
عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبالسّبّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ ثُمّ غَسَلَ
رِجْلَيْهِ ثَلاثاً ثلاثاً، ثُمّ قال: هَكَذا الوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلى هَذَا
أوْ نَقَصَ فَقَدْ أسَاءَ وَظَلَمَ أوْ ظَلَمَ وَأسَاءَ".
*2*52 ـ باب الوضوء مرتين
@136 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
الْعَلاَءِ قال حدثنا زَيْدٌ ـ يَعْني ابنَ الْحُبَابِ ـ قال حدثنا
عَبْدُالرّحْمَنِ بنُ ثَوْبَانَ قال حدثنا عَبْدُالله بنُ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيّ
عن الأعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ "أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم تَوَضّأَ
مَرّتَيْنِ مَرّتَيْنِ".
137 ـ حدثنا عُثْمَانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ قال حدثنا مُحمّدُ بنُ بِشْرٍ قال حدثنا هِشَامُ بنُ سَعْدٍ قال حدثنا
زَيْدٌ عن عَطَاءٍ بنِ يَسَارٍ قال "قال لَنَا ابنُ عَبّاسٍ: أتُحِبّون أنْ
أُرِيكُمْ كَيْفَ كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَوَضّأُ، فَدَعَا
بِإنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ فَاغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ اليُمْنَى فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ،
ثُمّ أخَذَ أُخْرَى فَجَمَعَ بِهَا يَدَيْهِ، ثُمّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمّ أخَذَ
أُخْرَى فَغَسَلَ بِها يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمّ أخَذَ أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا
يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنَ المَاءِ ثُمّ نَفَضَ يَدَهُ ثُمّ
مَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ ثُمّ قَبَضَ قَبْضَةً أُخْرَى مِنَ المَاءِ
فَرَشّ عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى وَفيهَا النّعْلُ ثُمّ مَسَحَهَا بِيَدَيْهِ،
يَدٍ فَوْقَ الْقَدَمِ ويَدٍ تَحْتَ النّعْلِ، ثُمّ صَنَعَ بالْيُسْرَى مِثْلَ
ذَلِكَ".
*2*53 ـ باب الوضوء مرة مرة
@138 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال
حدثنا يَحْيَى عن سُفْيَانَ قال حَدّثَنِي زَيْدُ بنُ أسْلَمَ عن عَطَاءِ بنِ
يَسَارٍ عن ابنِ عَبّاسٍ قال: "ألاُ أُخْبِرُكمُ بِوُضُوءِ رسولِ الله صلى
الله عليه وسلم، فَتَوَضّأَ مَرّةً مَرّةً".
*2*54 ـ باب في الفرق بين
المضمضة والاستنشاق
@139 ـ حدثنا حُمَيْدُ بنُ
مَسْعَدَةَ قال حدثنا مُعْتَمِرٌ قال سَمِعْتُ لَيْثاً يَذْكُرُ عن طَلْحَةَ عن
أبِيهِ عن جَدّهِ قال: "دَخَلْتُ ـ يَعْني عَلى النّبي صلى الله عليه وسلم
وَهُوَ يَتَوَضّأُ وَالمَاءُ يَسِيلُ مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ
فَرَأيْتَهُ يَفْصِلُ بَيْنَ المَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ".
*2*55 ـ باب في الاستنثار
@140 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ عن مَالِكٍ عن أبي الزّنَادِ عن الأعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أنّ رسولَ
الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا تَوَضّأَ أحَدُكمُ فَلْيَجْعَلْ في
أنْفِهِ مَاءًا ثُمّ لِيَنْثِرْ".
141 ـ حدثنا إبْرَاهِيمُ بنُ
مُوسَى قال حدثنا وَكِيعٌ قال حدثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ عن قارِظٍ عن أبي غَطْفَانَ
عن ابنِ عَبّاسٍ قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اسْتَنْثِرُوا
مَرّتَيْنِ بَالِغَتَيْنِ أوْ ثَلاَثاً".
142 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيدٍ في آخَرِينَ قال حدثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ عن إسْمَاعِيلَ بنِ كَثِيرٍ
عن عَاصِمِ بنِ لَقِيطِ بنِ صَبْرَةَ عن أبِيهِ لَقِيطِ بنِ صَبْرَةَ قال:
"كُنْتُ وَافِدَ بَنِي المُنْتَفِقِ أو فِي وَفْدِ بَنِي المُنْتَفِقِ إلَى
رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: فَلمّا قَدِمْنَا عَلَى رسولِ الله صلى الله
عليه وسلم فَلَمْ نُصَادِفْهُ في مَنْزِلِهِ، وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمّ
المُؤْمِنِينَ. قال: فأمَرَتْ لَنَا بِخَزِيرَةٍ فَصُنِعَتْ لَنَا. قال:
وَأُتَينَا بِقِنَاع. وَلَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ القِنَاعَ. والْقِنَاعُ: الطّبَقُ
فِيهِ تَمْرٌ. ثُمّ جَاءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَلْ أصَبْتُمْ
شَيْئَاً أوْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَيْءٍ؟ قال قُلْنَا: نَعَمْ يارسولَ الله. قال:
فَبَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم جُلُوسٌ ـ إذَا ـ دَفَعَ
الرّاعِي غَنَمَهُ إلَى المُرَاحِ وَمَعَهُ سَخْلَةٌ تَيْعِرُ، فقال: مَا وَلّدْتَ
يَافُلاَنُ؟ قال: بَهْمَةً، قال: فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَها شَاةً ثُمّ قال: لاَ
تَحْسِبَنّ ـ وَلَمْ يَقُلْ لاَ تَحْسَبَنّ ـ أنّا مِنْ أجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا
لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لاَ نُرِيدُ أنْ تَزِيدَ، فإذَا وَلّدَ الرّاعِي بَهْمَةً
ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً. قال قُلْتُ: يارسولَ الله إنّ لِي امْرَأةً وإنّ في
لِسَانِهَا شَيْئاً ـ يَعْني الْبَذَاءَ ـ قال: فَطَلّقْهَا إذاً. قال قُلْتُ:
يارسولَ الله إنّ لَها صُحْبَةً وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ. قال: فَمُرْهَا ـ يقولُ
عِظْهَا ـ فإنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلُ، وَلاَ تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ
كَضَرْبِكَ أُمَيّتَكَ. فَقُلْتُ: يارسولَ الله أخْبِرْنِي عن الْوُضُوء. قال:
أسْبِغ الْوُضُوءَ وَخَلّلْ بَيْنَ الأصَابِعِ وَبَالِغْ في الاسْتِنْشَاقِ إلا
أنْ تَكُونَ صائِماً".
143 ـ حدثنا عُقْبَةُ بنُ
مُكْرَمٍ قال حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ قال حدثنا ابنُ جُرَيْجٍ قال حدّثَني
إسْمَاعِيلُ بنُ كَثِيرٍ عن عَاصِمِ بنِ لَقِيطِ بنِ صَبْرَة عن أبِيهِ وَافِدِ
بَنِي المُنْتَفِقِ "أنّهُ أتَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. قال: فَلَمْ
نَنْشَبْ أنْ جاءَ النّبي صلى الله عليه وسلم يَتَقلّعُ يَتَكَفّأُ، وقال
عَصِيدَةً مَكانَ خَزِيرَةٍ.
144 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
يَحْيَى بنِ فَارِسٍ قال حدثنا أبُو عَاصِمٍ قال حدثنا ابنُ جُرَيْجٍ بِهَذَا
الحَديثِ قال: إذَا تَوَضّأْتَ فَمَضْمِضْ".
*2*56 ـ باب تخليل اللحية
@145 ـ حدثنا أبُو تَوبَةَ ـ
يَعْني رَبِيعَ بنَ نَافِعٍ ـ قال حدثنا أبُو المَلِيحِ عن الوَلِيدِ بنِ
زَوْرَانَ عن أنَسِ بن مَالِكٍ "أنّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ
إذَا تَوَضّأَ أخَذَ كَفاّ مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلّلَ بِهِ
لِحْيَتَهِ، وقال: هَكَذَا أمَرَنِي رَبّي عَزّوَجَلّ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَالْوَلِيدُ
بنُ زَوْرَانَ رَوَى عَنْهُ حَجّاجُ بنُ حَجّاجٍ وَأبُو المَلِيحِ الرّقِيّ.
قال الشيخ شمس الدين بن القيم:
قال أبو محمد بن حزم: لا يصح
حديث أنس هذا، لأنه من طريق الوليد بن زوران(1)، وهو مجهول، وكذلك أعله ابن القطان
بأن الوليد هذا مجهول الحال وفي هذا التعليل نظر، فإن الوليد هذا روى عنه جعفر بن
برقان(2) وحجاج بن منهال وأبو المليح الحسن بن عمر الرقي وغيرهم، ولم يعلم فيه
جرح.
وقد روى هذا الحديث محمد بن يحيى
الذهلي في كتاب علل حديث الزهري، فقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن خالد الصفار من
أصله، وكان صدوقاً، حدثنا محمد بن حرب حدثنا الزبيدي عن الزهري عن أنس بن مالك
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فأدخل أصابعه تحت لحيته فخللها
بأصابعه، ثم قال: هكذا أمرني ربي عزوجل". وهذا إسناد صحيح. وفي الباب حديث
عثمان "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته"، رواه الترمذي
وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة، وأبو عبد الله الحاكم، وقال
أحمد: هو أحسن شيء في الباب، وقال الترمذي: قال محمد بن إسماعيل البخاري: أصح شيء
في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان ـ يريد هذا الحديث ـ وقد
أعله ابن حزم، فقال: هو من طريق إسرائيل، وليس بالقوى، عن عامر بن شقيق وليس
مشهوراً بقوة النقل. وقال في موضع آخر: عامر بن شقيق ضعيف. وهذا تعليل باطل، فإن
إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق، احتج به الشيخان وبقية الستة، ووثقه الأئمة
الكبار. وقال فيه أبو حاتم: ثقة متقن من أتقن أصحاب أبي إسحاق ووثقه ابن معين
وأحمد، وكان يتعجب من حفظه. والذي غر أبا محمد بن حزم قول أحمد في رواية ابنه
صالح: إسرائيل عن أبي إسحاق: فيه لين، سمع منه بآخرة. وهذا الحديث ليس من روايته
عن أبي إسحاق، فلا يحتاج إلى جواب وأما عامر بن شقيق فقال النسائي: ليس به بأس،
وروى عن ابن أبي معين تضعيفه، روى له أهل السنن الأربعة.
وفي الباب حديث عائشة، رواه أبو
عبيد ـ يعني في كتاب الطهور ـ عن حجاج عن شعبة عن عمرو بن أبي وهب الخزاعي عن موسى
بن مروان البجلي عن طلحة بن عبد الله بن كريز عنها، قالت: "كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا توضأ خلل لحيته".
وفي الباب حديث عمار بن ياسر،
رواه الطبراني عن الدبري عن عبدالرزاق عن ابن عيينة عن عبدالكريم عن حسان بن بلال:
"أن عمار بن ياسر توضأ، فخلل لحيته، فقيل له: ما هذا؟ قال: رأيت النبي صلى
الله عليه وسلم يخلل لحيته". وقد أعله ابن حزم بعلتين: إحداهما ـ أنه قال:
حسان بن بلال مجهول. والثانية ـ قال: لا نعرف له لقاء لعمار بن ياسر. فأما العلة
الأولى: فإن حساناً روى عنه أبو قلابة. وجعفر بن أبي وحشية وقتادة ويحيى بن أبي
كثير ومطر الوراق وابن أبي المخارق وغيرهم، وروى له الترمذي والنسائي وابن ماجه.
قال علي بن المديني: كان ثقة. ولم يحفظ فيه تضعيف لأحد. وأما العلة الثانية:
فباطلة أيضاً. فإن الترمذي رواه من طريقين إلى حسان، أحدهما عن ابن أبي عمر عن
سفيان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن حسان عن عمار. والثاني عن ابن أبي عمر عن
سفيان بن عيينة عن عبدالكريم بن أبي المخارق عن حسان قال: رأيت عماراً توضأ فخلل
لحيته، وفيه: "ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته" وعلة
هذا الحديث المؤثرة: هي ما قاله الإمام أحمد في رواية ابن منصور عنه، قال: قال ابن
عيينة: لم يسمع عبدالكريم من حسان بن بلال حديث التخليل. قال الترمذي: سمعت إسحاق
بن منصور يقول: سمعت أحمد بن حنبل فذكره. وذكر الحافظ ابن عساكر عن البخاري مثل
ذلك، وقال الإمام أحمد: لا يثبت في تخليل اللحية توضأ حديث.
وفي الباب حديث ابن أبي أوفى،
رواه أبو عبيد عن مروان بن معاوية عن أبي الورقاء عنه أنه قال: "رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته".
وفيه حديث أبي أيوب، رواه أبو
عبيد عن محمد بن ربيعة عن واصل بن السائب الرقاشي عن أبي سورة عنه قال: "رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل لحيته".
قلت: وتصحيح ابن القطان لحديث
أنس من طريق الذهلي فيه نظر، فإن الذهلي أعله، فقال في الزهريات: وحدثنا يزيد بن
عبد ربه حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي أنه بلغه عن أنس بن مالك ـ فذكره ـ قال
الذهلي: هذا هو المحفوظ، قال ابن القطان: وهذا لا يضره، فإنه ليس من لم يحفظ حجة
على من حفظ. والصفار قد عين شيخ الزبيدي فيه، وبين أنه الزهري، حتى لو قلنا: إن
محمد بن حرب حدث به تارة، فقال فيه عن الزبيدي بلغني عن أنس، لم يضره ذلك، فقد
يراجع كتابه فيعرف منه أن الذي حدث به الزهري، فيحدث به عنه، فأخذه عن الصفار
هكذا. وهذه التجويزات لا يلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله، ويعلمون أن الحديث
معلول بإرسال الزبيدي له، ولهم ذوق لا يحول بينه وبينهم فيه التجويزات
والاحتمالات.
ولهذا الحديث طريق أخرى، رواه
الطبراني في المعجم الكبير من حديث أبي حفص العبدي عن ثابت عن أنس قال: "رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ" فذكره كما تقدم. وأبو حفص وثقه أحمد
وقال: لا أعلم إلا خيراً، ووثقه ابن معين وقال عبدالصمد بن عبدالوارث: ثقة وفوق
الثقة. فهذه ثلاث طرق حسنة. وذكر الحاكم المستدرك حديث عثمان في ذلك، ثم قال: وله
شاهد صحيح من حديث أنس. ورواه ابن ماجه في سننه من حديث يحيى بن كثير أبي النضر ـ
صاحب البصري ـ عن يزيد الرقاشي عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ
خلل لحيته وفرج أصابعه مرتين. قال الدارقطني: أبو النضر هذا متروك. وقال النسائي:
يزيد الرقاشي متروك. ورواه ابن عدي من حديث هاشم بن سعد عن محمد ابن زياد عن أنس
مرفوعاً، ثم قال ابن عدي: وهاشم هذا مقدار ما يرويه لا يتابع عليه. ورواه البيهقي
في السنن من حديث إبراهيم الصائغ عن أبي خالد عن أنس مرفوعاً، وأبو خالد هذا
مجهول.
فهذه ثلاث طرق ضيقة، والثلاثة
الأولى أقوى منها.
وأما حديث عمار، فقد تقدم تعليل
أحمد والبخاري له من طريق عبدالكريم وأما طريق ابن عيينة عن ابن أبي عروبة عن
قتادة عن حسان، فقال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سألت أبي عن حديث رواه ابن عيينة
عن سعيد بن أبي عروبة فذكره؟ فقال أبي: لم يحدث بهذا أحد سوى ابن عيينة عن ابن أبي
عروبة، قلت: هو صحيح؟ قال: لو كان صحيحاً لكان في مصنفات ابن أبي عروبة، ولم يصرح
فيه ابن عيينة بالتحديث، وهذا مما يوهنه. يريد بذلك أنه لعله دلسه.
قلت: وقد سئل الإمام أحمد عن
هذا الحديث؟ فقال: إما أن يكون الحميدي اختلط، وإما أن يكون من حدث عنه خلط. ولكن
متابعة ابن أبي عمر له ترفع هذه العدة. والله أعلم.
وقد رويت أحاديث التخليل من
حديث عثمان، وعلي، وأنس، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وأم سلمة، وعمار بن ياسر،
وأبي أيوب، وابن أبي أوفى، وأبي أمامة، وجابر بن عبد الله، وجرير بن عبد الله
البجلي، رضي الله عنهم ولكن قال عبد الله بن أحمد قال أبي: ليس يصح عن النبي صلى
الله عليه وسلم في التحليل شيء. وقال الخلال، في كتاب العلل: أخبرنا أبو داود قال:
قلت لأحمد. تخليل اللحية؟ قال: قد روى فيه أحاديث ليس يثبت منها حديث، وأحسن شيء
فيها حديث شقيق عن عثمان. وقال عبدالرحمَن بن أبي حاتم في كتاب العلل: سمعت أبي
يقول: لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية حديث.
قلت: وحديث ابن عباس من رواية
نافع مولى يوسف السلمي، قال العقيلي. لا يتابع عليه، منكر الحديث. وقال أبو حاتم:
متروك الحديث، وحديث ابن عمر، رواه الدراقطني. وقال: الصواب أنه موقوف على ابن
عمر. وكذلك قال عبدالحق: الصحيح أنه من فعل ابن عمر، غير مرفوع. وله علة أخرى
ذكرها ابن أبي حاتم عن أبيه، وهي أن الوليد بن مسلم حدث به الأوزاعي مرسلاً،
وعبدالحميد رفعه عنه. والصواب رواية ابن المغيرة عنه موقوفاً. وذكرها الخلال في
كتاب العلل عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفاً. ثم حكى عن جعفر بن محمد أنه
قال: قال أحمد: ليس في التخليل أصح من هذا، يعني الموقوف.
وأما حديث أبي أيوب فذكره
الترمذي في كتاب العلل، وقال سألت محمداً عنه؟ فقال: لا شيء. فقلت: أبو سورة ما
اسمه؟ فقال: ما أدرى ما يصنع به؟ عنده مناكير، ولا يعرف له سماع من أبي أيوب.
ورواه ابن ماجه في سننه من حديث ابن أبي أوفى من رواية فائد أبي الورقاء، وهو
متروك باتفاقهم. وحديث أبي أمامة رواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث أبي غالب عن
أبي أمامة. وأبو غالب ضعفه النسائي ووثقة الدارقطني. وقال ابن معين: صالح الحديث.
وصحح له الترمذي. وحديث جابر ضعيف جداً.
وحديث جرير ذكره ابن عدي من
حديث ياسين بن معاذ الزيات، عن ربعي بن حراش عن جرير مرفوعاً وياسين متروك عند
النسائي والجماعة.
وحديث عائشة رواه أحمد في
مسنده. وحديث أم سلمة ذكره الترمذي في كتابه معلقاً فقال: وفي الباب عن أم سلمة.
وذكر جماعة من الصحابة.
*2*57 ـ باب المسح على العمامة
@146 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
مُحمّدِ بنِ حَنْبَلٍ قال حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عن ثَوْرٍ عن رَاشِدِ بنِ
سَعْدٍ عن ثَوْبَانَ قال: "بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيّةً
فَأَصابَهُمْ الْبَرْدُ، فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
أمَرَهُمْ أنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصائِبِ وَالتّسَاخِينِ".
147 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ
قال حدثنا بنُ وَهْبٍ قال حَدّثَني مُعَاوِيَةُ بنُ صَالحٍ عن عَبْدِالعَزِيزِ بنِ
مُسْلِمٍ عن أبي مَعْقِلٍ عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ قال: "رَأيْتُ رسولَ الله صلى
الله عليه وسلم يَتَوَضّأُ وَعَليْهِ عَمَامَةٌ قِطْرِيّةٌ، فأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ
تَحْتِ العِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضِ
الْعِمَامَةَ".
قال الشيخ شمس الدين ابن القيم:
قال ابن المدر: ويمسح على
العمامة، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وقال الجوزجاني: روى المسح على العمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: سلمان
الفارسي وثوبان وأبو أمامة وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبه وأبو موسى، وفعله
الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه. وقال عمر بن الخطاب: من لم يطهره
المسح على العمامة فلا طهره الله. قال: والمسح على العمامة سنة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ماضية مشهورة، عند ذوي القناعة من أهل العلم في الأمصار. وحكاه عن
ابن أبي شيبة وأبي خيثمة زهير بن حرب وسليمان بن داود الهاشمي، مذهباً لهم. ورواه
أيضاً عمرو بن أمية الضمري وبلال.
فأما حديث سلمان.
*2*58 ـ باب غسل الرجل
@148 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيدٍ قال حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عن يَزِيدَ بنِ عَمْرٍو عن أبي عَبْدِالرّحْمَنِ
الْحُبَلِي عن المُسْتَوْرَدِ بنِ شَدّادٍ قال: "رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله
عليه وسلم إذَا تَوَضّأَ يَدْلُكُ أصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ".
*2*59 ـ باب المسح على الخفين
@149 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
صَالحٍ قال حدثنا عَبْدُالله بنُ وَهْبٍ قال أخبرني يُونُسُ بنُ يَزِيدَ عن ابنِ
شِهَابٍ قال حَدّثَني عَبّادُ بنُ زِيادٍ أنّ عُرْوَةَ بنَ المُغِيرَةِ بنِ
شُعْبَةَ أخْبَرَهُ أنّهُ سَمِعَ المُغِيرَةَ يقُولُ "عَدَلَ رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم وَأنَا مَعَهُ في غَزْوَةِ تَبُوكَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَعَدَلْتُ
مَعَهُ، فَأنَاخَ النّبي صلى الله عليه وسلم فَتَبَرّزَ، ثُمّ جَاءَ فَسَكَبْتُ
عَلَى يَدِهِ مِنَ الإدَاوَةِ، فَغَسَلَ كَفّيْهِ ثُمّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمّ
حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ كُمّا جُبّتِهِ فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ
فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الجُبّة فَغَسَلَهُمَا إلى المِرْفَقِ وَمَسَحَ
بِرَأْسِهِ ثمّ تَوَضّأَ عَلَى خُفّيْهِ ثُمّ رَكِبَ، فَأقْبَلْنَا نَسِيرُ حَتّى
نَجِدَ النّاسَ في الصّلاةِ قَدْ قَدّمُوا عَبْدَالرّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ، فَصَلّى
بِهِم حِينَ كَانَ وَقْتُ الصّلاةِ، وَوَجَدْنَا عَبْدَالرّحْمَنِ وَقَدْ رَكَعَ
بِهِمْ رَكْعَةً مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ، فَقَامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
فَصَفّ مَعَ المُسْلِمِينَ فَصَلّى وَرَاءَ عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ
الرّكْعَةَ الثّانِيَةَ، ثُمّ سَلّمَ عَبْدُالرّحْمَنِ، فَقَامَ النّبي صلى الله
عليه وسلم في صَلاَتِهِ فَفَزِعَ المُسْلِمُونَ، فأكْثَرُوا التّسْبِيحَ، لأنّهُمْ
سَبَقُوا النّبي صلى الله عليه وسلم بالصّلاَةِ، فَلَمّا سَلّمَ رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم قال لَهُمْ: "قَدْ أصَبْتُمْ، أوْ قَدْ أحْسَنْتُمْ".
150 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
يَحْيَى ـ يَعْني ابنَ سَعِيدٍ ح. وحدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا المُعْتمِرُ عن
التّيْمِيّ قال حدثنا بَكْرٌ عن الْحَسَنِ عن ابنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ عن
المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تَوَضّأَ
وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَذَكَرَ فَوْقَ الْعَمَامَةِ، قال عن المُعْتَمِرِ
سَمِعْتُ أبي يُحَدّثُ عن بَكْرِ بنِ عَبْدِالله عن الحَسَنِ عن ابنِ المُغِيرَةِ
بنِ شُعْبَةَ عن المُغِيرَةِ أنّ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْسَحُ
عَلَى الخُفّيْنِ وَعَلى نَاصِيَتِهِ وَعَلى عِمَامَتِهِ" قال بَكْرٌ: وَقَدُ
سَمِعْتُهُ من ابنِ المُغِيرَةِ.
151 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
عِيسَى بنُ يونُسَ قال حَدّثَني أبي عن الشّعْبِيّ قال سَمِعْتُ عُرْوَةَ بنَ
المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ يَذْكُرُ عن أبِيهِ قال: "كُنّا مَعَ رَسولِ الله
صلى الله عليه وسلم في رَكْبِهِ وَمَعِي إدَاوَةٌ، فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ ثُمّ
أقْبَلَ فَتَلَقّيْتُهُ بالإِدَاوَةِ فأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ، فَغَسَلَ كَفّيْهِ
وَوَجْهَهُ ثُمّ أرَادَ أنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبّةٌ مِنْ صُوفٍ
مِنْ جِبَابِ الرّومِ ضَيّقَةُ الكُمّيْنِ فَضَاقَتْ فَادّرَعَهُمَا إدّرَاعاً،
ثُمّ أهْوَيتُ إلَى الخُفّيْنِ لأنْزِعَهُمَا، فَقالَ لي: دَعِ الْخُفّيْنِ فَإنّي
أدْخَلْتُ القَدَمَيْنِ الخُفّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ، فَمَسَحَ
عَلَيْهِمَا".
قال أبي قال الشّعْبِيّ: شَهِدَ
لِي عُرْوَةُ عَلَى أبِيهِ، وَشَهدَ أبُوهُ عَلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
152 ـ حدثنا هُدْبَةُ بنُ
خَالِدٍ قال حدثنا هَمّامٌ عن قَتَادَةَ عن الحَسَنِ وعن زُرَارَةَ بنِ أوْفى أنّ
المُغِيرَةَ بنَ شُعْبَةَ قال: "تَخَلّفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم،
فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصّةَ قال: "فَأتَيْنَا النّاسَ وَعَبْدَالرّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ
يُصَلّي بِهِمُ الصّبْحَ، فَلَمّا رَأى النّبي صلى الله عليه وسلم أرَادَ أنْ
يَتَأخّرَ فَأوْمَىءَ إلَيْهِ أنْ يَمْضِيَ. قال: فَصَلّيْتُ أنَا وَالنّبي صلى
الله عليه وسلم خَلْفَهُ رَكْعَةً، فَلَمّا سَلّمَ قَامَ النّبي صلى الله عليه
وسلم فَصَلّى الرّكْعَةَ الّتي سُبِقَ بِهَا وَلَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا
شَيْئاً".
قال أبُو دَاوُدَ: أبُو سَعِيدٍ
الخُدْرِيّ وَابنُ الزّبَيْرِ وابنُ عُمَرَ يقولُونَ: مَنْ أدْرَكَ الْفَرْدَ مِنَ
الصّلاَةِ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السّهْوٍ.
153 ـ حدثنا عُبَيْدَالله بنُ
مُعَاذٍ حدثنا أبي قال حدثنا شُعْبَةُ عن أبي بَكْرٍ ـ يَعْني ابنَ حَفْصِ بنِ
عُمَرَ بنِ سَعْدٍ ـ سَمِعَ أبَا عَبْدِالله عن أبي عَبْدِالرّحْمَنِ "أنّهُ
شَهِدَ عَبْدَالرّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ يَسْألُ بِلاَلاً عن وُضُوءِ رسولِ الله صلى
الله عليه وسلم فقال: كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ فآتِيهِ بالْمَاءِ
فَيَتَوَضّأُ أوْ يَمْسَحُ عَلَى عَمَامَتِهِ وَمَوقَيْهِ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَهُوَ أبو
عَبْدِالله مَوْلَى بَنِي تَيْمِ بنِ مَرّةَ.
154 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ
الحُسَيْنِ الدّرْهَمِيّ قال حدثنا ابنُ داوُدَ عن بُكَيْرِ بنِ عَامِرٍ عن أبي
زُرْعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ جَرِيرٍ "أنّ جَرِيراً بالَ ثُمّ تَوَضّأَ فَمَسَحَ
عَلَى الْخُفّيْنِ وقال: مَا يمْنَعُني أنْ أمْسَحَ وَقَدْ رَأيْتُ رسولَ الله صلى
الله عليه وسلم يَمْسَحُ. قالُوا: إنّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ
المَائِدَةِ. قال: مَا أسْلَمْتُ إلاّ بَعْدَ نُزُولِ المَائِدَةِ".
155 ـ حدثنا مُسَدّدٌ وَ
أحْمَدُ بنُ أبي شُعَيْبٍ الحَرّانِيّ قالا حدثنا وَكِيعٌ قال حدثنا دَلْهَمُ بنُ
صَالحٍ عن حُجَيْرِ بنِ عَبْدِالله عن ابنِ بُرَيْدَةَ عن أبِيهِ "أنّ
النّجَاشِيّ أهْدَى إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم خُفّيْنِ أسْوَدَيْنِ
سَاذَجَيْنِ، فَلَبِسَهُمَا ثُمّ تَوَضّأَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا" قال
مُسَدّدٌ عن دَلْهَمَ بنِ صَالحٍ.
قال أبُو دَاوُدَ هَذَا مِمّا
تَفَرّدَ بِهِ أهْلُ البَصْرَةِ.
156 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
يُونُسَ قال حدثنا أبنُ حَيَ ـ هُوَ الْحَسَنُ بنُ صَالحٍ ـ عن بُكَيْرِ بنِ
عَامِرٍ البَجَلِيّ عن عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ أبي نُعْمٍ عن المُغِيرَةِ ابنِ
شُعْبَةَ "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلى الخُفّيْنِ،
فَقُلْتُ: يارسولَ الله نَسِيتَ؟ قال: بَلْ أنْتَ نَسِيتَ، بِهَذَا أمَرَنِي رَبّي
عَزّوجَلّ".
*2*60 ـ باب التوقيت في المسح
@157 ـ حدثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ
قال حدثنا شُعْبَةُ عن الْحَكَمِ وَحَمّادِ عن إبْرَاهِيمَ عن أبي عَبْدِالله
الْجَدَلِيّ عن خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال:
"المَسْحُ عَلَى الْخُفّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثَةُ أيّامٍ وَلِلْمُقِيمِ
يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ".
قال أبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ
مَنْصورُ بنُ المُعْتَمِرِ عن إبْرَاهِيمِ التّيْمِيّ بِإسْنَادِهِ قال فيه:
"وَلَو اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا".
قال الحافظ ابن القيم رحمه
الله:
وقد أعل أبو محمد بن حزم حديث
خزيمة هذا، بأن قال: رواه عنه أبو عبد الله الجدلي، صاحب راية الكافر المختار، لا
يعتمد على روايته. وهذا تعليل في غاية الفساد، فإن أبا عبد الله الجدلي قد وثقه
الأئمة: أحمد ويحيى وصحح الترمذي حديثه ولا يعلم أحد من أئمة الحديث طعن فيه. وأما
كونه صاحب راية المختار، فإن المختار ابن أبي عبيد الثقفي، إنما أظهر الخروج لأخذه
بثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما، والانتصار له من قتلته، وقد طعن أبو محمد بن
حزم في أبي الطفيل، ورد روايته بكونه كان صاحب راية المختار أيضاً، مع أن أبا
الطفيل كان من الصحابة، ولكن لم يكونوا يعلمون ما في نفس المختار وما يسره، فرد
رواية الصاحب والتابع الثقة بذلك باطل. وأيضاً فقد روى ابن ماجه هذا الحديث عن علي
بن محمد عن وكيع عن سفيان عن أبيه عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن خزيمة.
فهذا عمرو بن ميمون قد تابع أبا عبد الله الجدلي، وكلاهما ثقة صدوق. وقد قيل: إن
عمرو بن ميمون رواه أيضاً عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة. فإن صح ذلك لم يضره
شيئاً، فلعله سمعه من أبي عبد الله، فرواه عنه، ثم سمعه من خزيمة، فرواه عنه.
158 ـ حدثنا يَحْيَى بنُ
مُعِينٍ حدثنا عَمْرُو بنُ الرّبِيعِ بنِ طَارِقٍ قال أخبرنا يَحْيَى بنُ أيّوبَ
عن عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ رَزِينٍ عن مُحمّدِ بنِ يَزِيدَ عن أيّوبَ بنِ قَطَنٍ عن
أُبَيّ بنِ عِمَارَةَ قال يَحْيَى بنُ أيّوبَ ـ وكَانَ قَدْ صَلّى مَعَ رَسولِ
الله صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَتَيْنِ ـ أنّهُ قال: يارسولَ الله أمْسَحُ عَلَى
الخُفّيْنِ؟ قال: نَعَمْ. قال: يَوْماً؟ قال: يَوْماً. قال: وَيَوْمَيْنِ؟ قال:
وَيَوْمَيْنِ. قال: وَثَلاَثَةً؟ قال: نَعَمْ وَمَا شِئْتَ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
ابنُ أبي مَرْيَمَ المِصْرِيّ عن يَحْيَى بنِ أيّوبَ عن عَبْدِالرّحْمَن بنِ
رَزِينٍ عن مُحمّدِ بنِ يَزِيدَ بنِ أبي زِيَادٍ عن عُبَادَةَ بنِ نُسِيَ عن
أُبَيّ بنِ عَمَارَةَ قال فيه: "حَتّى بَلَغَ سَبْعاً قال رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم: نَعَمَ مَابَدَا لَكَ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَقَدْ
اخْتَلَفَ في إسْنَادِهِ وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيّ. وَرَوَاهُ ابنُ أبي مَرْيَمَ
وَيَحْيَى بنُ إسْحَاقَ السّلَيْحِيّ وَيَحْيَ بنُ أيّوبَ، وَاخْتُلِفَ في
إسْنَادِهِ.
قال الشيخ الحافظ شمس الدين بن
القيم رحمه الله:
وقد اختلف فيه على يحيى بن أيوب
اختلافاً كثيراً، وعبدالرحمَن ومحمد بن يزيد وأيوب بن قطن: مجهولون كلهم. وقد
أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق يحيى بن عثمان بن صالح ويحيى بن معين، كلاهما عن
عمرو بن الربيع بن طارق أخبرنا محمد بن أيوب عن عبدالرحمَن بن رزين عن محمد بن
يزيد بن أبي زياد ـ قال: يحيى شيخ من أهل مصر ـ عن عبادة بن نسى ـ الحديث. قال
الحاكم: هذا إسناد مصري، لم ينسب واحد منهم إلى جرح. وهذا مذهب مالك، ولم يخرجاه.
والعجب من الحاكم كيف يكون هذا مستدركاً على الصحيحين ورواته لا يعرفون بجرح ولا
بتعديل؟ والله أعلم.
*2*61 ـ باب المسح على الجوربين
@159 ـ حدثنا عُثْمانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ عن وَكِيعٍ عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عن أبي قَيْسٍ الأوْدِيّ هُوَ
عَبْدُالرّحْمَنِ بنُ ثَرْوَانَ عن هُزَيْلِ بنِ شُرَحْبِيلَ عن المُغَيْرَةِ بنِ
شُعْبَةَ "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تَوَضّأَ وَمَسَحَ عَلَى
الْجَوْرَبَيْنِ وَالنّعْلَيْنِ".
قال أبُو دَاوُدَ: كَانَ
عَبْدُالرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيَ لا يُحَدّثُ بِهَذَ الْحَدِيثِ لاِءَنّ المَعْرُوفَ
عن المُغَيرَةِ أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى الخُفّيْنِ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ
هَذَ أيْضاً عن أبي مُوسَى الأشْعَرِيّ عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنّهُ مَسَحَ
عَلَى الجَوْرَبَيْنِ وَلَيْسَ بالمُتّصِلِ ولا بالْقَوِيّ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَمَسَحَ
عَلَى الجَوْرَبَيْنِ عَلِيّ بنُ أبي طَالِبٍ وَابنُ مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءُ بنُ
عَازِبٍ وَأنَسُ بنُ مَالِكٍ وَأبُو أُمَامَةَ وَسَهْلُ بنُ سَعْدٍ وَعَمْرُو بن
حُرَيْثٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عن عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ وَابنِ عَبّاسٍ.
وقال الشيخ الحافظ شمس الدين بن
القيم:
وقال النسائي: ما نعلم أن أحداً
تابع هزيلاً على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة: "أن النبي صلى الله عليه
وسلم مسح على الخفين". وقال البيهقي: قال أبو محمد ـ يعني يحيى بن منصور ـ
رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الخبر، وقال: أبو قيس الأدوي وهزيل بن شرحبيل: لا
يحتملان هذا مع مخالفتهما جملة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة، فقالوا:
"مسح على الخفين" وقال: لا يترك ظاهر القران بمثل أبي قيس وهزيل. قال:
فذكرت هذه الحكاية عن مسلم لأبي العباس الدغولي؟ فسمعته يقول: سمعت على بن مخلد بن
سنان يقول: سمعت أبا قدامة السرخسي يقول: قال عبدالرحمَن بن مهدي: قلت لسفيان
الثوري: لو رجل حدثني بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منه؟ فقال سفيان: الحديث
ضعيف، أو واه، أو كلمة نحوها. وقال عبد الله بن أحمد: حدثت أبي بهذا الحديث، فقال
أبي ليس يروي هذا إلا من حديث أبي قيس، قال أبي: أبي عبدالرحمَن بن مهدي أن يحدث
به، يقول: هو منكر. وقال ابن البراء قال علي بن المديني: حديث المغيرة بن شعبة في
المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة، ورواه هزيل بن شرحبيل
عن المغيرة، إلا أنه قال: "ومسح على الجوربين" وخالف الناس. وقال الفضل
بن عتبان: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث؟ فقال: الناس كلهم يروونه "على
الخفين" غير أبي قيس. قال ابن المنذر: روى المسح على الجوربين عن تسعة من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: على، وعمار، وأبي مسعود الأنصاري، وأنس، وابن
عمر، والبراء، وبلال، وعبد الله بن أبي أوفى، وسهل بن سعد، وزاد أبو داود، وأبو
أمامه، وعمرو بن حريث، وعمر، وابن عباس. فهؤلاء ثلاثة عشر صحابياً. والعمدة في
الجواز على هؤلاء رضي الله عنهم لا على حديث أبي قيس. مع أن المنازعين في المسح
متناقضون، فإنهم لو كان هذا الحديث من جانبهم لقالوا هذه زيادة، والزيادة من الثقة
مقبولة، ولا يلتفتون إلى ما ذكروه ههنا من تفرد أبي قيس. فإذا كان الحديث مخالفاً
لهم أعلوه بتفرد راويه ولم يقولوا: زيادة الثقة مقبولة، كما هو موجود في تصرفاتهم
والإنصاف: أن تكتال لمنازعك بالصاع الذي تكتال به لنفسك، فإن في كل شيء وفاء
وتطفيفاً، ونحن لا نرضي هذه الطريقة، ولا نعتمد على حديث أبي قيس. وقد نص أحمد على
جواز المسح على الجوربين، وعلل رواية أبي قيس. وهذا من إنصافه وعدله رحمه الله،
وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس، فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق
مؤثر، يصح أن يحال الحكم عليه.
والمسح عليهما قول أكثر أهل
العلم. منهم من سمينا من الصحابة، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك
وسفيان الثوري وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وأبو يوسف. ولا
نعرف في الصحابة مخالفاً لمن سمينا.
وأما حديث أبي موسى الذي أشار
إليه أبو داود، فرواه البيهقي من حديث عيسى بن يونس عن أبي سنان ـ عيسى بن سنان ـ
عن الضحاك بن عبدالرحمَن عن أبي موسى قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يمسح على الجوربين والنعلين". وهذا الحديث له علتان ذكرهما البيهقي.
إحداهما: أن الضحاك بن عبدالرحمَن لم يثبت سماعه من أبي موسى. والثانية: أن عيسى
بن سنان ضعيف. قال البيهقي: وتأول الأستاذ أبو الوليد حديث المسح على الجوربين
والنعلين: على أنه مسح على جوربين منعلين، لا أنه جورب على الانفراد، ونعل على
الإنفراد.
قلت: هذا مبني أنه يستحب مسح
أعلى الخف وأسفله، والبيان في ذلك(1) والظاهر أنه مسح على الجوربين الملبوس عليهما
نعلان منفصلان. هذا المفهوم منه، فإنه فصل بينهما وجعلهما سنتين. ولو كانا جوربين
منعلين لقال: مسح على الجوربين المنعلين. وأيضاً فإن الجلد الذي في أسفل الجورب لا
يسمى نعلاً في لغة العرب، ولا أطلق عليه أحد هذا الإسم. وأيضاً فالمنقول عن عمر بن
الخطاب في ذلك: أنه مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم مع الجورب، فأما أسفله
وعقبه فلا.
وفيه وجه اخر: أنه يمسح على
الجورب وأسفل النعل وعقبة. والوجهان ولأصحاب أحمد. وأيضاً فإن تجليد أسافل
الجوربين لا يخرجهما عن كونهما جوربين ولا يؤثر اشتراط ذلك في المسح وأي فرق بين
أن يكونا مجلدين أو غير مجلدين؟
وقول مسلم رحمه الله: لا يترك
ظاهر القران بمثل أبي قيس وهزيل، جوابه من وجهين: أحدهما: أن ظاهر القران لا ينفي
المسح على الجوربين إلا كما ينفي المسح على الخفين، وما كان الجواب عن مورد
الإجماع فهو الجواب في مسألة النزاع. الثاني: أن الذين سمعوا القران من النبي صلى
الله عليه وسلم، وعرفوا تأويله مسحوا على الجوربين، وهم أعلم الأمة بظاهر القران
ومراد الله منه. والله أعلم.
*2*62 ـ باب
@160 ـ حدثنا مُسَدّدٌ وَ
عَبّادُ بنُ مُوسَى قالا أخبرنا هُشَيْمٌ عن يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ عن أبِيهِ قال
عَبّادٌ قال أخبرني أوْسُ بنُ أبي أوْسٍ الثّقَفِيّ "أنّ رسولَ الله صلى الله
عليه وسلم تَوَضّأَ أوْ مَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ. وقال عَبّادٌ:
رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أتَى عَلَى كِظَامَةِ قَوْمٍ ـ يَعْنَي
المِيضَأَةَ ـ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسَدّدٌ المِيضَأَةَ وَالْكَظَامَةَ، ثُمّ
اتّفَقَا: فَتَوَضّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمِيْهِ".
*2*63 ـ باب كيف المسح
@161 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
الصّبّاحِ الْبَزّازُ قال حدثنا عَبْدُالرّحْمَنِ بنُ أبي الزّنَادِ قال ذَكَرَهُ
أبي عن عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ عن المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ "أنّ رسولَ الله
صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الخُفّيْنِ. وقال غيرُ مُحمّدٍ: مَسَحَ
عَلَى ظَهْرِ الخُفّيْنِ".
162 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
الْعَلاَءِ قال حدثنا حَفْصٌ ـ يَعْني ابنَ غَيّاثٍ ـ عن الأعمَشِ عن أبي إسْحَاقَ
عن عَبْدِ خَيْرٍ عن عَلِيَ قال: "لَوْ كانَ الدّينُ بالرّأْيِ لَكَانَ
أسْفَلُ الْخُفّ أوْلَى بالمَسْحِ مِنْ أعْلاَه، وَقَدْ رَأيْتُ رسولَ الله صلى
الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفّيْهِ".
163 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ رَافعٍ
قال حدثنا يَحْيَى بنُ آدَمَ قال أخبرنا يَزِيدُ بنُ عَبْدِالْعَزِيزِ عن الأعمَشِ
بإسْنَادِهِ بِهَذَ الحَدِيثِ قال: مَا كُنْتُ أُرَى بَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ إلاّ
أحَقّ بالْغَسْلِ حَتّى رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى
ظَهْرِ خُفّيْهِ". وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عن الأعمَشِ بإسْنَادِهِ قال:
"كُنْتُ أرَى أنّ بَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ أحَقّ بالمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا
حَتّى رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا" قال
وَكِيعٌ: يَعْني الخُفّيْنِ. وَرَوَاهُ عِيسَى بنُ يُونُسَ عن الأعْمَشِ. كَمَا
رَوَاهُ وَكِيعٌ. وَرَوَاهُ أبُو السّوْداءِ عن ابنِ عَبْدِ خَيْرٍ عن أبِيهِ قال:
رَأيْتُ عَلِياّ تَوَضّأَ فَغَسَلَ ظَاهِرَ قَدَمَيْهِ وقال لَوْلا أنّي رَأيْتُ
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ" وَسَاقَ الحَدِيثَ.
164 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
مَرْوَانَ وَ مَحْمُودُ بنُ خَالِدٍ الدّمَشْقِيّ المَعْني قالا حدثنا الْوَلِيدُ
قال مَحمُودٌ قال أخبرنا ثَوْرُ بنُ يَزِيدَ عن رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ عن كَاتِبِ
المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ عن المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ قال: وَضّأْتُ النّبي صلى
الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفّيْنِ
وَأَسْفَلِهِمَا".
قال أبُو دَاوُدَ: وَبَلَغَنِي
أنّهُ لَمْ يَسْمَعْ ثَورٌ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَجَاء.
قال الشيخ شمس الدين بن القيم:
قال إبراهيم: حديث المغيرة هذا
قد ذكر له أربع علل:
إحداهما: أن ثور بن يزيد لم
يسمعه من رجاء بن حيوة، بل قال: حدثت عن رجاء. قال عبد الله بن أحمد في كتاب
العلل: حدثنا أبي قال: وقال عبدالرحمَن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن ثور بن
يزيد قال: حدثت عن رجاء بن حيوية، عن كاتب المغيرة "أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم مسح أعلى الخفين وأسفلهما".
العلة الثانية: أنه مرسل، قال
الترمذي: سألت أبا زرعة ومحمداً عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح لأن ابن المبارك
روى هذا عن ثور عن رجاء، قال: حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
العلة الثالثة: أن الوليد بن
مسلم لم يصرح فيه بالسماع من ثور بن يزيد، بل قال فيه عن ثور، والوليد مدلس، فلا
يحتج بعنعنته، ما لم يصرح بالسماع.
العلة الرابعة: أن كاتب المغير:
لم يسم فيه، فهو مجهول. ذكر أبو محمد بن حزم هذه العلة.
وفي هذه العلل نظر.
أما العلتان الأولى والثانية:
وهما أن ثوراً لم يسمعه من رجاء، وأنه مرسل: فقد قال الدارقطني في سننه: حدثنا عبد
الله بن محمد بن عبدالعزيز حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد بن مسلم عن ثور بن
يزيد قال حدثنا رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة ـ فذكره. فقد صرح
في هذه الرواية بالتحديث وبالاتصال فانتفى الإرسال عنه.
وأما العلة الثالثة: وهي تدليس
الوليد، وأنه لم يصرح بسماعه: فقد رواه أبو داود عن محمود بن خالد الدمشقي حدثنا
الوليد حدثنا ثور بن يزيد. فقد أمن تدليس الوليد في هذا.
وأما العلة الرابعة: وهي جهالة
كاتب المغيرة فقد رواه ابن ماجه في سننه، وقال: عن رجاء بن حيوة عن وراد، كاتب
المغيرة عن المغيرة. وقال شيخنا أبو الحجاج المزي: رواه إسماعيل بن إبراهيم بن
مهاجر عن عبدالملك بن عمير عن وراد عن الغيرة. تم كلامه. وأيضاً فالمعروف بكتابة
(بكاتب) المغيرة هو مولاه وراد. وقد خرج له في الصحيحين، وإنما ترك ذكر إسمه في
هذه الرواية لشهرته وعدم التباسه بغيره، ومن له خبره بالحديث ورواته لا يتمارى في
أنه وراد كاتبه.
وبعد: فهذا حديث قد ضعفه الأئمة
الكبار: البخاري، وأبو زرعة، والترمذي، وأبو داود، والشافعي، ومن المتأخرين: أبو
محمد بن حزم. وهو الصواب، لأن الأحاديث الصحيحة كلها تخالفه. وهذه العلل ـ وإن كان
بعضها غير مؤثر ـ فمنها ما هو مؤثر مانع من صحة الحديث وقد تفرد الوليد بن مسلم
بإسناده ووصله وخالفه من هو أحفظ منه وأجل وهو الإمام الثيت عبد الله بن المبارك،
فرواه عن ثور عن رجاء قال: حدثت عن كاتب المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا
اختلف عبد الله بن المبارك والوليد بن مسلم فالقول ما قال عبد الله. وقد قال بعض
الحفاظ: أخطأ الوليد بن مسلم في هذا الحديث في موضعين: أحدهما: أن رجاء لم يسمعه
من كاتب المغيرة، وإنما قال: حدثت عنه. والثاني: أن ثوراً لم يسمعه من رجاء. وخطأ
ثالث أن الصواب إرساله. فميز الحفاظ ذلك كله في الحديث وبينوه، ورواه الوليد
معنعناً من غير تبيين والله أعلم.
*2*64 ـ باب في الانتضاح
@165 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
كَثِيرٍ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن مَنْصُورٍ عن مُجَاهِدٍ عن سُفْيَانَ بنِ
الْحَكَمِ الثّقَفِيّ أوْ الْحَكَمِ بنِ سُفْيَانَ الثّقَفِيّ ـ قال: "كَانَ
رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا بَالَ يَتَوَضّأُ وَيَنْتَضِحُ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَافَقَ
سُفْيَانَ جَمَاعَةٌ عَلَى هَذَا الاْسْنَادِ، قال بَعْضُهُمْ: الحَكَمُ أوْ ابنُ
الحَكَمِ.
166 ـ حدثنا إسْحَاقُ بنُ
إسْمَاعِيلَ قال حدثنا سُفْيَانُ عن ابنِ أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ عن رَجُلٍ مِنْ
ثَقِيفٍ عن أبِيهِ قال: "رَأيْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَالَ ثُمّ
نَضَحَ فَرْجَهُ".
167 ـ حدثنا نَصْرُ بنُ
المُهَاجِرِ حدثنا مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو حدثنا زَائِدَةُ عن مَنْصُورٍ عن
مُجَاهِدٍ عن الْحَكَمِ ـ أوْ ابنِ الْحَكَمِ ـ عن أبِيهِ "أنّ النّبي صلى
الله عليه وسلم بَالَ ثُمّ تَوَضّأَ وَنَضَحَ فَرْجَهُ".
*2*65 ـ باب ما يقول الرجل إذا
توضأ
@168 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيّ قال حدثنا ابنُ وَهْبٍ قال سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ ـ يَعْني
ابنَ صَالحٍ ـ يُحَدّثُ عن أبي عُثْمَانَ عن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ عن عُقْبَةَ
بنِ عَامِرٍ قال: "كُنّا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم خُدّامَ
أنْفُسِنَا. نَتَنَاوَبُ الرعَايَةَ ـ رِعَايَةَ إبِلِنَا ـ فَكَانَتْ عَلَيّ
رِعَايَةُ الإبْلِ، فَرَوّحْتُهَا بالْعَشِيّ، فَأدْرَكْتُ رسولَ الله صلى الله
عليه وسلم يَخْطُبُ النّاسَ، فَسَمِعْتُهُ يقولُ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ
يَتَوَضّأُ فَيُحْسِنُ الوُضُوءَ ثُمّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ، يُقْبِلُ
عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إلاّ فَقَدْ أوْجَبَ. فَقُلْتُ: بَخٍ بَخٍ ما أجْوَدَ
هَذِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيّ: الّتي قَبْلَهَا يا عُقْبَةُ أجْوَدُ
مِنْهَا. فَنَظَرْتُ فَإذَا هُوَ عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ. قُلْتُ: مَا هِيَ يا أبَا
حَفْصٍ؟ قال: إنّهُ قال آنِفاً قَبْلَ أنْ تَجِيءَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ
يَتَوَضّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ثُمّ يقولُ حِينَ يَفْرَغُ مِنْ وُضُوئِه:
أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أنّ
مُحمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إلاّ فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الْجَنّةِ
الثّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أيّها شَاءَ".
قال مُعَاوِيَةُ: وَحَدّثَنِي
رَبِيعَةُ بنُ يَزِيدَ عن أبي إدْرِيسَ عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ.
169 ـ حدثنا الحُسَيْنُ بنُ
عِيسَى قال حدثنا عَبْدُالله بن يَزِيدَ المُقْرِىءُ عن حَيْوَةَ بنِ شرَيْحٍ عن
أبي عَقِيلٍ عن ابنِ عَمّه عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ عن النّبي صلى الله
عليه وسلم نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أمْرَ الرّعَايَةِ قال عِنْدَ قَوْلِهِ
فَأحْسَنَ الوُضُوءَ: ثُمّ رَفَعَ نَظَرَهُ إلَى السّمَاءِ، فَقَال وَسَاقَ
الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ.
*2*66 ـ باب الرجل يصلي الصلوات
بوضوء واحد
@170 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
عِيسَى قال حدثنا شَرِيكٌ عن عَمْرِو بنِ عَامِرٍ الْبَجَلِيّ، قال مُحمّدٌ: هُوَ
أبُو أسَدِ بنِ عَمْرٍو قال: "سَألْتُ أنَسَ بنَ مَالِكٍ عن الْوُضُوءِ
فقالِ: كَانَ النّبي صلى الله عليه وسلم يَتَوَضّأُ لِكُلّ صَلاَةٍ، وكُنّا
نُصَلّي الصّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ".
171 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
يَحْيَى عن سُفْيَانَ قال حَدّثَني عَلْقَمَةُ بنُ مُرْثَدٍ عن سُلَيْمَانَ بنِ
بُرَيْدَةَ عن أبِيهِ قال: "صلّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ
الْفَتْحِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفّيْهِ، فقالَ لهُ
عُمَرُ: إنّي رَأيْتُكَ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئاً لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ. قال:
عَمْداً صَنَعْتُهُ".
*2*67 ـ باب تفريق الوضوء
@172 ـ حدثنا هَارُونُ بنُ
مَعْرُوفٍ قال حدثنا ابنُ وَهْبٍ عن جَرِيرِ بنِ حَازِمٍ أنّهُ سَمِعَ قَتَادَةَ
بنَ دَعَامَةَ قال حدثنا أنَسٌ "أنّ رَجُلاً جَاءَ إلَى رسولِ الله صلى الله
عليه وسلم وَقَدْ تَوَضّأَ وَتَرَكَ عَلَى قَدَمِهِ مِثْلَ مَوْضِعِ الظّفْرِ
فقالَ لَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ارْجِعْ فأحْسِنْ وُضُوءَكَ".
قال أبُو دَاوُدَ: هَذَا
الْحَديثُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عن جَرِيرٍ بنِ حَازِمٍ وَلَمْ يَرْوِهِ إلاّ ابنُ
وَهْبٍ وَحْدَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عن مَعْقِلِ بنِ عُبَيْدِالله الْجَزَرِيّ عن أبي
الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ عن عُمَرَ عن النّبي صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ قال:
"ارْجِع فأَحْسِنْ وُضُوءَكَ".
173 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ قال حدثنا حمّادٌ قال أخبرنا يُونُسُ وَ حُمَيْدٌ عن الْحَسَنِ عن
النّبي صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَى قَتَادَةَ.
174 ـ حدثنا حَيْوَةُ بنُ
شُرَيْحٍ قال حدثنا بَقِيّةُ عن بَحِيرٍ ـ هُو ابن سَعْدٍ ـ عن خَالِدٍ عن بَعْضِ
أصْحَابِ النّبي صلى الله عليه وسلم "أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم رَأى
رَجُلاً يُصَلّي وفي ظَهْرِ قَدَمِهِ لَمْعَةٌ قَدْرُ الدّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا
الْمَاءُ فأمَرَهُ النّبي صلى الله عليه وسلم أنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ
وَالصّلاَةَ".
قال الشيخ شمس الدين بن القيم
رحمه الله:
هكذا علل أبو محمد المنذري وابن
حزم هذا الحديث برواية بقية له. وزاد ابن حزم تعليلاً اخر، وهو أن راويه مجهول لا
يدري من هو.
والجَواب عن هاتين العلتين:
أما الأولى: فإن بقية ثقة في
نفسه صدوق حافظ، وإنما نقم عليه التدليس، مع كثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين،
وأما إذا صرح بالسماع فهو حجة. وقد صرح في هذا الحديث بسماعه له. قال أحمد في
مسنده: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس حدثنا بقية حدثني يحيى بن سعيد عن خالد بن
معدان عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ـ فذكر الحديث. وقال "فأمره أن
يعيد الوضوء". قال الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل هذا إسناد جيد؟ قال جيد.
وأما العلة الثانية فباطلة
أيضاً على أصل ابن حزم وأصل سائر أهل الحديث، فإن عندهم جهالة الصحابي لا تقدح في
الحديث، لثبوت عدالهم جميعاً، وأما أصل ابن حزم فإنه قال في كتابه في أثناء مسألة
كل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ثقات فواضل عند الله عز وجل مقدسات بيقين.
*2*68 ـ باب إذا شك في الحدث
@175 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيدٍ و مُحمّدُ بنُ أحْمَدَ بنِ أبي خَلفٍ قالا حدثنا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ
عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ وَ عَبّادِ بنِ تَمِيمٍ عن عَمّهِ قال: "شُكِيَ
إلَى النّبي صلى الله عليه وسلم الرّجُلُ يَجِدُ الشّيْءَ في الصّلاَةِ حَتّى
يخَيّلَ إلَيْهِ، فقالَ: لا يَنْفَتِلْ حَتّى يَسْمَعَ صَوْتاً أوْ يَجِدَ
رِيحاً".
176 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ قال حدثنا حَمّادٌ قال أخبرنا سُهَيْلُ بنُ أبي صَالحٍ عن أبِيهِ عن
أبي هُرَيْرَةَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا كَانَ أحَدُكُم
في الصّلاَةِ فَوَجَدَ حَرَكَةً في دُبُرِهِ أحْدَثَ أوْ لَمْ يُحْدِثْ فأُشْكِلَ
عَلَيْهِ فَلاَ يَنْصَرِفْ حَتّى يَسْمَعَ صَوْتاً أوْ يَجِدَ رِيحاً".
*2*69 ـ باب الوضوء من القبلة
@177 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ
قال حدثنا يَحْيَى وَ عَبْدُالرّحْمَنِ قالا حدثنا سُفْيَانُ عن أبي رَوْقٍ عن
إبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ عن عَائِشَةَ "أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم
قَبّلَهَا وَلَمْ يَتَوَضّأْ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَهُوَ
مُرْسَلٌ، وإبْرَاهِيمُ التّيْمِيّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ شَيْئاً. قال
أبُو دَاوُدَ: وَكَذَا رَوَاهُ الْفِرْيَابِيّ وَغَيْرُهُ. قال أبُو دَاوُدَ:
وَمَاتَ إبْرَاهِيمُ التّيْمِيّ وَلَمْ يَبْلُغْ أرْبَعِينَ سَنَةً، وكَانَ
يُكْنَى أبَا أسْمَاءَ.
178 ـ حدثنا عُثْمَانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ قال حدثنا وَكِيعٌ قال حدثنا الأعْمَشُ عن حَبِيبٍ عن عُرْوَةَ عن
عَائِشَةَ "أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قَبّلَ امْرَأةً مِنْ نِسَائِهِ
ثُمّ خَرَجَ إلَى الصّلاَةِ وَلَمْ يَتَوَضّأْ. قال عُرْوَةُ: فَقُلْتُ لَهَا:
مَنْ هِيَ إلاّ أنْتِ فَضَحِكَتْ". قال أبُو دَاوُدَ: هَكَذَا رَوَاهُ
زَائِدَةُ وَعَبْدُالْحَمِيدِ الْحِمّانيّ عن سُلَيْمَانَ الأعمَشِ.
179 ـ حدثنا إبْرَاهِيمُ بنُ
مَخْلِدٍ الطّالْقَانِيّ حدثنا عَبْدُالرّحْمَنِ بنُ مَغْرَاءَ قال حدثنا
الأعْمَشُ قال حدثنا أصْحَابٌ لَنَا عَنْ عُرْوَةَ المُزَنِيّ عن عَائِشَةَ
بِهَذَا الحَدِيثِ.
قال أبُو دَاوُدَ: قالَ يَحْيَى
بنُ سَعِيدٍ الْقَطّانُ لِرَجُلٍ: إحْكِ عَنّي أنّ هَذَيْنِ ـ يَعْنِي حَدِيثَ
الأعْمَشِ هَذَا عن حَبِيبٍ وَحَدِيثَهُ بِهَذَا الإسْنَادِ في المُسْتَحَاضَةِ ـ
أنّها تَتَوَضّأُ لِكُلّ صَلاَةٍ. قال يَحْيَى: إحْكِ عَنّي أنّهُمَا شِبْهُ لاَ
شَيْءَ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ عن
الثّوْرِيّ قال ما حدثنا حَبِيبٌ إلاّ عن عُرْوَةَ المُزَنِيّ ـ يَعْنِي لمْ
يُحَدّثْهُمْ عن عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ بِشَيْءٍ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَقَدْ رَوَى
حَمْزَةُ الزّيّاتُ عن حَبِيبٍ عن عُرْوَةَ بن الزّبَيْرِ عن عَائِشَةَ حَدِيثاً
صَحِيحاً.
*2*70 ـ باب الوضوء من مس الذكر
@180 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ عن مَالِكٍ عن عَبْدِالله بنِ أبي بَكْرٍ أنّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ يقولُ:
"دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ الحَكَمِ، فَذَكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ
الوُضُوءُ، فَقالَ مَرْوَانُ: وَمِنْ مسّ الذّكَرِ، فقالَ عُرْوَةُ: مَا عَلِمْتُ
ذَلِكَ، فقالَ مَرْوَانُ: أخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانٍ أنّهَا سَمِعَتْ
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: مِنْ مَسّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضّأْ".
قال الشيخ شمس الدين بن القيم:
نقض الوضوء من مس الذكر: فيه
حديث بسرة، قال الدارقطني: قد صح سماع عروة من بسرة هذا الحديث، وبسرة هذه من
الصحابيات الفضليات. قال مالك: أتدرون من بسرة بنت صفوان؟ هي جدة عبدالملك بن
مروان أم أمه، فاعرفوها. وقال مصعب الزبيري: هي بنت صفوان بن نوفل، من المبايعات،
وورقة بن نوفل عمها. وقد ظلم من تكلم في بسرة وتعدى. وفي الموطأ في حديثها من
رواية ابن بكير: "إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة".
وفيه حديث أبي هريرة يرفعه:
"إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره، ليس بينه وبينه شيء فليتوضأ" رواه
الشافعي عن سلمان بن عمرو ومحمد بن عبد الله عن يزيد بن عبد الله الهاشمي عن سعيد
بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال ابن السكن: هذا الحديث من أجود ما روى في هذا الباب.
قال ابن عبدالبر: كان حديث أبي هريرة لا يعرف إلا بيزيد بن عبدالملك النوفلي عن
سعيد عن أبي هريرة. ويزيد ضعيف ـ حتى رواه أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم عن نافع بن
أبي نعيم ويزيد بن عبدالملك جميعاً، عن سعيد عن أبي هريرة، قال فصح الحديث بنقل
العدل عن العدل على ما قال ابن السكن، إلا أن أحمد بن حنبل كان لا يرضي نافع بن
أبي نعيم، وخالفه ابن معين فقال: هو ثقة. قال الحازمي: وقد روى عن نافع بن عمر
الجمحي عن سعيد، كما رواه يزيد، وإذا اجتمعت هذه الطرق دلتنا على أن له أصلاً من
رواية أبي هريرة.
وفي الباب حديث عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده يرفعه: "أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها
فلتتوضأ". قال الحازمي: هذا إسناد صحيح لأن إسحاق بن راهويه رواه في مسنده:
حدثنا بقية بن الوليد حدثني الزبيدي حدثني عمرو ـ فذكره. وبقية ثقة في نفسه، وإذا
روى عن المعروفين فمحتج به، وقد احتج به مسلم ومن بعده من أصحاب الصحيح. والزبيدي
ـ محمد بن الوليد ـ إمام محتج به. وعمرو بن شعيب ثقة باتفاق أئمة الحديث قال: وإذا
روى عن غير أبيه لم يختلف أحد في الاحتجاج به، وأما رواياته عن أبيه عن جده،
فالأكثرون على أنها متصلة، ليس فيها إرسال ولا انقطاع. وذكر الترمذي في كتاب العلل
له، عن البخاري أنه قال: حديث عبد الله بن عمرو في هذا الباب ـ في باب مس الذكر ـ
هو عندي صحيح. قال الحازمي: وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن عمرو بن شعيب، فلا
يظن أنه من مفاريد بقية.
وأما حديث طلق فقد رجح حديث
بسرة وغيره عليه من وجوه: أحدها ضعفه.
والثاني: أن طلقاً قد اختلف
عنه، فروى عنه "هل هو إلا بضعة منك؟" وروى أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق
عن أبيه مرفوعاً "من مس فرجه فليتوضأ" رواه الطبراني، وقال: لم يروه عن
أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد. وهما عندي صحيحان، يشبه أن يكون سمع الحديث الأول
من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا، ثم سمع هذا بعده، فوافق حديث بسرة وأم حبيبة
وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني وغيرهم فسمع الناسخ والمنسوخ.
الثالث: أن حديث طلق لو صح لكان
حديث أبي هريرة ومن معه مقدماً عليه لأن طلقاً قدم المدينة وهم يبنون المسجد، فذكر
الحديث، وفيه قصة مس الذكر، وأبو هريرة أسلم عام خيبر، بعد ذلك بست سنين، وإنما
يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمره صلى الله عليه وسلم.
الرابع: أن حديث طلق مبقي على
الأصل، وحديث بسرة ناقل، والناقل مقدم لأن أحكام الشارع ناقله عما كانوا عليه.
الخامس: أن رواة النقض أكثر،
وأحاديثه أشهر، فإنه من رواية بسرة، وأم حبيبة، وأبي هريرة وأبي أيوب وزيد بن
خالد.
السادس: أنه قد ثبت الفرق بين
الذكر وسائر الجسد في النظر والحس، فثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
"أنه نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه" فدل أن الذكر لا يشبه سائر الجسد،
ولهذا صان اليمين عن مسه، فدل على أنه ليس بمنزلة الأنف، والفخذ، والرجل، فلو كان
كما قال المانعون: إنه بمنزلة الإبهام واليد والرجل لم ينه عن مسه باليمين. والله
أعلم.
السابع: أنه لو قدر تعارض
الحديثان من كل وجه لكان الترجيح لحديث النقض، لقول أكثر الصحابة، منهم: عمر بن
الخطاب، وابنه، وأبو أيوب الأنصاري، وزيد بن خالد، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو،
وجابر، وعائشة، وأم حبيبة، وبسرة بنت صفوان رضي الله عنهم، وعن سعد بن أبي وقاص
روايتان وعن ابن عباس رضي الله عنهما روايتان.
*2*71 ـ باب الرخصة في ذلك
@181 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال
حدثنا مُلاَزِمُ بنُ عَمْرٍو و الحَنَفِيّ قال حدثنا عَبْدُالله بنُ بَدْرٍ عن
قَيْسِ بنِ طَلْقٍ عن أبِيهِ قال: "قَدِمْنَا عَلَى نَبِيّ الله صلى الله
عليه وسلم، فَجَاءَ رَجُلٌ كَأنّهُ بَدَوِيّ، فَقالَ: يانَبِيّ الله مَا تَرَى في
مَسّ الرّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا يَتَوَضّأُ، فَقالَ صلى الله عليه وسلم: هَلْ
هُوَ إلاّ مُضْغَةٌ مِنْهُ أوْ بِضْعَةٌ مِنْهُ".
قال أبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ
هِشَامُ بنُ حَسّانَ وَسُفْيَانُ الثّوْرِيّ وَشُعْبَةُ وَابنُ عُيَيْنَةَ
وَجَرِيرٌ الرّازِيّ عن مُحمّدِ بنِ جَابِرٍ عن قَيْسِ بنِ طَلْقٍ.
182 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
مُحمّدُ بنُ جَابِرٍ عن قَيْسِ بنِ طَلقٍ عن أبِيهِ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ
وقال "في الصّلاَةِ".
*2*72 ـ باب الوضوء من لحوم
الإبل
@183 ـ حدثنا عُثْمَانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ قال حدثنا أبُو مُعَاوِيَةَ قال حدثنا الأعمَشُ عن عَبْدِالله بنِ
عَبْدِالله الرّازِيّ عن عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ أبي لَيْلَى عن الْبَرَاءِ بنِ
عَازِبٍ قال: "سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الْوُضُوءِ مِنْ
لُحُومِ الإبْلِ، فَقالَ: تَوَضّأُوا مِنْهَا. وَسُئِلَ عن لُحُومِ الْغَنَمِ،
فَقالَ: لاَ تَوَضّأُوا مِنْهَا. وَسُئِلَ عن الصّلاَةِ في مَبَارِكِ الإبِلِ،
فقالَ: لا تُصَلّوا في مَبَارِكِ الإبِلِ فإنّهَا مِنَ الشّيَاطِينِ. وسُئِلَ عن
الصّلاَةِ في مَرابِضِ الْغَنَمِ، فقالَ: صَلّوا فِيهَا فَإنّهَا بَرَكَةٌ".
قال الحافظ ابن القيم رحمه
الله:
وقد أعل ابن المديني حديث جابر بن
سمرة في الوضوء من لحوم الإبل. قال محمد بن أحمد بن البراء: قال علي: جعفر مجهول،
يريد جعفر بن أبي ثور راويه عن جابر. وهذا تعليل ضعيف. قال البخاري في التاريخ:
جعفر بن أبي ثور جده جابر بن سمرة. قال سفيان وزكريا وزائدة عن سماك عن جعفر بن
أبي ثور عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في اللحوم. قال البخاري: وقال أهل
النسب ولد جابر بن سمرة: خالد وطلحة ومسلمة، وهو أبو ثور. قال وقال شعبة: عن سماك
عن أبي ثور بن عكرمة بن جابر بن سمرة عن جابر. قال الترمذي في العلل: حديث سفيان
الثوري أصح من حديث شعبة، وشعبة أخطأ فيه فقال: عن أبي ثور، وإنما هو جعفر بن أبي
ثور. قال البيهقي: وجعفر بن أبي ثور رجل مشهور، وهو من ولد جابر بن سمرة، روى عن
سماك بن حرب وعثمان بن عبد الله بن موهب وأشعث بن أبي الشعثاء. قال ابن خزيمة: كان
عبد الله بن مسعود يأكل من ألوان الطعام ولا يتوضأ منه قال البهيقي: هؤلاء خرج عن
أن يكون مجهولاً ولهذا أودعه مسلم كتابه الصحيح. قال البيهقي: وأخبرنا أبو بكر
أحمد بن علي الحافظ حدثنا إبراهيم بن عبد الله الأصفهاني قال: قال محمد بن إسحاق
بن خزيمة: لم نر خلافاً بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة
ناقليه قال البيهقي: وروينا عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم:
"الوضوء مما خرج، وليس مما دخل" وإنما قالا ذلك في ترك الوضوء مما مست
النار. ثم ذكر عن ابن مسعود أنه أتى بقصعة من الكبد والسنام من لحم الجزور، فأكل
ولم يتوضأ قال: وهذا منقطع وموقوف. وروى عن أبي عبيدة قال: وهؤلاء الثلاثة من أجلة
رواه الحديث. قال البيهقي: ومن روى عن مثل وبمثل هذا لا يترك ما ثبت عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم. هذا كلامه في السنن الكبير. وهو كما ترى صريح في اختياره
القول بأحاديث النقض. واختاره ابن خزيمة.
ومن العجب معارضة هذه الأحاديث
بحديث جابر: "كان اخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء
مما مست النار" ولا تعارض بينهما أصلاً فإن حديث جابر هذا إنما يدل على أن
كونه ممسوساً بالنار ليس جهة من جهات نقض الوضوء، ومن نازعكم في هذا؟ نعم هذا يصلح
أن يحتجوا به على من يوجب الوضوء مما مست النار، على صعوبة تقرير دلالته، وأما من
يجعل كون اللحم لحم إبل هو الموجب للوضوء، سواء مسته النار أم لم تمسه فيوجب الوضوء
من نيئه ومطبوخه وقديده، فكيف يحتج عليه بهذا الحديث؟ وحتى لو كان لحم الإبل فرداً
من أفراده فإنما دلالته بطريق العموم، فكيف يقدم على الخاص؟ هذا مع أن العموم لم
يستفد ضمناً من كلام صاحب الشرع، وإنما هو من قول الراوي.
وأيضاً: فأبين من هذا كله: أنه
لم يحك لفظاً، لا خاصاً ولا عاماً، وإنما حكى أمرين هما فعلان: أحدهما متقدم، وهو
فعل الوضوء، والاَخر متأخر وهو تركه من ممسوس النار، فهاتان واقعتان، توضأ في
إحداهما وترك في الأخرى، من شيء معين مسته النار، لم يحك لفظاً عاماً ولا خاصاً
ينسخ به اللفظ الصريح الصحيح.
وأيضاً: فإن الحديث قد جاء
مثبتاً من رواية جابر نفسه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعى إلى طعام،
فأكل ثم حضرت الظهر، فقام وتوضأ وصلى ثم أكل، فحضرت العصر، فقام فصلى ولم يتوضأ،
فكان اخر الأمرين من رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار".
فالحديث له قصة، فبعض الرواة اقتصر على موضع الحجة، فحذف القصة وبعضهم ذكرها،
وجابر روى الحديث بقصته. والله أعلم.
*2*73 ـ باب الوضوء من مس اللحم
النيء وغسله
@184 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
الْعَلاَءِ وَ أيّوبُ بنُ مُحمّدٍ الرّقّيّ وَ عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيّ
المَعْنَى قالُوا حدثنا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ قال أخبرنا هِلاَلُ بنُ
مَيْمُونٍ الْجُهَنِيّ عن عَطَاءِ بنِ يَزِيدِ اللّيْثِيّ، قال هِلاَلٌ: لا
أعْلَمُهُ إلاّ عن أبي سَعِيدٍ، وقال أيّوبٌ وَ عَمْرُو: وَأُرَاهُ عن أبي سَعِيدٍ
"أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم مَرّ بِغُلاَمٍ يَسْلُخُ شَاةً، فقالَ لهُ
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: تَنَحّ حَتّى أُرِيكَ، فأدْخَلَ يَدَهُ بَيْنَ
الْجِلْدِ وَاللّحْمِ فَدَحَسَ بِهَا حَتّى تَوَارَتْ إلَى الإبِطِ، ثُمّ مَضَى
فَصَلّى لِلنّاسِ وَلَمْ يَتَوَضّأْ" زَادَ عَمْرٌو في حَدِيثِهِ: يَعْنِي
لَمْ يَمَسّ مَاءًا وقال: عن هِلاَل بنِ مَيْمُونٍ الرّمْلِيّ.
قال أبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ
عَبْدُالوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ وَأبُو مُعَاوِيَةَ عن هِلاَلٍ عن عَطَاءٍ عن النّبي
صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً، لَمْ يَذْكُرْ أبَا سَعِيدٍ.
*2*74 ـ باب ترك الوضوء من مس
الميتة
@185 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ قال حدثنا سُلَيْمانُ ـ يَعْني ابنَ بِلاَلٍ ـ عن جَعْفَرٍ عن أبِيهِ
عن جَابِرٍ "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرّ بالسّوقِ دَاخِلاً مِنْ
بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنّاسُ كَنَفَتَيْهُ، فَمَرّ بِجَدْيٍ أسَكَ مَيّتٍ
فَتَنَاوَلَهُ فَأخَذَ بِأُذُنِهِ ثمّ قال: أيّكُم يُحِبّ أنّ هَذَا لَهُ"
وَسَاقَ الحَدِيثَ.
*2*75 ـ باب في ترك الوضوء مما
مست النار
@186 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ قال حدثنا مَالِكٌ عن زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عن
ابنِ عَبّاسٍ "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمّ
صَلّى وَلَمْ يَتَوَضّأْ".
187 ـ حدثنا عُثْمانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ وَ مُحمّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الأنْبَارِيّ المَعْني قالا حدثنا وَكِيعٌ عن
مِسْعَرٍ عن أبي صَخْرَةَ جَامِعِ بنِ شَدّادٍ عن المغِيرَةَ بنِ عَبْدِالله عن
المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ قال: ضِفْتُ النّبي صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ
فأمَرَ بِجَنْبٍ فَشُوِيَ وَأخَذَ الشّفْرَةَ فَجَعَلَ يَحُزّ لِي بِهَا مِنْهُ.
قال: فَجَاءَ بِلاَلٌ فآذَنَهُ بالصّلاَةِ. قال: فألْقَى الشّفْرَةَ وقال: مَا
لَهُ تَرِبَتْ يَدَاهُ، وَقَامَ يُصَلّي". زَادَ الأنْبَارِيّ: "وكَانَ
شَارِبِي وَفَاءً فَقَصّهُ لِي عَلَى سِوَاكِ، أوْ قال: قُصّهُ لَكَ عَلَى
سِوَاكٍ".
188 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
أبُو الأحْوَصِ قال حدثنا سِمَاكٌ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قال: "أكَلَ
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كَتِفاً ثُمّ مَسَحَ يَدَهُ بِمِسْحٍ كَانَ
تَحْتَهُ، ثُمّ قامَ فَصَلّى".
189 ـ حدثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ
النّمِرِيّ قال حدثنا هَمّامٌ عن قَتَادَةَ عن يَحْيَى بنِ يَعْمُرَ عن ابنِ
عَبّاسٍ "أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم انْتَهَشَ مِن كَتِفٍ ثُمّ صَلّى
وَلَمْ يَتَوَضّأْ".
190 ـ حدثنا إبْرَاهِيمُ بنُ
الحَسَنِ الْخَثْعَمِيّ قال حدثنا حَجّاجٌ قال ابنُ جُرَيْجِ أخْبرني مُحمّدُ بنُ
المُنْكَدِرِ قال سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِالله يقولُ: قَرّبْتُ لِلّنبِيّ صلى
الله عليه وسلم خُبْزاً وَلَحْماً فأكَلَ ثُمّ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضّأَ بِهِ
ثُمّ صَلّى الظّهْرَ ثُمّ دَعَا بِفَضْلِ طَعَامِهِ فأكَلَ ثُمّ قامَ إلَى
الصّلاَةِ وَلَمْ يَتَوَضّأْ".
191 ـ حدثنا مُوسَى بنُ سَهْلٍ
أبُو عِمْرَانَ الرّمْلِيّ قال حدثنا عَلِيّ بنُ عَيّاشٍ قال حدثنا شُعَيْبُ بنُ
أبي حَمْزَةَ عن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ عن جَابِرٍ قال: "كَانَ آخِرُ
الأمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمّا
غَيّرَتِ النّارُ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَهَذَا
اخْتِصَارٌ مِنَ الحَدِيثِ الأوّلِ.
192 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
عَمْرِو بنِ السّرْحِ قال حدثنا عَبْدُالمَلِكِ بنُ أبي كَرِيمَةَ، قال ابن
السّرْح: ابنُ أبي كَرِيمَةَ مِنْ خِيَارِ المُسْلِمِينَ قال حَدّثَني عُبَيْدُ
بنُ ثُمَامَةَ المُرَادِيّ قال: "قَدِمَ عَلَيْنَا مِصْرَ عَبْدُالله بنُ
الْحَارِثِ بنِ جَزْءٍ مِن أصْحَابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعْتُهُ
يُحَدّثُ في مَسْجِدِ مِصْرَ قال: لَقَدْ رَأيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ أوْ سَادِسَ
سِتّةٍ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في دَارِ رَجُلٍ، فَمَرّ بِلاَلٌ،
فَنَاداهُ بِالصّلاَةِ، فَخَرَجُنَا فَمَرَرْنَا بِرَجُلٍ وَبُرْمَتُهُ عَلَى
النّارِ، فقالَ لهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أطَابَتْ بُرْمَتُكَ؟ قال:
نَعَمْ بأبِي أنْتَ وَأُمّي، فَتَنَاوَلَ مِنْهَا بَضْعَةً، فَلَمْ يَزَلْ
يَعْلِكُهَا حَتّى أحْرَمَ بالصّلاَةِ وَأنَا أنْظُرُ إلَيْهِ".
*2*76 ـ باب التشديد في ذلك
@193 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال
حدثنا يَحْيَى عن شُعْبَةَ قال حَدّثَني أبُو بَكْرِ بنِ حَفْصٍ عن الاْءَغَرّ عن
أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْوُضُوءُ مِمّا
أنْضَجَتِ النّارُ".
194 ـ حدثنا مُسْلِمُ بنُ
إبْرَاهِيمَ قال حدثنا أبَانٌ عن يَحْيَى ـ يَعْني ابنَ أبي كَثِيرِ عن أبي
سَلَمَةَ أنّ أبَا سُفْيَانَ بنَ سَعِيدِ بنِ المُغِيرَةِ حَدّثَهُ أنّهُ دَخَلَ
عَلَى أُمّ حَبِيبَةَ فَسَقَتْهُ قَدَحاً مِنْ سَوِيقٍ، فَدَعَا بِمَاءٍ
فَمَضْمَضَ. قالَتْ: يا ابْنَ أُخْتِي ألاَ تَوَضّأْ، إنّ النّبي صلى الله عليه
وسلم قال: "تَوَضّأُوا مِمّا غَيّرَتِ النّارُ، أو قال: مِمّا مَسّتِ
النّارُ".
قال أبُو دَاوُدَ: في حَدِيثِ
الزّهُرِيّ يا ابْنَ أخِي.
*2*77 ـ باب الوضوء من اللبن
@195 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ قال
حدثنا اللّيْثُ عن عُقَيْلٍ عن الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِالله بنِ عَبْدِالله عن ابنِ
عَبّاسٍ "أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَناً فَدَعَا بِمَاءٍ
فَتَمَضْمَضَ ثُمّ قال: إنّ لَهُ دَسَماً".
*2*78 ـ باب الرخصة في ذلك
@196 ـ حدثنا عُثْمانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ عن زَيْدٍ بنِ الْحُبَابِ عن مُطِيع بنِ رَاشِدٍ عن تَوْبَةَ
الْعَنْبَرِيّ أنّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه
وسلم شَرِبَ لَبَناً فَلَمْ يُمَضْمِضْ وَلَمْ يَتَوَضّأْ وَصَلّى".
قال زَيْدٌ: دَلّنِي شُعْبَةُ
عَلَى هَذَا الشّيْخِ.
*2*79 ـ باب الوضوء من الدم
@197 ـ حدثنا أبُو تَوْبَةَ
الرّبِيعُ بنُ نَافِعٍ قال حدثنا ابن المُبَارَكِ عن مُحمّدِ بنِ إسْحَاقَ قال
حَدّثَنِي صَدَقَةُ بنُ يَسَارٍ عن عَقِيلِ بنِ جَابِرٍ عن جَابِرٍ قال
"خَرَجْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ـ يَعْني في غَزْوَةِ ذَاتِ
الرّقَاعِ فأصَابَ رَجُلٌ امْرَأةَ رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَحَلَفَ أنْ لاَ
أنْتَهِي حَتّى أُهْرِيقَ دَماً في أصْحَابِ مُحمّدٍ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أثَرَ
النّبي صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَ النّبي صلى الله عليه وسلم مَنْزِلاً، فقال:
مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا، فَانْتُدِبَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ
الأنْصَارِ فقال: كُونَا بِفَمِ الشّعْبِ. قال: فَلَمّا خَرَجَ الرّجُلاَنِ إلَى
فَمِ الشّعْبِ اضْطَجَعَ المُهَاجِرِيّ وَقَامَ الأنْصَارِيّ يُصَلّي وَأتَى
الرّجُلُ، فَلَمّا رَأى شَخْصَهُ عَرَفَ أنّهُ رَبِيئَةٌ لِلْقَوْمِ، فَرَمَاهُ
بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ حَتّى رَمَاهُ بِثَلاَثَةِ أسْهُمٍ ثُمّ
رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمّ انْتَبَهَ صَاحِبُهُ فَلَمّا عَرَفَ أنّهُمْ قَدْ نَذَرُوا
بِهِ هَرَبَ: فَلَمّا رَأى المُهَاجِرِيّ مَا بِالأَنْصَارِيّ مِنَ الدّمَاء قال:
سُبْحَانَ الله ألا أنْبَهْتَنِي أوّلَ مَا رَمَى؟ قال: كُنْتُ في سُورَةٍ
أقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبّ أنْ أقْطَعَهَا".
*2*80 ـ باب في الوضوء من النوم
@198 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
مُحمّدِ بنِ حَنْبَلٍ قال حدثنا عَبْدُالرّزّاقِ قال أنبأنا ابنُ جُرَيْجٍ قال
أخبَرني نَافِعٌ قال حَدّثَني عَبْدُالله بنُ عُمَرَ "أنّ رسولَ الله صلى
الله عليه وسلم شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً فأخّرَهَا حَتّى رَقَدْنَا في المَسْجِدِ
ثُمّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمّ رَقَدْنَا ثُمّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمّ رَقَدْنَا ثُمّ
خَرَجَ عَلَيْنَا فقال: لَيْسَ أحَدٌ يَنْتَظِرُ الصّلاَةَ غَيْرَكُم".
199 ـ حدثنا شَاذّ بنُ فَيّاضٍ
قال حدثنا هِشَامٌ الدّسْتَوَائِيّ عن قَتَادَةَ عن أنَسٍ قال: "كَانَ
أصْحَابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الاَخِرَةَ
حَتّى تَخْفِقَ رُؤُوسُهُمْ ثُمّ يُصَلّونَ وَلاَ يَتَوضّأُونَ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَزَادَ
فِيهِ شُعْبَةُ عن قَتَادَةَ وقال: "كُنّا نَخْفِقُ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله
صلى الله عليه وسلم".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
ابنُ أبي عَرُوبَةَ عن قَتَادَةَ بِلَفْظٍ آخَرَ.
200 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعيِلَ وَ دَاوُدُ بنُ شَبِيبٍ قالا حدثنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن ثَابِتٍ
الْبُنَانِيّ أنّ أنَسَ بنَ مَالِكٍ قال: "أُقِيمَتِ صَلاَةُ الْعِشَاءِ
فَقَامَ رَجُلٌ فقال: يَارسولَ الله إنّ لِي حَاجَةً، فَقَامَ يُنَاجِيهِ حَتّى
نَعَسَ الْقَوْمُ أوْ بَعْضُ الْقَوْمِ، ثُمّ صَلّى بِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ
وُضُوءًا".
201 ـ حدثنا يَحْيَى بنُ مُعينٍ
وَ هَنّادُ بنُ السّرِيّ وَ عُثْمَانُ بنُ أبي شَيْبَةَ عن عَبْدِالسّلامِ بنِ
حَرْبٍ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ يَحْيَى عن أبي خَالِدٍ الدّالاَنِيّ عن قَتَادَةَ
عن أبي الْعَالِيَةِ عن ابن عَبّاسٍ "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
كَانَ يَسْجُدُ وَيَنَامُ وَيَنْفُخُ ثُمّ يَقُومُ فَيُصَلّي وَلاَ يَتَوَضّأُ،
فَقُلْتُ لهُ صَلّيْتَ وَلَمْ تَتَوَضّأْ وَقَدْ نِمْتَ، فَقَال: إنّمَا
الْوُضُوءً عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعاً". زَادَ عُثْمَانُ وَهَنّادٌ
"فَإنّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ".
قال أبُو دَاوُدَ: قَوْلُهُ
الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعاً هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَمْ يَرْوِهِ
إلاّ يَزِيدُ أبُو خَالِدٍ الدّالاَنِيّ عن قَتَادَةَ. وَرَوَى أوّلَهُ جَمَاعَةٌ
عن ابنِ عَبّاسٍ لَمْ يَذْكُروا شَيْئاً مَنْ هَذَا، وقال: كانَ النّبي صلى الله
عليه وسلم مَحْفُوظاً، وَقالَتْ عَائِشَةُ: قالَ النّبي صلى الله عليه وسلم:
"تَنَامُ عَيْنَايَ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي" وقال شُعْبَةُ: إنّمَا
سَمِعَ قَتَادَةُ عن أبي الْعَالِيَةِ أرْبَعَةَ أحَادِيثَ: حَديثَ يُونُسَ بنِ
مَتّى وَحَدِيثَ ابنِ عُمَرَ في الصّلاَةِ وَحَدِيثَ: القُضَاةُ ثَلاَثَةٌ
وَحَدِيثَ ابنِ عَبّاسٍ: حَدّثني رِجَالٌ مَرْضِيّونَ مِنْهُمْ عَمَر وَأرْضَاهُمْ
عِنْدِي عُمَرُ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَذَكَرْتُ
حَدِيثَ يَزِيدَ الدّالاَنِيّ لاِءَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَانْتَهَرَنِي
اسْتِعْظَاماً لهُ، فقال: مَا لِيَزِيدَ الدّالاَنِيّ يُدْخِلُ عَلَى أصْحَابِ
قَتَادَةَ، وَلَمْ يَعْبَأْ بالحَدِيثِ.
202 ـ حدثنا حَيْوَةُ بنُ
شُرَيْحٍ الْحِمْصِيّ في آخَرِينَ قالُوا حدثنا بَقِيّة عن الْوَضِينِ بنِ عَطَاءٍ
عن مَحْفُوظِ بنِ عَلْقَمَةَ عن عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ عَائِذٍ عن عَلِيّ بنِ أبي
طَالِبٍ قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وِكَاءُ السّهِ
الْعَيْنَانِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضّأْ".
*2*81 ـ باب في الرجل يطأ الأذى
برجله
@203 ـ حدثنا هَنّادُ بنُ
السّرِيّ وَ إبْرَاهِيمُ بنُ أبي مُعَاوِيَةَ عن أبي مُعَاوِيَةَ ح. وحدثنا
عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ أخبرنا شَرِيكٌ وَ جَرِيرٌ وَ ابنُ إدْرِيسَ عن
الأعمَشِ عن شَقِيقٍ قال قال عَبْدُالله: "كُنّا لا نَتَوَضّأُ مِنْ
مَوْطِىءٍ، وَلاَ نَكُفّ شَعْراً وَلاَ ثَوْباً".
قال إبْرَاهِيمُ بنُ أبي
مُعَاوِيَةَ فيه عن الأعمَشِ عن شَقِيقٍ عن مَسْرُوقٍ، أوْ حَدّثَهُ عنه قال قال
عَبْدُالله وقال هَنّادٌ عن شَقِيقٍ أوْ حَدّثَهُ عنه قال قال عَبْدُالله.
*2*82 ـ باب فيمن يحدث في
الصلاة
@204 ـ حدثنا عُثْمَانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ قال حدثنا جَرِيرُ بنُ عَبْدِالْحَمِيدِ عن عَاصِمٍ الأحْوَلِ عن عِيسَى
بنِ حِطّانَ عن مُسْلِمِ بنِ سَلاّمٍ عن عَلِيّ بنِ طَلْقٍ قال قال رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم: "إذَا فَسَا أحَدُكُم في الصّلاَةِ فَلْيَنْصَرِفْ
فَلْيَتَوَضّأْ وَلْيُعِدِ الصّلاَةَ".
*2*83 ـ باب في المذي
@205 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيدٍ قال حدثنا عُبَيْدَةُ بنُ حُمِيدٍ الْحَذّاءُ عن الرّكَيْنِ بنِ الرّبِيعِ
عن حُصَيْنِ بنِ قَبِيصَةَ عن عَلِيَ قال "كُنْتُ رَجُلاً مَذّاءً،
فَجَعَلْتُ أغْتَسِلُ حَتّى تَشَقّقَ ظَهْرِي، فَذَكَرْت ذَلِكَ للنّبي صلى الله
عليه وسلم، أوْ ذُكِرَ لَهُ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: تَفْعَل إذَا
رَأيْتَ المَذْيَ فَاغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضّأْ وُضُوءَكَ لِلصّلاَةِ، فَإذَا
فَضَخْتَ المَاءَ فَاغْتَسِلْ".
206 ـ حدثنا عَبْدُالله بنِ
مَسْلَمَةَ عن مَالِكٍ عن أبي النّضْرِ عن سُلَيْمَان بنِ يَسَارٍ عن المِقْدَادِ
بنِ الأسْوَدِ قال: "إنّ عَلِيّ بنِ أبي طَالِبٍ أمَرَهُ أنْ يَسْألَ رسولَ
الله صلى الله عليه وسلم عن الرّجُلِ إذَا دَنَا مِنْ أهْلِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ
المَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ، فإنّ عِنْدِي ابْنَتَهُ وَأنَا أسْتَحْيِي أنْ
أسْألَهُ؟ قال المِقْدَادُ: فَسَألْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذَلِكَ،
فَقَالَ: إذَا وَجَدَ أحَدُكمُ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ وَلْيَتوَضّأْ
وُضُوءَهُ لِلصّلاَةِ".
207 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
يُونُسَ قال حدثنا زُهَيْرٌ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن عُرْوَةَ "أنّ عَلِيّ
بنَ أبي طَالِبٍ قال لِلْمِقْدَادِ. وَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا. قال فَسَألَهُ
المِقْدَادُ. فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لِيَغْسِلَ ذَكَرَهُ
وأُنْثَيَيْهِ".
قال أبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ
الثّوْرِيّ وَجَمَاعَةٌ عن هِشَامٍ عن أبِيهِ عن المِقْدَادِ عن عَلِيَ عن النّبي
صلى الله عليه وسلم.
208 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيّ قال حدثنا أبي عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أبِيهِ عن
حَدِيثٍ حَدّثَهُ عن عَلِيّ بنِ أبي طَالِبٍ قال قُلْتُ لِلْمِقْدادِ، فَذَكَرَ
بِمَعْنَاهُ.
قال أبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ
المُفَضّلُ بنُ فَضَالَةَ وَالثّوْرِيّ وَابنُ عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ عن أبِيهِ عن
عَلِيّ. وَرَوَاهُ ابنُ إسْحَاقَ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أبِيهِ عن
المِقْدَادِ عن النّبي صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَذْكُرْ أُنْثَيَيْهِ.
قال الشيخ شمس الدين بن القيم:
وقد رواه أبو عوانة الاسفرائيني
في صحيحه من حديث سليمان بن حسان عن ابن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني
عن علي. وفيه "يغسل أنثييه وذكره" وهذا متصل.
209 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
إسْمَاعِيلُ ـ يَعْني ابنَ إبْرَاهِيم ـ قال أخبرنا مُحمّدُ بنُ إسْحَاقَ قال
حَدّثَني سَعِيدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ السّبّاقِ عن أبِيهِ عن سَهْلِ بنِ حَنِيفٍ
قال: "كُنْتُ ألقَى مِنَ المَذْيِ شِدّةً وكُنْتُ أُكْثِرُ مِنْهُ
الاغْتِسَالَ، فَسألْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذَلِكَ فقال: إنّمَا
يُجْزِئُكَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ. قُلْتُ: يارسولَ الله فَكَيْفَ بِمَا يُصِيبُ
ثَوْبِي مِنْهُ؟ قال: يَكْفِيكَ بِأنْ تَأخُذَ كَفّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهَا
مِنْ ثَوْبِكَ حَيْثُ تُرَى أنّهُ أصَابَهُ".
210 ـ حدثنا إبْرَاهِيمُ بنُ
مُوسَى قال أخبرنا عَبْدُالله بنُ وَهْبٍ قال حدثنا مُعَاوِيَةُ ـ يَعْني ابنَ
صَالحٍ ـ عن الْعَلاَءِ بنِ الحَارِثِ عن حِزَامِ بنِ حَكِيمٍ عن عَمّهِ عَبْدِالله
الأنْصَارِيّ قال "سَألْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عَمّا يُوجِبُ
الْغَسْلَ وَعن المَاءِ يَكُونُ بَعْدَ المَاءِ؟ فَقالَ: ذَلِكَ المَذْيُ، وكلّ
فَحْلٍ يُمْذِي، فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجَكَ وَأُنْثَيَيْكَ وَتَوَضّأْ
وُضُوءَكَ لِلصّلاَةِ".
211 ـ حدثنا هَارُونُ بنُ
مُحمّدِ بنِ بَكّارٍ قال حدثنا مَرْوَانُ ـ يَعنِي ابنَ مُحمّدٍ ـ قال حدثنا
الْهَيْثَمُ بنُ حُمَيْدٍ قال حدثنا الْعَلاَءُ بنُ الحَارِثِ عن حِزَامِ بنِ
حَكِيمٍ عن عَمّهِ أنّهُ سَألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: مَا يَحِلّ من
امْرَأتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قال: لَكَ مَا فَوْقَ الإزَارِ" وَذَكرَ
مُؤَاكَلَةَ الحَائِضِ أيْضاً، وَسَاقَ الحَدِيثَ.
قال الشيخ شمس الدين بن القيم:
قال أبو محمد بن حزم: نظرنا في
حديث حزام بن حكيم عن عمه، فوجدناه لا يصح، يعني حديث عبد الله بن سعد، حكيم ضعيف،
وهو الذي روى غسل الأنثيين من المذي. تم كلامه. وهذا الحديث قد رواه أبو داود عن
إبراهيم بن موسى عن عبد الله بن وهب، وهما من المتفق على حديثهما، عن معاوية بن
صالح. وهو ممن روى له مسلم، عن العلاء بن الحارث روى له مسلم أيضاً، وحزام بن حكيم
وثقه غير واحد(1). وعمه هو عبد الله بن سعد الأنصاري صاحب الحديث صحابي. وقوله:
وهو الذي روى حديث غسل الأنثيين من المذي، فالحديث حديث واحد، فرقه بعض الرواة
وجمعه غيره. وقد روى الأمر بغسل الأنثيين من المذي أبو عوانة في صحيحه من حديث
محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي ـ الحديث وفيه: فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: "يغسل أنثييه وذكره ويتوضأ" وأما حديث معاذ فأعله ابن حزم ببقية
بن الوليد وبسعيد الأغطش، قال: وهو مجهول وقد ضعفه أبو داود كما تقدم. ورواه
الطبراني من طريق إسماعيل بن عياش: حدثني سعيد بن عبد الله الخزاعي عن عبدالرحمَن
بن عائذ الأزدي عن معاذ. وهو منقطع.
212 ـ حدثنا هِشَامُ بنُ
عَبْدِالمَلِكِ الْيَزَنِيّ قال حدثنا بَقِيّةُ بنُ الْوَلِيدِ عن سَعْدِ
الأغْطَشِ ـ وَهُوَ ابنُ عَبْدِالله ـ عن عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ عائِذٍ الأزْدِيّ
قال هِشَامٌ: هُوَ ابنُ قُرْطٍ أمِيرِ حِمْصَ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قال:
"سألْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عَمّا يَحِلّ لِلرّجُلِ مِنَ
امْرَأتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، فقال: مَا فَوْقَ الإزِارُ وَالتّعَفّفُ عنْ ذَلِكَ
أفْضَلُ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَلَيْسَ
بالْقَويّ .
*2*84 ـ باب في الإكسال
@213 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ صَالحٍ
قال حدثنا ابنُ وَهْبٍ قال أخبرني عَمْرٌو ـ يَعْني ابنَ الحَارِثِ ـ عن ابنِ
شِهَابٍ قال حَدّثَني بَعْضُ مَنْ أرْضَى أنّ سَهْلَ بنَ سَعْدٍ السّاعِدِيّ
أخْبَرَهُ أنّ أُبَيّ بنَ كَعْبٍ أخْبَرَهُ "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه
وسلم إنّمَا جَعَلَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِلنّاسِ في أوّلِ الإسْلاَمِ لِقِلّةِ
الثّيَابِ، ثُمّ أمَرَ بالْغَسْلِ وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ".
قال أبُو دَاوُدَ: يَعني
الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ.
214 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
مَهْرَانَ الْبَزّارُ الرّازِيّ قال حدثنا مُبَشّرٌ الْحَلَبِيّ عن مُحمّدِ أبي
غَسّانَ عن أبي حَازِمٍ عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قال حَدّثَني أُبَيّ بنُ كَعْبٍ أنّ
الْفُتْيَا الّتِي كَانُوا يُفْتُونَ أنّ الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ كَانَتْ رُخْصَةً
رَخّصَهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَدْءِ الإسْلاَمِ ثُمّ أمَرَ
بالاغْتِسَالِ بَعْدُ".
215 ـ حدثنا مُسْلِمُ بنُ
إبْرَاهِيمَ الْفَرَاهِيذِيّ قال حدثنا هِشَامٌ وَ شُعْبَةُ عن قَتَادَةَ عن
الْحَسَنِ عن أبي رَافِعٍ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأرْبَعِ وَألْزَقَ الْخِتَانَ بِالْخِتَانِ
فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ".
216 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ صَالحٍ
قال حدثنا ابنُ وَهْبٍ قال أخبرني عَمْرٌو عن ابنِ شِهَابٍ عن أبي سَلَمَةَ بنِ
عَبْدِالرّحْمَنِ عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
قال: "الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ" وكَانَ أبُو سَلَمَةَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
*2*85 ـ باب في الجنب يعود
@217 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال
حدثنا إسْمَاعِيلُ قال حدثنا حُمَيْدٌ الطوِيلُ عن أنَسٍ "أنّ رسولَ الله صلى
الله عليه وسلم طَافَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ في غُسْلٍ وَاحِدٍ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَهَكَذَا
رَوَاهُ هِشَامُ بنُ زَيْدٍ عن أنَسٍ وَمَعْمَرٍ عن قَتَادَةَ عن أنَسٍ وَصَالحِ
بنِ أبي الأخْضَرِ عن الزّهْرِيّ، كُلّهُمْ عن أنَسٍ عن النّبي صلى الله عليه
وسلم.
*2*86 ـ باب في الوضوء لمن أراد
أن يعود
@218 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ قال حدثنا حَمّادٌ عن عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ أبي رَافِعٍ عن عَمّتِهِ
سَلْمَى عن أبي رَافِعٍ "أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ طَافَ
علَى نِسائِهِ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ. قال فَقُلْتُ لَهُ:
يارسولَ الله ألاَ تجْعَلُهُ غُسْلاً وَاحِداً؟ قال: هَذَا أزْكَى وَأطْيَبُ
وَأطْهَرُ".
قال أبُو دَاوُدَ: حَدِيثُ
أنَسٍ أصَحّ مِنْ هَذَا.
219 ـ حدثنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ
أخبرنا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ عن عَاصِمٍ الأحْوَلِ عن أبي المُتَوَكّلِ عن أبي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا أتَى أحَدُكُم
أهْلَهُ ثُمّ بَدَا لَهُ أنْ يُعَاوِدَ فَلْيَتَوَضّأْ بَيْنَهُمَا
وُضُوءًا".
*2*87 ـ باب الجنب ينام
@220 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ عن مَالِكٍ عن عَبْدِالله بنِ دِينَارٍ عن عَبْدِالله بنِ عُمَرَ أنّهُ
قال: "ذَكَرَ عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أنّهُ
تُصِيبُهُ الْجِنَابَهُ مَنَ اللّيْلِ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
تَوَضّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمّ نَمْ".
*2*88 ـ باب الجنب يأكل
@221 ـ حدثنا مُسَدّدٌ وَ
قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قالا حدثنا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ عن أبي سَلَمَةَ عن
عَائِشَةَ قَالَتْ: "أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أرَادَ أنْ
يَنَامَ وَهُوَ جُنْبٌ تَوَضّأَ وُضُوءَهُ لِلصّلاَةِ".
222 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
الصّبّاحِ الْبَزّازُ قال حدثنا ابنُ المُبَارَكِ عن يُونُسَ عن الزّهْرِيّ
بِإسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، زَادَ: "وإذَا أرَادَ أنْ يَأْكُلَ وَهُوَ جُنُبٌ
غَسَلَ يَدَيْهِ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
ابنُ وَهْبٍ عن يُونُسَ فَجَعَلَ قِصّةَ الأكْلِ قَوْلَ عَائِشَةَ مَقْصُوراً.
وَرَوَاهُ صَالِحُ بنُ أبي الأخْضَرِ عن الزّهْرِيّ كما قال ابنُ المُبَارَكِ،
إلاّ أنّهُ قال عن عُرْوَةَ أوْ أبي سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ الأوْزَاعِيّ عن يُونُسَ
عن الزّهْرِيّ عن النّبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابنُ المُبَارَكِ.
*2*89 ـ باب من قال الجنب يتوضأ
@223 ـ حدثنا مُسَدّدٌ حدثنا
يَحْيَى حدثنا شُعْبَةُ عن الحَكَمِ عن إبْرَاهِيمُ عن الأسْوَدِ عن عَائِشَةَ
"أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أرَادَ أنْ يَأْكُلَ أوْ يَنَامَ
تَوَضّأَـ تَعْني وَهُوَ جُنُبٌ".
224 ـ حدثنا مُوسَى ـ يَعْني
ابنَ إسْمَاعِيلَ قال حدثنا حَمّادٌ قال أخبرنا عَطَاءُ الْخُرَاسَانِيّ عن
يَحْيَى بنِ يَعْمُرَ عن عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ "أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم
رَخّصَ لِلْجُنُبِ إذَا أكَلَ أوْ شَرِبَ أوْ نَامَ أنْ يَتَوَضّأَ".
قال أبُو دَاوُدَ: بَيْنَ
يَحْيَى بنِ يَعْمُرَ وَعَمّارِ بنِ يَاسِرٍ في هَذَ الْحَدِيثِ رَجُلٌ. وقال
عَلِيّ بنُ أبي طَالِبٍ وَابنُ عُمَرَ وَعَبْدِالله بنِ عَمْرٍو: "الْجُنُبُ إذَا
أرَادَ أنْ يَأْكُلَ تَوَضّأَ".
*2*90 ـ باب الجنب يؤخر الغسل
@225 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال
حدثنا مَعْتَمِرٌ ح. وحدثنا أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ قال حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ
إبْرَاهِيمَ قالا حدثنا بُرْدُ بنُ سَنَانٍ عن عُبَادَةَ بنِ نُسَيَ عن غُضَيْفِ
بنِ الْحَارِثَ قال "قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أرَأيْتِ رسولَ الله صلى الله عليه
وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ في أوّلِ اللّيْلِ أوْ في آخِرِهِ؟
قَالَتْ: رُبّمَا اغْتَسَلَ في أوّلِ اللّيْلِ وَرُبّمَا اغْتَسَلَ في آخِرِهِ.
قُلْتُ: الله أكْبَرُ. الْحَمْدُ لله الّذِي جَعَلَ في الأمْرِ سَعَةً. قُلْتُ:
أرَأيْتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ أوّلَ اللّيْلِ أمْ في
آخِرِهِ؟ قَالَتْ: رُبّمَا أوْتَرَ في أوّلِ اللّيْلِ وَرُبّمَا أوْتَرَ في
آخِرِهِ. قُلْتُ: الله أكْبَرُ. الْحَمْدُ لله الّذِي جَعَلَ في الأمْرِ سَعَةً.
قُلْتُ: أرَأيْتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْهَرُ بالْقُرْآنِ أوْ
يُخَافِتُ بِهِ؟ قَالَتْ: رُبّمَا جَهَرَ بِهِ وَرُبّمَا خَفَتَ. قُلْتُ: الله
أكْبَرُ. الْحَمْدُ لله الّذِي جَعَلَ في الأمْرِ سَعَةً".
226 ـ حدثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ
قال حدثنا شُعْبَةُ عن عَلِيّ بنِ مُدْرِكٍ عن أبي زُرْعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ
جَرِيرٍ عن عَبْدِالله بنِ نُجِيَ عن أبِيهِ عن عَلِيّ بنِ أبي طَالِبٍ عن النّبي
صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتاً فِيهِ صُورَةٌ
ولا كَلْبٌ ولا جُنُبُ".
227 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
كَثِيرٍ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي إسْحَاقَ عن الأسْوَدِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ:
"كَانَ رسولُ الله النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ
غَيْرِ أنْ يَمَسّ مَاءَا".
قال أبُو دَاوُدَ: حدثنا
الْحَسَنُ بنُ عَلِيَ الْوَاسِطِيّ قال سَمِعْتُ يَزِيدَ بنَ هَارُونَ يقولُ:
هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ ـ يَعْني حَدِيثَ أبي إسْحَاقَ.
قال الحافظ شمس الدين بن القيم:
قال أبو محمد بن حزم: نظرنا في
حديث أبي إسحاق فوجدناه ثابتاً صحيحاً تقوم به الحجة. ثم قال: وقد قال قوم: إن
زهير بن معاوية روى عن أبي إسحاق هذا الخبر فقال فيه: "وإن نام جنباً توضأ
وضوء الرجل للصلاة"، قال: فدل ذلك على أن سفيان اختصره أو وهم فيه. ومدعي هذا
الخطأ والاختصار في هذا الحديث هو المخطىء، بل نقول: إن رواية زهير عن أبي إسحاق
صحيحة. ورواية الثوري ومن تابعه عن أبي إسحاق صحيحة. ولم تكن ليلة واحدة فتحمل
روايتهم على التضاد، بل كان يفعل مرة هذا ومرة هذا. قال ابن معوذ: وهذا كله تصحيح
للخطأ الفاسد بالخطأ البين. أما حديث أبي إسحاق من رواية الثوري وغيره فأجمع من
تقدم من المحدثين ومن تأخر منهم أنه خطأ منذ زمان أبي إسحاق إلى اليوم، وعلى ذلك
تلقوه منه وحملوه عنه وهو أول حديث أو ثان مما ذكره مسلم في كتاب التمييز له، مما
حمل من الحديث على الخطأ. وذلك أن عبدالرحمَن بن يزيد وإبراهيم النخعي ـ وأين يقع
أبو إسحاق من أحدهما، فكيف باجتماعهما على مخالفته ـ رويا الحديث بعينه عن الأسود
بن يزيد عن عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنباً فأراد أن
ينام توضأ وضوءه للصلاة" فحكم الأئمة برواية هذين الفقيهين الجليلين عن
الأسود على رواية أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة "إنه كان ينام ولا يمس
ماء"، ثم عضدوا ذلك برواية عروة وأبي سلمة بن عبدالرحمَن وعبد الله بن أبي
قيس عن عائشة، وبفتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بذلك حين استفتاه. وبعض
المتأخرين من الفقهاء الذين لا يعتبرون الأسانيد ولا ينظرون الطرق يجمعون بينهما
بالتأويل، فيقولون: لا يمس ماء للغسل. ولا يصح هذا. وفقهاء المحدثين وحفاظهم على
ما أعلمتك. وأما الحديث الذي نسبه إلى رواية زهير عن أبي إسحاق فقال فيه:
"وإن نام جنباً توضأ" وحكى أن قوماً ادعوا فيه الخطأ والاختصار، ثم صححه
هو، فإنما عنى بذلك أحمد بن محمد الأزدي، فهو الذي رواه بهذا اللفظ، وهو الذي ادعى
فيه الاختصار. وروايته خطأ، ودعواه سهو وغفلة. ورواية زهير عن أبي إسحاق كرواية
الثوري وغيره عن أبي إسحاق في هذا المعنى وحديث زهير أتم سياقه. وقد روى مسلم
الحديث بكماله في كتاب الصلاة، وقال فيه: "وإن لم يكن جنباً توضأ
للصلاة" وأسقط منه وهم أبي إسحاق. وهو قوله: ثم ينام قبل أن يمس ماء"
فأخطأ فيه بعض النقلة، فقال: "وإن نام جنباً توضأ للصلاة" فعمد ابن حزم
إلى هذا الخطأ الحادث على زهير فصححه، وقد كان صحح خطأ أبي إسحاق القديم فصحح
خطأين متضادين وجمع بين غلطين متنافرين تم كلامه. قال البيهقي: والحفاظ طعنوا في
هذه اللفظة وتوهموها مأخوذة عن غير الأسود، وأن أبا إسحاق ربما دلس، فرواها من
تدليساته، بدليل رواية إبراهيم عن الأسود وعبدالرحمَن بن الأسود عن أبيه عن عائشة:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه
للصلاة، ثم ينام" رواه مسلم، قال: وحديث أبي إسحاق صحيح من جهة الرواية، فإن
أبا إسحاق بين فيه سماعه من الأسود، والمدلس إذا بين سماعه وكان ثقة فلا وجه لرده.
تم كلامه. والصواب ما قاله أئمة الحديث الكبار مثل يزيد بن هارون ومسلم والترمذي
وغيرهم من أن هذه اللفظة وهم وغلط. والله أعلم.
*2*91 ـ باب في الجنب يقرأ
القرآن
@228 ـ حدثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ
قال حدثنا شُعْبَهُ عن عَمْرِو بنِ مُرّةَ عن عَبْدِالله بنِ سَلَمَةَ قال:
"دَخَلْتُ عَلَى عَلِيَ أنَا وَرَجُلاَنِ، رَجُلٌ مِنّا وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي
أسَدٍ أحْسَبُ فَبَعَثَهُمَا عَلِيّ وَجْهاً وقال: إنّكُمَا عَلْجَانِ فَعَالِجا
عَنْ دِينِكُمَا، ثُمّ قَامَ فَدَخَلَ المَخْرَجَ، ثُمّ خَرَجَ فَدَعَا بِمَاءٍ،
فَأخَذَ مِنْهُ حَفْنَةً فَتَمَسّحَ بِهَا، ثُمّ جَعَلَ يَقْرَأُ القُرْآنَ،
فأنْكَرُوا ذَلِكَ، فقال: إنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ مِنَ
الْخَلاَءِ فَيُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللّحْمَ، وَلَمْ يَكُنْ
يَحْجُبُهُ ـ أوْ قال يَحْجِزُهُ ـ عن الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْس
الْجَنَابَةَ".
*2*92 ـ باب في الجنب يصافح
@229 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال
حدثنا يَحْيَى عن مِسْعَرٍ عن وَاصِلٍ عن أبي وَائِلٍ عن حُذَيْفَةَ "أنّ
النّبي صلى الله عليه وسلم لَقِيَهُ فأهْوَى إلَيْهِ، فقال: إنّي جُنُبٌ، فقال:
إنّ المُسْلِمَ لَيْسَ بِنَجِسٍ".
230 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال حدثنا
يَحْيَى وَ بِشْرٌ عن حُمَيْدٍ عن بَكْرٍ عن أبي رَافِعٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قال:
لَقِيَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ المَدِينَةِ
وأنَا جُنُبٌ فَاخْتَنَسْتُ فَذَهَبْتُ فَاغْتَسَلْتُ ثُمّ جِئْتُ، فقال: أيْنَ
كُنْتَ يَا أبَا هُرَيْرَةَ؟ قال قُلْتُ: إنّي كُنْتُ جُنُباً فَكَرِهْتُ أنْ
أُجَالِسَكَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. قال: سُبْحَانَ الله إنّ المُسْلِمَ لاَ
يَنْجُسُ".
وقال في حَدِيثِ بِشْرٍ قال حدثنا
حُمَيْدٌ قال حَدّثَنِي بَكْرٌ.
*2*93 ـ باب في الجنب يدخل
المسجد
@231 ـ حدثنا مُسَدّدٌ قال
حدثنا عَبْدُالْوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ قال حدثنا أفْلَتُ ابنُ خَلِيفَةَ قال
حَدّثَتْنِي جَسْرَةُ بِنْتُ دِجَاجَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: جَاءَ
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَوَجُوهُ بُيُوتِ أصْحَابِهِ شَارِعَةٍ في
المَسْجِدِ، فَقال: وَجّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عن المَسْجِدِ، ثُمّ دَخَلَ
النّبيُ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَصْنَعِ الْقَوْمُ شَيْئاً رَجَاءَ أنْ
يَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ بَعْد فقال: وَجّهُوا الْبُيُوتَ
عن المَسْجِدِ فإنّي لا أُحِلّ المَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلاَ جُنُبٍ".
قال أبُو دَاوُدَ: هُوَ
فُلَيْتُ الْعَامِرِيّ.
قال الشيخ ابن القيم رحمه الله:
وقال الدارقطني: أفلت بن خليفة
صالح. وقد روى ابن ماجه في سننه من حديث أبي الخطاب الهجري عن محدوج الذهلي عن
جسرة بنت دجاجة عن أم سلمة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى بأعلى
صوته "ألا إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض". قال أبو محمد بن حزم:
محدوج ساقط، وأبو الخطاب مجهول. ثم رواه من طريق عبدالوهاب بن عطاء الخفاف عن ابن
أبي عتبة عن إسماعيل عن جسرة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا
المسجد حرام على كل جنب من الرجال وحائض من النساء، إلا محمداً وأزواجه وعلياً
وفاطمة" قال ابن حزم: عبدالوهاب بن عطاء منكر الحديث وإسماعيل مجهول: وليس
الأمر كما قال أبو محمد فقد قال ابن معين في رواية الدوري: إنه ثقة، وقال في رواية
الدارمي وابن أبي خيثمة: ليس به بأس. وقال في رواية الغلابي: يكتب حديثه. وقال
أحمد: كان يحيى بن سعيد حسن الرأي فيه، وكان يعرفه معرفة قديمة. وقال صالح بن
محمد: أنكروا على الخفاف حديثاً رواه لثور بن يزيد على مكحول عن كريب عن ابن عباس
في فضل العباس، وما أنكروا عليه غيره، فكان يحيى يقول: هذا موضوع وعبدالوهاب لم
يقل فيه حدثنا ثور، ولعله دلس فيه وهو ثقة. وأما إسماعيل، فإن كان إسماعيل بن رجاء
بن ربيعة الزبيدي فإنه ذكر في ترجمة ابن أبي عتبة أنه روى عن إسماعيل هذا، ولم
يذكر في شيوخه إسماعيل غيره، فهو ثقة، وروى له مسلم في الصحيح. وبعد: فهذا
الاستثاء باطل موضوع من زيادة بعض غلاة الشيعة، ولم يخرجه ابن ماجه في الحديث.
*2*94 ـ باب في الجنب يصلى
بالقوم وهو ناس
@232 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلُ حدثنا حَمّادٌ عن زِيَادٍ الأعْلَمِ عن الْحَسَنِ عن أبي بَكْرَةَ
"أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ في صَلاَةِ الفَجْرِ فَأوْمَأ
بِيَدِهِ أنْ مَكَانَكُم ثُمّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلّى بِهِمْ".
233 ـ حدثنا عُثْمانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ قال حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ قال أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ
بإسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، وقال في أوّلِهِ "فَكَبّرَ، وقال في آخِرِهِ:
فَلَمّا قَضَى الصّلاَةَ قال: إنّمَا أنَا بَشَرٌ وَإنّي كُنْتُ جُنُباً".
قال أبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ
الزّهْرِيّ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ قال: "فَلمّا قَامَ في
مُصَلاّهُ وَانْتَظَرْنَاهُ أنْ يُكَبّرَ انْصَرَفَ ثُمّ قال: كما أنْتُمْ".
وَرَوَاهُ أيّوبُ وَابنُ عَوْنٍ وَهِشَامٌ عن مُحمّدٍ عن النّبيّ صلى الله عليه
وسلم قال: "فَكَبّرَ ثُمّ أوْمَأ إلَى القَوْمِ أن اجْلِسُوا، فَذَهَبَ
فَاغْتَسَلَ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ عن إسْمَاعِيلَ بنِ أبي حَكِيمٍ عن
عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ قال: "إنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَبّرَ في
صَلاَةِ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ
حَدّثَتَاهُ مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قال حدثنا أبَانُ عن يَحْيَى عن الرّبِيعِ
بنِ مُحمّدٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم "أنّهُ كَبّرَ".
234 ـ حدثنا عَمْرُو بنُ
عُثْمَانَ قال حدثنا مُحمّدُ بنُ حَرْبٍ قال حدثنا الزّبَيْدِيّ ح. وحدثنا عَيّاشُ
بنُ الأزْرَقِ قَالَ أخْبَرَنَا ابْنُ وَهَبٍ عَنْ يُونُسَ ح. وَحَدّثَنَا
مُخَلّدُ بنُ خَالِدٍ قال حدثنا إبْرَاهِيمُ بنُ خَالِدٍ إمَامُ مَسْجِدِ
صَنْعَاءَ قال حدثنا رَبَاحٌ عن مَعْمَرٍ ح. وحدثنا مُؤَمّلُ بنُ الْفَضْلِ قال
حدثنا الْوَلِيدُ عن الأوْزَاعِيّ كُلّهُمْ عن الزّهْرِي عن أبي سَلَمَةَ عن أبي
هُرَيْرَةَ قال: "أُقِيمَتِ الصّلاَةُ وَصَفّ النّاسُ صُفُوفَهُمْ، فَخَرَجَ
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتّى إذَا قامَ في مَقَامِهِ ذَكَرَ أنّهُ لَمْ
يَغْتَسِلْ، فقال لِلنّاسِ مَكَانَكُم، ثُمّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ، فَخَرَجَ
عَلَيْنَا يُنَطّفُ رَأْسَهُ قد اغْتَسَلَ وَنَحْنُ صُفُوفٌ" وَهَذَ لَفْظُ
ابنُ حَرْبٍ، وقال عَيّاشٌ في حَدِيثِهِ "فلمْ نَزَلْ قِيَاماً نَنْتَظِرُهُ
حَتّى خَرَجَ عَلَيْنَا وَقَد اغْتَسَلَ".
*2*95 ـ باب في الرجل يجد البلة
في منامه
@235 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيدٍ قال حدثنا حَمّادُ بنُ خَالِدٍ الْخَيّاطُ قال حدثنا عَبْدُالله
الْعَمْرِيّ عن عُبَيْدِالله عن الْقَاسِمِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "سُئِلَ
النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الرّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلاَ يَذْكُرُ
احْتِلاَماً، قال: يَغْتَسِلُ، وَعن الرّجُلِ يَرَى أنْ قَد احْتَلَمَ وَلاَ يَجِد
الْبَلَلَ، قال: لاَ غُسْلَ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ أُمّ سُلَيْمٍ: المَرْأةَ تَرَى
ذَلِكَ، أعَلَيْهَا غُسْلٌ؟ قال: نَعَمْ إنّمَا النّسَاءُ شَقَائِقُ
الرّجَالِ".
*2*96 ـ باب المرأة ترى ما يرى
الرجل
@236 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
صَالحٍ قال حدثنا عَنْبَسَةُ حدثنا يُونُسُ عن ابنِ شِهَابٍ قال قال عُرْوَةُ عن
عَائِشَةَ "أنّ أُمّ سُلَيْمٍ الأنْصَارِيّةَ ـ وَهِيَ أُمّ أنَسِ بنِ
مَالِكٍ قَالَتْ: يارسولَ الله إنّ الله لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقّ، أرَأيْتَ
المَرْأةَ إذَا رَأتْ في النّوْمِ مَا يَرَى الرّجُلُ، أتَغْتَسِلُ أمْ لا؟
قَالَتْ عَائِشَةُ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ إذَا
وَجَدَتِ المَاءَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: أقْبَلْتُ عَلَيْهَا فَقُلْتُ: أُفّ لَكِ،
وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ المَرْأةُ؟ فأقْبَلَ عَلَيّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
فقال: تَرِبَتْ يَمِينُكِ يَا عَائِشَةُ، وَمِنْ أنْ يَكُونَ الشّبَهُ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَكَذَا
رَوَى الزّبَيْدِيّ وَعُقَيْلٌ وَيُونُسْ وَابنُ أخِي الزّهْرِيّ عن الزّهْرِيّ
وَابنِ أبي الْوَزِيرِ عن مَالِكٍ عن الزّهْرِيّ، وَوَافَقَ الزّهْرِيّ مَسَافِعَ
الْحَجَبِيّ قال عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ، وَأمّا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ فقال عن
عُرْوَةَ عن زَيْنَبَ بِنْتِ أبي سَلَمَةَ عن أُمّ سَلَمَةَ أنّ أُمّ سُلَيْمٍ
جَاءَتْ إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
*2*97 ـ باب مقدار الماء الذي
يجزى به الغسل
@237 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيّ عن مَالِكٍ عن ابنِ شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ
"أنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ
هُوَ الْفَرَقُ مِنَ الجِنَابَةِ".
قال أبُو دَاوُدَ: قال مَعْمَرٌ
عن الزّهْرِيّ في هَذَا الحَدِيثِ قالَتْ: "كُنْتُ أغْتَسِلُ أنَا وَرسولُ
الله صلى الله عليه وسلم مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فِيهِ قَدْرُ الْفَرَقِ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَى ابنُ
عُيَيْنَة نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ.
قال أبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ
أحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يقولُ: الْفَرقُ سِتّةُ عَشَرَ رِطْلاً، وَسَمِعْتُهُ يقولُ:
صَاعُ ابنِ أبي ذِئْبٍ خَمْسَةُ أرْطَالٍ وَثُلُثٌ. قال: فَمَنْ قال ثَمَانِيَةُ
أرْطَالٍ؟ قال: لَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْفُوظٍ. قال: وَسَمِعْتُ أحْمَدَ يقولُ: مَنْ
أعْطَى في صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِرَطْلِنَا هَذَا خَمْسَةَ أرْطَالٍ وَثُلُثاً
فَقَدْ أوْفَى، قِيلَ الصّيْحَانِيّ ثَقِيلٌ. قال: الصّيْحَانِيّ أطْيَبُ؟ قال: لا
أدْرِي.
*2*98 ـ باب في الغسل من الجنابة
@238 ـ حدثنا عَبْدُ الله بنُ
مُحَمّدٍ النّفَيْلِيّ قَالَ حَدّثَنَا زُهَيْرُ قَالَ حَدّثَنَا أبُو إسْحَاقَ
قال حَدّثَني سُلَيْمَانُ بنُ صُرَدَ عن جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ أنّهُمْ ذَكَرُوا
عِنْدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الْغُسْلَ مِنَ الجِنَابَةِ، فقال رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم: "أمّا أنَا فأفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثاً،
وَأشَارَ بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا".
239 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
المُثَنّى قال حدثنا أبُو عَاصِمِ عن حَنْظَلَةَ عن الْقَاسِمِ عن عَائِشَةَ
قَالَتْ: "كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا اغْتَسَلَ مِنَ
الجِنَابَةِ دَعَا بِشَيءٍ مِنْ نَحْوِ الْحِلاَبِ فأخَذَ بِكَفّيْهِ فَبَدَأَ
بِشِقّ رَأْسِهِ الأيْمَنِ ثُمّ الأيْسَرِ ثُمّ أخَذَ بِكَفّيْهِ فقال بِهِمَا
عَلَى رَأْسِهِ".
240 ـ حدثنا يَعْقُوبُ بنُ
إبْرَاهِيم قال حدثنا عَبْدُالرّحْمَنِ ـ يَعْني ابنَ مَهْدِيّ ـ عن زَائِدَةَ بنِ
قُدَامَةَ عن صَدَقَةَ قال حدثنا جُمَيْعُ بنُ عُمَيْرٍ أحَدُ بَنِي تَيْمِ الله
بنِ ثَعْلَبَةَ قال: "دَخَلْتُ مَعَ أُمّي وَخَالَتِي عَلَى عَائِشَةَ
فَسَألَتْهَا إحْدَهُما: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ عِنْدَ الْغُسْلِ؟ فَقَالَتْ
عَائِشَةُ: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَوَضّأُ وُضُوءَهُ لِلصّلاَةِ
ثُمّ يُفِيضُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ وَنَحْنُ نُفِيضُ عَلَى رُءُوسِنَا
خَمْساً مِنْ أجْلِ الضّفُرِ".
241 ـ حدثنا سُلَيْمانُ بنُ
حَرْبٍ الْوَاشِحِيّ ح. وحدثنا مُسَدّدٌ قالا أخبرنا حَمّادٌ عن هِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ عن أبِيهِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ "كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ ـ قال سُلَيْمَانُ ـ يَبْدَأُ فَيُفْرِغُ
بِيَمِينِهِ وقال مُسَدّدٌ: غَسَلَ يَدَيْهِ يَصُبّ الإنَاءَ عَلَى يَدِهِ
الْيُمْنَى، ثُمّ اتّفَقَا: فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، وقال مُسَدّدٌ: يُفْرِغُ عَلَى
شِمَالِهِ ـ وَرُبّمَا كَنَتْ عن الْفَرْجِ ـ ثُمّ يَتَوَضّأُ وُضُوءَهُ
لِلصّلاَةِ، ثُمّ يُدْخِلُ يَدَيْهِ في الإنَاءِ فَيُخَلّلُ شَعْرَهُ، حَتّى إذَا
رَأى أنّهُ قَد أصَابَ الْبِشْرَةَ أوْ أنْقَى الْبِشْرَةَ، أفْرَغَ عَلَى
رَأْسِهِ ثَلاَثاً، فَإذَا فَضَلَ فُضْلَةً صَبّهَا عَلَيْهِ".
242 ـ حدثنا عَمْرو بنُ عَلِيّ
الْبَاهِلِيّ حدثنا مُحمّدُ بنُ أبي عَدِيّ حدثنا سَعِيدٌ عن أبي مَعْشَرٍ عن
النخَعِيّ عن الأسْوَدِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رسولُ الله صلى الله
عليه وسلم إذَا أرَادَ أنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأ بِكَفّيْهِ
فَغَسَلَهُمَا، ثُمّ غَسَلَ مَرَافِعَهُ وَأفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، فإذَا
أنْقَاهُمَا أهْوَى بِهِمَا إلَى حَائِطٍ، ثُمّ يَسْتَقْبِلُ الْوُضُوءَ وَيُفِيضُ
الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ".
243 ـ حدثنا الْحَسَنُ بنُ
شَوْكَرَ حدثنا هَشِيمٌ عن عُرْوَةَ الْهَمْدَانِيّ حدثنا الشّعْبِيّ قال قالَتْ
عَائِشَةُ "لَئِنْ شِئْتُمْ لاَرِيَنّكُم أثَرَ يَدِ رسولِ الله صلى الله
عليه وسلم في الحَائِطِ حَيْثُ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ".
244 ـ حدثنا مُسَدّدُ بنُ
مُسَرْهَدٍ أخبرنا عَبْدُالله بنُ دَاوُدَ عن الأعمَشِ عن سَالِمٍ عن كُرَيْبٍ قال
أخبرنا ابنُ عَبّاسٍ عن خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: "وَضَعْتُ لِلنّبِيّ
صلى الله عليه وسلم غُسْلاً يَغْتَسُلِ بِهِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَأكْفَأَ
الاْنَاءَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا مَرّتَيْنِ أوْ ثَلاَثاً، ثُمّ
صَبّ عَلَى فَرْجِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الأرْضَ
فَغَسَلَهَا، ثُمّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمّ
صَبّ عَلَى رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ، ثُمّ تَنَحّى نَاحِيَةً فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ،
فَنَاوَلْتُهُ الْمِنْدِيلَ، فَلَمْ يَأْخُذْهُ وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ عَنْ
جَسَدِهِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأبْرَاهِيمَ، فقال: كَانُوا لا يَرَوْنَ
بالمِنْدِيلِ بَأساً، وَلَكِنْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْعَادَةَ.
قال أبُو دَاوُدَ: قال مُسَدّدٌ
قُلْتُ لِعَبْدِالله بنِ دَاوُدَ: كَانُوا يَكْرَهُونَهُ لِلْعَادَةِ، فَقَالَ:
هَكَذَا هُوَ، وَلَكِنْ وَجَدْتُهُ في كِتَابِي هَكَذَا.
245 ـ حدثنا الْحُسَيْنُ بنُ
عِيسَى الْخُرَاسَانِيّ أخبرنا ابنُ أبي فُدَيْكٍ عن ابنِ أبي ذِئْبٍ عن شُعْبَةَ
قال: "إنّ ابنَ عَبّاسٍ كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يُفْرِغُ
بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى سَبْعَ مِرَارٍ ثُمّ يَغْسِلُ
فَرْجَهُ، فَنَسِيَ مَرّةً كَمْ أفْرَغَ، فَسَألَنِي: كَمْ أفْرَغْتُ؟ فَقُلْتُ:
لا أدْرِي، فَقال: لا أُمّ لَكَ وَمَا يَمْنَعُكَ أنْ تَدْرِي؟ ثُمّ يَتَوَضّأُ
وُضُوءَهُ لِلصّلاَةِ، ثُمّ يُفِيضُ عَلَى جِلدِهِ الْمَاءَ، ثُمّ يَقولُ: هَكَذَا
كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَطَهّرُ".
246 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيدٍ أخبرنا أيّوبُ بنُ جَابِرٍ عن عَبْدِالله بنِ عُصْمٍ عن عَبْدِالله بنِ
عُمَرَ قال: "كَانَتْ الصّلاَةُ خَمْسِينَ وَالْغُسْلُ مِنَ الْجِنَابَةِ
سَبْعَ مِرَارٍ وَغُسْلُ الْبَوْلِ مِنَ الثّوْبِ سَبْعَ مِرَارٍ، فَلَمْ يَزَلْ
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ حَتّى جُعِلَتِ الصّلاَةُ خَمْساً
وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ مَرّة وَغُسْلُ الْبَوْلِ مِنَ الثّوْبِ
مَرّةً".
247 ـ حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِيّ
أخبرنا الْحَارِثُ بنُ وَجِيهٍ أخبرنا مَالِكُ بنُ دِينَارٍ عن مُحمّدِ بنِ
سِيرِينَ عن أبي هَرَيْرَةَ قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ
تَحْتَ كُلّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً، فاغْسِلُوا الشّعْرَ وأنْقُوا الْبَشَر".
قال أبُو دَاوُدَ: الْحَارِثُ
بنُ وَجِيهٍ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ وَهُوَ ضَعِيفُ.
248 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ أخبرنا حَمّادٌ أخبرنا عَطَاءُ بنُ السّائِبِ عن زَاذَانَ عن عَلِيَ قال:
إنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ
جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهَا كَذَا وكَذَا مِنَ النّار".
قال عَلِيّ: فَمِنْ ثَمّ
عَادَيْتُ رَأْسِي، فَمِنْ ثَمّ عَادَيْتُ رَأْسِي، فَمِنْ ثَمّ عَادَيْتُ
رَأْسِي. وكَانَ يَجُزّ شَعْرَهُ رَضِيَ الله عَنْهُ.
*2*99 ـ باب الوضوء بعد الغسل
@249 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مُحمّدٍ النّفَيْلِيّ أخبرنا زُهَيْرٌ أخبرنا أبُو إسْحَاقَ عن الأسْوَدِ عن
عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ
وَيُصَلّي الرْكْعَتَيْنِ وَصَلاَةَ الْغَدَاةِ وَلاَ أرَاهُ يُحْدِثُ وُضُوءًا
بَعْدَ الغُسْلِ".
*2*100 ـ باب المرأة تنقض شعرها
عند الغسل
@250 ـ حدثنا زُهَيْرُ بنُ
حَرْبٍ و ابنُ السّرْحِ قالا أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن أيّوبَ بنِ
مُوسَى عن سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ عن عَبْدِالله بنِ رَافِعٍ مَوْلَىْ أُمّ
سَلَمَةَ عن أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "إنّ امْرَأةً مِنَ المُسْلِمِينَ. وقال
زُهَيْرٌ: أنّهَا قَالَتْ: يارسولَ الله إنّي امْرَأةٌ أشُدّ ضُفْرِ رَأْسِي،
أفأنْقُضُهُ لِلْجَنَابَةِ؟ قال: إنّمَا يَكْفِيكِ أنْ تَحْفَنِي عَلَيْهِ ثَلاَثاً.
وقال زُهَيْرٌ: تَحْثِي عَلَيْهِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمّ تُفِيضِي
عَلَى سَائِرِ جَسَدِكِ، فإذَا أنْتِ قَدْ طَهُرْتِ".
251 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
عَمْرِو بنِ السّرْحِ حَدّثَنِي ابنُ نَافِعٍ ـ يَعْني الصّائِغَ عن أُسَامَةَ عن
المَقْبُرِيّ عن أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "إنّ امْرَأةً جَاءَتْ إلَى أُمّ
سَلَمَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَتْ: فَسَألْتُ لَها النّبيّ صلى الله عليه وسلم
بِمَعْنَاهُ. قال فيه: "وَاغْمِزِي قُرُونَكِ عِنْدَ كُلّ حَفْنَةٍ".
وقال الشيخ شمس الدين بن القيم:
حديث أم سلمة هذا يدل على أنه
ليس على المرأة أن تنقض شعرها لغسل الجنابة، وهذا اتفاق من أهل العلم، إلا ما يحكى
عن عبد الله بن عمرو وإبراهيم النخعي أنهما قالا تنقضه، ولا يعلم لهما موافق. وقد
أنكرت عائشة على عبد الله قوله، وقالت: "يا عجباً لابن عمرو هذا يأمر النساء
إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، ولا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟ لقد كنت أغتسل أنا ورسول
الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث
إفراغات" رواه مسلم. وأما نقضه في غسل الحيض فالمنصوص عن أحمد أنها تنقضه
فيه. قال مهنا: سألت أحمد عن المرأة تنقض شعرها من الحيض؟ قال: نعم. قلت له: كيف
تنقضه من الحيض ولا تنقضه من الجنابة؟ فقال: حدثت أسماء عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: "تنقضه". فاختلف أصحابه في نصه هذا. فحملته طائفة منهم
على الاستحباب، وهو قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة، وأجرته طائفة على ظاهره، وهو
قول الحسن وطاوس. وهو الصحيح، لما احتج به أحمد من حديث عائشة "أن أسماء سألت
النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض؟ فقال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر،
فنحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى تبلغ شؤون رأسها ـ
الحديث" رواه مسلم. وهذا دليل على أنه لا يكتفي فيه بمجرد إفاضة الماء كغسل
الجنابة، ولاسيما فإن في الحديث نفسه "وسألته عن غسل الجنابة فقال: تأخذ
ماء فتطهر به فتحسن الطهور، أو
تبلغ الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها. ثم تفيض عليها
الماء" ففرق بين غسل الحيض وغسل الجنابة في هذا الحديث. وجعل غسل الحيض اكد.
ولهذا أمر فيه بالسدر المتضمن لنقضه. وفي وجوب السدر قولان، هما وجهان لأصحاب
أحمد. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:
إذا كانت حائضاً: "خذي ماءك وسدرك وامتشطي" وللبخاري: "انقضى رأسك
وامتشطي" وقد روى ابن ماجه بإسناد صحيح عن عروة عن عائشة "أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لها، وكانت حائضاً: انقضى شعرك واغتسلي" والأصل نقض الشعر
لتيقن وصول الماء إلى ما تحته، إلا أنه عفى عنه في غسل الجنابة لتكرره ووقوع
المشقة الشديدة في نقضه، بخلاف غسل الحيض، فإنه في الشهر أو الأشهر مرة، ولهذا أمر
فيه بثلاثة أشياء لم يأمر بها في غسل الجنابة: أخذ السدر، والفرصة الممسكة، ونقض
الشعر. ولا يلزم من كون السدر والمسك مستحباً أن يكون النقض كذلك، فإن الأمر به لا
معارض له، فبأي شيء يدفع وجوبه؟ فإن قيل: يدفع وجوبه بما رواه مسلم في صحيحه من
حديث أم سلمة قالت: "قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه
للحيضة والجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك
الماء فتطهرين" وفي الصحيح عن عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله
صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث
إفراغات" وفي حديث أبي داود "أن امرأة جاءت إلى أم سلمة فسألت لها النبي
صلى الله عليه وسلم عن الغسل وقال فيه: واغمزي قرونك عند كل حفنة" وحديث
عائشة وإنكارها على عبد الله بن عمرو أمر النساء بنقضهن رؤوسهن دليل على أنه ليس
بواجب. قيل: لا حجة في شيء من هذا. أما حديث سلمة فالصحيح فيه الافتصار على ذكر
الجنابة دون الحيض، وليست لفظة الحيضة فيه محفوظة، فإن هذا الحديث رواه أبو بكر بن
أبي شيبة. وإسحاق بن راهويه وعمرو الناقد وابن أبي عمر، كلهم عن ابن عيينة عن أيوب
بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت: "قلت: يا
رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني امرأة أشد ضفر رأسي. فأنقضه لغسل الجنابة؟
فقال: لا" ذكره مسلم عنهم. وكذلك رواه عمرو الناقد عن يزيد بن هرون عن الثوري
عن أيوب بن موسى، وراه عبد بن حميد عن عبدالرزاق عن الثوري عن أيوب، وقال:
"أفأنقضه للحيضة والجنابة؟" قال مسلم: وحدثنيه أحمد الدارمي أخبرنا
زكريا بن عدي أخبرنا يزيد يعني ابن زريع عن روح بن القاسم، قال: حدثنا أيوب بهذا
الإسناد وقال: "أفأحله وأغسله من الجنابة؟" ولم يذكر الحيضة. فقد اتفق
ابن عيينة وروح بن القاسم عن أيوب، فاقتصر على الجنابة. واختلف فيه عن الثوري:
فقال يزيد بن هرون عنه كما قال ابن عيينة وروح وقال عبدالرزاق عنه: "أفأنقضه
للحيضة والجنابة؟ ورواية الجماعة أولى بالصواب، فلو أن الثوري لم يختلف عليه
لترجحت رواية ابن عيينة وروح، فكيف وقد روى عنه يزيد بن هرون مثل رواية الجماعة،
ومن أعطى النظر حقه علم أن هذه اللفظة ليست محفوظة في الحديث. وأما حديث عائشة:
"أنها كانت تفرغ على رأسها ثلاث إفراغات" فإنما ذلك في غسل الجنابة، كما
يدل عليه سياق حديثها، فإنها وصفت غسلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كانت
تغتسل معه من الجنابة التي يشتركان فيها، لا من الحيض، فإن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لم يكن يغتسل معها من الحيض. وهذا بين. وأما حديث أم سلمة الذي ذكره أبو
داود ـ وفيه "واغمزي قرونك" فإنما هو في غسل الجنابة.
وعنه وقع السؤال كما هو مصرح به
في الحديث. فإن قيل: فحديث عائشة الذي استدللتم به ليس فيه أمرها بالغسل، إنما
أمرها بالامتشاط، ولو سلمنا أنه أمرها بالغسل فذاك غسل الإحرام لا غسل الحيض،
والمقصود منه التنظيف وإزالة الوسخ، ولهذا تؤمر به الحائض حال حدثها. ولو سلمنا
أنه أمر الحائض بالنقض وجب حمله على الاستحباب جمعاً بين الحديثين، وهو أولى من
إلغاء أحدهما والمصير إلى الترجيح فالجواب: ما قولكم ليس فيه أمر بالغسل ففاسد،
فإنه قال: "خذي ماءك وسدرك" وهذا سريح في الغسل، وقوله: "انقضى
رأسك وامتشطي" أمر لها في غسلها بنقض رأسها لا أمر بمجرد النقض والامتشاط.
وأما قولكم: إنه كان في غسل الاحرام فصحيح، وقد بينا أن غسل الحيض اكد الأغسال
وأمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يأمر به في سواه من زيادة التطهر
والمبالغة فيه، فأمرها بنقضه، وهو غير رافع لحدث الحيض، تنبيه على وجوب نقضه إذا
كان رافعاً لحدثه بطريق الأولى. وأما قولكم: إنه يحمل على الاستحباب جمعاً بين
الحديثين فهذا إنما يكون عند ثبوت تلك الزيادة التي تنفي النقض للحيض، وقد تبين
أنها غير ثابتة، وأنها ليست محفوظة.
252 ـ حدثنا عُثْمَانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ أخبرنا يَحْيَى بنُ أبي بُكَيْرٍ أخبرنا إبْرَاهِيمُ بنُ نَافِعٍ عن
الْحَسَنِ بنِ مُسْلِمٍ عن صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عن عَائِشَةَ قَالَتْ:
"كَانَتْ إحْدَانَا إذَا أصَابَتْهَا جَنَابَةٌ أخَذَتْ ثَلاَثَ حَفَنَاتٍ
هَكَذَا ـ تَعْني بِكَفّيْهَا جَمِيعاً ـ فَتَصُبّ عَلَى رَأْسِها، وَأخَذَتْ
بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فَصَبّتْهَا عَلَى هَذَا الشّقّ وَالاْخْرَى عَلَى الشّقّ
الاَخَرِ".
253 ـ حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِيّ
أخبرنا عَبْدُالله بنُ دَاوُدَ عن عُمَرَ بنِ سُوَيْدٍ عن عَائِشَةَ بِنْتِ
طَلْحَةَ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "كُنّا نَغْتَسِلُ وَعَلَيْنَا الضّمَادُ
وَنَحْنُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مُحِلاّتٌ وَمُحَرّمَاتٌ".
254 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عَوْفٍ
قال قَرَأْتُ في أصْلِ إسْمَاعِيلَ بنِ عَيّاشٍ قال ابنُ عَوْفٍ وأخبرنا مُحمّدُ
بنُ إسْمَاعِيلَ عن أبِيهِ حَدّثَني ضَمْضَمُ بنُ زُرْعَةَ عن شُرَيْحِ بنِ
عُبَيْدٍ قال: أفْتَانِي جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ عن الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ
أنّ ثَوْبَانَ حَدّثَهُمْ أنّهُمْ اسْتَفْتَوْا النّبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ
ذَلِكَ فَقالَ: "أمّا الرّجُلْ فَلْيَنْثُرْ رَأْسَهُ فَلْيَغْسِلْهُ حَتّى
يَبْلُغَ أُصُولَ الشّعْرِ، وَأمّا المَرْأةُ فَلاَ عَلَيْهَا أنْ لا تَنْقُضَهُ لِتَعْرِفَ
عَلَى رَأْسِهَا ثَلاَثَ غُرَفَاتٍ بِكَفّيْهَا".
قال الحافظ شمس الدين بن القيم:
وهذا الحديث رواه أبو داود من
حديث إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن جبير بن نفير عن ثوبان.
وهذا إسناد شامي، وأكثر أيمة الحديث يقول: حديث إسماعيل بن عياش عن الشاميين صحيح،
ونص عليه أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
*2*101 ـ باب في الجنب يغسل
رأسه بالخطمى
@255 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
جَعْفَرِ بنِ زِيَاد أخبرنا شَرِيك عن قَيْسِ بنِ وهبٍ عن رَجُلٍ مِنْ بَنِي
سُوَاءَةَ بنِ عَامِرٍ عن عَائِشَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم "أنّهُ
كَانَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالْخَطْمِيّ وَهُوَ جُنُبٌ، يَجْتَزِي بِذَلِكَ، وَلاَ
يَصُبّ عَلَيْهِ المَاءَ".
*2*102 ـ باب فيما يفيض بين
الرجل والمرأة من الماء
@256 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
رَافِعٍ أخبرنا يَحْيَى بنُ آدَمَ أخبرنا شَرِيك عن قَيْسِ بنِ وَهْبٍ عن رَجُلٍ
مِنْ بَنِي سوَاءَةَ بنِ عَامِرٍ عن عَائِشَةَ فِيما يَفِيض بَيْنَ الرّجُلِ
وَالْمَرْأةِ مِنَ الْمَاءِ قالَتْ: "كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
يَأْخُذُ كَفّا مِنْ مَاءٍ يَصُبّ عَلَى المَاءِ ثُمّ يَأْخُذُ كَفّا مِنْ مَاءٍ
ثُمّ يَعُبّهُ عَلَيْهِ".
*2*103 ـ باب مؤاكلة الحائض
ومجامعتها
@257 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ أخبرنا حَمّادٌ أخبرنا ثَابِتٌ الْبُنَانِيّ عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ
قال: "إنّ الْيَهُودَ كَانَتْ إذَا حَاضَتْ مِنْهُم المَرْأةُ أخْرَجُوهَا
مِنْ الْبَيْتِ وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا
في الْبَيْتِ فَسُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فأنْزَلَ الله
تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أذًى فَاعْتَزِلُوا
النّسَاءَ في المَحِيضِ} إلَى آخِرِ الاَيَةِ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم: جَامِعُوهُنّ في الْبُيُوتِ، وَاصْنَعُوا كُلّ شَيْىءٍ غَيْرَ النّكَاحِ.
فقالت الْيَهُودُ: مَا يُرِيدُ هَذَا الرّجُلُ أنْ يَدَعَ شَيْئاً مِنْ أمْرِنَا
إلاّ خَالَفَنَا فِيهِ. فَجَاءَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ وَعَبّاد بنُ بِشْرٍ إلَى
النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالا: يارسولَ الله صلى الله عليه وسلم إنّ اليَهُودَ
تَقُولُ كَذَا وكَذَا، أفَلاَ نَنْكِحَهُنّ في المَحِيضِ؟ فَتَمَعّرَ وَجْهُ رسولِ
الله صلى الله عليه وسلم حَتّى ظَنَنّا أن قَدْ وُجِدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا،
فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيّةٌ مِنْ لَبَنِ إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم،
فَبَعَثَ في آثَارِهِمَا فَسَقاهُما، فَظَنَنّا أنّهُ لَمْ يَجِدْ
عَلَيْهِمَا".
258 ـ حدثنا مُسَدّدٌ حدثنا
عَبْدُالله بنُ دَاوُدَ عن مِسْعَرٍ عن المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ عن أبِيهِ عن
عَائِشَةَ قَالَتْ: "كُنْتُ أتَعَرّقُ الْعَظْمَ وَأنَا حَائِض فَأُعْطِيَهُ
النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعُ فَمَهُ في مَوْضِعِ الّذِي فِيهِ وَضَعْتُهُ،
وَأشْرَبُ الشّرَابَ فأُنَاوِلُهُ فَيَضَعُ فَمَهُ في المَوْضِعِ الّذِي كُنْتُ
أشْرَبُ مِنْهُ".
259 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ كَثِيرٍ
أخبرنا سُفْيَانُ عن مَنْصُورِ بنِ عَبْدِالرّحْمَنِ عن صَفِيّةَ عن عَائِشَةَ
قَالَتْ: "كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَضَعُ رَأْسَهُ في حِجْرِي
فَيَقْرَأُ وَأنَا حَائِضٌ".
*2*104 ـ باب الحائض تناول من
المسجد
@260 ـ حدثنا مُسَدّدُ بنُ
مُسَرْهَدٍ أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الأعمَشِ عن ثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ عن
الْقَاسِمِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "قَالَ لِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
نَاوِلِينِي الخُمْرَةَ: مِنَ المَسْجِدِ". قُلْتُ: إنّي حَائِضٌ. فقال رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم: إنّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ في يَدِكِ".
*2*105 ـ باب في الحائض لا تقضي
الصلاة
@261 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ أخبرنا وُهَيْبٌ أخبرنا أيّوبُ عن أبي قِلاَبَةَ عن مُعَاذَةَ
قَاَلَتْ: "إنّ امْرَأةً سَألَتْ عَائِشَةَ: أتَقْضِي الحَائِضُ الصّلاَةَ؟
فَقَالَتْ: أحَرُورِيّةٌ أنْتِ؟ لَقَدْ كُنّا نَحِيضُ عِنْدَ رسولَ الله صلى الله
عليه وسلم فَلاَ نَقْضِي وَلاَ نُؤْمَرُ بالْقَضَاءِ".
262 ـ حدثنا الْحَسَنُ بنُ
عَمْرٍو أخبرنا سُفْيَانُ ـ يَعْني ابنَ عَبْدِالمَلِكِ ـ عن ابنِ المُبَارَكِ عن
مَعْمَرٍ عن أيّوبَ عن مُعَاذَةَ الْعَدَوِيّةِ عن عَائِشَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ
قال أبو داود وَزَادَ فيه: فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصّوْمِ وَلاَ نُؤمَرُ بِقَضَاءِ
الصّلاَةِ".
*2*106 ـ باب في إتيان الحائض
@263 ـ حدثنا مُسَدّدٌ أخبرنا
يَحْيَى عن شُعْبَةَ قال حَدّثَني الْحَكَمُ عن عَبْدِالْحَمِيدِ بنِ
عَبْدِالرّحْمَنِ عن مِقْسَمٍ عن ابنِ عَبّاسٍ عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم في
الّذِي يَأْتِي امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قال: "يَتَصَدّقُ بِدِينَارٍ أوْ
نِصْفِ دِينَارٍ". قال أبُو دَاوُدَ: هَكَذَا الرّوَايَةُ الصّحِيحَةُ قال:
"دِينَارٌ أوْ نِصْفُ دِينَارٍ" وَرُبّمَا لَمْ يَرْفَعْهُ شُعْبَةُ.
قال الحافظ شمس الدين بن القيم:
قول أبي داود هكذا الرواية
الصحيحة يدل على تصحيحه للحديث، وقد حكم أبو عبد الله الحاكم بصحته، وأخرجه في
مستدركه، وصححه ابن القطان أيضاً، فإن عبدالحميد بن زيد بن الخطاب أخرجا له في
الصحيحين ووثقه النسائي وأما مقسم فاحتج به البخاري في صحيحه، وقيل فيه أبو حاتم:
صالح الحديث لا بأس به. وأما أبو محمد بن حزم فإنه أعل الحديث بمقسم وضعفه، وهو
تعليل فاسد، وإنما علته المؤثرة وقفه. وقد رواه الطبراني من طريق الثوري عن
عبدالكريم وعلي بن بذيمة وحصيف عن مقسم عن ابن عباس، فهؤلاء أربعة عن مقسم.
وعبدالكريم: قال شيخنا أبو الحجاج المزي: هو ابن مالك الجزري. وقد رواه شريك عن
خصيف عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم "في الذي يأتي أهله
حائضاً يتصدق بنصف دينار" رواه النسائي. وأعله أبو محمد بن حزم بشريك وخصيف. قال:
كلاهما ضعيف، فسقط الاحتجاج به. وشريك هذا هو القاضي، قال زيد بن الهيثم: سمعت
يحيى بن معين يقول: شريك ثقة، وقال أيضاً: قلت ليحيى بن معين: روى يحيى بن سعيد
القطان عن شريك؟ قال: لم يكن شريك عند يحيى بشيء، وهو ثقة. وقال العجلي: ثقة حسن
الحديث، واحتج به أهل السنن الأربعة، واستشهد به البخاري، وروى له مسلم في
المتابعات. وأما خصيف فقال ابن معين وابن سعد: ثقة. وقال النسائي: صالح روى له أهل
السنن الأربعة وفي رواية عن ابن معين: ليس به بأس وعن أحمد قال: ليس بالقوى في
الحديث وعن علي بن الديني: سمعت يحيى يقول: كنا نجتنب خصيفاً، وروى عبدالملك بن
حبيب أخبرنا أصبغ بن الفرج عن السبيعي عن زيد بن عبدالحميد عن أبيه "أن عمر
بن الخطاب وطىء جارية، فإذا بها حائض، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره،
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدق بنصف دينار" وأعل ابن حزم هذا
الحديث بعبدالملك بن جبيب وبالسبيعي، وذكر أنه لا يدري من هو؟ وهذا تعليل باطل،
فإن عبدالملك أحد الأئمة الأعلام، ولم يلتفت الناس إلى قول ابن حزم فيه وأما
السبيعي فهو عيسى بن يونس بن أي إسحاق السبيعي. وقد روى إسحاق بن راهويه هذا
الحديث في مسنده عن يونس بن أبي إسحاق عن زيد بن عبدالحميد. وعيسى هذا احتج به
الأئمة الستة ولم يذكر بضعف: وروى ابن حزم من طريق موسى بن أيوب عن الوليد بن مسلم
عن ابن جابر عن علي بن بذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم "أمر رجلاً أصاب حائضاً بعتق نسمة" وأعله بموسى بن أيوب، وقال:
هو ضعيف. وموسى بن أيوب هذا النصيبي الأنطاكي، روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم
الرازبان وأحمد بن صالح العجلي، وقال: ثقة. وقال أبو حاتم الرازي: صدوق، روى له
أبو داود والنسائي.
264 ـ حدثنا عَبْدُالسّلاَمِ
بنُ مُطَهّرٍ أخبرنا جَعْفَرٌ ـ يَعْنِي ابنَ سُلَيْمَانَ ـ عن عَلِيّ بنِ
الْحَكَمِ الْبُنَانِيّ عن أبي الْحَسَنِ الْجَزَرِيّ عن مِقْسَمٍ عن ابنِ عَبّاسٍ
قال: "إذَا أصَابَهَا في أوّلِ الدّمِ فَدِينَارٌ، وَإذَا أصَابَهَا في
انْقِطَاعِ الدّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ
قال ابنُ جُرَيْجٍ عن عَبْدِالْكَرِيمِ عن مِقْسمٍ.
265 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
الصّبّاحِ الْبَزّازُ أخبرنا شَرِيكٌ عن خَصِيفٍ عن مِقْسَمٍ عن ابنِ عَبّاسٍ عن
النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال "إذَا وَقَعَ الرّجُلُ بِأهْلِهِ وَهِيَ
حَائِضٌ فَلْيَتَصَدّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ".
قال أبُو دَاوُدَ: وكَذَا قال
عَلِيّ بنُ بَذِيمَةَ عن مِقْسَمٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً.
وَرَوَى الأَوْزَاعِيّ عن يَزِيدَ بنِ أبي مَالِكٍ عن عَبْدِالحَمِيدِ بنِ
عَبْدِالرّحْمَنِ عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: أمَرَهُ أنْ يَتَصَدّقَ
بِخُمْسَيْ دِينَارٍ، وَهَذَا مُعْضَلٌ.
*2*107 ـ باب في الرجل يصيب
منها ما دون الجماع
@266 ـ حدثنا يَزِيدُ بنُ
خَالِدِ بنِ عَبْدِالله بنِ مَوْهِبٍ الرّمْلِيّ حَدّثَنِي اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ عن
ابنِ شِهَابٍ عن حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ عن نُدْبَةَ مَوْلاَةِ مَيْمُونَةَ عن
مَيْمُونَةَ قَالَتْ: "إنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبَاشِرُ
المَرْأةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ إذَا كَانَ عَلَيْهَا إزَارٌ إلَى
أنْصَافِ الْفَخِذَيْنِ أوْ الرّكْبَتَيْنِ تَحْتَجِزُ بِهِ".
قال الشيخ شمس الدين بن القيم:
حديث ميمونة هذا يرويه الليث بن
سعد عن الزهري عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة. قال أبو محمد بن
حزم: ندبة مجهولة لا تعرف، أبو داود يروي هذا الحديث من طريق الليث فقال
"ندبة" بفتح النون والدال، ومعمر يرويه يقول "ندبة" بضم النون
وإسكان الدال، ويونس يقول: "تدبة" بالتاء المضومة والدال المفتوحة
والباء المشددة، كلهم يرويه عن الزهري كذلك، فسقط خبر ميمونة. تم كلامه. ولهذا
الحديث طريق اخر: رواه ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن كريب مولى ابن عباس
قال: سمعت ميمونة أم المؤمنين قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع
معي وأنا حائض، وبيني وبينه ثوب" رواه مسلم في الصحيح عن ابن السرح وهارون
الأيلي، ومحمد بن عيسى، ثلاثتهم عن ابن وهب به. وأعل أبو محمد بن حزم هذا أيضاً
بعلتين، إحداهما: أن مخرمة لم يسمع من أبيه، والثانية: أن يحيى بن معين قال فيه:
مخرمة ضعيف ليس حديثه بشيء. فأما تعليله حديث ندبة بكونها مجهولة فإنها مدنية روت
عن مولاتها ميمونة وروى عنها حبيب، ولم يعلم أحد جرحها، والراوي إذا كانت هذه حاله
إنما يخشى من تفرده بما لا يتابع عليه فأما إذا روى ما رواه الناس وكانت لروايته
شواهد ومتابعات فإن أئمة الحديث يقبلون حديث مثل هذا ولا يردونه ولا يعللونه
بالجهالة، فإذا صاروا إلى معارضة ما رواه بما هو أثبت منه وأشهر عللوه بمثل هذه
الجهالة وبالتفرد. ومن تأمل كلام الأئمة رأى فيه ذلك، فيظن أن ذلك تناقض منهم وهو
بمحض العلم والذوق والوزن المستقيم، فيجب التنبيه لهذه النكتة، فكثيراً ما تمر بك
في الأحاديث ويقع الغلط بسببها. وأما مخرمة بن بكير فقد قال أحمد وابن معين: إنه
لم يسمع من أبيه شيئاً، إنما يروى عن كتاب أبيه، ولكن قال أحمد: هو ثقة، وقال أبو
حاتم الرازي: سألت إسماعيل بن أبي أويس هذا الذي يقول مالك حدثني الثقة، من هو؟
قال: مخرمة بن بكير بن الأشج. وقال إسماعيل بن أبي أويس في ظهر كتاب مالك: سألت
مخرمة بن بكير: ما يحدث به عن أبيه، سمعه من أبيه؟ فحلف لي وقال: ورب هذا البيت ـ
يعني المسجد ـ سمعت من أبي، وقال مالك: كان رجلاً صالحاً، وقال النسائي: ليس به
بأس، وقال أحمد بن صالح كان من ثقات المسلمين.
267 ـ حدثنا مُسْلِمُ بنُ
إبْرَاهِيمَ أخبرنا شُعْبَةُ عن مَنْصُورٍ عن إبْرَاهِيمَ عن الأسْوَدِ عن
عَائِشَةَ قَالَتْ "كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ إحْدَانَا
إذَا كَانَتْ حَائِضاً أنْ تَتّزِرَ ثُمّ يُضَاجِعُهَا زَوْجُهَا. وقال مَرّةً:
يُبَاشِرُهَا".
268 ـ حدثنا مُسَدّدٌ أخبرنا
يَحْيَى عن جَابِرِ بنِ صُبْحٍ قال سَمِعْتُ خِلاَسَ الْهَجَرِيّ قال سَمِعْتُ
عَائِشَةَ تقولُ: "كُنْتُ أنَا وَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم نَبِيتُ في
الشّعَارِ الْوَاحِدِ وَأنَا حَائِضٌ طَامِثٌ، فإنْ أصَابَهُ مِنّي شَيْءٌ غَسَلَ
مَكَانَهُ وَلَمْ يَعْدُهُ ثُمّ صَلّى فِيهِ، وَإنْ أصَابَ ـ تَعْني ثَوْبَهُ ـ
مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلَ مَكَانَهُ وَلَمْ يَعْدُهُ ثُمّ صَلّى فِيهِ".
269 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ أخبرنا عَبْدُالله ـ يَعْني ابنَ عُمَرَ بنِ غَانِمٍ ـ عن
عَبْدِالرّحْمَنِ ـ يَعْنِي ابنَ زِيَادٍ ـ عن عُمَارَةَ بنِ غُرَابٍ قال
"إنّ عَمّةً لَهُ حَدّثَتْهُ أنّهَا سَألَتْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إحْدَانَا
تَحِيضُ وَلَيْسَ لَهَا وَلِزَوْجِهَا إلاّ فِرَاشٌ وَاحِدٌ، قَالَتْ: أُخْبِرُكَ
بِمَا صَنَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. دَخَلَ فَمَضَى إلَى مَسْجِدِهِ. قال
أبُو دَاوُدَ ـ تَعْني مَسْجِدَ بَيْتِهِ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتّى غَلَبَتْنِي
عَيْنِي وَأوْجَعَهُ الْبَرْدُ، فقال: ادْنِي مِنّي، فَقُلْتُ: إنّي حَائِضُ،
فقالَ: وَإنْ اكْشِفِي فَخْذَيْكِ، فَكَشَفَتُ فَخِذَيّ، فَوَضَعَ خَدّهُ وَصَدْرَهُ
عَلَى فَخِذَي، وَحَنَيْتُ عَلَيْهِ حَتّى دَفِىءَ وَنَامَ".
270 ـ حدثنا سَعِيدُ بنُ
عَبْدِالْجَبّارِ أخبرنا عَبْدُالْعَزِيزِ ـ يَعْني ابنَ مُحمّدٍ ـ عن أبي
الْيَمَانِ عن أمّ ذَرّةَ عن عَائِشَةَ أنّهَا قالَتْ: "كُنْتُ إذَا حِضْتُ
نَزَلْتُ عن المِثَالِ عَلَى الْحَصِيرِ فَلَمْ نَقْرَبْ رسولَ الله صلى الله عليه
وسلم وَلَمْ نَدْنُ مِنْهُ حَتّى نَطْهُرَ".
قال الشيخ الحافظ شمس الدين بن
القيم:
قال أبو محمد بن حزم: أما هذا
الخبر فإنه من طريق أبي اليمان كثير بن اليمان الرحال، وليس بالمشهور، عن أم ذرة
وهي مجهولة، فسقط. وما ذكره صيب، فإن أبا اليمان هذا ذكره البخاري في تاريخه،
فقال: سمع ام دره، روى عنه أبو هاشم عمار بن هاشم وعبدالعزيز الدراوردي. وذكره ابن
حبان في الثقات، وقال يروي عن أم ذرة وعن شداد بن أبي عمرو. وكذا أم ذرة فهي
مدينة، روت عن مولاتها عائشة وعن أم سلمة، وروى عنها محمد بن المنكدر وعائشة بنت
سعد ابن أبي وقاص وأبو اليمان كثير بن اليمان. فالحديث غير ساقط.
271 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ أخبرنا حَمّادٌ عن أيّوبَ عن عِكْرَمَةَ عن بَعْضِ أزْوَاجِ النّبيّ
صلى الله عليه وسلم قالَتْ "إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا
أرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئاً ألْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْباً".
272 ـ حدثنا عُثْمَانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ أخبرنا جَرِيرٌ عن الشّيْبَانِيّ عن عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ الأسْوَدِ عن
أبِيهِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ "كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
يَأْمُرُنَا في فَوْحِ حَيْضَتِنَا أنْ نَتّزِرَ ثُمّ يُبَاشِرُنَا، وَأيّكُمْ
يَمْلِكُ إرَبَهُ كَمَا كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَمْلِكُ
إرَبَهُ".
*2*108 ـ باب في المرأة تستحاض
ومن قال تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض
@273 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ عن مَالِكٍ عن نَافِعٍ عن سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ عن أُمّ سَلَمَةَ
زَوْجِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: "إنّ امْرَأةً كَانَتْ تُهْرَاقُ
الدّمَاءَ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمّ
سَلَمَةَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَقال: لِتَنْظُرْ عِدّةَ اللّيَالِي
وَالأَيّامِ الّتي كَانَتْ تَحِيضُهُنّ مِنَ الشّهْرِ قَبْلَ أنْ يُصِيبَهَا
الّذِي أصَابَهَا فَلْتَتْرِكِ الصّلاَةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشّهْرِ، فإذَا
خَلّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ، ثُم لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمّ
لِتُصَلّ".
274 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيدٍ وَ يَزِيدُ بنُ خَالِدٍ بنِ يَزِيدِ بنِ عَبْدِالله بنِ مَوْهِبٍ قالا
حدثنا اللّيْثُ عن نَافِعٍ عن سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ أنّ رَجُلاً أخْبَرَهُ عن
أمّ سَلَمَةَ "أنّ امْرَأةً كَانَتْ تُهْرَاقُ الدّمَ ـ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ ـ
قال: فإذَا خَلّفَتْ ذَلِكَ وَحَضَرَتِ الصّلاَةُ فَلْتَغْتَسِلْ،
بِمَعْنَاهُ".
275 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مَسْلَمَةَ حدثنا أنَسٌ ـ يَعْنِي ابنَ عِيَاضٍ ـ عن عُبَيْدِالله عن نَافِعٍ عن
سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ عن رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ أنّ امْرَأةً كَانَتْ
تُهْرَاقُ الدّمَ، فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ اللّيْثِ قال: فإذَا خَلّفَتْهُنّ
وَحَضَرَتِ الصّلاَةُ فَلْتَغْتَسِلْ، وَسَاقَ مَعْنَاهُ".
276 ـ حدثنا يَعْقُوبُ بنُ
إبْرَاهِيمَ أخبرنا عَبْدُالرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيَ أخبرنا صَخْرُ بنُ جُوَيْرِيَةَ
عن نَافِعٍ بِإسْنَادِ اللّيْثِ، وَمَعْنَاهُ: قال فَلْتَتْرُكِ الصّلاَةَ قَدْرَ
ذَلِكَ، ثُمّ إذَا حَضَرَتِ الصّلاَةُ فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتَسْتَذْفِرْ بِثَوْبٍ
ثُمّ تَصُلّي".
277 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ أخبرنا وُهَيْبٌ أخبرنا أيّوبُ عن سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ عن أُمّ
سَلَمَةَ بِهَذِهِ الْقِصّةِ قال فيه "تَدَعُ الصّلاَةَ وَتَغْتَسِلُ فِيمَا
سِوَى ذَلِكَ وَتَسْتَذْفِرُ بِثَوْبٍ وَتُصَلّي".
قال أبُو دَاوُدَ: وَسَمّى
المَرْأةَ الّتِي كَانَت اسْتُحِيضَتْ حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن أيّوبَ في هَذَ
الْحَدِيثِ، قال: فَاطِمَةَ بِنْتَ أبي حُبَيْشٍ.
278 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيدٍ أخبرنا اللّيْثُ عن يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عن جَعْفَرٍ عن عِرَاكٍ عن
عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ أنّها قالت: "إنّ أُمّ حَبِيبَةَ سَألَتْ النّبيّ صلى
الله عليه وسلم عن الدّمِ، فقالت عَائِشَةُ: فَرَأيْتُ مِرْكَنَهَا مَلاَنُ دَماً،
فقالَ لَهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ
تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكَ ثُمّ اغْتَسِلِي".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
قُتَيْبَةُ بَيْنَ أضْعَافِ حَدِيثٍ: جَعْفَرَ بنِ رَبِيعَةَ في آخِرِهَا. وَرَوَاهُ
عَلِيّ بنُ عَيّاشٍ وَيُونُسُ بنُ مُحمّدٍ عن اللّيْثِ فقالا: جَعْفَرُ بنُ
رَبِيعَةَ.
279 ـ حدثنا عِيسَى بنُ حَمّادٍ
أخبرنا اللّيْثُ عن يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عن بُكَيْرِ بنِ عَبْدِالله عن
المُنْذِرِ بنِ المُغِيرَةِ عن عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ قال: "إنّ فَاطِمَةَ
بِنْتَ أبي حُبَيْشٍ حَدّثَتْهُ أنّهَا سَألَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
فَشَكَتْ إلَيْهِ الدّمَ، فقالَ لَهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنّمَا
ذَلِكَ عِرْقٌ، فَانْظُرِي إذَا أتَى قَرْؤُكِ فَلاَ تُصَلّي، فَإذَا مَرّ
قَرْؤُكِ فَتَطَهّرِي ثُمّ صَلّي مَا بَيْنَ الْقَرْءِ إلَى الْقَرْءِ".
280 ـ حدثنا يُوسُفُ بنُ مُوسَى
أخبرنا جَرِيرٌ عن سُهَيْلٍ ـ يَعْني ابنَ أبي صَالحٍ ـ عن الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ
بنِ الزّبَيْرِ قال "حَدّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أبي حُبَيْشٍ أنّهَا
أمَرَتْ أسْمَاءَ أوْ أسْمَاءُ حَدّثَتْنِي أنّهَا أمَرَتْهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ
أبي حُبَيْشٍ أنْ تَسْألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأمَرَهَا أن تَقْعُدَ
الأيّامَ الّتي كَانَتْ تَقْعُدُ ثُمّ تَغْتَسِلْ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
قَتَادَةُ عن عَرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ عن زَيْنَبَ بِنْتِ أمّ سَلَمَةَ "أنّ
أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ، فأمَرَهَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم
أنْ تَدَعَ الصّلاَةَ أيّامَ أقْرَائِهَا ثُمّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلّي".
قال أبُو دَاوُدَ: لَمْ
يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ عُرْوَةَ شَيْئَاً. وَزَادَ ابنُ عُيَيْنَةَ في حَدِيثِ
الزّهْرِيّ عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ قالت: "إنّ أمّ حَبِيبَةَ كَانَتْ
تُسْتَحَاضُ فَسَألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأمَرَهَا أنْ تَدَعَ الصّلاَةَ
أيّامَ أقْرَائِهَا".
قال أبُو دَاوُدَ: وَهَذَ
وَهْمٌ من ابنِ عُيَيْنَةَ، لَيْسَ هَذَا في حَدِيثِ الْحُفّاظِ عن الزّهْرِيّ
إلاّ مَا ذَكَرَ سُهَيْلُ بنُ صَالحٍ.
وقد رَوَى الحُمَيْدِيّ هَذَا
الْحَدِيثَ عن ابنِ عُيَيْنَةَ، لَمْ يَذْكُرْ فيه "تَدَعُ الصّلاَةَ أيّامَ
أقْرَائِهَا". وَرَوَتْ قَمِيرُ بِنْتُ عَمْرٍو زَوْجُ مَسْرُوقٍ عن
عَائِشَةَ: "المُسْتَحَاضَةُ تَتْرُكُ الصّلاَةَ أيّامَ أقْرَائِهَا ثُمّ
تَغْتَسِلُ". وقال عَبْدُالرّحْمَنِ بنُ الْقَاسِمِ عن أبيهِ "إنّ
النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمَرَهَا أنْ تَتْرُكَ الصّلاَةَ قَدْرَ
أقْرَائِهَا". وَرَوَى أبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بنُ أبي وَحْشِيّةَ عن عِكْرَمَةَ
عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قال إنّ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ
اسْتُحِيضَتْ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَرَوَى شَرِيكٌ عن أبي الْيَقْظَانِ عن عَدِيّ
بنِ ثَابِتٍ عن أبِيهِ عن جَدّهِ عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
"المُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصّلاَةَ أيّامَ أقْرَائِهَا ثُمّ تَغْتَسِلُ
وَتُصَلّي". وَرَوَى الْعَلاَءُ بنُ المُسَيّبِ عن الْحَكَمِ عن أبي جَعْفَرٍ
قال "إنّ سَوْدَةَ اسْتُحِيضَتْ فَأمَرَهَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذَا
مَضَتْ أيّامُهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلّتْ"، وَرَوَى سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ عن
عَلَيَ وَابنِ عَبّاسٍ "المُسْتَحَاضَةُ تَجْلِسُ أيّامَ قُرْئِهَا".
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَمّارٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ وَطَلْقُ بنُ حَبِيبٍ عن ابنِ
عَبّاسٍ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْقِلٌ الْخَثْعَمِيّ عن عَلِيَ. وَكَذَلِكَ رَوَى
الشّعْبِيّ عن قَمِيرَ امْرَأةِ مَسْرُوقٍ عن عَائِشَةَ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَهُوَ
قَوْلُ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ وَعَطَاءِ وَمَكْحُولٍ وَإبْرَاهِيمَ
وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ "أنّ المُسْتَحَاضَةَ تَدَعُ الصّلاَةَ أيّامَ
أقْرَائِهَا".
281 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
يُونُسَ وَ عَبْدُالله بنُ مُحمّدٍ النّفَيْلِيّ قالا حدثنا زُهَيْرٌ أخبرنا
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ قالت "إنّ فَاطِمَةَ بِنتَ
أبي حُبَيْشٍ جَاءَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنّي امْرَأةٌ
أُسْتَحَاضُ فَلاَ أطْهُرُ، أفأدَعُ الصّلاَةَ؟ قال: إنّمَا ذِلِكَ عِرْقٌ
وَلَيْسَت بالحَيْضَةُ، فإذَا أقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصّلاَةَ، فإذَا
أدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدّمَ ثُمّ صَلّى".
282 ـ حدثنا الْقَعْنَبِيّ عن
مَالِكٍ عن هِشَامٍ بإسْنَادِ زُهَيْرٍ وَمَعْنَاهُ، قال: فإذَا أقْبَلَتِ
الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصّلاَةَ، فإذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي الدّمَ
عَنْكِ وَصَلّي".
*2*109 ـ باب إذا أقبلت الحيضة
تدع الصلاة
@283 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ حدثنا أبُو عَقِيلٍ عن بُهَيّةَ قالت: سَمِعْتُ امْرَأةً تَسْألُ
عَائِشَةَ عن امْرَأةٍ فَسَدَ حَيْضُهَا وَأهْرِيقَتْ دَماً، فأمَرَنِي رسولُ الله
صلى الله عليه وسلم أنْ آمُرَهَا فَلْتَنْظُرْ قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحِيضُ في كُلّ
شَهْرٍ وَحَيْضُهَا مُسْتَقِيمٌ فَلْتَعْتَدْ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنَ الأيّامِ ثُمّ
لِتَدَعِ الصّلاَةَ فِيهِنّ أوْ بِقَدْرِهِنّ ثُمّ لِتَغْتَسِلْ ثُمّ لِتَسْتَذْفِرْ
بِثَوْبٍ ثُمّ تُصَلّي".
284 ـ حدثنا ابنُ أبي عَقِيلٍ و
مُحمّدُ بنُ سَلَمَةَ المِصْرِيّانِ قالا أخبرنا ابنُ وَهْبٍ عن عَمْرِو بنِ
الْحَارِثِ عن ابنِ شِهَابٍ عن عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ وَ عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ
قالَتْ: إنّ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشِ خَتَنَةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
وَتَحْتَ عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَاسْتَفْتَتْ
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنّ هَذِهِ
لَيْسَتْ بالْحَيْضَةِ وَلَكِنْ هَذَا عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي وَصَلّي".
قال أبُو دَاوُدَ: زَادَ
الأوْزَاعِيّ في هَذَا الحديثِ عن الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عن عَائِشَةَ
قالت: "اسْتُحِيضَتْ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ وَهِيَ تَحْتَ
عَبْدُالرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ سَبْعَ سِنِينَ، فأمَرَهَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم
قال: إذَا أقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصّلاَةَ، فإذَا أدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي
وَصَلّي".
قال أبُو دَاوُدَ: وَلَمْ
يَذْكُرْ هَذَا الكَلاَمَ أحَدٌ مِنْ أصْحَابِ الزّهْرِيّ غَيْرُ الأوْزَاعِيّ.
وَرَوَاهُ عن الزّهْرِيّ عَمْرُو بنُ الْحَارِثِ وَاللّيْثِ وَيُونُسُ وَابنُ أبي
ذِئْبٍ وَمَعْمَرٌ وَإبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ وَسُلَيْمَانُ بنُ كَثِيرٍ وَابنُ
إسْحَاقَ وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا هذا الكلامَ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَإنّمَا
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أبِيهِ عن عَائِشَةَ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَزَادَ ابنُ
عُيَيْنَةَ فيهِ أيضاً "أمَرَهَا أنْ تَدَعَ الصّلاَةَ أيّامَ
أقْرَائِهَا" وَهُوَ وَهْمٌ من ابنِ عُيَيْنَةَ. وَحَدِيثُ مُحمّدِ بنِ
عَمْرٍو عن الزّهْرِيّ فيهِ شَيْءٌ وَيَقْرُبُ مِنَ الّذِي زَادَ الأوْزَاعِيّ في
حَدِيثِهِ.
285 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
المُثَنّى أخبرنا مُحمّدُ بنُ أبي عَدِيَ عن مُحمّدٍ ـ يَعْني ابنَ عَمْرٍو ـ قال
حَدّثَنِي ابنُ شِهَابٍ عن عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ عن فَاطِمَةَ بِنْتِ أبي
حُبَيْشٍ قال: "إنّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فقال لَها النّبيّ صلى الله عليه
وسلم: إذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فإنّهُ دَمٌ أسْوَدُ يُعْرَفُ، فإذَا كَانَ
ذَلِكَ فَامْسِكِي عن الصّلاَةِ، فإذَا كَانَ الاَخَرُ فَتَوَضّئِي وَصَلّي
فإنّمَا هُوَ عِرْق".
قال أبُو دَاوُدَ: قال ابنُ
المُثَنّى حدثنا بِهِ ابنُ أبي عَدِيَ من كِتَابِهِ هَكَذَا ثمّ حدثنا بِهِ بَعْدُ
حِفْظاً. قال حدثنا مُحمّدُ بنُ عَمْرٍو عن الزهْرِيّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ
قالت: إنّ فَاطِمَةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ. فَذَكَرَ مَعْنَاهُ.
قال الحافظ ابن القيم رحمه
الله:
حديث عروة عن فاطمة هذا ـ قال
ابن القطان: منقطع، لأنه انفرد به محمد ابن عمرو عن الزهري عن عروة، ورواه عن محمد
بن عمرو محمد بن أبي عدي مرتين: إحداهما من كتابه هكذا والثانية زاد فيه عائشة بين
عروة وفاطمة وهذا متصل، ولكن لما حدث به من كتابه منقطعاً ومن حفظه متصلاً فزاد
عائشة أورث ذلك نظراً فيه. وقد جاء في سنن أبي داود مصرحاً به أنه أخذه من عائشة
لا من فاطمة وروى أبو داود من حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله
عن المنذر بن المغيرة عن عروة: أن فاطمة حدثته أنها سألت رسول الله صلى الله عليه
وسلم لكن المغيرة مجهول، قاله أبو حاتم الرازي، والحديث عند غير أبي داود معنعن،
لم يقل فيه إن فاطمة حدثته. قال: وكذلك حديث سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة
حدثتني فاطمة "أنها أمرت أسماء ـ أو أسماء حدثتني أنها أمرتها فاطمة ـ أن
تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم" فهو مشكوك فيه في سماعه من فاطمة. قال:
وفي متن الحديث ما أنكر على سهيل، وعد مما ساء حفظه فيه، وظهر أثر تغيره عليه.
وذلك لأنه أحال فيه على الأيام، قال: "فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت
تقعد"،قال: والمعروف في قصة فاطمة الإحالة على الدم وعلى القروء تم كلامه.
وهذا كله عنت ومنا كدة من ابن القطان. أما قوله: إنه منقطع فليس كذلك، فإن محمد بن
أبي عدي مكانه من الحفظ والإتقان معروف لا يجهل. وقد حفظه وحدث به مرة عن عروة عن
فاطمة ومرة عن عائشة عن فاطمة وقد أدرك كلتيهما وسمع منهما بلا ريب، ففاطمة بنت
عمه وعائشة خالته فالانقطاع الذي رمى به الحديث مقطوع دابره، وقد صرح بأن فاطمة
حدثته به. وقوله: إن المغيرة جهله أبو حاتم لا يضره ذلك، فإن أبا حاتم الرازي يجهل
رجالاً وهم ثقات معروفون، وهو متشدد في الرجال. وقد وثق المغيرة جماعة وأثنوا عليه
وعرفوه. وقوله: الحديث عند غير أبي داود معنعن، فإن ذلك لا يضره، ولاسيما على أصله
في زيادة الثقة، فقد صرح سهيل عن الزهري عن عروة قال: حدثتني فاطمة، وحمله على
سهيل. وأن هذا مما ساء حفظه فيه ـ دعوى باطلة، وقد صح مسلم وغيره حديث سهيل.
وقوله: إنه أحال فيه على الأيام، والمعروف الإحالة على القروء والدم ـ كلام في
غاية الفساد، فإن المعروف الذي في الصحيح إحالتها على الأيام التي كانت يحتسبها
حيضها، وفي القروء بعينها، فأحدهما يصدق الاَخر. وأما إحالتها على الدم فهو الذي
ينظر فيه، ولم يروه أصحاب الصحيح، وإنما رواه أبو داود والنسائي، وسأل عنه ابن أبي
حاتم أباه فضعفه وقال: هذا منكر، وصححه الحاكم.
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوى أنَسُ
بنُ سِيرِينَ عن ابنِ عَبّاسٍ في المُسْتَحَاضَةِ قال: إذَا رَأتِ الدّمَ
الْبَحْرَانِيّ فَلا تُصَلّي وَإذَا رَأتِ الطّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ
وَتُصَلّي. قال مَكْحُولٌ: إنّ النّسَاءَ لا تَخْفَى عَلَيْهِنّ الْحَيْضَةُ، إنّ
دَمَهَا أسْوَدُ غَلِيظٌ، فإذَا ذَهَبَ ذَلِكَ وَصَارَتْ صُفْرَةً رَقِيقَةً
فإنّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتُصَلّي.
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَى
حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عن الْقَعْقَاعِ بنِ حَكِيمٍ عن
سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ في المُسْتَحَاضَةِ: "إذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ
تَرَكَتِ الصّلاَةَ، وَإذَا أدْبَرَتْ اغْتَسَلَتْ وَصَلّتْ".
وَرَوَى سُمَيّ وَغَيْرُهُ عن
سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ "يَجْلِسُ أيّامَ أقْرَائِهَا".
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمّادُ بنُ
سَلَمَةَ عن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَى
يُونُسُ عن الحَسَنِ: "الحائِضُ إذَا مَدّ بِهَا الدّمُ تُمْسِكُ بَعْدَ
حَيْضَتِها يَوْماً أوْ يَوْمَيْنِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ".
وقال التّيْمِيّ عن قَتَادَةَ
"إذَا زَادَ عَلَى أيّامِ حَيْضِهَا خَمْسَةُ أيّامٍ فَلْتُصَلّي. قال
التّيْمِيّ: فَجَعَلْتُ أنْقُصُ حَتّى بَلَغَتُ يَوْمَيْنِ، فقال: إذَا كَانَ
يَوْمَيْنِ فَهُوَ مِنْ حَيْضِهَا. وَسُئِلَ ابنُ سِيرِينَ عنه فقال: النّسَاءُ
أعْلَمُ بِذَلِكَ.
286 ـ حدثنا زُهَيْرُ بنُ
حَرْبٍ وَغَيْرُهُ قالا أخبرنا عَبْدُالمَلِكِ بنُ عَمْرٍو أخبرنا زُهَيْرُ بنُ
مُحمّدٍ عن عَبْدِالله بنِ مُحمّدِ بنِ عَقِيلٍ عن إبْرَاهِيمَ بنِ مُحمّدِ بنِ
طَلْحَةَ عن عَمّهِ عِمْرَانَ بنِ طَلْحَةَ عن أُمّهِ حِمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ
قالت: "كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فأتَيْتُ رسولَ
الله صلى الله عليه وسلم أسْتَفْتِيهِ وَأَخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ في بَيْتِ
أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُلْتُ: يارسولَ الله إنّي امْرَأةٌ
أُسْتَحَاضُ حَيْضَة كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَمَا تَرَى فيها قد منَعَتْنِي
الصّلاَةَ وَالصّوْمَ؟ فقال: أنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ فإنّهُ يُذْهِبُ الدّمَ.
قالت: هُوَ أكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. قال: فَاتّخِذِي ثَوْباً. فقالت: هُوَ أكْثَرُ
مِنْ ذَلِكَ، إنّمَا أثّجّ ثَجّا. قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: سَآمُرُكِ
بِأمْرَيْنِ أيّهُمَا فَعَلْتِ أجْزَى عَنْكِ مِنَ الاَخَرِ، فإنْ قَوِيتِ
عَلَيْهِمَا فأنْتِ أعْلَمُ. قال لَهَا: إنّمَا هِذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكْضَاتِ
الشّيْطَانِ، فَتَحَيّضِي سِتّةَ أيّامٍ أوْ سَبْعَةَ أيّامٍ في عِلْمِ الله
تَعَالَى ذِكْرُهُ، ثُمّ اغْتَسِلِي، حَتّى إذَا رَأيْتِ أنّكِ قَدْ طَهُرْتِ
وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلّي ثَلاَثاً وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أوْ أرْبعاً وَعِشْرِينَ
لَيْلَةً وَأيّامَهَا وَصُومِي فإنّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كلّ
شَهْرٍ كما يَحِضْنَ النّسَاءُ وَكما يَطْهُرْنَ مِيقاتَ حَيْضِهِنّ وَطُهْرِهِنّ،
فإنْ قَوِيتِ عَلَى أنْ تُؤَخّرِي الظّهْرَ وَتُعَجّلِي العَصْرَ فَتَغْتَسِلِ
وتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصّلاَتَيْنِ الظّهْرَ والْعَصْرَ وَتُؤَخّرِينَ المَغْرِبَ
وتُعَجّلِينَ الْعِشَاءَ ثُمّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصّلاَتَيْنِ
فَافْعَلِي وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ فَافْعَلِي وَصُومِي إنْ قَدَرْتِ
عَلَى ذَلِكَ. قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: وَهَذَا أعْجَبُ الأمْرَيْنِ
إلَيّ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ عن ابنِ عَقِيلٍ قالَ فقالت حَمْنَةُ: هَذَا أعْجَبُ
الأمْرَيْنِ إلَيّ، لَمْ يَجْعَلْهُ قَوْلَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، جَعَلَهُ
كلامَ حَمْنَةَ.
قال أبُو دَاوُدَ: كَانَ
عَمْرُو بن ثَابِتٍ رَافِضِيّا وَذَكَرَهُ عن يَحْيَى بنِ مُعِينٍ.
قال أبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ
أحْمَدَ يقولُ حَدِيثُ ابنُ عَقِيلٍ في نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ.
قال ابن القيم رحمه الله:
هذا الحديث مداره على ابن عقيل،
وهو عبد الله بن محمد بن عقيل، ثقة صدوق لم يتكلم فيه بجرح أصلاً. وكان الإمام
أحمد وعبد الله بن الزبير الحميدي وإسحاق ابن راهويه يحتجون بحديثه، والترمذي يصحح
له، وإنما يخشى من حفظه إذا انفرد عن الثقات أو خالفهم، أما إذا لم يخالف الثقات
ولم ينفرد بما ينكر عليه فهو حجة وقال البخاري في هذا الحديث: هو حديث حسن، وقال
الإمام أحمد: هو حديث صحيح. وأما ابن خزيمة فإنه أعله بأن قال لا يصح، لأن ابن
جريج لم يسمعه من ابن عقيل ثم ذكر عن الإمام أحمد أنه قال: قال ابن جريج: حدثت عن
ابن عقيل ولم يسمعه، قال أحمد: وقد رواه ابن جريج عن النعمان بن راشد، قال أحمد.
والنعمان يعرف فيه الضعف. وقال ابن منده. لا يصح هذا الحديث من وجه من الوجوه،
لأنه من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل. وقد أجمعوا على ترك حديثه.
والجواب عن هذه العلل.
أما قوله: أن ابن جريج لم يسمعه
من ابن عقيل وأن بينهما النعمان بن راشد فجوابه أن النعمان بن راشد ثقة. أخرج له
مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، واستشهد به البخاري، وقال:
في حديثه وهم كثير، وهو صدوق. وقال ابن أبي حاتم، أدخله البخاري في الضعفاء فسمعت
أبي يقول: يحول اسمه منه. فقد عادت علة هذا الحديث إلى النعمان بن راشد ومحمد بن ابن
عقيل، وابن عقيل قد تقدم عن الترمذي أن الحميدي، وإسحاق، والإمام أحمد، كانوا
يحتجون بحديثه، ودعوى ابن منده الإجماع على ترك حديثه غلط ظاهر منه.
ونحن نستوفي الكلام على هذا
الحديث بعون الله فنقول: قال الدارقطني في العلل: اختلف عن عبد الله بن محمد بن
عقيل في هذا الحديث، فرواه أبو أيوب الأفريقي عن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن
محمد بن عقيل عن جابر، قال: ووهم فيه، وخالفه عبيد الله بن عمر وابن جريج وعمرو بن
ثابت وزهير بن محمد وإبراهيم ابن أبي يحيى، فرووه عن ابن عقيل عن إبراهيم بن محمد
بن طلحة عن عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش. ورواه ابن ماجه في سننه عن محمد بن
يحيى عن عبدالرزاق عن ابن جريج عن ابن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمر
ابن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش. ورواه ابن ماجه في سننه عن محمد بن يحيى عن
عبدالرزاق عن ابن جريج عن ابن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمر بن طلحة عن
أم حبيبة. وكذلك رواه الترمذي في جامعه وقال: إن ابن جريج قال: عمر بن طلحة، قال
ورواه عبيد الله بن عمر الرقي وشريك، وذكر أنهما قالا: عمران بن طلحة. ورواه
الترمذي من طريق زهير بن محمد عن ابن عقيل فقال: عمران بن طلحة، وقد تقدم في كلام
الدارقطني أن ابن جريج قال فيه: عمران بن طلحة، وهو الصواب، فوقع الغلط من عمران
بن طلحة إلى عمر بن طلحة، وتعلق أبو محمد بن حزم في رده بأن قال: رواته. شريك،
وزهير بن محمد، وكلاهما ضعيف عن عمرو بن ثابت، وهو ضعيف، قال: وعمر بن طلحة غير
مخلوق، لا يعرف لطلحة ابن اسمه عمر. قال: والحارث بن أبي أسامة قد ترك حديثه فسقط
الخبر جملة. وهذا تعلق باطل أما شريك فقد تقدم ذكره، وتوثيق الأئمة له. وأما زهير
بن محمد فاحتج به الشيخان وباقي الستة، وعن الإمام أحمد فيه أربع روايات: إحداها ـ
أنه ثقة. والثانية ـ مستقيم الحديث. والثالثة ـ مقارب الحديث. والرابعة ـ ليس به
بأس. وعن يحيى بن معين فيه ثلاث روايات. إحداها ـ صالح لابأس به. والثانية ـ ثقة.
والثالثة ـ ضعيف. وقال عثمان الدارمي ثقة صدوق، وقال أبو حاتم محله الصدق، وقال
يعقوب بن شيبة صدوق صالح الحديث، وقال البخاري مارواه عنه أهل الشام فإنه منكر،
وما رواه عنه أهل البصرة فإنه صحيح وهذا الحديث قد رواه أبو داود والترمذي من حديث
أبي عامر العقدي ـ عبدالملك بن عمرو ـ عنه، وهو بصري، فيكون على قول البخاري
صحيحاً. وأما عمرو بن ثابت فلم ينفرد به عن ابن عقيل، فقد نقدم من رواه عن ابن
عقيل، وأنهم جماعة فلا يضر متابعة عمرو بن ثابت لهم. وأما قوله: عمر بن طلحة غير
مخلوق، فقد ذكرنا أن هذا وهم ممن سماه عمر، وإنما هو عمران بن طلحة. وقوله: الحارث
ابن أبي أسامة قد ترك حديثه، فإنما اعتمد في ذلك على كلام أبي الفتح الإزدي فيه،
ولم يلتفت إلى ذلك، وقد قال إبراهيم الحربي: هو ثقة، وقال البرقاني: أمرني
الدارقطني أن أخرج عنه في الصحيح ـ، وصحح له الحاكم، وهو أحد الأئمة الحفاظ.
*2*110 ـ باب ما روى أن
المستحاضة تغتسل لكل صلاة
@287 ـ حدثنا ابنُ أبي عَقِيلٍ
وَ مُحمّدُ بنُ سَلَمَة المُرَادِيّ قالا حدثنا ابنُ وَهْبٍ عن عَمْرِو بنِ
الحارِثِ عن ابنِ شِهَابٍ عن عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ وَ عَمْرَةَ بِنْتِ
عَبْدِالرّحْمَنِ عن عَائِشَةَ زَوْجِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: إنّ أُمّ
حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ خَتْنَةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وَتَحْتَ
عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَاسْتَفْتَتْ رسولَ
الله صلى الله عليه وسلم في ذَلِكَ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"إنّ" هَذِهِ لَيْسَتْ بالحَيْضَةِ وَلَكِنْ هَذَا عِرْقٌ فَاغْتَسِلي
وَصَلّي. قالت عائشةُ: فَكانَتْ تَغْتَسِلُ في مِرْكَنٍ في حُجْرَةِ أُخْتِهَا
زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حَتّى تَعْلُو حُمْرَةُ الدّمِ المْاءَ".
288 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ صَالحٍ
أخبرنا عَنْبَسَةُ أخبرنا يُونُسُ عن ابنِ شِهَابٍ قال أخبرتني عَمْرَةُ بِنْتُ
عَبْدِالرّحْمَنِ عن أُمّ حَبِيبَةَ بِهَذَا الحديثِ: "قالتْ عَائشةُ:
فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلّ صَلاَةٍ".
289 ـ حدثنا يَزِيدُ بنُ خَالِد
بنِ عَبْدِالله بنِ مَوْهِبٍ الْهَمْدَانِيّ حدّثني اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ عن ابنِ
شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ بِهَذَا الحديثِ قال فيه: "فَكَانَت
تَغْتَسِلُ لِكلّ صَلاَةٍ".
قال أبُو دَاوُدَ: قال
الْقَاسِمُ بنُ مَبْرُورٍ عن يُونُسَ عن ابنِ شِهَابٍ عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ عن
أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمر عن الزّهْرِيّ عن
عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ، وَرُبّمَا قال مَعْمَرٌ عن عَمْرَةَ عن أُمّ حَبِيبَةَ
بِمَعْنَاهُ. وكَذَلِكَ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ وَابنُ عُيَيْنَةَ عن
الزّهْرِيّ عن عَمْرَةَ عن عَائِشةَ. وقال ابنُ عُيَيْنَةَ في حَدِيثِهِ وَلَمْ
يَقُلْ إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمَرَهَا أنْ تَغْتَسِلَ.
290 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
إسْحَاقَ المُسَيّبِيّ حَدّثَني أبي عن ابنِ أبي ذِئْب عن ابنِ شِهَابٍ عن
عُرْوَةَ وَ عَمْرَةَ بِنتِ عَبْدِالرّحْمَنِ عن عَائشةَ قالت: "إنّ أُمّ
حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينِ فأمَرَهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
أنْ تَغْتَسِلَ، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكلّ صَلاَةٍ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
الأوْزَاعِيّ أيْضاً. قالتْ عَائشةُ: فَكَانتْ تَغْتَسِلُ لِكلّ صَلاَةٍ.
291 ـ حدثنا هَنّادُ بنُ
السّرِيّ عن عَبْدَةَ عن ابنِ إسْحَاقَ عن الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ عن عَائشةَ
قالت: "إنّ أُمّ حَبِيبَةَ بِنتَ جَحْش اسْتُحِيضَتْ في عَهْدِ رسولِ الله
صلى الله عليه وسلم، فأمَرَهَا بالْغُسْلِ لِكُلّ صَلاَةٍ" وَسَاقَ الحديثَ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
أبُو الوَلِيدِ الطّيَالِسِيّ وَلَم أسْمَعْهُ مِنْهُ عن سُلَيْمَانَ بنِ كَثِيرٍ
عن الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ قالت: "اسْتُحِيضَتْ زَيْنَبُ بِنتُ
جَحْشٍ، فقال لَها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اغْسِلِي لِكُلّ صَلاَةٍ"
وَسَاقَ الحَديثَ. قال أبُو دَاوُدَ: ورَوَاهُ عَبْدُالصّمَدِ عن سُلَيْمَانَ بنِ
كَثِيرٍ قال "تَوَضّئِي لِكُلّ صَلاَةٍ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَهَذَا
وَهْمٌ مِنْ عَبْدِالصّمَدِ وَالْقَوْلُ فِيه قَوْلُ أبي الْوَلِيدِ.
قال الشيخ شمس الدين بن القيم:
وقد رد جماعة من الحفاظ هذا
وقالوا زينب بنت جحش زوجه النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن مستحاضة، وإنما المعروف
أن أختيها أم حبيبة وحمنة هما اللتان استحيضتا. وقال أبو القاسم السهيلي: قال
شيخنا أبو النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن نجاح: أم حبيبة كان اسمها زينب فهما
زينبان، غلبت على إحداهما الكنية، وعلى الأخرى الاسم. ووقع في الموطإ: أن زينب بنت
جحش التي كانت تحت عبدالرحمَن بن عوف، واستشكل ذلك بأنها لم تكن تحت عبدالرحمَن،
وإنما كانت عنده أختها أم حبيبة وعلى ما قال السهيلي عن ابن نجاح يرتفع الإشكال.
292 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
عَمْرٍو بنِ أبي الحَجّاجِ أبُو مَعْمَرٍ أخبرنا عَبْدُالوَارِثِ عن الْحُسَيْنِ
عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عن أبي سَلَمَةَ قال "حَدّثَتْنِي زَيْنَبُ بِنتُ
أبي سَلَمَةَ أنّ امْرَأةً كَانتْ تُهْرَاقُ الدّمَ وكَانتْ تَحْتَ
عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمَرَهَا أنْ
تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلّ صَلاَةٍ وَتُصَلّي". وأخبرني أنّ أُمّ بَكْرٍ
أخبرتْهُ أنّ عَائِشَةَ قالت "إنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال في
المرأةَ تَرَى مَا يَرِيبِهَا بَعْدَ الطّهْرِ: إنّمَا هِيَ، أوْ قال إنّمَا هُوَ
عِرْقٌ. أو قال عُرُوقٌ".
قال أبُو دَاوُدَ: في حَدِيثِ
ابنِ عَقِيلٍ الأمْرَانِ جَمِيعاً. قال: "إنْ قَوِيتِ فَاغْتَسِلِي لِكُلّ
صَلاَةٍ وَإلاّ فَاجْمِعي" كما قال الْقَاسِمُ في حَدِيثِهِ. وقد رُوِيَ هذا
الْقَوْلُ عن سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ عن عَلِيَ وَابنِ عَبّاسٍ.
قال الحافظ شمس الدين ابن
القيم:
وقد اعل ابن القطان هذا الحديث
بأنه مرسل، قال لأن زينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم معدودة في التابعيات، وإن
كانت ولدت بأرض الحبشة فهي تروي عن عائشة وأمها أم سلمة، وحديث "لا يحل
لامرأة تؤمن بالله واليوم الاَخر أن تحد إلا على زوج" ترويه عن أمها وعن أم
حبيبة وعن زينب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما جاء عنها عن النبي صلى
الله عليه وسلم مما لم تذكر بينها وبينه أحداً، لم تذكر سماعاً منه، مثل حديثها
هذا، أو حديثها "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والحنتم"
وحديثها في تغيير اسمها.
وهذا تعليل فاسد، فإنها معروفة
الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أمها وأم حبيبة وزينب. وقد أخرج النسائي
وابن ماجة هذا الحديث من روايتها عن أم سلمة، والله أعلم، وقد حفظت عن النبي صلى
الله عليه وسلم ودخلت عليه وهو يغتسل فنضح في وجهها، فلم يزل ماء الشباب في وجهها
حتى كبرت.
*2*111 ـ باب من قال تجمع بين
الصلاتين وتغتسل لهما غسلا
@293 ـ حدثنا عُبَيْدُالله بنُ
مُعَاذٍ حَدّثَني أبي أخبرنا شُعْبَةُ عن عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ الْقَاسِمِ عن
أبيهِ عن عَائشةَ قالت: "اسْتُحِيضَتْ امْرَأةٌ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى
الله عليه وسلم، فأُمِرَتْ أنْ تُعَجّلَ الْعَصْرَ وَتُؤَخّرَ الظّهْرَ
وَتَغْتَسلَ لَهُمَا غُسلاً، وَأنْ تُؤَخّرَ المَغْرِبَ وَتُعَجّلَ الْعِشَاءَ
وَتَغْتَسلَ لَهُمَا غُسلاً، وَتَغْتَسلَ لِصَلاَةِ الصّبْحِ غُسلاً".
فَقُلْتُ لعَبْدِالرّحْمَنِ: عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا أُحَدّثُكَ
إلاّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ.
294 ـ حدثنا عَبْدُالْعَزِيزِ
بنُ يَحْيَى أخبرنا مُحمّدٌ ـ يَعْني ابنَ سَلَمَةَ ـ عن مُحمّدِ بنِ إسْحَاقَ عن
عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ الْقَاسِمِ عن أبِيهِ عن عَائشةَ قالت: "إنّ سَهْلَةَ
بِنْتَ سُهَيْلٍ اسْتُحيضَتْ، فأتَتِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأمَرَهَا أنْ
تَغْتَسلَ عِنْدَ كُلّ صَلاَةٍ، فَلَمّا جَهَدَهَا ذَلِكَ أمَرَهَا أنْ تَجْمَعَ
بَيْنَ الظّهْرِ والْعَصْرِ بِغُسلٍ وَالمَغْرِبِ والعِشَاءِ بِغُسْلٍ
وَتَغْتَسِلَ للِصّبْحِ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
ابنُ عُيَيْنَةَ عن عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ الْقَاسِمِ عن أبِيهِ قال إنّ امْرَأةً
اسْتُحِيضَتْ فَسَألَتِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأمَرَهَا بَمِعْنَاهُ.
295 ـ حدثنا وَهْبُ بنُ
بَقِيّةَ أخبرنا خَالِدٌ عن سُهَيْلٍ ـ يَعْني ابنَ أبي صَالحٍ ـ عن الزّهْرِيّ عن
عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ عن أسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قالت "قُلْتُ: يارسولَ
الله إنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أبي حُبَيْشٍ اسْتُحِيضَتْ مُنْذُ كَذَا وكَذَا فَلمْ
تُصَلّ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: سُبْحَانَ الله إنّ هَذَا مِنَ
الشّيْطَانِ، لِتَجْلِسْ في مِرْكَنٍ، فإذَا رَأتْ صُفْرَةً فَوْقَ الْمَاءِ
فَلْتَغْتَسِلْ لِلظّهْرِ والعَصْرِ غُسْلاً وَاحِداً، وَتَغْتَسِلْ لِلْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ غُسْلاً وَاحِداً، وَتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ غُسْلاً وَاحِداً،
وَتَوَضّأْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ".
قال أبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ
مُجَاهِدٌ عن ابنِ عَبّاسٍ: "لَمّا اشْتَدّ عَلَيْهَا الْغُسْلُ أمَرَهَا أنْ
تَجْمَعَ بَيْنَ الصّلاَتَيْنِ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
إبْرَاهِيمُ عن ابنِ عَبّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ عَبْدِالله
بنِ شَدّادٍ.
*2*112 ـ باب من قال تغتسل من
طهر إلى طهر
@296 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
جَعْفَرِ بنِ زِيَادٍ وأخبرنا عُثْمَانُ بنُ أبي شَيْبَةَ قال أخبرنا شَرِيكٌ عن
أبي الْيَقْظَانِ عن عَدِيّ بنِ ثَابِتٍ عن أبيهِ عن جَدّهِ عن النّبيّ صلى الله
عليه وسلم في المُسْتَحَاضَةِ "تَدَعُ الصّلاَةَ أيّامَ أقْرَائِهَا ثُمّ
تَغْتَسلُ وَتُصَلّي وَالْوُضُوءُ عِنْدَ كُلّ صَلاَةٍ".
قال أبُو دَاوُدَ: زَادَ
عُثْمَانُ "وَتَصُومُ وتُصَلّي".
297 ـ حدثنا عُثْمانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ أخبرنا وَكِيعٌ عن الأعمَشِ عن حَبِيبِ بنِ أبي ثَابِتٍ عن عُرْوَةَ عن
عَائِشَةَ قالت "جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنتُ أبي حُبَيْشٍ إلَى النّبيّ صلى الله
عليه وسلم، فَذَكَرَ خَبَرَهَا قال: ثُمّ اغْتَسِلي ثُمّ تَوَضّئِي لِكُلّ صَلاَةٍ
وَصَلّي".
298 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ سِنَان
الْقَطّانُ الْوَاسِطِيّ أخبرنا يَزِيدُ عن أيّوبَ بنِ أبي مِسْكِينٍ عن الحَجّاجِ
عن أُمّ كُلْثُومٍ عن عَائشَةَ في المُسْتَحَاضَةِ "تَغْتَسِلُ تَعْني مَرّةً
وَاحِدَةً ـ ثُمّ تُوَضّأُ إلَى أيّامِ أقْرَائِهَا".
299 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
سِنَانٍ الوَاسِطِيّ أخبرنا يَزِيدُ عن أيّوب أبي الْعَلاَءِ عن أبي شُبْرُمَةَ عن
امْرَأةِ مَسْرُوقٍ عن عَائشةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ
عَدِيّ بنِ ثَابِتٍ وَالأعْمَشِ عن حَبِيبٍ وأيّوبَ أبي الْعَلاَءِ كلّهَا
ضَعِيفَة لاَ تصُحّ. وَدَلّ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ الأعْمَشِ عَنْ حَبِيبٍ هَذا
الحديثُ أوْقَفَهُ حَفْصُ بنْ غِيَاثٍ عن الأعْمَشِ. وَأنْكَرَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ
أنْ يَكُونَ حدِيثُ حَبِيبٍ مَرْفوعاً. وَأوْقَفَهُ أيْضاً أسْبَاطٌ عن الأعمَشِ
مَوْقُوفٌ عن عَائِشَةَ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
ابنُ دَاوُدَ عن الأعمَشِ مَرْفوعاً أوّلُهُ وَأنْكَرَ أنْ يَكُونَ فيه الْوُضُوءَ
عِنْدَ كلّ صَلاَةٍ. وَدَلّ عَلَى ضَعْفِ حَديثِ حَبِيبٍ هَذَا أنّ رِوَايَةَ
الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ قالت "فَكَانتْ تَغْتَسِلُ لِكلّ صَلاةٍ
في حديثِ المُسْتَحَاضَةِ" وَرَوَى أبُو الْيَقْظَانِ عن عَدِيّ بنِ ثَابِتٍ
عن أبيه عن عَلِيّ وَعَمّارَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عن ابنِ عَبّاسٍ. وَرَوى
عَبْدُالمَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ وَبَيَانُ وَمُغِيرَةٌ وَفِرَاسٌ وَمُجَالِدٌ عن
الشّعْبِيّ عن حديثِ قَمِيرٍ عن عَائشةَ "تَوَضّأُ لِكُلّ صلاةٍ"
وَرِوَايَةِ دَاوُدَ وَعَاصِمٍ عن الشّعْبِيّ عن قَمِيرَ عن عَائِشَةَ
"تَغْتَسلُ كلّ يَوْمٍ مَرّةً" وَرَوى هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عن أبِيهِ
"المُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضّأُ لِكُلّ صَلاةٍ".
وهذه الأحاديثُ كلّهَا
ضَعِيفَةٌ إلاّ حديثَ قَمِيرَ وحديثَ عَمّارٍ مَوْلَى بَني هَاشِمٍ وحديثَ هِشَامِ
بنِ عُرْوَةَ عن أبِيهِ، وَالمَعْرُوفُ عن ابنِ عَبّاسٍ الْغُسْلُ.
*2*113 ـ باب من قال المستحاضة
تغتسل من ظهر إلى ظهر
@300 ـ حدثنا الْقَعْنَبِيّ عن
مَالِكٍ عن سُمَيَ مَوْلَى أبي بَكْرٍ "أنّ الْقَعْقَاعَ وَزَيْدُ بنَ
أسْلَمِ أرْسَلاَهُ إلَى سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ يَسْألُهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ
المُسْتَحَاضَةُ؟ فقال: تَغْتَسِلُ مِنْ ظُهْرٍ إلَى ظُهْرٍ، وَتَوَضّأُ لِكُلّ
صَلاَةٍ، فإنْ غَلَبَهَا الدّمُ اسْتَثْفَرَتْ بِثَوْبٍ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ عن
ابنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ "تَغْتَسِلُ مِنْ ظُهْرٍ إلَى
ظُهْرٍ"، وَكَذَلِكَ رَوَى دَاوُدُ وَعَاصِمٌ عن الشّعْبيّ عن امْرَأَتِهِ عن
قَمِيرَ عن عَائشةَ، إلاّ أَنّ دَاوُدَ قال: كلّ يَوْمٍ، وفي حديثِ عَاصِمٍ:
عِنْدَ الظّهْرِ وَهُوَ قَوْلُ سَالِمِ بنِ عَبْدِالله وَالْحَسَنِ وَعَطَاءِ.
قال أبُو دَاوُدَ: قال مَالِكٌ:
إنّي لاَ أظُنّ حديثَ ابنِ المُسَيّبِ "مِنْ ظُهْرٍ إلَى ظُهْرٍ" قال
فيه "إنّمَا هُوَ مِنْ طُهْرٍ إلَى طُهْرٍ" وَلَكِنّ الْوَهْمَ دَخَلَ
فيه فَقَلَبَهَا النّاسُ فقالو "مِنْ ظُهْرٍ إلَى ظُهْرٍ". وَرَوَاهُ
مِسْوَرُ بنُ عَبْدِالمَلِكِ بنِ سَعِيدِ بنِ عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ يَرْبُوعٍ قال
فيه "مِنْ طُهْرٍ إلَى طُهْرٍ" فَقَلَبَهَا النّاسُ "مِنْ ظُهْرٍ
إلَى ظُهْرٍ".
*2*114 ـ باب من قال تغتسل كل
يوم مرة ولم يقل عند الظهر مرة
@301 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
حَنْبَلٍ حدثنا عَبْدِالله بنِ نُمَيْرٍ عن مُحمّدِ بنِ أبي إسْمَاعِيلَ ـ وَهُوَ
مُحمّدُ بنُ رَاشِدٍ ـ عن مَعْقِلِ الْخَثْعَمِيّ عن عَلِيّ قال
"المُسْتَحَاضَةُ إذَا انْقَضَى حَيْضُهَا اغْتَسَلَتْ كلّ يَوْمٍ
وَاتّخَذَتْ صُوفَةً فِيهَا سَمْنٌ أوْ زَيْتٌ".
*2*115 ـ باب من قال تغتسل بين
الأيام
@302 ـ حدثنا القَعْنَبِيّ
أخبرنا عَبْدُالْعَزِيزِ ـ يَعْني ابنَ مُحمّدٍ ـ عن مُحمّدِ بنِ عُثْمَانَ
"أنّهُ سَألَ الْقَاسِمَ بنَ مُحمّدٍ عن المُسْتَحَاضَةِ قال "تَدَعُ
الصّلاَةَ أيّامَ أقْرَائِهَا ثُمّ تَغْتَسلُ فَتُصَلّي ثُمّ تَغْتَسلُ في
الأيّامِ".
*2*116 ـ باب من قال توضأ لكل
صلاة
@303 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
الْمُثَنّى أخبرنا ابنُ أبي عَدِيّ عن مُحمّدٍ ـ يَعْنِي ابنَ عَمْرٍو ـ قال
حَدّثني ابنُ شِهَابٍ عن عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ عن فَاطِمَةَ بِنْتِ أبي
حُبَيْشٍ "أنّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فقال لَهَا النّبيّ صلى الله عليه
وسلم: إذَا كَانَ دَمُ الحَيْضِ فإنّهُ دَمٌ أسْوَدُ يُعْرَفُ، فإذَا كَانَ ذَلِكَ
فأمْسِكِي عن الصّلاَةِ فإذَا كَانَ الاَخَرُ فَتَوَضّئِي وَصَلّي".
قال أبُو دَاوُدَ: قال ابنُ
المُثَنّى: وحدثنا به ابنُ أبي عَدِيَ حَفْظاً فقال: عن عُرْوَةَ عن عَائشةَ أنّ
فَاطِمَةَ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ عن
الْعَلاَءِ بنِ المُسَيّبِ وَشُعْبَةَ عن الْحَكَمِ عن أبي جَعْفَرٍ قال
الْعَلاَءُ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وَأوْقَفَهُ شُعْبَةُ عَلَى أبي
جَعْفَر تَوَضّأَ لكُلّ صَلاَةٍ.
*2*117 ـ باب من لم يذكر الوضوء
إلا عند الحدث
@304 ـ حدثنا زِيَادُ بنُ
أيّوبَ أخبرنا هُشَيْمٌ أخبرنا أبُو بِشْرٍ عن عِكْرَمَةَ قال: "إنّ أُمّ
حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ فأمَرَهَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنْ
تَنْتَظِرَ أيّامَ أقْرَائِهَا ثُمّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلّي، فإنْ رَأتْ شَيْئاً
مِنْ ذَلِكَ تَوَضّأَتْ وَصَلّتْ".
305 ـ حدثنا عَبْدُالمَلِكِ بنُ
شُعَيْبٍ حَدّثَنِي عَبْدُالله بنُ وَهْبٍ حَدّثني اللّيْثُ عن رَبِيعَةَ
"أنّهُ كَانَ لا يَرى عَلَى المُسْتَحَاضَةِ وُضُوءاً عِنْدَ كُلّ صَلاَةٍ
إلاّ أنْ يُصِيبَهَا حَدَثٌ غَيْرٍ الدّمِ فَتَوَضّأُ".
قال أبُو دَاوُدَ: هَذَا قَوْلُ
مَالِكٍ ـ يَعْني ابنَ أنَسٍ.
*2*118 ـ باب في المرأة ترى
الصفرة والكدرة بعد الطهر
@306 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ أخبرنا حَمّادٌ عن قَتَادَةَ عن أُمّ الْهُذَيْلِ عن أُمّ عَطِيّةَ ـ
وَكَانَتْ بَايَعتْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ـ قالت: "كُنّا لا نَعُدّ
الْكُدْرَةَ وَالصّفْرَةَ بَعْدَ الطّهْرِ شَيْئاً".
307 ـ حدثنا مُسَدّدٌ أخبرنا
إسْمَاعِيلُ أخبرنا أيّوبُ عن مُحمّدِ بنِ سِيرِينَ عن أُمّ عَطِيّةَ بِمِثْلِهِ.
قال أبُو دَاوُدَ: أُمّ
الْهُذَيْلِ هِيَ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ كَانَ ابْنُهَا اسْمُهُ هُذَيْلٌ
وَاسْمُ زَوْجِهَا عَبْدُالرّحْمَنِ.
*2*119 ـ باب المستحاضة يغشاها
زوجها
@308 ـ حدثنا إبْرَاهِيمُ بنُ
خَالِدٍ أخبرنا مُعَلّى بنُ مَنْصُورٍ عن عَلِيّ بنِ مُسْهِرٍ عن الشّيْبَانِيّ عن
عِكْرَمَةَ قال: "كَانَتْ أُمّ حَبِيبَة تُسْتَحَاضُ فَكَانَ زَوْجُهَا
يَغْشَاهَا".
قال أبُو دَاوُدَ: قال يَحْيَى
بنُ مُعِينٍ: مُعَلّى ثِقَةٌ، وكَانَ أحْمَدُ بنُ حَنْبلٍ لا يَرْوِي عَنْهُ
لاِءَنّهُ كَانَ يَنْظُرُ في الرّأْيِ.
309 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ أبي
سُرَيْجٍ الرّازِيّ أخبرنا عَبْدُالله بنُ الْجَهْمِ أخبرنا عَمْرُو بنُ أبي
قَيْسٍ عن عَاصِمٍ عن عِكْرَمَةَ عن حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ "أنّهَا كَانَتْ
مُسْتَحَاضَةً وكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا".
*2*120 ـ باب ما جاء في وقت
النفساء
@310 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
يُونُسَ أخبرنا زُهَيْرٌ أخبرنا عَلِيّ بنُ عَبْدِالأعْلَى عن أبي سَهْلٍ عن
مُسّةَ عن أُمّ سَلَمَةَ قالت: "كَانَتِ النّفْساءُ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله
صلى الله عليه وسلم تَقْعُدُ بَعْدَ نِفَاسِهَا أرْبَعِينَ يَوْماً أوْ أرْبَعِينَ
لَيْلَةً، وَكُنّا نَطْلِي عَلَى وُجُوهِنَا الْوَرْسَ ـ تَعْني مِنَ الْكَلَفِ".
311 ـ حدثنا الْحَسَنُ بنُ
يَحْيَى أخبرنا مُحمّدُ بنُ حَاتِمِ ـ يَعْني حِبّي ـ أخبرنا عَبْدُالله بنُ
المُبَارَكِ عن يُونُسَ بنِ نَافِعٍ عن كَثِيرٍ بنِ زِيَادٍ قال حَدّثَتْني
الأزْدِيّةُ ـ يَعْني مُسّةَ ـ قالت: "حَجَجْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى أُمّ
سَلَمَةَ فَقُلْتُ: يا أُمّ المُؤْمِنِينَ إنّ سَمُرَةَ بنَ جُنْدُبٍ يَأْمُرُ
النّسَاءَ يَقْضِينَ صَلاَة المَحِيضِ فقالت: لا يَقْضِينَ. كَانَتِ المَرْأةُ
مِنْ نِسَاءِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تَقْعُدُ في النّفَاسِ أرْبَعِينَ
لَيْلَةً لا يَأمُرُهَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم لِقَضَاءِ صَلاَةِ
النّفَاسِ".
قال مُحمّدٌ: يَعْني ابنَ
حَاتِمٍ: واسْمُهَا مُسّةُ تُكْنَى أُمّ بُسّةَ.
قال أبُو دَاوُدَ: كَثِيرُ بنُ
زِيَادٍ كُنْيَتُهُ أبُو سَهْلٍ.
قال الشيخ شمس الدين بن القيم:
وقد روى عنها (أي عن مسة): أبو
سهل كثير بن زياد، والحكم بن عنيبة، ومحمد بن عبد الله العرزمي، وزيد بن علي بن
الحسين.
*2*121 ـ باب الاغتسال من الحيض
@312 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
عَمْرٍو الرّازِيّ حدثنا سَلَمَةُ ـ يَعني ابنَ الْفَضْلِ ـ أخبرنا مُحَمّدٌ ـ
يَعني ابنَ إسْحاقَ ـ عن سُلَيْمَانَ بنِ سُحَيْمٍ عن أُمَيّةَ بِنْتِ أبي
الصّلْتِ عن امْرَأةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَدْ سَمّاهَا لِي قالت:
"أرْدَفَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَقِيبَةَ رَحْلِهِ، قالت:
فَوَالله لَنَزَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلَى الصّبْحِ فأنَاخَ
وَنَزَلْتُ عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلِهِ فإذَا بِهَا دَمٌ مِنّي، وكَانَتْ أوّلَ
حَيْضَةٍ حِضْتُهَا. قالت: فَتَقَبّضْتُ إلَى النّاقَةِ وَاسْتَحْيَيْتُ فَلَمّا
رَأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَا بِي وَرَأى الدّمَ قال: مَا لَكِ لَعَلّكِ
نَفَسْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قال: فأصْلِحِي مِنْ نَفْسِكِ، ثُمّ خُذِي إنَاءًا مِنْ
مَاء فَاطّرِحِي فِيهِ مِلْحاً ثُمّ اغْسِلي مَا أصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنَ الدّمِ
ثُمّ عُودِي لِمَرْكَبِكِ. قالتْ: فَلَمّا فَتَحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
خَيْبَرَ رَضَخَ لَنَا مِنَ الْفَيْءِ. قالت: وكَانَتْ لا تَطّهّرُ مِنْ حَيْضَةٍ
إلاّ جَعَلَتْ في طَهُورِهَا مِلْحاً، وأوْصَتْ بِهِ أنْ يُجْعَلَ في غُسْلِهَا
حِينَ مَاتَتْ".
313 ـ حدثنا عُثْمانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ أخبرنا سَلاّمُ بنُ سُلَيْمٍ عن إبْرَاهِيمَ بنِ مُهَاجِرٍ عن صَفِيّة
بِنْتِ شَيْبَةَ عن عَائشةَ قالت: "دَخَلَتْ أسْمَاءُ عَلَى رسولِ الله صلى
الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يارسولَ الله كَيْفَ تَغْتَسِلُ إحْدَانَا إذَا
طَهُرَتْ مِنَ الْمَحِيْضِ؟ قال: تَأْخُذُ سِدْرَهَا وَمَاءَهَا فَتَوَضّأُ ثُمّ
تَغْسلُ رَأْسَهَا وَتَدْلُكُهُ حَتّى يَبْلُغَ المَاءُ أُصُولَ شَعْرِهَا ثُمّ
تُفِيضُ عَلَى جَسَدِهَا ثُمّ تَأْخُذُ فِرْصَتَهَا فَتَطّهّرَ بِهَا. قالت:
يارسولَ الله كَيْفَ أتَطَهّرُ بِهَا؟ قالت عَائشةُ: فَعَرَفْتُ الّذِي يُكْنَى
عَنْهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ لَهَا: تَتّبِعِينَ آثَارَ
الدّمِ".
314 ـ حدثنا مُسَدّدٌ بنُ
مُسَرْهَدٍ أخبرنا أبُو عَوَانَةَ عن إبْرَاهِيمَ بنِ مُهَاجِرٍ عن صَفِيّةَ
بِنْتِ شَيْبَةَ عن عَائشةَ أنّهَا ذَكَرَتْ نِسَاءَ الأنْصَارِ فأثْنَتْ
عَلَيْهِنّ وَقَالَتْ لَهُنّ مَعُرُوفاً. قَالَتْ: دَخَلَتِ امْرَأةٌ مِنْهُنّ
عَلَى رسولِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ، إلاّ أنّهُ قال
"فِرْصَةً مُمَسّكَةً". قال مُسَدّدٌ "كَانَ أبُو وَانَةَ يقولُ
فِرْصَةً، كَانَ أبُو الأحْوَصِ يقولُ قِرْصَةَ".
315 ـ حدثنا عُبَيْدُالله بنُ
مُعَاذٍ أخبرنا شُعْبَةُ عن إبْرَاهِيمَ ـ يعْني ابنَ مُهَاجِرٍ ـ عن صَفِيّةَ
بِنْتِ شَيْبَةَ عن عَائِشَةَ "أنّ أسْمَاءَ سَألَتِ النّبيّ صلى الله عليه
وسلم بِمَعْنَاهُ قال: فِرْصَةً مُمَسّكَةً. فَقالَتْ: كَيْفَ أتَطَهّرُ بِهَا؟
قال: سُبْحَانَ الله، تَطَهّرِي بِهَا. وَاسْتَتَرَ بِثَوْبٍ، وَزَادَ:
وَسَألَتْهُ عن الْغُسْلِ مِنَ الْجِنَابَةِ. قال: تَأْخُذِينَ مَاءَكِ
فَتَطّهّرِينَ أحْسَنَ الطّهُورِ وَأبْلَغَهُ، ثُمّ تَصُبّينَ عَلَى رَأْسَكِ
المَاءَ، ثُمّ تَدْلُكِينَهُ حَتّى يَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِكِ، ثُمّ تُفِيضِينَ
عَلَيْكِ الْمَاءَ. وَقَالَتْ عَائشةُ: نِعْمَ النّسَاءُ نِسَاء الأنْصَارِ، لَمْ
يَكُنّ يَمْنَعْهُنّ الْحَيَاءُ أنْ يَسْأَلْنَ عن الدّينِ وَأنْ يَتَفَقّهْنَ
فِيهِ".
*2*122 ـ باب التيمم
@316 ـ حدثنا عَبْدُالله بنُ
مُحَمّدٍ النّفَيْلِيّ أخْبَرَنَا أبُو مُعَاوِيَةَ ح. وحدثنا عُثمانُ بنُ أبي
شَيْبَةَ أخبرنا عَبْدَةُ ـ المَعْنَى وَاحِدٌ ـ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن
أبِيهِ عن عَائشَةَ قَالَتْ: "بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أُسَيْدَ
بنَ حُضَيْرٍ وَأُنَاساً مَعَهُ في طَلَبِ قَلاَدَةٍ أضَلّتْهَا عَائشةُ،
فَحَضَرَتِ الصّلاَةُ، فَصَلّوا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فأتَوْا النّبيّ صلى الله عليه
وسلم، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فأُنْزِلَتْ آيَةُ التّيَمّمِ. زَادَ ابنُ
نُفَيْلٍ: فقال لَها أُسَيْدٌ: يَرْحَمُكِ الله مَا نَزَلَ بِكِ أمْرٌ
تَكْرَهِينَهُ إلاّ جَعَلَهُ الله لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِ فِيهِ فَرَجاً".
317 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ صَالحٍ
أخبرنا عَبْدُالله بنُ وَهْبٍ حدّثَني يُونُسُ عن ابنِ شِهَابٍ قال إنّ
عُبَيْدَالله بنَ عَبْدِالله بنِ عُتْبَةَ حَدّثَهُ عن عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ أنّهُ
كَانَ يُحَدّثُ أنّهُمْ تَمَسّحُوا وَهُمْ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
بالصّعِيدِ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ، فَضَرَبُوا بِأَكُفّهِم الصّعِيدَ، ثُمّ مَسَحُوا
وُجُوهَهُمْ مَسْحَةً وَاحِدَةً ثُمّ عَادُوا فَضَرَبُوا بأكُفّهِمْ الصّعِيدَ
مَرّةً أُخْرَى، فَمَسَحُوا بأيْدِيهِمْ كُلّهَا إلَى المَنَاكِبِ وَالاَبَاطِ
مِنْ بُطُونِ أيْدِيهِمْ".
318 ـ حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ
دَاوُدَ المَهْرِيّ وَ عَبْدُالمَلِكِ بنُ شُعَيْبٍ عن ابنِ وَهْبٍ نَحْوَ هَذا
الحديثِ قال: "قَامَ المُسْلِمُونَ فَضَرَبُوا بأكُفّهِمْ التّرَابَ وَلَمْ
يَقْبِضُوا مِنَ التّرَابِ شَيْئاً" فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ
المَنَاكِبَ وَالاَبَاطِ. قال ابنُ اللّيْثِ: إلَى مَا فَوْقَ المِرْفَقَيْنِ.
319 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
أحْمَدَ بنِ أبي خَلَفٍ وَ مُحمّدُ بنُ يَحْيَى النّيْسَابُورِيّ في آخَرِينَ
قالوا أخبرنا يَعْقُوبُ أخبرنا أبي عن صَالحٍ عن ابنِ شِهَابٍ حَدّثَني
عُبَيْدَالله بنُ عَبْدِالله عن ابنِ عَبّاسٍ عن عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ "أنّ
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عَرّسَ بأُولاَتِ الْجَيْشِ وَمَعَهُ عَائشةُ،
فَانْقَطَعَ عِقْدٌ لَهَا مِنْ جَزْعِ ظِفَارٍ، فَحَبَسَ النّاسَ ابْتِغَاءُ
عِقْدِهَا ذَلِكَ حَتّى أضَاءَ الْفَجْرُ وَلَيْسَ مَعَ النّاسِ مَاءٌ، فَتَغَيّظَ
عَلَيْهَا أبُو بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهُ وقال: حَبَسْتِ النّاسَ وَلَيْسَ
مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأنْزَلَ الله تَعالَى ذِكْرُهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه
وسلم رُخْصَةَ التّطْهِرِ بالصّعِيدِ الطّيّبِ، فَقَامَ المُسْلِمُونَ مَعَ رسولِ
الله صلى الله عليه وسلم فَضَرَبُوا بأيْدِيهِمْ إلَى الأرْضِ ثُمّ رَفَعُوا
أيْدِيهِمْ وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التّرَابِ شَيْئاً، فَمَسَحُوا بِهَا
وُجُوهَهُمْ وَأيْدِيَهُمْ إلَى المَنَاكِبِ وَمِنْ بُطُونِ أيْدِيهِمْ إلَى
الاَبَاطِ. زَادَ ابنُ يَحْيَى في حَدِيثِهِ: قال ابنُ شِهَابٍ في حَدِيثِهِ:
وَلاَ يَعْتَبِرُ بِهَذَا النّاسُ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ ابنُ إسْحَاقَ، قال فيه عن ابنِ عَبّاسٍ: وَذَكَر ضَرْبَتَيْنِ كما ذَكَرَ
يُونُسَ. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ ضَرْبَتَيْنِ. وقال مَالِكٌ عن
الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِالله بنِ عَبْدِالله عن أبِيهِ عن عَمّارٍ. وَكَذَلِكَ قال
أبُو أُوَيْسٍ عن الزّهْرِيّ. وَشَكّ فيه ابنُ عُيَيْنَةَ قال مَرّةً عن
عُبَيْدِالله عن أبِيهِ، أوْ عن عُبَيْدِالله عن ابنِ عَبّاسٍ، مَرّةً قال عن
أبِيهِ، وَمَرّةً قال عن ابنِ عَبّاسٍ. اضْطَرَبَ ابنُ عُيَيْنَةَ فيه وفي
سَمَاعِهِ عن الزّهْرِيّ وَلم يَذْكُرْ أحَدٌ مِنْهُمْ في هذا الحديثِ
الضّرْبَتَيْنِ إلاّ مَنْ سَمّيْتُ.
320 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
سُلَيْمَانَ الأنْبَارِيّ أخبرنا أبُو مُعَاوِيَةَ الضّرِيرُ عن الأعْمَشِ عن
شَقِيقٍ قال: "كُنْتُ جَالِساً بَيْنَ عَبْدِالله وَأبي مُوسَى، فقال أبُو
مُوسَى: يا أبَا عَبْدِالرّحْمَنِ أرَأيْتَ لَوْ أنّ رَجُلاً أجْنَبَ فَلَمْ
يَجِدَ الْمَاءَ شَهْراً أمَا كَانَ يَتَيَمّمُ؟ قال: لاَ وإنْ لَمْ يَجِدَ
الْمَاءَ شَهْراً. فقال أبُو مُوسَى: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الاَيَةِ
الّتِي في سُورَةِ الْمَائِدَةَ {فَلمْ تَجِدُوا مَاءًا فَتَيَمّمُوا صَعِيداً
طَيّباً}. فقال: عَبْدُالله: لَوْ رُخّصَ لَهُمْ في هَذا لأوْشَكُوا إذَا بَرَدَ
عَلِيْهِمُ المَاءُ أنْ يَتَيَمّمُوا بالصّعِيدَ. فقال لهُ أبُو مُوسَى: وإنّمَا
كَرِهْتُمْ هَذَا لِهَذَا؟ قال: نَعَمْ. فقال لهُ أبُو مُوسَى: ألَمْ تَسْمَعْ
قَوْلَ عَمّارٍ لَعُمَرَ: بَعَثَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَاجَةٍ
فأجْنَبْتُ فَلَمْ أجِدِ الْمَاءِ فَتَمَرّغْتُ في الصّعِيدِ كما تَتَمَرّغُ
الدّابَةُ، ثُمّ أتَيْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ،
فقال: إنّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أنْ تَصْنَعَ هَكَذَا، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى
الأرْضِ فَنَفَضَهَا، ثُمّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ وَبِيَمِينِهِ
عَلَى شِمَالِهِ عَلَى الْكَفّيْنِ، ثُمّ مَسَحَ وَجْهَهُ. فقال لَهُ عَبْدُالله:
أفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمّارٍ".
321 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
كَثِيرٍ الْعَبْدِيّ أخبرنا سُفْيَانُ عن سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ عن أبي مَالِكٍ عن
عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ أبْزَى قال: "كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ
فقال: إنّا نَكُونُ بالمَكَانِ الشّهْرِ أو الشّهْرَيْنِ. فقال عُمَرُ: أمّا أنَا
فَلَمْ أكُنْ أُصَلّي حَتّى أجِدَ الْمَاءَ. قال فقال عَمّارٌ: يا أمِيرَ
المُؤْمِنِينَ أمَا تَذْكُرُ إذْ كُنْتُ أنَا وَأنْتَ في الإبْلِ فأصَابَتْنَا
جَنَابَةٌ، فأمّا أنَا فَتَمَعّكْتُ فأتَيْنَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فقال: إنّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أنْ تَقُولَ هَكَذَا،
وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إلَى الأرْضِ ثُمّ نَفَخَهُمَا ثُمّ مَسّ بِهِمَا وَجْهَهُ
وَيَدَيْهِ إلَى نِصْفِ الذّرَاعِ. فقال عُمَرُ: يا عَمّارُ اتّقِ الله. فقال: ياَ
أمِيرَ المُؤْمِنِينَ إنْ شِئْتَ وَالله لَمْ أذْكُرْهُ أبَداً. فقال عُمَرٌ:
كَلاّ وَالله لَنُوَلّيَنّكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلّيْتَ".
322 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
الْعَلاَءِ أخبرنا حَفْصٌ أخبرنا الأعمَشُ عن سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ عن ابنِ
أبْزَى عن عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ في هَذا الحديثِ فقال: ياَعَمّارُ إنّمَا كَانَ
يَكْفِيكَ هَكَذَا، ثُمّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأرْضَ ثُمّ ضَرَبَ إحْدَاهُمَا عَلَى
الأُخْرَى، ثُمّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَالذّرَاعَيْنِ إلَى نِصْفِ السّاعِدِ وَلَمْ
يَبْلُغ المِرْفَقَيْنِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
وَكِيعٌ عن الأعمَشِ عن سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ عن عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ أبْزَى.
وَرَوَاهُ جَرِيرٌ عن الأعمَشِ عن سَلَمَةَ عن سَعِيدِ بنِ عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ
أبْزَى ـ يَعْني عن أبِيهِ.
323 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
بَشّارٍ أخبرنا مُحمّدٌ ـ يعَني ابنَ جَعْفَرَ ـ أخبرنا شُعْبَةُ عن سَلَمَةَ عن
ذَرَ عن ابنِ عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ أبْزَى عن أبِيهِ عن عَمّارٍ بِهَذِهِ
الْقِصّةِ فقال: إنّمَا كَانَ يَكْفِيكَ. وَضَرَبَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
بِيَدِهِ إلَى الأرْضِ ثُمّ نَفَخَ فِيهَا وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَكَفّيْهِ.
شَكّ سَلَمَةُ قال: لاَ أدْرِي فيه إلى المِرْفَقَيْنِ ـ يَعْني أو إلى
الْكَفّيْنِ".
324 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ سَهْلٍ
الرّمْلِيّ أخبرنا حَجّاجٌ ـ يَعْني الأعْوَرَ ـ حَدّثَني شُعْبَةُ بإسْنَادِهِ
بِهَذَا الحديثِ قال: ثُمّ نَفَخَ فيهَا وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَكَفّيْهِ إلَى
المِرْفَقَيْنِ أو الذّرَاعَيْنِ. قال شُعْبَةُ: كَانَ سَلَمَةُ يقولُ:
الْكَفّيْنِ وَالْوَجْهِ وَالذّرَاعَيْنِ. فقال لهُ مَنْصُورُ ذَاتَ يَوْمٍ:
أُنْظُرْ مَا تَقُولُ فإنّهُ لا يَذْكُرُ الذّرَاعَيْنِ غَيْرُكَ.
325 ـ حدثنا مُسَدّدٌ أخبرنا
يَحْيَى عن شُعْبَةُ حَدّثَني الْحَكَمُ عن ذرّ عن ابنِ عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ
أبْزَى عن أبِيهِ عن عَمّارٍ في هذا الحديثِ قال: فقال ـ يَعني النّبيّ صلى الله
عليه وسلم "إنّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ إلَى الأرْضِ
وَتَمْسَحَ بِهَا وَجْهَكَ وَكَفّيْكَ" وسَاقَ الحديثَ.
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
شُعْبَةُ عن حُصَيْنٍ عن أبي مَالِكٍ قال سَمِعْتُ عَمّاراً يَخْطُبُ بِمِثْلِهِ،
إلاّ أنّهُ قال: لَمْ يَنْفُخْ. وَذَكَرَ حُسَيْنُ بنُ مُحمّدٍ عن شُعْبَةَ عن
الحَكَمِ في هذا الحديث قال: فَضَرَبَ بِكَفّيْهِ إلَى الأرْضِ وَنَفَخَ.
326 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
المِنْهَالِ أخبرنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عن سَعِيدٍ عن قَتَادَةَ عن عَزْرَةَ عن
سَعِيدِ بنِ عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ أبْزَى عنْ أبِيهِ عن عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ قال:
"سَألْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن التّيَمّمِ فأمَرَنِي ضَرْبَةً
وَاحِدَةً لِلْوَجْهِ وَالْكَفّيْنِ".
327 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ أخبرنا أبَانُ قال: سُئِلَ قَتَادَةُ عن التّيَمّمِ في السّفَرِ فقال:
حَدّثني مُحَدّثٌ عن الشّعْبِيّ عن عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ أبْزَى عن عَمّارِ بنِ
يَاسِرٍ "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: إلَى المِرْفَقَيْنِ".
*2*123 ـ باب التيمم في الحضر
@328 ـ حدثنا عَبْدُالمَلِكِ
بنُ شُعَيْبِ بنِ اللّيْثِ قال حَدّثني أبي عن جَدّي عن جَعْفَرِ بنِ رَبِيعَةَ عن
عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ عن عُمَيْرٍ مَوْلَى ابنِ عَبّاسٍ أنّهُ سَمِعَهُ
يقولُ: "أقْبَلْتُ أنَا وعَبْدُالله بنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ
النّبيّ صلى الله عليه وسلم حَتّى دَخَلْنَا عَلَى أبي الْجُهَيْمِ بنِ الْحَارِثِ
بنِ الصّمّةَ الأنْصَارِيّ، فقال أبُو الجُهَيْمِ: أقْبَلَ رسولُ الله صلى الله
عليه وسلم منْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ
يَرُدّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَيه السّلاَمَ حَتّى أتَى عَلَى جِدَارٍ
فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمّ رَدّ عَلَيْهِ السّلاَمَ".
329 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ
إبْرَاهِيمَ المَوْصِلِيّ أبُو عَلِيّ أخبرنا مُحمّدُ بنُ ثَابِتٍ الْعَبْدِيّ
أخبرنا نَافِعٌ قال: "انْطَلَقْتُ مَعَ ابنِ عُمَرَ في حَاجَةٍ إلَى ابنِ
عَبّاسٍ، فَقَضَى ابنُ عُمَرَ حَاجَتَهُ، وكَانَ منْ حَدِيثِهِ يَوْمَئِذٍ أنْ
قال: مَرّ رَجُلٌ عَلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سِكّةٍ مِنَ السّكَكِ
وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ أوْ بَوْلٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ
حَتّى إذَا كَادَ الرّجُلُ أنْ يَتَوَارَى في السّكّةِ، فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى
الحَائِطِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ
ذِرَاعَيْهِ، ثُمّ رَدّ عَلَى الرّجُلِ السّلاَمَ وقال: إنّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي
أنْ أرُدّ عَلَيْكَ السّلاَمَ إلاّ أنّي لَمْ أكُنْ عَلَى طُهْرٍ".
قال أبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ
أحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يقولُ: رَوَى مُحمّدُ بنُ ثَابِتٍ حَدِيثاً مِنْكَراً في
التّيَمّمِ. قال ابنُ دَاسَةَ قال أبُو دَاوُدَ: لَمْ يُتَابَعْ مُحمّدُ بنُ ثَابِتٍ
في هذه الْقِصّةِ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَوْهُ
فِعْلَ ابنِ عُمَرَ.
330 ـ حدثنا جَعْفَرُ بنُ
مُسَافِرٍ أخبرنا عَبْدُالله بنُ يَحْيَى الْبُرُلّسِيّ أخبرنا حَيْوَةُ بنُ
شُرَيْحٍ عن ابنِ الْهَادِ قال إنّ نَافِعاً حَدّثَهُ عن ابنِ عُمَرَ قال:
"أقْبَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الْغَائِطِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ
عِنْدَ بِئْرِ جَمَلٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم حَتّى أقْبَلَ عَلَى الْحَائِطِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْحَائِطِ ثُمّ
مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمّ رَدّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلى
الرّجُلِ السّلاَمَ".
*2*124 ـ باب الجنب يتيمم
@331 ـ حدثنا عَمْرُو بنُ
عَوْنٍ أخبرنا خَالِدٌ ح. وحدثنا مُسَدّدٌ قال أخبرنا خَالِدٌ ـ يَعْني ابنَ
عَبْدِالله الْوَاسِطِيّ ـ عن خَالِدٍ الْحَذّاءِ عن أبي قِلاَبَةَ عن عَمْرِو بنِ
بُجْدَانَ عن أبي ذَرَ قال: "اجْتَمَعَتْ غُنَيْمَةٌ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى
الله عليه وسلم، فقال: "يَا أبَا ذَرَ أُبْدُ فِيهَا. فَبَدَوْتُ إلَى
الرّبَذَةِ فَكَانَتْ تُصِيبُنِي الْجَنَابَةُ فَأمْكُثُ الخَمْسَ وَالسّتّ،
فأتَيْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أبُو ذَرَ؟ فَسَكَتّ، فقال: ثَكِلَتْكَ
أُمّكَ أبَا ذَرَ لاِمّكَ الْوَيْلُ، فَدَعَا لِي بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ،
فَجَاءَتْ بِعُسّ فِيهِ مَاءٌ فَسَتَرَتْنِي بِثَوْبٍ وَاسْتَتَرْتُ بالرّاحِلَةِ
وَاغْتَسَلْتُ، فَكأنّي ألْقَيْتُ عَنّي جَبَلاً. فقال: الصّعِيدُ الطّيّبُ
وُضُوءُ المُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، فإذَا وَجَدْتَ المَاءَ فأمِسّهُ
جِلْدَكَ فإنّ ذَلِكَ خَيْرً" وقال مُسَدّدٌ: غُنَيْمَةٌ مِنَ الصّدَقَةِ،
وحديثُ عَمْرٍو أتَمّ.
332 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
إسْمَاعِيلَ أخبرنا حَمّادٌ عن أيّوبَ عن أبي قِلاَبَةَ عن رَجُلٍ مِنْ بَنِي
عَامِرٍ قال: دَخَلْتُ في الإسْلاَمِ فأهَمّنِي دِينِي، فأتَيْتُ أبَا ذَرَ، فقالَ
أبُو ذَرّ: إنّي اجْتَوَيْتُ المَدِينَةَ، فأمَرَ لي رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم بِذَودٍ وَبِغَنَمٍ فقال لِي اشْرَبْ مِنْ ألْبَانِهَا ـ قال حَمّادٌ:
وَأشُكّ في أبْوَالِها ـ فقال أبُو ذَرّ: فَكُنْتُ أعْزُبُ عن المَاءِ وَمَعِي
أهْلِي فَتُصِيبُنِي الْجَنَابَةُ فأُصَلّي بِغَيْرِ طُهُورٍ، فأتَيْتُ رسولُ الله
صلى الله عليه وسلم بِنِصْفِ النّهَارِ وَهُوَ في رَهْطٍ مِنْ أصْحَابِهِ وَهُوَ
في ظِلّ المَسْجِدِ، فقال صلى الله عليه وسلم: أبُو ذَرّ؟ فقلت: نَعَمْ هَلَكْتُ
يارسولَ الله. قال: وَمَا أهْلَكَكَ؟ قُلْتُ: إنّي كُنْتُ أعْزُبُ عن الْمَاءِ
وَمَعِي أهْلِي فَتُصِيبُنِي الْجَنابَةُ فأُصُلّي بِغَيْرِ طُهُورٍ، فأمَرَ لي
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ، فَجَاءَت بِهِ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ بِعُسّ
يَتَخَضْخَضُ مَا هُوَ بِملاَْنٍ فَتَسَتّرْتُ إلَى بَعِيرٍ فَاغْتَسَلْتُ ثُمّ
جِئْتُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: يَا أبَا ذَرَ إنّ الصّعِيدَ
الطّيّبَ طَهُورٌ وَإنْ لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، فإذَا وَجَدْتَ
الْمَاءَ فأمِسّهُ جِلْدَكَ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ
حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن أيّوبَ لَمْ يَذْكُرْ أبْوَالَها هَذَا لَيس بِصَحِيحٍ
وَليس في أبْوَالِهَا إلاّ حديثُ أنَسٍ تَفَرّدَ بِهِ أهْلُ البَصْرَةِ.
قال الشيخ ابن القيم رحمه الله:
وصححه الدارقطني. وفي مسند
البزار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصعيد الطيب
وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته،
فإن ذلك خير" وذكره ابن القطان في باب أحاديث ذكر أن أسانيدها صحاح.
*2*125 ـ باب إذا خاف الجنب
البرد أيتيمم
@333 ـ حدثنا ابنُ المُثَنّى
أخبرنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ أخبرنا أبي قال سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ أيّوبَ يُحَدّثُ
عن يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عن عِمْرَانَ بنِ أبي أنَسٍ عن عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ
جُبَيْرٍ عن عَمْرِو بنِ الْعَاصِ قال: "احْتَلَمْتُ في لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ
في غَزْوَةِ ذَاتِ السّلاسِلِ، فأشْفَقْتُ أنْ أغْتَسِلَ فأهْلِكَ فَتَيَمّمْتُ
ثُمّ صَلّيْتُ بِأصْحَابِي الصّبْحَ، فَذَكَروا ذَلِكَ لرسولِ الله صلى الله عليه
وسلم فقال: يا عَمْرُو صَلّيْتَ بأصْحَابِكَ وَأنْتَ جُنُبٌ؟ فأخْبَرْتُهُ بالّذِي
مَنَعَنِي مِنَ الاغْتِسَالِ وَقُلْتُ: إنّي سَمِعْتُ الله يقولُ {وَلاَ
تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إنّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} فَضَحِكَ رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم وَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً".
قال أبُو دَاوُدَ:
عَبْدُالرّحْمَنِ بنُ جُبَيْرٍ مِصْرِيّ مَوْلَى خَارِجَةَ بنِ حُذَافَةَ وليس
هُوَ ابنُ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ.
334 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ
سَلَمَةَ أخبرنا ابنُ وَهْبٍ عن ابنِ لَهِيعَةَ وَ عَمْرِو بنِ الْحَارِثِ عن
يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عن عِمْرَانَ بنِ أبي أنَسٍ عن عَبْدِالرّحْمَنِ بنِ
جُبَيْرٍ عن أبي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بنِ الْعَاصِ "أنّ عَمْرو بنَ
الْعَاصِ كَانَ عَلَى سَرِيّةٍ، وَذَكَرَ الحديثَ نَحْوَهُ، قال: فَغَسَلَ
مَغَابِنَهُ وَتَوَضّأَ وُضُوءَهُ لِلصّلاَةِ ثُمّ صَلّى بِهِمْ فَذَكَرَ نَحْوَهُ
وَلَمْ يَذْكُر التّيَمّمَ".
قال أبُو دَاوُدَ: وَرَوَى هذه
القِصّةَ عن الأوزَاعِيّ عن حَسّانَ بنِ عَطِيّةَ قال فيه: فَتَيَمّمَ.
*2*126 ـ باب المجدور يتيمم
@335 ـ حدثنا مُوسَى بنُ
عَبْدِالرّحْمَنِ الأنْطَاكِيّ حدثنا مُحمّدُ بنُ سَلَمَةَ عن الزّبَيْرِ بنِ
خُرَيْقٍ عن عَطَاءٍ عن جَابِرٍ قال: "خَرَجْنَا في سَفَرٍ فأصَابَ رَجُلاً
مِنّا حَجَرٌ فَشَجّهُ في رَأْسِهِ ثُمّ احْتَلَمَ فَسَألَ أصْحَابَهُ، فقال: هَلْ
تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً في التّيَمّمِ؟ قالوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأنْتَ
تَقْدِرُ علَى المَاءِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمّا قَدِمْنَا عَلَى النّبيّ صلى
الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ فقال: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ الله ألاّ سَألُوا
إذْ لَمْ يَعْلَمُوا فإنّمَا شِفَاءُ الْعِيّ السّؤَالُ، إنّمَا كَانَ يَكْفِيهِ
أنْ يَتَيَمّمَ وَيَعْصِرَ أوْ يَعْصِبَ ـ شَكّ مُوسَى ـ عَلَى جُرْحِهِ خُرْقَةً
ثُمّ يَمْسَحُ عَلَيْهَا وَيَغْسِلُ سَائِرَ جَسَدِهِ".
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم
رحمه الله:
قال أبو على بن السكن: لم يسند
الزبير بن خريق غير حديثين، أحدهما هذا، والاَخر عن أبي أمامة الباهلي، وقال لي
أبو بكر بن أبي داود: حديث الزبير بن خريق أصح من حديث الأوزاعي، وهذا أمثل ما روى
في المسح على الجبيرة. وحديث الأوزاعي الذى أشار إليه أبو بكر بن أبي داود: حديث
ابن أبي العشرين عنه عن عطاء بن أبي رباح قال: سمعت ابن عباس يخبر "أن رجلا
أصابه جرح في رأسه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: قتلوه، قتلهم الله،
أو لم يكن شفاء العي السؤال؟" قال عطاء: وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: "لو غسل جسده وترك رأسه حيث أصابه الجرح؟" رواه ابن ماجه عن
هشام بن عمار عنه. قال البيهقي: وأصح ما في هذا حديث عطاء بن أبي رباح يعني حديث
الأوزاعي هذا. وأما حديث علي: "انكسرت إحدى زنديه فأمره النبي صلى الله عليه
وسلم أن يمسح على الجبائر" فهو من رواية عمرو بن خالد. وهو متروك. رماه أحمد
بن حنبل ويحيى بن معين بالكذب، وذكر ابن عدى عن وكيع قال: كان عمرو بن خالد في
جوارنا يضع الحديث فلما فطن له تحول إلى واسط وقد سرقه عمر بن موسى بن وجيه فرواه
عن زينب بنت على مثله، وعمر هذا متروك منسوب إلى الوضع. وروى بإسناد آخر لا يثبت.
قال البيهقي: وصح عن ابن عمر
المسح على العصابة موقوفاً عليه، وهو قول جماعة من التابعين.
336 ـ حدثنا نَصْرُ بنُ عَاصِمٍ
الأنْطَاكِيّ حدثنا مُحمّدُ بنُ شُعَيْبٍ أخبرني الأوْزَاعِيّ أنّهُ بَلَغَهُ عن
عَطَاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ أنّهُ سَمِعَ عَبْدَالله بنَ عبّاسٍ قال: "أصَابَ
رَجُلاً جُرْحٌ في عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثُمّ احْتَلَمَ، فأُمِرَ
بالاغْتِسَالِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رسولَ الله صلى الله عليه
وسلم، فقال: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ الله، ألَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِيّ
السّؤَالُ".
No comments:
Post a Comment